الشاعر و الاديب علي الفشني

<< الحروف تبني صرحا إذا أوقدتها مشاعر صادقة >>

طغت عليه مادته فجرفته الى مستنقع الشهوة وغرست قدميه في وحل من الرغبات فحرص على استدعاء ملذاته بكل ما يملكه من جوارح وحواس الى ان أصبحت شهوته وعاء يحتويه .. شهوة تمثلت في هيئة انسان .. ترافقه كلما غد أو راح .. ترافقه قائما ونائما .. أصبحت شهوته قرين لا يستطيع ان يتعوذ منه .. أصبح قلبه فارغا الا من تلك الشهوة .. وكان يستفرغها حالما ويصطادها بسهام لحظيه وسنان لسانه وكثيرا ما تأمل هذا الماء الدافق فيراه نهرا يهب الحياة .. ابتعثه من برزخ الطفولة  الى عالم الرجولة وتناسى ان الرجولة مسئولية .. وان الرجولة هي مناط التكليف .. وان خطواته اصبحت تحصى عليه .. وانه سوف يسئل عنها تحديدا فيما أفناها.

(1)

ومرت الايام وهو يلهث وراء نزواته يتطلع اليها ولا ينال منها غير ظلالها حتى أثخنته الاحلام  وتثاقلت عليه الهموم وأراد ان يقترف بعض هذه الاحلام من مخيلته كي يلبي بها رغباته ويشبع بها جموح شهواته ولكنه لا يستطيع الى ذلك سبيلا فقد كبلته التقاليد وكان كثيرا ما يطارده شبح العار وكم أرهقه الخوف من الاقتراض وكيفية وفاءه فهذه الرذيلة في معتقده دين اذا اقترضه كان الوفاء من اهل بيته فكما تدين تدان مذهب سائد وعرف متعارف عليه وكثيرا ما يصارع نفسه ويحاصرها حتى لا تتجاوز اسوار الواقع وفي بعض الاحيان تغلبه الشهوة فيرتكب بعض الحماقات مبررا لنفسه جريرته .. كيف يقاوم هذه المناظر الطبيعية المزدحمة بالتضاريس والنتوءات الطبيعية الخلابة .. لوحات فنية صاغها الخالق تمشي على قدمين .. من بوسعه ان يغض الطرف عنها .. كان يقصد بذلك بنات حارته الفاتنات اللاتي تبرجت بهن الحارة فامتزج ظاهرها بالغرب واحتمل جوفها الشرق فبدت كصباح ملبد بالغيوم لا تدري أصباحا كان أم مساء.

(2)

وذات يوم سلك سبيله نحو عالم جديد يتطلع فيه الى تعبئة هذا الفراغ الذي استحوذ عليه واضطره الى اتباع شهواته والانسياق وراء رغباته هذا العالم الذي يرنوا اليه هو عالم القراءة لعله يجد فيه سلوته او ربما ينال فيه بوصلته فتتغير حياته وتستقيم أموره وبالفعل أخذ يقرأ .. ويقرأ .. ويرتوي من فيض المعرفة وبدأت المساحة التي تشغلها الشهوة بمخيلته تنقص  ولكن الشيطان دائما يبر بقسمه  فقعد له في هذا السبيل وأخرج له كتابا ذات طابع قديم في مظهره حيث دل على ذلك لون أوراقه وجلادته ورائحته المفعمة بتراكم السنين فتناوله وأخذ يتصفحه ابتداءً من عنوانه الذي لفت انتباهه كثيرا واستغرق بضع دقائق يتأمله .. شمس المعارف ولطائف العوارف .. ماذا تكون المادة التي يتضمنها هذا العنوان .. ان العلوم التي تلي هذا العنوان انما هي درب من الخيال .. ثم مر بأبواب الكتاب المختلفة وما احتوته من فنون السحر وطريقته وأسماء مردة الجن وطرق تحضيرهم ثم قال بطريقة حالمة:

ـ من يستطيع خرق قوانين ونواميس الطبيعة ..

ثم قال مستطردا:

ـ كيف استطيع ان انفذ الى عالم وضعت الحجب بيني وبينه .. عالم يراني من حيث لا أراه

فكان جواب عقله:

ـ لا تنفذون الا بسلطان

فانتبه ثم أمسك الكتاب بكلتا يديه واقتناه بثمن بخس جنيهات معدودة وغلبه الفضول وثار بركان شهوته الخامد واسقط حمما من الجنون فسولت له نفسه استدعاء فتاة من الجن ليستمتع بها  ولم يستطع ان يصبر الى ان يعود ادراجه الى بيته ويمهل نفسه برهة من الوقت كي يراجع نفسه وينظر الى عواقب ما سيقدم عليه.

 (3)

انصرف مهرولا الى البيت وقد أحضر معه مستلزمات التحضير من بخور عود وصندل وجاوي وماء ورد وعنبر ومسك ودم غزال وزعفران وكاغد كل ما ورد بالكتاب لتحضير بنت ابليس ثم أوى الى فراشه وألقى عليه كل هذه المستلزمات وألقى بنفسه في أحضان فراشه معانقا المستلزمات يستنشق عبيرها و ممسكا بالكتاب بكلتا يديه وقد أمطره بوابل من القبلات يحدث نفسه بصوت غير مسموع:

ـ أمن رحم هذا الكتاب ستولد فتاة تداعبني واداعبها

ثم قال مستطردا:

ـ كتاب ببضع جنيهات زواج بلا مؤونة

وفي هذه الاثناء استمع من مكان قريب أقرب اليه من حبل الوريد صوت يناديه بلغ صداه عنان عقله:

ـ ليس زواجا فهو ليس بسكن تستقر فيه النفس بل هو مجرد اداة للمضاجعة

فأجابه بشيء من الدهشة:

ـ وان كان كذلك فهو وسيلة تطمئن بها النفس فتأمن حواء بوائقها

قال ذلك ثم انتبه وكرر اجابته بصوت مرتفع:

ـ ان كان كذلك فهو وسيلة تطمئن بها النفس فتأمن حواء بوائقها

ثم أردف يقول:

ـ أعلم انك ضميري طرقت باب العقل ولكن بعد لحده في جوف الشهوة .. أنا بلا عقل .. الان بلا عقل .. أنا شهوة توقدها رغبة ان لم تجد ما تضرمه أحرقتني .. انه الاحساس بالذات وتذوق حلاوة هذه المرأة ايا كان اصلها والتي من المحتمل انني انتظرتها وبحثت عنها كثيرا في اروقة احلامي طوال حياتي .. الليلة سوف ادعوها فتستجيب والتقيها واستمتع بكل موضع فيها انني لا يجب اليوم ان ادع هذه الفرصة التي طالما حلمت بها ان تضيع مني .

(4)

ووسط هذه التأملات أخذته سنة من النوم فاختلط الواقع بالخيال كبحرين اثنين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج التقيا بدون برزخ فبغى احداهما على الاخر وكان ثملا من السعادة وبينما كان ممددا على فراشه كان باب غرفته مواربا تسرب منه الى داخل الغرفة دخان كثيف تجمع بين يديه على هيئة فتاة كلما تأملها تتضح ملامحها .. فتاة فائقة الجمال في حلة من الحرير الاحمر تتدلى منه ساقان ناصعتان البياض ويبرز منه حلاوة ذراعيها العاريين تغمرها انوثة مفرطة يكسوها ملمس ناعم ارق من ملمس الحرير الذي ترتديه .. ألجمته الدهشة في حين ظلت الفتاة تدنوا منه حتى التصقت به فتحرك الى حافة الفراش رغم انه شعر بخضوع بدنها لبدنه ليس خجلا ولا خوفا ولا اعراضا ولكنه رد فعل تلقائي من وقع المفاجئة عليه وما هي الا لحظات وتزاوج الجسدان وبدا كخيوط الضوء التي تعانق الفراغ وتغلغلت السعادة في ذهنه كخمر عتيق وأخذ يداعب خصرها بذراعيه ويدني شفتاه من فمها ولم تدم هذه السعادة الا لحظات كبرق ومض ثم تلاشى وتحولت الفتاة الى نار مستعرة التهمته فبدا كفتيل مشتعل تنصهر أشلاءه على صيحات المه .. يصرخ مستغيثا .. هل من مجير .. تمنى لو ان أحدا يوقظه من نومه ولبث قليلا يصارع العذاب في حلمه الى ان سقط من فوق فراشه فاسترد عقله وقام يتفل ناحية شماله ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يردد:

ـ الشهوة هي بنت ابليس ... عذاب يتدثر حسنا

 

وايقن ان الشهوة في غير محلها تتمخض ندما يعقبه الما لقد اطلع فرأها في اصل الجحيم.

alihamed

علي الفشني

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 232 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2020 بواسطة alihamed

ساحة النقاش

علي محمد حامد

alihamed
أنا قلم متصل بالوجدان مداده سيل العواطف المتدفق من منابعه و الجاري على صفحات الحياة طابعا عليها بواعث الأمل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

166,825