أكثر ما يستفزك أن تستمع لحديث متحدث عربي عن موضوع ما فيمطرك بوابل من الألفاظ الإنجليزية فيحشرها حشراً، في محاولة منه لإفهامك بأنه قد تخرج في جامعة غربية، وأنه يتقن الإنجليزية، كما العربية، فيسوق المصطلحات بالإنجليزية ثم يردف مترجماً إياها بالعربية، وكأن لغته وثقافته الأصلية هي الإنجليزية أو غيرها!
تكت إيزي، نو بربلم، أنكريدبل، شور، تودي، تومورو، باي، سي يو ليتر، نو، يس، يا،... إلى آخره من الألفاظ التي تتردد على مسامعنا من المحيطين بنا، أبناء في البيت وأصدقاء، فنشعر بشعور مختلط مبهم، فيه سعادة بأن أبناءنا قد تسلحوا بلغة أجنبية لمواجهة ومواكبة هذا التقدم والتطور العلمي التكنولوجي المعلوماتي والذي هو بإبداع بعيد عنا نحن العرب كل البعد، بعد أن تخصصنا بالفضائيات التي صارت أكثر من يحاط بها لكثرتها، وليس في أكثرها إلا ما يسطّح التفكير، ويسفّه العقل ويرخّص المرأة ويعيدها إلى جاهلية في القرن الحادي والعشرين.
وفيه شعور بحزن وهمّ وغمّ على ما وصلت إليه حال لغة الضاد بين أهلها، من غربة ووحشة، تجعل القلب ينفطر والعين تدمع دماً فرقاً على ما آلت إليه لغة طالما كانت موضع فخر واعتزاز.
مما لا شك فيه أن العربية اليوم أصبحت لغة ثانية بالنسبة لأبنائها، وتلك حقيقة مرّة واقعة يجب الاعتراف بها، ولكن يتوجب علينا جميعاً كأبناء غيورين على لغتنا باعتبارها هويتنا التي نعتز بها ونحرص عليها ونعض عليها بالنواجذ، أن لا نسلم بالأمر وكأنه أمر واقع، وإن كنا لا ندعو إلا العكوف عن تعلم اللغات الأخرى، إلا أننا في الوقت ذاته لا نسمح لأنفسنا بالتهاون في التفريط بلغتنا لأنها تستحق منا أكثر مما نوليه إياها من اهتمام.
لا يبخل الكثيرون بتقديم كل ما يستطيعون لأبنائهم فيدفعون الكثير من مالهم في إخضاعهم لدورات تقوية في اللغة الإنجليزية وغيرها والكومبيوتر، والفيزياء والرياضيات وغيرها، وكل العلوم، ولا يسألون عن الثمن مهما كان، ويغفلون أو يغضون الطرف عن تقوية أبنائهم في اللغة العربية كمادة دراسية مطلوبة في النجاح، أو يجعلونها آخر اهتماماتهم، وهم يعلمون تدني مستوى أبنائهم في لغتهم الأم إلى درجة مخزية.
نبيلة الخطيب:
نَفْحٌ من الرَّنْد تُصْبي القلبَ غَدْوتُهُ
شَذا البديعُ على أعْطافِهِ فَوحا
قِوامُهُ الضادُ والأضدادُ تَغْبطُهُ
هَيهاتَ تَرْقاهُ، جَزْلاً مُعجبَاً فَصْحا
يَختالُ فيها كطاووس فترمقهُ
حَسِيرةَ الطرف وأرى كيدُها القرْحا
ثَرُّ البلاغةِ يُثري حيث تنثرُه
تلكَ السَّنابل ُ يُربْي ذَرُّها القَمْحا
تَشتد في إثرِهِ الأقلامُ راعِفةً
وهجاً فيوري بألبابِ الورَىْ قَدْحا
كأنهُ البحرُ يَخشْى المرءُ غَضْبَتَهُ
وإنْ أنابَ يَجُبْ أنواءَهُ سَبْحا
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش