في عصور ازدهار الأمة الاسلامية كان الفقهاء هم أبرز مثقفي الأمة لشرف علوم الشريعة بين مختلف أنواع العلوم فتميزوا بالعلم والاستقلالية و الشموخ
ولكن مع عسكرة الدولة و المجتمع عبر سيطرة الترك المماليك في العصر العباسي الثاني تأخر الأئمة الفقهاء و تقدم علماء السلطة حيث مالت الكفة لحساب “القوة” علي حساب “العقل و العلم” وأرسلها تبعية العلماء للسلطة الحاكمة التي تحكمت في أجورهم و أقواتهم
ونتج عن سيطرة القوة وعسكرة الدولة ظهور نوعين من فقهاء السلطة كلاهما ربطته التبعية الاقتصادية بالدولة وحكامها
النوع الأول غضوا الطرف عن تجاوزات الدولة و وقفوا إزاء فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عند أضعف الإيمان ؟!
و نوع آخر قادته التبعية الاقتصادية الي “التبرير” تبرير تجاوزات الدولة ضد الرعية
ورحم الله من قال “من يأكل طعام الكافر يحارب بسيفه؟!” … فما بالك إذا لم يكن الطعامُ لكافر, بل كان صاحب الطعام “سلطانا” يشهد أن لا إله الا الله و أن محمداً رسول الله ؟!
ومع اتجاه علماء السلطان الي تبرير ظلم الدولة لرعيتها .. استشهدوا بآراء العلماء الربانيين المستقلين ومواقفهم في عدم الخروج علي الحاكم الظالم
ومن هؤلاء العلماء الربانيين شيخ الاسلام ابن تيمية .. فقد احتجوا بالتزامه وإعلان اتباعه لمذهب شيخه الامام احمد بن حنبل في عدم جواز الخروج علي الحاكم الظالم لان فتنة الخروج عليه أكبر من فتنة الصبر علي ظلمه مع العمل علي النصح له
وعلماء السلطان في احتجاجهم برأي شيخ الاسلام ابن تيمية لَبَّسوا على الناس دينهم .. فشيخ الاسلام ابن تيمية لما تبني هذا الرأي إبان دولة الترك المماليك : كان عالما مجاهدا بلسانه, ففضح تجاوزات الحكام و ظلمهم للرعية, ولم يبرر لهم شيئا مما كانوا عليه
أما عدم إقراره بالخروج عليهم فلم يكن رِضَاً منه بظلمهم و لكن كما بين هو نفسه أن الأمة كانت في وضع حرج .. فضعفت معظم الدول ودان بعضها للصلبيين وهي تستعد لمواجهة زحف التتار .. فكان رأيه هو أن تقوية الدولة الظالمة علي قتال أعداء الله أولى من الخروج علي الحاكم في وقت سيرسخ الخروج فيه لضعف الأمة و يهدد بزوالها على يد عدوها
ومع ذهاب العلماء الربانيين و سيادة علماء السلطة ترسخت تبعية العلماء للدولة الظالمة و فقدت الأمة سلاحا من أهم أسلحتها وهو استقلال العلماء