خورشيد حرفوش

ترتبط فضائل الصيام الصحية، ومتاعب البعض خلال أيام الشهر الكريم بالثقافة الغذائية لكل صائم، وما يتبعه من عادات غذائية سليمة وصحية أو خاطئة ومرضية. فقد أجمع الأطباء باختلاف تخصصاتهم الطبية على أن الصوم أحد أهم الأنظمة الغذائية المفيدة لجسم الإنسان، بل وتحث عليه معظم الأنظمة الغذائية الحديثة، لأنه أفضل الطرق لراحة الجهاز الهضمي، وتخفيف الوزن، إضافة إلى كونه فرصة ذهبية للتخلص من سموم الجسم، وإعادة التوازن الغذائي في الجسم. فبدلا من الاستفادة من هذا النظام الغذائي الفريد المميز، نجد كثيرين يعرضون أنفسهم لمخاطر صحية عديدة باتباع عادات غذائية سيئة، كالمبالغة والإفراط في الأكل، وتناول كميات كبيرة من الحلويات والسكريات والمقالي والدهون، وبدلا من أن يكون صيام رمضان فرصة لإراحة الجهاز الهضمي وتطهير الجسم، يصبح الصيام متعباً لمن لا يعرف نعمة الصيام.

ما من شك أن هناك تغيراً كاملاً في النظام الغذائي للإنسان بحلول شهر رمضان المبارك، وعلى الرغم من صعوبة الصيام ـ أحياناً ـ في أيامه الأولى، إلا أن جسم الإنسان له القدرة على التعود والتكيف. لكن للأسف فإن البعض ينظر إلى الصيام على أنه انقطاع عن الطعام والشراب. فما أن يحل وقت الإفطار حتى يتناول البعض كل ما تشتهيه أنفسهم من دون قيود أو ضوابط، وهناك كثيرون ممن تحيط بظروفهم الصحية الكثير من المحاذير، والممنوعات، لكن عامة تكثر حالات تلبك الجهاز الهضمي وإصابته بعسر الهضم والغثيان، وانقباضات في المعدة والأمعاء، والشكوى من الخمول في النهار بسبب الصيام، وفي الليل بسبب التخمة، والإحساس الدائم بالتعب والإرهاق، إضافة إلى التعرض المتكرر إلى نوبات من الإمساك أوالإسهال، وحدوث مشاكل صحية عديدة تؤدي بالصائم إلى الدخول في متاهات طبية عديدة.

فما أهم الضوابط والمحاذير العامة التي يستحسن الأخذ بها طيلة أيام الشهر الكريم؟ وبماذا ننصح الصائمين؟ وما العادات الغذائية الجيدة التي يجب الاستفادة منها ولا سيما أن أيام الشهر الفضيل تصادف هذا العام أيام الصيف؟ وما هي النواهي التي يفضل التقيد بها خلال أيام الصوم، ولا سيما لأصحاب الأمراض أو الشكاوى الصحية المزمنة؟

المائدة الصحية

الدكتور سيد علي، اختصاصي علوم التغذية يشير إلى أن ارتفاع درجة الحرارة هذه الأيام يؤدي إلى العطش، ويلعب نوع الغذاء الذي يتناوله الصائم دورا كبيرا في تحمل العطش أثناء ساعات الصيام، وعادة نجد الصائمين يبدؤون بتناول الطعام وخصوصاً السكريات والحلويات في رمضان لقناعتهم بأنها تعوض الجسم عما فقده الصائم نهاراً، لكن الإفراط في تناول الطعام يضيع الفوائد الصحية للصوم، ويحمل الجسم أوزاناً إضافية، ويتناسون المخاطر التي يمكن أن تحدث. ومن الطبيعي أن يزداد عطش الصائم في هذه الأيام الحارة بشكل مضاعف، ونجد أول ما يحتاجه الصائم هو شرب الماء، وقد يبالغ في تناول الماء المثلج، لذا يجب الانتباه إلى شرب الماء بكميات صغيرة “1-2 كوب ماء” على دفعات، ويجب تجنب المياه المثلجة لدرجة منخفضة، لأنها تتعب وتربك الجهاز الهضمي، ويزداد تعب وإرباك الجهاز الهضمي عند تناول طعام شديد الحرارة بعد شرب الماء البارد مباشرة، ومن ثم تقل الشهية إلى تناول الطعام. وينصح دائماً ببدء الإفطار باتباع سنة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتناول الرّطب أو التمر، فهو سهل الهضم بوجود السكريات البسيطة السهلة الامتصاص، التي تعين الصائم على سرعة استعادة النشاط والحيوية وتشحن طاقته، إضافة إلى احتوائها على الفيتامينات والمعادن.

تحذير

ويضيف الدكتور علي: “يستحسن أن تحتوي المائدة على الفاكهة والخضراوات والسلطات الطازجة، وأطباق الحساء أو”شوربة” الخضراوات أو العدس أو الشوفان، أو الدجاج واللحوم خالية الدهون، واللبن والزبادي قليل الدسم، وتجنب تناول الأغذية المقلية التي تسبب زيادة نسبة الكوليسترول الضار في الجسم، أوالحلويات الغنية بالدهون والسكر. فبعد تناول سلطة الخضراوات، مع القليل من الخل وزيت الزيتون، ويفضل أن يحمص الخبز بالفرن بدلا من قليه في الزيت. ويفضل تجنب المسبكات والمقبلات المقلية، وتقليل الحلويات والسكريات بعد الإفطار قدر المستطاع، والحد من تناول الشاي والقهوة والمياه الغازية بعد الإفطار قدر الإمكان.

وننصح دائماً بأن تشمل وجبة الإفطار على مكونات الغذاء الأساسية من بروتينات وكربوهيدرات، وذلك بتنويع الطعام ليشمل اللحوم والخبز الأسمر والأرز والخضراوات الطازجة والفاكهة، وعدم الإكثار من تناول الحلويات، والأكلات التي تحتوي على نسبة كبيرة من البهارات والتوابل، خاصة في وجبة السحور، لأنها تحتاج إلى شرب كميات كبيرة من الماء بعد تناولها، وأن نحاول شرب كميات قليلة من الماء في فترات متقطعة من الليل، وتجنب وضع الملح الكثير على السلطة والأفضل وضع الليمون عليها، والذي يجعل الطعم مثيلا للملح في تعديل الطعم، وأن نبتعد عن تناول الأكلات والأغذية المالحة مثل السمك المالح والمخللات، كما أن الإكثار من السوائل في رمضان مثل العصائر المختلة والمياه الغازية يؤثر بشدة على المعدة وتقلل كفاءة الهضم وتسبب بعض الاضطرابات الهضمية.

سنة الإفطار

تقول اختصاصية الأمراض الباطنية الدكتورة خالدة الدليمي:”يعمد بعض الأفراد إلى شرب الماء المثلج، خاصة مع بداية الإفطار، وهذا لا يروي العطش بل يؤدي إلى انقباض لشعيرات الدموية وبالتالي ضعف الهضم، فيجب أن تكون درجة الماء معتدلة أو متوسطة البرودة، وأن يشربها متأنياً، وليس دفعة واحدة، والاهتمام بمضغ الطعام جيداً للحصول على هضم جيد، وينصح دائماً باتباع السنة النبوية المطهرة بتعجل الفطر على بعض من التمر والماء حتى يزول الشعور بالعطش والجوع، ثم يعجل بصلاة المغرب، ويعود الصائم بعدها إلى إكمال إفطاره، ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة قد يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث تلبك معوي وعسر هضم. وإذا كان الصائمون ممن يصابون بالإمساك بالمزمن، فعليهم أن يكثروا من تناول الأغذية الغنية بالألياف الموجودة في السلطات والبقول والفواكه والخضراوات، وأن يحاول أن يكثر من الفواكه بدلا من الحلويات الرمضانية الغنية بالسكر والدهون، وتناول السوائل ليلاً باعتدال. كذلك يجب تجنب النوم بعد الإفطار بعد تناول وجبات طعام دسمة، لأن ذلك قد يزيد من الإحساس بالخمول والكسل، ولا بأس من الاسترخاء قليلا بعد تناول الطعام، وضرورة الاعتدال في تناول الطعام، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح، فهي تساعد على هضم الطعام، وتعيد للصائم نشاطه وحيويته”.

السحور ضروري.. ولكن!

الدكتورة خالدة الدليمي، تنصح الصائمين فيما يتعلق بوجبة السحور، وتقول:”يُفضل أن تحتوي وجبة السحور على الأصناف الغذائية الخفيفة، بطيئة الهضم والامتصاص كالبقوليات والبروتينات النباتية والألياف والنخالة وبعض الأطعمة التي تعتمد على منتجات الألبان، والاهتمام بسلطتي الخضراوات والفواكه الطازجة وبكميات مناسبة، لأنها تحتوي على نسبة عالية من الماء والألياف والفيتامينات، ليحتفظ الجسم بالماء لفترة طويلة، مما يقلل من الإحساس بالعطش أو الجفاف، وتساعد على البقاء فترة أطول من دون الإحساس بالجوع، إلى جانب أنها مصدر جيد للفيتامينات والأملاح المعدنية. كما يفضل مراعاة أن تحتوي وجبة السحور على الأغذية التي تكون متوسطة السرعة في الهضم مثل الفول والعدس بزيت الزيتون أو الجبن والبيض، ويفضل تناول الخبز الأسمر بدلا من الأبيض، حيث تزيد من فترة عدم الشعور بالجوع، وينصح بتناول وجبة السحور قبل ساعة من النوم، والاكتفاء ببعض الفواكه أو العصير الطازج أو التمر مع شرب الماء واللبن قبل وقت الإمساك عن الطعام. فمن المفيد شرب 6-8 أكواب من الماء خلال فترة ما بين الإفطار وحتى وقت السحور، وذلك يساعد على تخلص الدم من حمض البول، وتجنب الجفاف والإمساك. ويفضل تجنب شرب المنبهات كالشاي والقهوة والكولا في الأوقات المتأخرة من الليل، وذلك لكونها مدرّة للبول، وتتسبب في فقد الجسم لكثير من السوائل مما يشعر الصائم بالعطش سريعاً، خاصة في أيام الصيف. كما يجب تجنب الأغذية المملحة، فهي تزيد من الإحساس بالعطش بعد الهضم، كما أن تناول السكريات على السحور يشعر الإنسان بالتخمة والشبع في حينها، وسرعان ما يشعر بالجوع بعد فترة قصيرة لأنها سريعة الامتصاص”.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 18 يوليو 2012 بواسطة alsanmeen

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,306,264