بطن الجسر
أطلق الفجر سراح النهار وانطلق الناس كلا الى مهمته وغايته غير ان احدهم بدا واقفا أسفل جسر بأطراف المدينة أطلق عليه الناس بطن الجسر لتدثره بالظلام في معظم أوقات النهار ولشدة عتمته بالليل وقف يستغيث ويصرخ: ((قتيل .. قتيل)) وأمامه مستلقي على الارض رجل غارق في دماءه لا يحرك ساكنا وما هي الا لحظات وتجمعت الناس من حوله وامطروا وابلا من التسائلات .. من هذا .. ومن الذي فعل به ذلك .. ومن الذي جاء به الى هنا .. وماذا كان يريد ؟ .. وتقدم أحدهم نحو القتيل متبرعا بفحصه .. يستمع الى نبض قلبه ويرصد حركة أنفاسه لقد فارق الحياة ولم تغادره مظاهرها فما زال وجهه مشرق كنور الصباح وما زال محتفظا بأشعة الشمس التي لم يقترض منها شيئا يفترش الارض كأنه حالم أدركه النعاس وقد بدا على الجميع علامات استفهام تنم على ان لا احدا يعرفه وان لا احدا سبق وان قابله او التقاه وان لا احدا يشبه عليه او ربما يعرفه من قريب او من بعيد وتلقفته الالسنة باحاديث تجافي حرمة الموت فقالوا:
ـ لقد سرق فقتل وهو يهرب
وقالوا:
ـ لقد زنا فاقتص منه
وقالوا:
ـ خصمان بغى احدهما على الاخر
وفي هذه الاثناء جاء رجل من اقصى الجسر من الناحية الاخرى يسعى قال:
ـ لقد فروا هاربين
ثم استطرد قائلا:
ـ قتلوه ... وهربوا
و خر على الارض مغشيا عليه قد انهكه الاعياء واصبح لا يستطيع ان يقيم صلبه من شدة الاجهاد ولم يلبث ان افاق وقام يصرخ في الناس:
ـ لم يقتلوه ولكنهم اغتالوا المروءة
ثم قال يثني على القتيل:
ـ شهيد المعروف .. ارتحل الى الاخرة بجواد المروءة .. قد أماط عن الفتاة الاذى ورفع عنها البلاء جاد بروحه في سبيل تحريرها من وطئة الاعتداء ومنعها من اختلاس عفتها ومن هتك بكارتها ونقض طهارتها وتلقى طعنة الغدر في شموخ تجليه هذه الابتسامة التي ابت ان تفارقه.
ساحة النقاش