الشاعر و الاديب علي الفشني

<< الحروف تبني صرحا إذا أوقدتها مشاعر صادقة >>

ما أجمل أن يجد الإنسان راحته في الصلاة في طاعته لربه الذي اجتباه و هداه و خلقه و سواه و استخلفه الأرض و ما نساه و ما أجمل أن يغيظ الإنسان شيطانه و هواه و يلبي نداء ربه و يزجر ما سواه . . . فها هو المنادي ينادي للصلاة : ( حي على الفلاح . . حي على الفلاح . . الله أكبر . . الله أكبر . . لا إله إلا الله ) فتتناهى الكلمات إلى سمعي و يرددها لساني و يخشع بها قلبي فيتلقفها و يسعى بها إلى مصدرها حيث الجامع الكبير ذو القباب و المأذنة العالية التي ترمز إلى المعراج و تدل على الشموخ و قدمت على شوق إلى المسجد فإذا برجل غريب لا يعرفه منا أحد يكنس الطريق و ينظفه و قد بلغ الجهد منه مبلغه و أحاطة به الأمانة حيث كاد يمسح نعلي من فرط أمانته فاستوقفته قائلا :

ـ حسبك . . دع قدميا تتعفر في سبيل الله

ـ و أنت دعني . . فإن لي على ذالك أجر

ـ تقصد إماطة الأذى

فطأطأ برأسه و لم يعقب ثم قلت مستطردا :

ـ إنه ليس بأذى أن تتعفر قدميك في سبيل الله بل هو الثواب الجزيل و العطاء الوفير

و كلما أمعنت فيه النظر زاغت عيناه كما ينصهر الثلج في الماء الحار و لما تحققته أدركت بأنني أعرفه و ربما قابلته يوما ما فسألته متعجبا :

ـ ألم نتقابل من قبل

فأجاب بلا اكتراث :

ـ لا

و لم ألح عليه في السؤال لأن نفسي تطوق إلى الصلاة

فتركته و شرعت بالدخول إلى المسجد فتقدمت بقدمي اليمنى و قلت كما علمنا النبي صلى الله عليه و سلم :

ـ بسم الله اللهم صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك

ثم التفت إليه أدعوه إلى الصلاة فلم أجده فاستبقا إلى مخيلتي عدة مشاغل تأرقني . . . أين ذهب ؟ من يكون ؟ و لماذا هنا ؟ . . و لكنني خلعت عن نفسي كل ذالك و دخلت في الصلاة حيث الراحة و السكينة اللتان تفعمان النفس الطمأنينة  و لكنني رأيته أمامي في الصلاة رأي العين على حالته التي قابلته عليها و كأنه بث مباشر لما يدور بمحيط المسجد و ما لبثت أن استعنت بالله لإفراغ النفس إلا من الصلاة  و لكي أحوز بثوابها كاملا و لا ينقص منه شيئا فرددت الاستعاذة في نفسي :

ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ثلاث مرات و تفلت عن شمالي ثلاثا فاختفت صورته و هيئته

وما لبثت أن فرغت من الصلاة و ختامها و هرولت نحو الباب ليس للخروج من المسجد و لكن لكي أبحث عن ذاك الرجل و أمره الغريب فرأيته ما زال ممسكا بمكنسته و لكنه الآن يجير على المسجد فقد أصبح يفسد ما قد أصلحه من قبل فأسرعت إليه مهرولا و أمسكت بترقوته و أحكمت قبضتي عليه حتى لا يفلت و صوبت إليه نظرات حادة متوعدة :

ـ من أنت ؟

فقال متلعثما :

ـ أنا . . أنا . .

و لم يتم حيث قاطعته مستطردا :

ـ و ماذا تفعل ؟

فلم يفتر يردد :

ـ أنا . . أنا . .

ثم وجم هنيهة و انتبه لحاله و ما آلت إليه نفسه من الذلة و المسكنة

و أبدا غضبا شديدا و أطلق حنجرته ترسل الضحكات رقراقة عالية كالريح الصرصر و قال مستطردا :

ـ أنا . . أنا من تعرفه جيدا أنا رفيق العمر أنا ظلك الذي لا يفارقك

فقلت مترددا :

ـ أنت . . أنت . .

و لم أتم حيث قاطعني قائلا متفاخرا :

ـ نعم . . إبليس . . أنا . . إبليس

ـ و هل جئت تائبا أم جئت غازيا

ـ بل جئت مرائيا

و لما استدبر و أراد أن ينصرف أمسكت بطرف ثيابه و سألته متحمسا :

ـ و ماذا كنت تفعل ؟

ـ أدرأ الأذى عن الناس

ـ و لماذا تودعه الآن موضعه  

فلما أراد أن يجيب أومأت إليه بالسكوت ثم قلت مستطردا :

ـ أنت لم و لن تسعى في الأرض بالفضيلة فأنت رأس كل فاحشة و عقلها و إنما فعلت فعلتك هذه خشية أن يتعثر أحدنا  فيغفر الله له

ـ هذا عهدي مع ربي

ـ صدقت . . فأنت قلت . .

و لم أتم حيث سبقني متفاخرا :

ـ لأقعدن بهم صراطك المستقيم و أنا دائما أوفي بالعهد

ـ و أنا خير منك و أوفى عهدا . . ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . . هذه هي الحقيقة . .

قلت له ذالك ثم تركته فتلاشى من قبضتي و كأني كنت قابضا على الماء و انتشر في الهواء كأنه دخان تسرب من فوهة بركان و قذفني بكلمات كألسنة اللهب المحرقة :

ـ هذه هي حقيقة أمرنا . . و الصراع القائم بيننا

 

و لم يفتر يرددها حتى اختفى .

alihamed

علي الفشني

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 339 مشاهدة
نشرت فى 17 مايو 2014 بواسطة alihamed

ساحة النقاش

علي محمد حامد

alihamed
أنا قلم متصل بالوجدان مداده سيل العواطف المتدفق من منابعه و الجاري على صفحات الحياة طابعا عليها بواعث الأمل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

189,015