المصباح....كتاب الأدب

للمحتوى الثقافي والأدبي العربي

 

 

الدكتور مسعد زياد

 الأدب لفلسطيني بعد عام /1948

  النكبة الفلسطينية عام 1948 ونقطة التحول

ربما كانت النكبة الفلسطينية عام 1948، بما أحدثته من هزّات نفسية وجسدية مدمّرة، أول حدث يمكن وصفه بكلّ دقة بأنه نقطة تحوّل في الأدب العربي الحديث على صعيد العالم العربي بأسره؛ فقد مثّل ذلك الحديث خطّاً فاصلاً بين زمن ساد فيه هدوءٌ نسبيّ، وثقة وأملٌ زائفان، وزمن شهد إدراكاً مفجعاً للذات وعمّ فيه اليأس والقلق والشك العميق والاضطرابات العام.

غير أن النكبة فتحت العيون أيضاً، فقد ظهرت، مع الإدراك الفجائي لإفلاس النظام العربي القديم، قوة جديدة ولدت من ثنايا العذاب، وظهر ذلك النوع من إرادة الحياة ومن الرغبة في تجاوز الفجيعة مما لا يعرفه إلاّ أناس مرّوا بتجربة الفقد والمأساة، فقد دبّت الحياة فجأة في الفلسطينيين والعرب كافة خلال الخمسينات وشكّلوا تحدّياً قويّاً للذات وللعديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية الموروثة بشكل لم يكن من الممكن تصوّره في الأربعينات. وشهدت المنطقة على الجبهة السياسية ثورات وانقلابات متكرّرة غيّرت خارطة المنطقة السياسية. حدثت عدّة انقلابات في سورية، بينما أنهت الثورة المصرية الكبرى عام 1952 حكم الملك فاروق والنظام الاقتصادي البالي والقاسي الذي كان سائداً في ذلك الوقت. وفي العراق وضعت ثورة عام 1958 حداً لحكم العائلة الملكية الهاشمية وأدخلت النظام الجماهيري. وفي الجزائر كانت الثورة التي دامت عشر سنوات ضد استعمار فرنسي راسخ الجذور وتُوّجت بالنصر عام 1962 مصدراً للثقة والفخر في عالم عربي كان بأمس الحاجة لاستعادة الثقة بالنفس. وفي أواخر الستينات نجح اليمن (الجنوبي عام 1967 والشمالي عام 1969) في إنهاء حكم الأئمة المظلم، الذي زج بالبلاد في حمأة الفقر المدقع والرجعية. كان التطلّع ة. كان التطلّع إلى التحرّر والحرية بادياً في كل مكان وعلى الجبهتين الداخلية والخارجية على حد سواء.

أما في المجال الاجتماعي فقد شهدت المنطقة شجاعة جديدة وضعت النظام الموروث موضع تساؤل، وتحدّت الاتجاهات القمعية فيما يخص الحبّ والجنس، وتحدّت كل شيء وضع المرأة ودورها في المجتمع. ولم يعد ذلك الشوق الملحّ إلى الحب والسعادة الفردية، وهو ما عبر عنه الشعر الرومانسي في العشرينات والثلاثينات والأربعينات تعبيراً مؤثراً في العالم العربي كله، لم يعد هذا الشوق موضوعاً مركزياً في الشعر. فقد خفّت القيود المفروضة على السلوك الجنسي - على الأقل بين المفكّرين والكتّاب المبدعين (وكذلك بين الرسّامين والنّحاتين الذين أخذت أعدادهم تتزايد باستمرار)، كما أخذ الناس ينشغلون بقضايا السياسة والمصير القومي، وهي أمور أثّرت على الأدب تأثيراً مباشراً.

وقد شكّلت مأساة عام 1948 تحدّياً للتراث الأدبي، وأتاحت الفرصة للمفكّرين والمثقّفين أن يُخضعوا هذا التراث للتمحيص النقدي، وكان من شأن هذا الفحص النقدي أن يكون ظاهرة صحية لو أنه لم يدفع ببعض الكتّاب إلى أن يتّخذوا موقف الرفض المطلق فينكروا، ولو على حساب نزاهة البحث العلمي ودقّته، أي قيمةٍ لهذا الأدب الكلاسيكي الغنيّ المتنوّع.

 

مأساة عام 1948 والشعر

وقد تأثّر فنّ الشعر تأثّراً واضحاً بهذا الموقف الجديد، فغدا التحدّي للأشكال الشعرية الموروثة، التي كادت تبلغ حدّ القداسة في الماضي، قضيّة كبرى فتح فيها المجال على مصراعيه لا للبحث النظري وحسب، بل للآراء العاطفية كذلك، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي. بدأت كتابة الشعر الحرّ، بوصفه تجربة جمالية خالصة، قبل مأساة فلسطين، بنشر نماذج عديدة من الشعر الحرّ، ولعلهما كانا قد اشتركا في التجريب الذي فاق محاولات أخرى سابقة وغير معروفة في هذا المجال.(45) غير أن تجربة السيّاب والملائكة حازت الإعجاب في الخمسينات، لا لأنها تجربة ناجحة فنياً وحسب، بل لأن المناخ النفسي، بعد سنة 1948، غدا متقبّلاً لفكرة تفكيك الشكل التقليدي - الذي كان محاطاً تاريخياً بهالة قداسة وقام على القافية الواحدة والأبيات ذات الشطرين - مما أخل بالنسق المتناظر والمتوازن الذي ساد القصيدة العربية منذ الجاهلية. لقد كانت هذه ثورةٌ لم يسبق لها مثيل في تاريخ الشعر العربي، إذ تلاشى تبجيل القديم بين الشعراء الشباب الذين بلغوا سن النضج في عقد الخمسينات، وشهدت العقود التالية تجارب جريئة وناجحة جداً في الشكل، تراوحت ما بين الشعر الحر وقصيدة النثر.(46) أما على المستوى الدلالي، فقد فرضت مأساة سنة 1948 أبعاداً جديدة على القصيدة من حيث الموضوعات والمواقف، كما أكّدت الدعوة الكبرى للالتزام الاجتماعي والسياسي بخاصة، وهي الدعوة التي تردّد صداها في جميع أرجاء الوطن العربي في أواسط الخمسينات، أن الشعر أيضاً يجب أن يكون ملتزماً اجتماعياً وسياسياً.(47)

غير أن ما يجب التأكيد عليه هنا هو تزامن الهزّة السياسية التي حدثت في أواخر الأربعينات مع فترة أدبية جياشة بالتجريب والمغامرة، إذ كانت الرغبة في التجريب تتنامى باطراد منذ بداية القرن فكان المبدعون توّاقون لامتلاك أدوات أدبيّة جديدة، وصاحب ذلك اكتسابهم الواعي للنظرية الأدبية وتنامى معرفتهم المباشرة بالتطوّرات الحديثة في الأدب العالمي.

وقد أدّى تدفّق الإبداع الشعري في الخمسينات، إلى جانب التجديدات المهمّة في الشعر، والاهتمام الجاد بالجماليات، والتطوّر المستمر في مجالي الفن القصصي والمسرحي وكذلك الجدل المحتدم في مجال النظرية- ذلك كله أدّى إلى ظهور مستوى عالٍ من الإبداع الجمالي في النصف الثاني من القرن العشرين.
وقد عجّلت مأساة عام 1948 بهذه العملية في مجال الشعر بشكل خاص وذلك للأسباب التي سبق ذكرها، بينما تطوّر فنّا القصة والمسرحية الحديثان بالسرعة التي كان يمكن أن يتطوّرا بها على كل حال. حيث أن هذين الفنين كانا ما يزالان قائمين على النماذج الغربية بصورة أساسية فإنهما لم يعتمدا على تقاليد صارمة يجلّها الناس بحيث يصبحان هدفاً لهذا الميل الجديد للرفض والتحدي للقديم.

الشــّعْــر 1948- 1967

 

الهجرة والتأثيرات الشعرية

يعكس تطوّر الأدب الفلسطيني، على المستوى الجمالي، التطوّر العالم في المراكز الأدبية الكبرى في العالم العربي. وقد عرّضت هجرة الجماهير الغفيرة، من سكان فلسطين عام 1948، الشعراء والكتّاب في الشتات إلى تأثيرات جديدة عجّلت في نهاية الأمر بتطوّر فنّهم أكثر مما عليه حال معظم مواطنيهم الذين ظلّوا في أرض فلسطين أو ما أصبح يعرف بإسرائيل. غير أن الكتّاب الفلسطينيين، سواء منهم من كان منهم خارج إسرائيل أو داخلها، مرّوا بفترة من الذهول بعد كارثة عام 1948، واحتاجوا إلى بعض الوقت ليجدوا أنفسهم ثانية ويتابعوا مسيرة الإبداع المضنية. لكن بدا أن الكتّاب الفلسطينيين، خاصة أولئك الذين كانوا يعيشون في الشتات، قد تجاوزوا الهزّة الأولية مع حلول منتصف الخمسينات،وعاودوا نشاطهم بحيوية وعزم، فأصاب الشهرة عدد من الشعراء وكتّاب القصة، بل تبوأ بعضهم طليعة الإبداع الشعري والتجديد في الفن القصصي.

 

  الشعر: بين سنتي 1948 و 1967

سأتناول هنا الشعر الفلسطيني الحديث على مرحلتين: ما كُتب منه بين سنتي 1948 و 1967، وما كُتب بع سنة 1967، وذلك بسبب التطوّر المعقّد للشعر الفلسطيني بعد سنة 1948 من ناحية، والتأثير الحاسم للأحداث السياسية على الشعر العربي بأسره وخاصة بعد سنة 1967 من ناحية أخرى، لكن هذا التقسيم لا ينطبق على تطوّر القصّة الفلسطينية التي لم تُبد - رغم تأثّرها بالأحداث السياسية - تغيّرات أساسية مشابهة في اتجاهاتها نتيجة لتلك الأحداث، وكان العامل الحاسم هنا النضج الفنّي للإبداع القصصي، إذ كان غسان كنفاني قد كتب أفضل عملين من أعماله، وهما رجال في الشمس و ما تبقى لكم قبل عام 1967 (عام 1963 وعام 1966 على التوالي)، بينما لا نلمح أيّ أثر لحرب 1967 في رواية جبرا السفينة(1970)، بل نجدها تركّز على أحداث سنة 1948 الحقيقية.

فدوى طوقان

أما فدوى طوقان فقد تطوّرت بشكل مختلف، وظلّت شهرتها تنموا نموّاً مطّرداً شأنها شأن أبي سلمى، خاصة بعد حرب حزيران 1967، ولكنها عكفت على تطوير أسلوبها الخاص في التعبير بين عام 1948 و 1967، فأغنت الشعر العربي الحديث بالشعر الرشيق البعيد عن التكلف، المعبّر عن اكتشاف الأنثى لذاتها وفوزها في تحقيق هذه الذات.(51) كما خدمت الشعر بتحريرها للعنصر العشقي، وبتمهيدها الطريق للصدق العاطفي، متفوّقة في ذلك على معظم أبناء جيلها من الشعـراء الرجال. وخلافاً لمعظم الكاتبات اللواتي بدأن الكتابة بعد نكبة سنة 1948، أي في جو نفسي سادته روح الرفض للمفاهيم والقيم البالية، أظهرت فدوى طوقان مقدرةً فائقة على التعبير عن بهجتها بتحرّر الروح والجسد مع الحفاظ على اللياقة دون الانزلاق نحو ما شاع في بعض الأدب النسوي من الجرأة التي لا يضبطها ضابط. وقد عبّرت قصيدتها في العُباب التي كتبتها قبيل حرب حزيران سنة 1967، عن هذا التحرّر الداخلي العميق والسيطرة الغريزية على أدواتها الشعرية حيث تمتزج عناصر الحب والرغبة والتحليق الروحي بالحرّية الجسدية.(52)

لكن مكانة فدوى طوقان الشعرية لم تبلغ ما بلغته من رفعة إلاّ بعد حرب سنة 1967، عندما انضمّت إلى المجموعة البارزة من شعراء المقاومة الذين كانوا يكتبون منذ زمن داخل إسرائيل نفسها، ويعبّرون عن احتجاجهم ضد الهيمنة الإسرائيلية. وعندما رأت فدوى طوقان وطنها يقع ضحية للاحتلال مرة ثانية، وشاهدت الهجرة الجماعية الجديدة للفلسطينيين الذين أجبروا على ترك مساكنهم،تحوّلت إلى صوت من أقوى الأصوات المنطلقة دفاعاً عن شعبها وعن حقوقه، وكثيراً ما كانت تظهر أمام الحشود الضخمة في الحملات سعياً للحفاظ على إيمان الناس بجدوى النضال والمقاومة.

 

العلاقة بين الداخل والمنفى

ظلّ الشعراء والكتّاب الفلسطينيون داخل إسرائيل محرومين من لقاء أبناء بلادهم المهجّرين لسنوات عديدة، ولم يحصل أيّ اتّصال بين المجموعتين إلاّ في أواسط الستينات عندما اكتشف كتّاب الشتات بفرحٍ غير متوقّع – فيما يبدو – وجود نشاط شعري قوي خلف الجدران الحديدية التي فرّقت أبناء الشعب الفلسطيني، فعُرفت عند ذلك وللمرة الأولى أسماء توفيق زيّاد ومحمود درويش (الذي كان ما يزال يعيش في إسرائيل) وسميح القاسم، وأخذت أشعارهم تزوّد القرّاء العرب بسلاح لفظي قوي ضد الظروف المأساوية التي يحياها شعبهم. وقد قدّر لهذه الأسماء التي استُقبلت بابتهاج شديد أن تغدو مع مر السنين أسماء يعرفها الناس على انتشار رقعة العالم العربي.
غير أنه كان من الواضح أن عزلة هؤلاء الشعراء عن زملائهم في العالم العربي لم تؤدّ بهم إلى الجهل بتيّارات التغيير والتجديد الشّعريّين، فقد ظلّوا على صلة وثيقة بالحركة الشعرية الثورية التي قامت في الخمسينات وما بعدها في المراكز الأدبية العربية، وهي الثورة التي أرست دعائم الشعر الحرّ وأحدثت ثورة في عناصر القصيدة الأخرى. ولئن ظل بعض شعراء الشتات مثل أبي سلمى وكمال ناصر وحسن البحيري مخلصين للأشكال الشعرية القديمة التي كانت سائدة قبل سنة 1948 فإن الشعراء الجدد الذين نضجوا في الستينات داخل فلسطين قد ظلّوا على صلة وثيقة بالأحداث الشعرية المهمّة التي كانت تجري آنذاك. وقد انتهى الأمر بأحدهم، وهو محمود درويش، إلى أن يترك إسرائيل في أوائل السبعينات ويصبح واحداً من أبرز الشعراء العرب في العصر الحديث وفي تاريخ الشعر العربي جميعه.

جبرا إبراهيم جبرا

إن من المتعذّر، في هذه المقدّمة القصيرة، تتبّع جميع حركات التاريخ الأدبي وانعطافاته، لكن من المهم، رغم ذلك، أن نحاول إبراز التجارب التي أبدى فيها الشعراء والكتّاب ميلاً إلى التجديد وقدراً كبيراً من الإبداع. وكان من بين شعراء الشتات الذين ساهموا في ثورة الخمسينات الشعرية كل من توفيق صايغ وجبرا إبراهيم جبرا وسلمى الخضراء الجيوسي. وأظهر جبرا (إلى جانب نقده الأدبي القيّم) ميلاً مبكّراً نحو القصّة، وغدا فيما بعد واحداً من أبرز الروائيين في العالم العربي. وكان – بصفته شاعراً – من أوائل الذين أدخلوا قصيدة النثر إلى الأدب العربي والذين استخدموا أساطير الخصب التي شاعت في الشعر العربي في أواخر الخمسينات. كما ساهم جبرا في الواقع بتعريف الشعراء العرب بهذه الأساطير من خلال ترجمته البارعة عام 1957 لذلك الجزء من كتاب فريزر الغصن الذهبي، Frazer the Golden Bough الذي يعالج أساطير أدونيس أو تمّوز (كما كان لعدد من شعراء الغرب أثر في هذا المجال، خاصة ت.س. إليوت T.S.Eliot). وقد عكس استخدام هذه الأساطير، التي يبعث فيها الإله فيعود معه الخصب والحياة إلى العالم، أملاً عميقاً بأن تنطلق الروح العربية ثانية بعد نكبة سنة 1948، وإيماناً متجدداً بإمكانية البعث بعد الموت الرمزي.

 

            توفيق صايغ

غير أن توفيق صايغ كان أول شاعر فلسطيني من شعراء الخمسينات يؤسّس للاتجاه الحداثي في الأدب العربي، وهو اتجاه كان ما يزال في مهده. فقد نشر أوّل مجموعة له من الشعر النثري الطليعي بعنوان (ثلاثون قصيدة) سنة 1953، ولكن دون أن تثير الانتباه إلى خصائصها الحداثية، وكان الشعراء وقرّاؤهم يتوقعون في ذلك الوقت نوعاً مختلفاً تماماً من الشعر، إذ كان الشعر يطمح إلى أن يكون حديثاً(54) لا حداثياً، ولم يكن مفهوم الحداثة في الأدب قد بحث بأي تركيز، بل إنه لم يكن قد اكتشف بعد.(55)

لم يبرز مفهوم الحداثة ويصبح قضية في الشعر إلاّ في أوائل السبعينات، حيث غدا مفهوماً لعدد كبير من المناقشات والكتابات. لكن هذا المفهوم بقي حتى الآن مسألة غامضة بالعربية رغم كثرة ما نشر حوله من كتب ومقالات قدّم الكثير منها في المؤتمرات المختلفة.

وهناك أسباب عديدة لذلك، أهمّها اثنان: الأول، أنه لم يكن ممكناً ربط الحداثة العربية بحركة الحداثة الأوربية التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، ذلك أنها حركة انبثقت من حافز خاص كان غائباً في التجربة العربية. وثانيهما أن بعض كبار الكتّاب الذين تناولوا الحداثة العربية كانوا يحاولون دون نجاح مواءمة المفاهيم التي كانوا يصوغونها مع الشعر ومجازاته، الرغبة في التدمير، رفض المؤسسات القائمة، إلخ) بقيت عناصر كثيرة في شعره (رؤيته لذاته بصفته البطل والحكيم والنبي المهيمن الذي لاتّحد معرفته حدود) تقف حائلاً دون التوفيق بينها وبين الرؤية الحداثية الأصيلة. وكان هذا التصوّر البطولي للسيّد البطل الذي يرتفع عن الظروف ويمتلك القدرة على تعليم الناس وتنوير عقولهم (وهذه صورة ربما ناسبت زمنها ولكنها – قطعاً – لم تكن صورة حداثية) – كان هذا التصور إلى جانب الأسلوب البلاغي الذي ظلّ موجوداً في الكثير من هذا الشعر هو الذي وقف حائلاً بين العديد من الشعراء الموهوبين في الخمسينات (ممن عرفوا فيما بعد بجيل الروّاد) وبين الحداثة الحقّة.
ويجب ألاّ ننسى أن عقد الخمسينات قد سادته الرغبة في التجديد والانعتاق من عقدة الذنب وفي تغيير العالم، بعد هزيمة سنة 1948. وغالباً ما عبّرت هذه الرغبة عن نفسها بالعنتريات الزائفة أو على الأقل بالتأكيد علىالقوّة والتحدّي، وعلى الغضب والرفض الصارخ، فحافظت بذلك على بلاغة اللغة الشعرية التفليدية، وعلىنبرتها المؤكدة للذات ولهذا فإن لهجة توفيق صايغ الخفيضة وأسلوبه الشعري البعيد عن البطولية لم يجتذبا الكثير من الاهتمام بين معاصريه. وحتى اليوم، مع أن ثمة اتجاهاً حداثياً أصيلاً أخذت خطاه تثبت بهدوء مع مطلع الثمانينات، إلاّ أن النقّاد الذين يحاولون الكتابة عن الحداثة لم يركّزوا على هذا الاتجاه الحداثي الجديد ولا على تجربة توفيق صايغ الأكثر تبكيراً، ولم تحظ أعمال توفيق صايغ بعد بما تستحقه من مكانة في تاريخ الشعر العربي.

ومع أن ذلك أحزن توفيق صايغ إلاّ أنه لم يفتّ في عضده، إذ مضى يكتب بالأسلوب نفسه، وازدادت أعماله عمقاً ورهافة وبراعة مع مضي السنين، فظهرت القصيدة سنة 1960 و معلقة توفيق صياغ سنة 1936، وتعدّدت مزاياه الحداثية، وثابر على كتابة الشعر في قالب نثري وكانت معالجته للشكل في الشعر معاجلة ثوريّة بالنسبة لما اعتاد عليه الناس في أوائل الخمسينات، فقد أثبت شرعيّة مطلقة للشعر المكتوب بقالب النثر، رغم شكل مهجّن لا يمكنه مضاهاة روعة الأوزان الشعرية التقليدية. وكان تناوله للغة الشعرية ثوريّاً كذلك، فقد تخلّى عن اللغة الشعرية القديمة المستهلكة، وكتب بلغة أقرب إلى اللغة العربية الحديثة، مستخدماً، أحياناً، الألفاظ النادرة الطريفة، وكانت استعاراته جديدة نضرة استمدّ معظمها من حياة المدينة حوله دون أية إشارة إلى الريف. وهكذا كانت القطيعة مع الشعر الرومانسي الذي كتبه من سبقوه من الشعراء مباشرة، قطيعة كاملة.

على أن ما فاق كل ذلك في الأهمية استخدامه لنبرة بعيدة عن الخطابية، إذ آثر التحدّث بأسلوب ساخر ملئ بالظرف والتلميحات الغنية بالمعاني، وتخلّى – بما اتصف به من تواضع- عن تعظيم الذات وعن صورة البطل وعن منزلة الشاعر النبي صاحب الرؤيا. وفي عصره سادته أزمة عامة ومؤامرات عالمية وخداع مأساوي عمّ الكون بأسره، حيث كانت الحياة تضجّ بالاضطراب والمعاناة، أدرك توفيق صايغ أنه ضحيّة عصره لا بطله، فعبّر عن الاغتراب والمعاناة اللذين فرضهما الشعر المعاصر من داخل الوطن ومن خارجه على حياة الفرد. إن تجربة صايغ المبكّرة ذات أهميّة بالغة في تطوير الشعر العربي باتّجاه الحداثة لعلاقته بالتجارب الجديدة، فقد كتب شعراً شمولياً في عهد الشعر الوطني وشخصياً في عصر التوجّهات الجماعية، وفردياً في فترة سادتها الأزياء والأنماط. كان صايغ مستوحداً، متفرداً، وضحية يهيم في أجواء كثيرة، وشعره كان أفضل مثال على حداثة مبكرة تم بلوغها بسبب صفات الشاعر الخاصة المتمثّلة في الرؤية والأسلوب.(56) لقد كان ظهور توفيق صايغ هذه الفترة المبكّرة أمراً يستحق الدراسة بصفته ظاهرة ذات الدلالة فنّية شديدة الأهمية في فترة كانت ما تزال تصارع الموروث الشعري العنيد المتحدّر من عصور شعرية سابقة: كلاسيكية القرون الوسطى، والكلاسيكية المحدثة التي خلّفتها النهضة الشعرية الحديثة، وكانتا ما تزالان تفرضان بلاغتهما الرفيعة ونبرتهما المؤكدة للذات على الشعراء والجمهور؛ والرومانسية بلغتها الضبابية وأسلوبها المفرط في العاطفية ونظرتها الغائمة وميوعتها وتمركزها حول الذات؛ والرمزية بأبراجها العاجية واستعمالاتها الأثيرية للّغة والصّور الشعرية.

 

أدب الداخل والشتات في السنوات الأخيرة

ومن الخصائص البارزة في الأدب الفلسطيني، خلال السنوات الأخيرة، سواء ما كُتب منه في الشتات أو داخل الوطن، قلّة التعامل مع القضايا العربية الكبرى، وهو وضع ازداد وضوحاً مع مرّ السنين (لم تكن هذه هي الحال في الخمسينات والستينات، حينما كانت استجابة الشعراء الفلسطينيين تحديداً لأحداث العالم العربي لا تقلّ عن استجابتهم للتجربة الفلسطينية)(82) وتبرز هذه الخصيصة بشكل خاص عندما يتعلّق الأمر بأقطار الخليج حيث ذهب الفلسطينيون، مع غيرهم من العرب، ليعملوا في حقل التعليم أو في إرساء البنية التحتية في الأقطار التي اغتنت حديثاً وأيقظها مجيء النفط على العالم الحديث.(83)

وقد أخذ الأدب الفلسطيني ينكفئ نحو الذات أكثر مع تفاقم الأزمة الوطنية بعد حرب حزيران سنة 1967، لكن كتّاب الشتات الذين كانوا يعيشون في أقطار مثل العراق ولبنان ظلّوا على علاقة أوثق بما يجري في البلاد التي يعيشون فيها.فروايات جبرا مثلاً تصور مجموعة متنوعة من المثقفين من لبنان والعراق، كما تصوّر ليانة بدر، في مجموعتها الجميلة بأجزائها الثلاثة، شرفة على الفاكهاني (1983) ثورياً تونسياً يعيش في بيروت، ويحارب، ويموت من أجل القضية الفلسطينية. (84) ويقدّم لنا رشاد أبو شاور في مذكراته عن الغزو الإسرائيلي عام 1982، التي عنوانها آه يا بيروت!(1983)، شخصيات من أقطار عربية وغير عربية. وتتضمن هذه الأعمال شعوراً بالتماثل مع العرب الآخرين، وليس مع قوميات عربية معيّنة وحسب. ومن الواضح أن الكتّاب الفلسطينيين،سيظلون يشعرون بهذا التماثل مع الثوريين والفقراء والمنفيين، وكذلك مع المثقفين كما في أعمال جبرا. ولكن على الرغم من أن كتّاباً فلسطينيين كثيرين عاشوا وعملوا في أقطار الخليج لسنوات عديدة فإنهم لا يشعرون بالتماثل مع مواطني هذه الأقطار التي اكتسبت الغنى حديثاً. وما يقدمونه من صور عن الحياة في الخليج تظلّ صوراً سلبية على الدوام. الكتّاب القلائل، الذين تضمّنت رواياتهم شخصيات من تلك المنطقة،يصوّرون تلك الشخصيات متخلفّة ثقافياً عن سواها. ذلك ما نجده مثلاً في رواية إبراهيم نصر الله براري الحُمّى، حيث يحيط بالشخصية الرئيسة عالم من الجهل والقسوة والتخلّف، وكذلك الأمر في رواية يحيى يخلف نجران تحت الصفر.

            مريم قاسم السعد

ومن الأمور التي تبرز، عند القراءة المتأنية لأدب الشتات، انعدامُ الارتباط بالأمكنة الجديدة التي نزل فيها الفلسطينيون في أيّ مكان خارج وطنهم، فهذه الشاعرة مريم قاسم السعد، التي تعيش في الولايات المتحدة، تصوّر الشوق الأبدي للجذور، وتقول في قصيدتها القصيرة رؤية:

السنون تمضي

والانتظار يستمر

والإيمان الواثق يبقى

هالة تضيء الأجيال

الرؤية تبقى حية.(85)

لكن قد تكون بيروت وصيدا وصور وبقية الجنوب اللبناني استثناءاً لأنها كثيراً ما تذكّر بمحبّة ومودّة. أما عمّان، حيث جرت الحرب الأهلية في أيلول عام 1970 (أيلول الأسود) فإن اسمها في الذاكرة مقترن بتجارب مؤلمة، والإشارات الإيجابية للقاهرة أو دمشق أو بغداد قليلة في هذا الأدب.

موقف الكتاب الفلسطينيين من المدينة

ومما يتّصل بهذا البحث أن نتحدّث عن موقف الكتّاب الفلسطينيين من المدينة بشكل عام. إن المدينة ولتركيز على ما فيها من نواح سلبية موضوع بارز في الأدب العربي الحديث، خاصة في الشعر. ليس بالإمكان التوسّع في هذا الموضوع الغني هنا، لكن هذا الموضوع أضحى جزءاً من الاتجاه الحداثي منذ أن صب السيّاب جام غضبه على المدينة في الخمسينات واصفاً شوارعها:

وتلتفت حولي دروب المدينة

حبالاً من الطين يمضغن قلبي.

إلى أن يقول:

ويمناي لا مخلب للصراع فأسعى بها في دروب المدينة

ولا قبضة لانبعاث الحياة من الطين

لكنها محض طينة(86)

والمدينة هنا جدار صلد لا يمكن اختراقه، ومتاهة يضيع الشاعر في دروبها، وقد رأى فيها الشعراء آخرون مكاناً للرشوة والفساد والانحلال الاجتماعي والتآمر السياسي.

إنها أرض مليئة بالصبار، أو مطحنة، أو مفازة، أو مجرى قاذورات ليس له قرار، وغربة الشاعر فيها كاملة. كان هذا الموضوع من أبرز ما تناوله الشعر الحداثي، حيث امتزجت تجربة الشاعر عموماً في المدينة المخيفة بالتجربة الجماعية الساعية إلى فهم أعمق لمعنى الصراع بين المدينة والريف.

أما الاستثناء الوحيد لهذا الموقف من المدينة فنجده في الأدب الفلسطيني، فالمدينة الفلسطينية لم تكن يوماً ثمود أو سدوم أو عمورة، كما لم تكن يوماً مصدر تهديد أو مستودعاً للقذارة والفساد، بل كانت دوماً المدينة الضحيّة، ولم يكن الناس فيها يشعرون بالاغتراب والاستلاب لأنّها إمّا مدينة محاصرة يحتلها الغاصبون، أو مدينة فقدها أهلها وفي كلا الوضعين لا يمكن أن يكون ثمة اغتراب. والرعب المتصل بالمدينة الفلسطينية رغبٌ خارجي لا يصيبها على أيدي بنيها كما يحصل في المدن العربية الأخرى، بل تصيبها قوى خارجية معتدية. وهي ليست مدينة ضحية فقط، بل هي أيضاً مكان للبطولة، وموطن للمقاومة والنضال الوطني. ففي إحدى قصائده يصوّر راشد حسين (1936 – 1977) مدينة القدس وقد دقّت فيها ساعة المقاومة معلنة ميلاد الحقيقة. (87) ويصفها سميح القاسم في الأبيات التالية:

وعلى منعطف الشارع،

في أقصى المدينة

كان أطفال التواريخ الحزينة.

يجمعون الكتب والأخشاب واليتم،

البراويز، وأوتاد الخيام

علّها تصبح متراساً

يسدّ الدرب في وجه الظلام.(88)

هذه ليست مدينة الهزيمة التي تسكن بقية الشعر العربي، بل هي مدينة المقاومة بعد الهزيمة التي تفجّرت برقوقاً كما

قول محمود درويش، ويضيف:

قفي ملء الهزيمة يا مدينتنا النبيلة....

قد صار للإسمنت نبضٌ فيك

صار لكل قنطرةٍ جديلة.(89)

ولا يرى محمود درويش ذلك في مدينته وحسب، بل يراه كذلك في بيوت:آخر معقل وآخر ملاذ لشعب حرم الأمان في مدنه. أما جبرا، فبعد هجومه الأوّلي على المدينة، كما رأيناه في قصصه القصيرة، نجده يصوّر القدس في روايته مدينةً محبوبةً رائعة، كما نجد أنه لم يعد يرى المدن العربية الأخرى، مثل بيروت وبغداد، أماكن اغتراب واستلاب.

والأدب الفلسطيني في الشتات يعبّر عن إحساس عميق بالمكان وعن ارتباط به غالباً ما يصوّر في مواجهة مشاهد من المنافي. وعندما يركّز الكتّاب على استعادة مكان ثابت – قراهم أو مدنهم – فإنهم يفعلون ذلك على مهاد متنقّل من المنفى يطفو في عالم كثيراً ما يتسّم بالعداء، ونرى في هذا الأدب صورة متّصلة لمكان معرّض للمخاطر يتحرك فيه الشاعر أبداً نحو مكان محدد في وطنه الأصلي يجد فيه الأمان والاستقرار المنشودين. يستحضر ذلك أيضاً لمحات من الشعر العربي القديم، حيث يصوّر الشاعر الصحراء التي لا حدود لها تصويراً حيّاً يبعث الرهبة في النفوس – فهي مكان خطر مترامي الأطراف ملئ بالغدر ومشبع بحرارة الشمس المحرقة – ولكنه يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى المكان المنشود. أما الآن فإن الشعراء يشبّهون الصحراء الشاسعة بالشتات، حيث يتحتّم على الفلسطيني المنفي أن يقتطع لنفسه وجوداً بانتظار العودة إلى تلك البقعة الصغيرة الثابة على الخريطة، وتفصل بين المكانين مخاطر وأهوال الرحلة المضنية عبر القفار.

وهناك في الشعر صور جديدة تظهر بسبب استمرار التنقّل بين المنافي وتوحي بانعدام المكان عند الفلسطيني، ويصف محمود درويش هذه الحالة من الوجود / اللاوجود بهذه الأبيات المعبّرة:

أعدّ لسيدتي صورتي

علّقيها إذا متّ فوق الجدار

تقول: وهل من جدارٍ لها؟

قلت: نبني لها غرفةً.

-أين ؟ في أيّ دار؟

أقول: سنبني لها دارها.

-أين ؟ في أيّ منفى؟(90)

ويضيق المكان أمام الفلسطيني بشكل مخيف، في الشعر الذي أعقب سنة 1982، أي ما كتب منه بعد الغزو الإسرائيلي للبنان والخروج الفلسطيني من بيروت بحيث علينا كما يقول محمود درويش، أن نخلع أعضاءنا كي نمر. ويصوّر محمود درويش في شعره حالة من الوجود المخنوق، كما يفعل الشيء نفسه زكريا محمد ومريد البرغوثي وعبد اللطيف عقل وغيرهم، إذ يصوّرون الفلسطينيين وهم يحتشدون في المطارات ويبحثون عبثاً عن مكان صغير يتمّمون فيه زواجاً، أو يواصلون السفر إلى ما لانهاية في قوافل متلاحقة مع أطفالهم وصرر ملابسهم، كما يموتون دون رؤية أحبابهم،ويعانون من الوحدة والوحشة والحر الحارق للحصول على لقمة العيش في أحد منافي هذا العالم الواسع.

 

الشعر بعد سنة 1967

  الشعر الفلسطيني في الثمانينات والحداثة

يزخر المشهد الأدبي الفلسطيني بفيض من الشعراء، وعلى الرغم من التطوّر المستمر للفن القصصي الفلسطيني، في المناطق المختلفة التي يعيش فيها الفلسطينيون (الأراضي المحتلة وإسرائيل، وعالم الشتات الشاسع المنتشر والآن، دولة فلسطين)، وعلى الرغم من المستويات العالية التي تبلورت في الشعر. فقد بلغ الشعر الفلسطيني في الثمانينات، من حيث الكم والكيف معاً، مستويات لم يبلغها من قبل. لكن هذا النجاح لم يتحقّق أخيراً إلاّ بعد فترة من المحاولات الفاشلة خلال عقد السبعينات على أيدي عشرات الشعراء. وحتى الإنجاز الذي حققه محمود درويش، وبلغ ذروته في السبعينات، فإنه، رغم كل غناه وقيمته الفنية، لم يكن كافياً لتخفيف الوضع الذي كان يعاني منه الشعر الفلسطيني (والكثير من الشعر العربي) في تلك الفترة، فقد مرّ الشعر الفلسطيني، بين إنجاز شعراء الخمسينات والستينات وإنجاز شعراء الثمانينات، في مرحلة من الاضطراب،وخاض تجربة شاعت شيوعاً شاملاً ومحموماً، فظهر عدد كبير من الشعراء في حقبة السبعينات سرعان ما أفل نجمهم، وإن يكن قد بقي لبعضهم شهرة فإنما يرجع ذلك إلى التزامهم بالموضوع السياسي والهموم الوطنية. هذا وضع يستحق المزيد من الإيضاح.
هناك نقطتان رئيستان يجب النظر فيهما عند البحث في شعر السبعينات، تتعلّق الأولى بجمالية القصيدة، وتتعلّق الثانية بدلالاتها المعنوية. أما النقطة الأولى فمصدرها تلك المغامرة الكبرى التي خاضها الشعر العربي بأسره (بما في ذلك الفلسطيني) في مجال اللغة والصورة في تلك الفترة. فقد أخذ الشعر يستقصي الإمكانات المجازية في الشعر العربي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخه الطويل، حتى في التجارب الفائقة البراعة التي قام بها الشعراء العباسيون والأندلسيون في العصور الوسطى، وقد تزعّم هذه المغامرة الشاعر السوري أدونيس، الذي فجّر في أوائل الستينات القوة الكامنة في الصورة الشعرية وأبدع صوراً مضيئة ومعقّدة كثيراً ما باعدت بين طرفي التشبيه. وقد أصرّ أدونيس على الطرافة والجدّة وسعى نحو الغرابة، وأبدى مهارة فائقة في اقتطاف المجازات من جميع مناحي الحياة، فغدت تجربته محطّ نظر العديد من الشعراء الشباب، وانتشرت بينهم انتشار النار في الهشيم، فغدا الابتكار في اللغة والصورة هدفاً يقصد لذاته في كثير من الأحيان. وكانت هذه التجربة في أحسن حالاتها تجربة مركزة تتجنّب التعبير المباشر وتنأى عن الأشكال المرئية في محيط الشاعر، وكانت المجازات فيها ضرورات جمالية تتطابق مع رؤيا الشاعر الخاصة. وهكذا بدأت فترة من الحرص الواعي على الناحية الجمالية اتصفت بدرجة عالية من التّأنق المتعمّد. هذه الخصائص الحداثية المحددة تكون أكثر وضوحاً في الفنون المرئية، لكنها تظهر في الشعر في طريقة التعامل الجريئة مع الصورة، حيث لا يقصد من الصور تمثيل الواقع بل بلورة الصور وتحقيقها لذاتها وفي الشكل الذي أبدعت فيه، وذلك يختلف عن الاستعمال التقليدي للصورة في الأدب الواقعي، حيث استعملت إما للزينة أو لدعم المقصد الدلالي المباشر للقصيدة.

وكان مما ساعد على انطلاق هذه التجربة أن شعر الستينات، الذي ورث كل تلك التجارب المتنوعة التي ظهرت خلال العقود الستة التي سبقته، من الكلاسيكية المحدثة مروراً بالرومانسية والرمزية والواقعية المحدثة وبعض المحاولات السريالية، قد اكتسب من المرونة ما جعله يتقبّل المغامرة الجديدة. وبغض النظر عن نجاح الشعراء أو إخفاقهم فإنهم أصبحوا الآن قادرين على تشكيل المادة التي بين أيديهم وعلى اللعب باللغة والصورة دون مقاومة من الأدوات الشعرية ذاتها، التي اتضح أنها صارت في غاية الطواعية، ودون أن يعيقهم أي تقديس واع للأعراف والأساليب الشعرية الموروثة التي كانت قد اهتزّت وفقدت ثباتها القديم.

ومما ساعد على رسوخ التجربة أن لغة أدونيس حافظت، رغم مفرداتها الجديدة الخلاّقة، على صلاتها الكلاسيكية القوية ولعى جرس اللغة الشعرية القديمة وجزالتها وبلاغتها العميقة.

ورغم النزوع السائد بين الشعراء عامة إلى رفض القديم فإنه لا شكّ في أن الشغف الموروث برفعة اللغة ورقيها لم يختف قط، ولذا لم يشعر الشعراء والنقّاد من ناحية، والقرّاء المثقفون من ناحية أخرى (كان تعقيد الشعر عقبة أمام القارئ العادي)، بأن الشعر قد اجتثّ تماماً من جذوره كما لا بدّ أنّهم شعروا لدى قراءة شعر صلاح عبد الصبور، على سبيل المثال، وذلك بلهجته التي غالباً ما تقترب من لهجة الحديث العادي، وبلغته غير المشرقة والقريبة من اللغة المحكية.

كان أدونيس قد بدأ – كما سبق أن ذكرت – بالدعوة منذ مطلع السبعينات إلى مذهب الحداثة الذي اجتذب الشعراء المعاصرين بشدّة. وليس من شك على الإطلاق – كما سبق ذكره كذلك – في أن المغامرة التي أقدم عليها أدونيس في اللغة والصورة، إضافة إلى رغبته في التدمير ودعوته للتخلّي عن المفاهيم والأساليب الشعرية القديمة، كانت مظاهر حداثية حقيقية.

لكنني أودّ أن أعيد القول هنا ولو أني أجازف بالتكرار – إنه كان يجب على أي حركة حداثية ذات قيمة في العالم العربي أن تؤكده، قبل كل شيء، التحوّل في نظرة الشعراء العرب المحدثين للعالم تحوّلاً موازياً للثورة الجمالية في الشكل واللغة الشعرية والصورة. كذلك كانت هناك حاجة ملحّة للتغيير في كل من لهجة الشاعر ونظرته لنفسه رجلاً كان أو امرأة. ورغم كل المحاولات لاكتشاف لغة شعرية جديدة فإن جانباً كبيراً من هذه اللغة، خاصة لغة الروّاد في الخمسينات، من أمثال أدونيس وخليل حاوي، ظلّت كما يقول رتشرد شبردRICHARD SHEPPARD - وسيلة لتأكيد السيادة الإنسانية(91) وقد ظلّ العديد من هؤلاء الشعراء، يحسبون أنفسهم أبطالاً منقذين ومحرّرين يمكنهم الوقوف خارج المجتمع وإصدار الحكم عليه كما لو أنهم ليسوا هم أنفسهم من نتاج الزمن الذي استنكروه، وقد وصف ستيفن سبندر STEPHEN SPENDERهذا النوع من الشعراء وصفاً ملائماً عندما قال إنهم يجسّدون الأنا الفولتيرية، أي اليقين بأنهم يقفون خارج عالم الظلم واللاعقلانية الذي يحكمون عليه حكماً جلياً، بينما تتعرّض الأنا الحداثية الحقيقية لتأثيرات عصرهم ويقاومونه فهم إنما يحملون قواه المدمّرة في داخلهم،(92) ولذا فإن الحداثة لم تتحقّق على يد المجموعة الأولى بشكل جزئي.

وقد غذّى وضع الحداثة الجزئية هذا عاملٌ آخر بعيد الأثر عن عوامل تطوّر الشعر الفلسطيني المعاصر في السبعينات، ألا وهو ظهور المقاومة الفلسطينية. لقد ظلّ شعر المقاومة جزءاً من الشعر العربي منذ بداية هذا القرن، ولم يظهر أي شاعر له وزن – باستثناء الرمزيين الأوائل، وبعض الرومانسيين في العشرينات والثلاثينات (وليس كلهم ) – دون أن يشارك في جوقة المنشدين تعبيراً عن الاحتجاج والرفض. لكن موضوع المقاومة الذي كان واحداً من المواضيع المهمة في الشعر الفلسطيني في الخمسينات، غدا هو الموضوع الرئيس في السبعينات.

ويعود ذلك إلى الاكتشاف المنعش في النصف الثاني من عقد الستينات عن حركة قوية نامية من شعر المقاومة تعود إلى شعراء يعيشون داخل إسرائيل،وقد ساعدت نبرتهم العالية المليئة بالتحدّي وجلدهم الصامد في إعادة الروح لعالمٍ عربي أحسّ بالغدر بعد هزيمة عام 1967. ومن الأمثلة الدّالة الحوار الشعري الذي جرى بين فدوى طوقان ومحمود درويش، فقد ذهبت فدوى طوقان إلى إسرائيل عندما رُفعت قيود الحدود بعد احتلال إسرائيل لما تبقّى من فلسطين في حرب سنة 1967، التقت هناك بالشعراء الفلسطينيين، وكتبت لهم بعد ذلك قصيدة مشحونة اختلط فيها الأسى بالأمل، فكتب محمود درويش قصيدة من أجمل ما كتب قبل مغادرته إسرائيل للعيش في العالم العربي، يقول فيها مخاطباً فدوى طوقان:

نحن في حلٍّ من التذكار

فالكرمل فينا

وعلى أهدابنا عشبُ الجليلِ

لا تقولي: ليتنا نركضُ كالنهر إليها،

لا تقولي!

نحنُ في لحم بلادي .. هي فينا!

لم نكن قبل حُزيران كأفراخ الحمام.

ولذا لم يتفتّت حبّنا بين السلاسل.

نحنُ يا أختاه، من عشرين عام

نحنُ لا نكتبُ أشعاراً، ولكنّا نقاتل(93)

وتعزّز هذا الشعور كذلك بظهور المقاومة الفلسطينية في أواخر الستينات، مما أعاد الأمل والثقة من جديد بعد فترة من التشكك والتبلّد والرفض الغاضب لكل مقومات المجتمع العربي. ووجد الشعراء الفلسطينيون أينما كانوا متنفّساً رائعاً في تكرار موضوعات المقاومة التي عبّرت عن إيمان راسخ بنتيجة النضال وبضرورة النهوض من أجل الحصول على الحقوق المغتصبة.

اختفت آنذاك معظم الموضوعات الأخرى من الشعر الفلسطيني. واحتاج الوضع النفسي العام في عقد السبعينات إلى الإنقاذ عن طريق التركيز على موضوع المقاومة، خاصة بعد الحرب الأهلية في الأردن عام 1970، التي أودت بحياة آلاف المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين كما أدّت إلى طرد المقاومة من ذلك البلد. غير أن هذا الانشغال شبه التام بموضوع المقاومة كان لا بدّ من أن يثير المصاعب على المستوى الفني، وكان أحد هذه المصاعب خطر وقوع الشعر ضحيّة للتكرار في موضوع لا تسمح طبيعته نفسها (المقاومة، والتجديد،(94) وكان هذا الخطر كبيراً حقاً في ضوء بروز أعداد لم يسبق لها مثيل من الشعراء الفلسطينيين في أرجاء العالم العربي كافة. لكن الشعراء قاوموا هذا الخطر غريزياً وركّزوا جهودهم على الجدّة والطرافة إن لم يكن في الموضوع ففي استخدام الصورة واللغة الشعرية.
ولم تشهد أي فترة من فترات الشعر العربي مثل هذه الرغبة العارمة في حشد هذا الكمّ من الصور الشعرية المنتقاة غير المألوفة في القصيدة الواحدة. فابتُكرت آلاف الصور التي نحتها خيال عشرات الشعراء، من الفلسطينيين وغيرهم. ولم يتركوا حقلاً دون أن يتحرّوه مجازياً، فراحوا يستدعون الطبيعة بأسرها والتاريخ برمته بل والحياة بكاملها، لتعينهم في نحت صورهم المعقّدة. لكن هذه الجرأة الفنية لم تتحلّ دائماً بالمسؤولية، أو أنها لم تتكلّل دائماً بالنجاح الفني، فما أكثر الصور التي بدت مفتعلة، ناشزة، أو مجانية للصواب كلّياً، أو على الأقل زائدة تماماً عن الحاجة. ومما زاد المشكلة تعقيداً، تلك النزعة الجارفة، في العديد من هذه الصور، إلى إبعاد الصورة عما تشير إليه (أي أنه يكون كلّ من طرفي الصورة بعيداً كل البعد عن الآخر).

لقد أدّى كلّ ذلك إلى ظهور مشكلات عديدة،فأولاً،ليس كلّ شاعر مؤهلاً بالفطرة لابتكار الصور الشعرية وقادراً على رصّ أبياته بالصور بشكل ناجح، ولئن حالف أدونيس التوفيق في معظم محاولاته، وهو الشاعر البارع الذي تأثّر بكبار الشعراء الفرنسيين،فإن كثيراً من المغامرين الشباب أخفقوا إخفاقاً ذريعاً في تحقيق ذلك المنطق الداخلي الذي ينبغي لكل الصور الجيّدة أن تحققه، حتى تلك التي تفتقر إلى المنطق الخارجي. والشعراء يتفاوتون في اعتمادهم على أدوات شعرية معيّنة، كذلك فإن خلق الصور لا يمكن أن يخضع كليةً للوعي، ومهما بلغ من تصميم الشاعر على المستوى الواعي أن يستخرج صوراً جديدة أصيلة فإن هناك دائماً شيئاً لا واعياً في عملية إبداع الصورة الجيّدة، شيئاً يضيئه الإدراك المجازي الداخلي الذي يمتلكه الشعراء المجيدون بطبيعتهم. ثانياً (وهذا أمرٌ يفوق ما سبقه في خطورته)، إن محاولة الربط بين موضوع المقاومة، وهو موضوع جماعيٌّ موجّهٌ إلى الجمهور العريض، وبين هذا النوع من التصوير المجازي الصعب المعقّد، قد خلّفت وراءها فوضى شاملة. ولئن انسجم هذان الضدان معاً في حالة بعض الشعراء، من مثل محمود درويش (وهو قطعاً واحد من أفضل الشعراء العرب المحدثين), فإن التجربة كانت كارثة بالنسبة للغالبية العظمى، بحيث أخذ النقّاد والكتّاب يتحدّثون عن أزمة الشعر العربي المعاصر دون الإتيان بنظريات أو توجهات جديدة لمعالجة ما بدا أنه وضع ميئوس منه، وقد احتج محمود درويش نفسه على هذا الوضع فقال: إن تجريدية هذا الشعر قد اتسعت بشكل فضفاض، حتى سادت ظاهرة ما ليس شعراً على الشعر، واستولت الطفيليات على الجوهر.(95)

إضافة إلى ذلك، فإنه لم يكن ممكناً للهجة الشعريّة أن تخفف من الحدّة والجهوريّة التي تتطلّبها موضوعات الغضب والإحباط والمقاومة البطولية فتدخل حقاً في مناخ الحداثة، تماماً كما لم يكن بوسع الشعراء الذين تركّزت رؤياهم على عظمة البطولة وعلى التغنّي بالتحدّي الدائم للظلم أن يروا في حياتهم وحياة الآخرين من حولهم ذلك الوجود المحطّم المهان لرجال ونساء وقعوا ضحيّة مجانية للنظم الجائرة. كمواطنين عرف الشعراء حق المعرفة أن الرعب والمعاناة يهيمنان على مصيرهم ومصير غيرهم من الناس، ويجعلان الجميع ضحايا لزمنهم لا أبطالاً له، ولكنهم كشعراء تجاهلوا ذلك. وكان على الشعر، بعد هزيمة 67 مباشرة، أن يخوض معركة مقاومته الخاصة به، كي يقف إلى جانب البطل المضحّي بحياته، غير معترف بالهزيمة، وتطلّبت الروح الشائعة آنذاك استمرار هذا الموقف في الشعر. ولم يكن الشعراء عموماً قد اكتشفوا بعد (كما فعل جيل الثمانينات من بعدهم) أن الوقوف إلى جانب العدل والحريّة، وهو في حد ذاته موقف بطولي في أي زمان ومكان، لا يتطلّب بالضرورة عنتريات صريحة كما لا يعني أن الشاعر الباحث عن الحق يحتاج لتأكيد دوره قائداً أو حكيماً أو نبيّاً.

لقد عملت الموضوعات البطولية المتكررة، التي ورثها الشعراء عن قرون من مديح الأبطال الشجعان والمنقذين القوميين، وكذلك لهجة المفاخرة والتحدّي التي ملأت أعمال الشعراء القدماء، على عرقلة عملية التحديث.
إن النظر هذه المشكلات العامة، في مقدمة للأدب الفلسطيني، ضروري، أولاً لأن شعراء فلسطينيين كثيرين قد وقعوا في شركها، وثانياً لأنها نشأت في جانب منها بسبب المعضلة الفلسطينية ذاتها، التي جعلت المواضعي الشعرية التقليدية الأخرى تبدو أقرب إلى الهرطقة وفرضت على الشعر موضوع المقاومة المهيمنة، وهو في جوهره موضوع فلسطيني.

وتتحدّى هذه الفترة عدداً من النظريات الشائعة: أولاً: إن مقولة بروفون BUFFON الشهيرة الأسلوب هو الكاتب نفسه قد ثبت بطلانها هنا، إذ لم يعد تمييز أسلوب شاعر عن أسلوب شاعر آخر مستحيلاً فقط، بل أصبح من المتعذّر على القارئ أن يخمّن البلد العربي الذي تنتمي إليه القصيدة. وغدت كل التصنيفات اللغوية والأسلوبية متطابقة، وهذه بلا شك دلالة على الوحدة الأساسية للثقافة العربية. لكنها ليست بالاتجاه المؤاتي لمسيرة الشعر. ثانياً: شكّل الوضع كذلك تحدّياً لفكرة بتنام PUTTENHAM القائلة إن الناس يختارون موضوعاتهم بحسب تكوينهم العقلي، إذ لا يعقل أن يكون هناك تطابق في التكوين العقلي لذلك العدد الغفير من الشعراء الذين كتبوا على الوتيرة نفسها. ثالثاً: لقد وضعت الفكرة القائلة إنه من غير الممكن فصل الأسلوب عن المحتوى موضع الشكّ، إذ كثيراً ما انعدمت الصلة بين الموضوع الرئيسي، أي موضوع المقاومة الشعبية، والأسلوب المعقّد المغرق في الرمزية الذي كتب به الشعر. وهذا ما جعل المرء يشعر بأن العديد من المفردات والتعابير والمقاطع لم تكن جزءاً تلقائياً من كلٍّ موحّد، بل كانت مقحمة عليه بصورة اعتباطية.

ويبدو لنا الآن، أن عقد السبعينات كان أشبه بساحة المعركة حيث تنافس الشعراء الفلسطينيون وغيرهم من الشعراء بقدر متزايد من الجرأة والابتكار، فسقط العشرات منهم على الطريق. ولقد كان ثمة ولعٌ بالغريب المثير، وبالتّوتّر المشحون، فساد جوٌّ محموم ملازم، ومع ذلك لا بدّ من التأكيد على أنه لا نتعامل هنا مع ح�

المصدر: موقع الدكتور مسعد زياد
almsbah7

نورالمصباح

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 5 يوليو 2014 بواسطة almsbah7
almsbah7
"بوابة لحفظ المواضيع والنصوص يعتمد على مشاركات الأعضاء والأصدقاء وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للنشر والحفظ مصادرنا متعددة عربية وغير عربية . »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,516

حال الدنيا

حال الناس
عجبا للناس كيف باتوا وكيف أصبحوا.
ماذا جرى لهم ؟
وما آل إليه أمرهم والى أي منحدرا ينحدرون،
أصبح الأخ يأكل لحم أخيه ولا يبالي ،انعدمت القيم والأخلاق 
والمبادئ، من الذي تغير نحن أم الحياة.إننا وان تكلمنا 
بصدق لا نساوي شيئا ،فالكذبأصبح زادنا وزوادنا، ،
إن الإنسان في العصر الحجريرغم بساطته فَكّرَ وصَنَع فالحاجة أم الاختراع، أما نحن نريد كل شيء جاهزا، أجساد بلا روح تأتي ريح الشرق فتدفعنا وتأتي ريح الغرب فتأخذنا إننا أحيانا نتحرك من دون إرادتنا كحجار الشطرنج أنائمون نحن أم متجاهلون ما يدور حولنا أم أعمتنا المادة .كلنا تائه في طريق ممتلئه بالأشواك، أشواك مغطاة بالقطن الأبيض نسير عليها مخدوعين بمظهرها بدون
انتباه وبين الحين والأخر يسعى الحاقدون لقتل واحد 
منا، فيزول القطن الأبيض ولا يبقى إلا الشوك،
فنستغرب لحالنا، لان عيوننا لا ترى إلا الأشياء البراقة 
اللامعة والمظاهر الخادعة أما الجوهر المسكين فَقَدَ 
قيمته لم يعد إلا شعارات رنانة نعزي بها أنفسنا بين 
الحين والأخر، 
هكذا أصبح حال الناس هذه الأيام.
ـــــــــــــــ
حسين خلف موسى

 دنياالوطن