المواطنة حصن الأمة
مقدمة
الحمد لله الذى أحاط بكل شئ علما ، والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذى أنار لنا طريق الهداية ، وأوصد من دوننا باب الغواية ، وبعد ...
فإنني أقدم هذا البحث إليكم بعنوان ( المواطنة حصن الأمـة )، راجيا من الله أن يحظى لديكم بقبول حسن .
وإننى أعتذر سلفا إن كان الصواب قد جانبنى هنا أو هناك ، فالخطأ فى الإدراك من سمات البشر والكمال لله وحده ، وله القصد أولا و أخيرا .
وأجدنى مسرورا أن أسجل شكرى لكل من أعاننى على إخراج هذا البحث وأخص بالثناء أصحاب المصادر الذين غرفــت من علمـهـم ، لهم منى جميعا خالص الشكر ولهم عند الله موفور الجزاء .
<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if !mso]> <object classid="clsid:38481807-CA0E-42D2-BF39-B33AF135CC4D" id=ieooui> </object> <style> st1\:*{behavior:url(#ieooui) } </style> <![endif]--><!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]--><!--<!--
موضوع البحث
1- مفهوم المواطنة
2- الحقوق ( المدنية ، السياسية ، الأقتصادية ، الأجتماعية ، الثقافية )
3- حرية العقيدة
4- المواطنة أم الأمة
5- المواطنة لغة
6- المواطنة اصطلاحا
7- المواطنة فى الموسوعات
8- المتحدثون بالمواطنة
9- عناصر المواطنة
10- المواطنة عبر التاريخ
11- لا دينية مفهوم المواطنة
12- ضيق المواطنة ومحدوديتها
13- الأمة وليست المواطنة
14- المواطنة فى تصورات بعض الأسلاميين
15- أخطار إدماج مفهوم المواطنة فى النسيج الثقافي للأمة
16- مبدأ المواطنة في استحقاق الدستور الدائم
17- مفهوم المواطنة الدستورية لدى هابر ماس
18- المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
ما هي المواطنة ؟ هل نستطيع أن نطبق هذا المفهوم في مجتمعاتنا التي ما زالت ولاءتها متبلورة حول العرق والجنس والقومي والديني ،مبتعدين كل البعد عن مفهوم المواطنة والتي تنطوي تحت مفهوم الانتماء للدولة وليس لشيء آخر.على الرغم من أن هذا المفهوم ليس حديثاً بل أنه قديم يرجع إلى عصور قديمة مثل اليونانية والرمانية ،وقد تطور مفهوم المواطنة بشكل مستمر إلا إنه تراجع بعد سقوط الإمبراطورية الرمانية ،وفي فترة الإقطاع وحتى نهاية العصور الوسطى والتي امتدت مابين 300حتى 1300 م ،وتطور مفهوم المواطنة بعد ذلك لتأثره بحدثين هامين هما إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1786 ،والمبادئ التي آتت بتا الثورة الفرنسية في عام 1789 فكانا نقطة تحول تاريخية في مفهوم المواطنة .
فما هي المواطنة كتعريف .
المواطنة بشكل بسيط وبدون تعقيد هي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض ،أي الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي لها ، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتعمق في مفهوم المواطنة وما يترتب عليها من أسس و كيفية منح المواطنة وغير ذلك من مفاهيم لم نمارسها في حياتنا اليومية ،فالمواطن هو الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة وينتسب إليها ،أي المكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية ،أي علاقة بين الأفراد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة ,ولكن هل يولد الإنسان مواطناً ومتى يصبح الفرد مواطناً حقيقياً .
إذا العنصر الأساسي في مفهوم المواطنة هو الانتماء الذي لا يمكن أن يتحقق بدون تربية المواطنة فهي ضرورية لتحقيق المواطنة ،من هنا نستنتج بأنه روح الديمقراطية هي المواطنة فلذلك قبل أن نتكلم عن الديمقراطية يجب أن نعي حقيقة المواطنة التي هي قلب النابض لمفهوم الديمقراطية ،من هنا ضرورة التطرق إلى حقوق وواجبات المواطن في الدولة التي ينتمي إليها ،فما هي الحقوق الأساسية لمفهوم المواطنة في دولة ديمقراطية ، فيترتب على المواطنة الديمقراطية ثلاثة أنواع رئيسية من حقوق وحريات التي يجب أن يتمتع بتا جميع المواطنين في الدولة دونما تميز من أي نوع ولا صيما التميز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو أي وضع آخر وهذه الحقوق كما يلي :-
وهي مجموعة من الحقوق تتمثل في حق المواطن في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الإحاطة بالكرامة وعدم إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي مواطن دون رضاه ، وعدم استرقاق أحد والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين ، وحق كل مواطن في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله أو توقيفه تعسفياً ، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة ، وحقه فسي حرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة إليها وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون ، وحقه في أن يعترف له بالشخصية القانونية وعدم التدخل في خصوصية المواطن أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته وحق كل مواطن في حماية القانون له ، وحقه في حرية الفكر ، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون وحق كل طفل في اكتساب جنسيته .
وتتمثل هذه الحقوق بحق الانتخابات في السلطة التشريعية والسلطات المحلية والبلديات والترشيح ، وحق كل مواطن بالعضوية في الأحزاب وتنظيم حركات وجمعيات ومحاولة التأثير على القرار السياسي وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن القانون والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة والحق في التجمع السلمي .
وتتمثل الحقوق الاقتصادية أساسا بحق كل مواطن في العمل والحق في العمل في ظروف منصفة والحرية النقابية من حيث النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب ، وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاهة الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية والحق في الغداء الكافي والحق في التامين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في الخدمات كافية لكل مواطن ، وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة هذه بالنسبة إلى الحقوق أم الواجبات التي تقع على عاتق المواطن فهيا كالآتي :-
1- واجب دفع الضرائب للدولة .
2- واجب إطاعة القوانين .
3- واجب الدفاع عن الدولة .
حيث تعتبر الواجبات المترتبة على المواطن نتيجة منطقية وامرأ مقبولاً في ضل نظام ديمقراطي حقيقي يوفر الحقوق والحريات للمواطن وبشكل متساوي وبدون تميز.
وأيضا ، يقصد بالمواطنة العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري، ويرتب التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هي:-
أولا- قيمة المساواة:-
التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء، واللجوء إلى الأساليب والأدوات القانونية لمواجهة موظفي الحكومة بما في هذا اللجوء إلى القضاء، والمعرفة والإلمام بتاريخ الوطن ومشاكله، والحصول على المعلومات التي تساعد على هذا.
ثانيا- قيمة الحرية:-
التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية تأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، حتى لو كان هذا الاحتجاج موجها ضد الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي .
ثالثا- قيمة المشاركة:-
التي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في تنظيم حملات الضغط السلمي على الحكومة أو بعض المسئولين لتغير سياستها أو برامجها أو بعض قراراتها، وممارسة كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم مثل التظاهر والإضراب كما ينظمها القانون، والتصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع أو لخدمة بعض أفراده، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها .
رابعا - المسئولية الاجتماعية:-
التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب، وتأدية الخدمة العسكرية للوطن، واحترام القانون، واحترم حرية وخصوصية الآخرين .
المواطنة ليست كلمة نسطرها في مقالات ولا أنشودة نتغنى بها في مناسبات.. بل هي حياة نحياها وواقع نعيش فيه.
المواطنة هي حصن فيه كيان الأمة يتحصن وقلعة بها وحدة الوطن تتمنع.. أساسها الدين لله والوطن للجميع حيث يتعايش الجميع معًا ساعين وراء الرزق تاركين أمر العقيدة والدين لصاحبه يكافئ ويجازي كيفما شاء.. نادى بها الرئيس مبارك مرارًا وأخرها في تهنئته للأقباط المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد 2009 حيث أكد أن لا أحد يستطيع المساس بوحدة الشعب الوطنية وأن الشعب القبطي مسيحييه ومسلميه يحيا تحت راية المواطنة حقوقًا وواجبات ومن قبله جسّد الزعيم مصطفى كامل هذه الحقيقة بفكره المستنير واضعًا قانون المواطنة وكان نصه "الدين لله والوطن للجميع"، وبحلول عام 1919 صك الشعب المصري عملة مواطنيه يعلو وجهها الصليب وكان الهلال على وجهها الآخر فكانت درعًا واقيًا أمام مطامع المستعمر.
وجاءت نكسة 67 السوداء طارحة راية الأمة أرضًا فقام الشعب المصري ونسج رايته من خيوط (مسلمسيحية) مشهرًا إياها سلاحًا فتاكًا عام 73 في وجه العدو طارحًا إياه بكل قوته وخطوطه المنيعة أرضا حيث تلى المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع وقتها آيات إنجيلية وأخرى قرآنية تحث الجنود كل حسب ديانته على الجهاد والتضحية.
هذا التاريخ المضيء قد سطر المواطنة بمداد الفكر المستنير فوق سطور حرية العقيدة الذهبية، لم تكن حرية العقيدة أساسًا للمواطنة في مصر فقط بل في كل بلدان العالم، فالفرد له مطلق الحرية فيما يعتقد وبما يدين وثمة تدخل من الحكومات في هذا الشأن يكون قهرًا يتنافى مع حقوق المواطنة.
ومن هنا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة 216 أد/ ن في 10 ديسمبر 1948 – المادة 18 الذي أعطى الفرد حرية الفكر والوجدان والدين والمعتقد وكان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 55 / 36 في 25 نوفمبر 1981 يمنع فيه قهر الفرد على عقيدة وأيضًا يمنع التمييز بين الأفراد على أساس المعتقد والدين.
كما جاء الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في الدورة المنعقدة لمجلس الرؤساء الأفارقة في نيروبي في 18 يونيو 1981 حيث أقرت المادة 8 حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية دون قيد على أي فرد.. كما ذخر القانون المصري بالنصوص التي تكفل للفرد حرية معتقده ودينه، ففي الدستور المصري لحماية حقوق الإنسان الباب الثاني الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة نصّت المادة 40 أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم بسبب اللغة أو الأصل أو الدين أو العقيدة أو الجنس.
كما جاءت المادة 46 من الدستور نفسه بأن الدولة تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وبلغت استنارة الفكر المصري في المادة 47 من القانون 143 لعام 1994 فقرة 2 حيث نصّ على تغيير العقيدة دون قيود، وهكذا اجتمع العالم كله واتفقت سائر الجهات في المسكونة على حقيقة واحدة تؤكد أن حرية العقيدة هي أحد أساسات هذه القلعة وواحدة من ركائز هذا الحصن وأن التمييز بين الأفراد بسببها يرجع إلى فكر الإرهاب المظلم الذي يمزق المواطنة محطمًا القلعة والحصن ويصبح المواطن عبدًا في وطنه، فلم ينظر الشعب الأمريكي لعقيدة أوباما الدينية الذي كان مسلمًا ثم تحوّل إلى المسيحية لأن هذا أمر خاص بين الفرد وربه بل نظر إلى كونه مواطنًا يصلح رئيسًا للبلاد، كما لم يهتم أوباما بكون داليا مجاهد المصرية الأصل مسلمة ومحجبة بل إلى كونها مواطنة أمريكية تصلح مستشارة في مجلس مستشاريه.
وفي مصر ومنذ أيام مضت ألغى المستشار فتحي هلال نائب رئيس مجلس الدولة قرارًا لوزير التعليم د. حسين الجمل بإيقاف معلمات في الإسماعيلية لأنهن منقبات وجاءت حيثيات الحُكم أن قرار الوزير مخالف لمبادئ حرية العقيدة والحرية الشخصية وأضاف المستشار هلال أن قرار الوزير جاء مفتقدًا للمبرر القانوني كما أنه يدل على الانحراف بالسلطة والابتعاد عن الصالح العام وهنا انتهى ما قاله نائب رئيس مجلس الدولة.
وأيضًا أكد لنا فضيلة د. علي جمعة مفتي الديار المصرية أن حرية الاعتقاد لا سلطان عليها فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كما أكد أن أحكام الإسلام جعلته ينتشر بالحسنة وليس بالسيف.
كل في وطنه يتمتع بمواطنته الممتزجة بحرية الدين والعقيدة ولكني أتساءل عن أحداث غريبة دخيلة على المواطنة المصرية، فشاهدنا ما حدث للأقباط البهائيين في سوهاج من ضرب وحرق وأخيرًا طُردوا من ديارهم، وما حدث لإخوتهم الأقباط المسيحيين ولا زال يحدث (بداية من الخانكة ومرورًا بالزاوية الحمراء فالكشح الأولى وبعدها الثانية ثم أحداث الإسكندرية إلى دير أبو فانا وما حدث في القليوبية) وننتقل إلى عين شمس والمنيا وغيرها من بقاع مصر حيث ضُربوا وجُرحوا وقُتلوا.. تهدمت كنائسهم وممتلكاتهم.. خُطفت بناتهم وأُجبرن على تغيير ديانتهن قهرًا.. كلها أحداث همجية بربرية دسها الإرهاب اللعين ليُعد مصر فريسة شهية على مائدة من يريد النيل منها ومن شعبها الواحد.
ومما آثار دهشتي وقلقي في الأيام القليلة الماضية ما حدث بعزبة دبوس – سمالوط في 4 أبريل 2009 حيث هوجم32 مسيحي كانوا يقيمون صلوات تبريك في منزل بنيامين عطية وكان السبب هو إقامة شعائر دينية دون تصريح.
إن مصر تقدست أرضها ببركة أديانها وشعبها المبارك المتدين، الكل يدعو الله من أجل سلامها وطمأنينتها وأمنها.. الأديان فيها تحث على التوبة والسلوك القويم وتنهي عن الخطية والجريمة فيعيش المواطن حياة آمنة كريمة... الكل يعبد الله الخالق دون إذن أو تصريح.. فهل من المعقول أن تُؤخذ موافقة المخلوق على الصلاة للخالق؟! هل من اللائق أن يُستأذن المخلوق لإقامة صلاة للخالق؟! هل مفروض على كل مَن يريد دعوة ربه ليرحمه ويحفظ بلاده أن يستصدر تصريحًا؟!
إن الإرهاب مد ألسنته المتقدة نارًا ليحرق المواطنة المصرية ليترك مصر رمادًا تدوسها أقدام الطامعين الطامحين للنيل منها.. إن التاريخ عامر حافل على مدى أيامه بسلوك المستعمر على اختلاف أجناسه منتهجًا سياسة "فرق تسد "وكان الإرهاب وسيلته والقضاء على مواطنة ووحدة الشعوب غايته ظافرًا بالبلاد بين أنيابه.. إن مصر الآن في حرب ضروس تواجه قنبلة إرهابية أبشع من قنبلة هيروشيما ونجازاكي.. هذه القنبلة موجهة لهدم أقوى أعمدة المواطنة.. حرية العقيدة.. موجهة لإيجاد التمييز بين أبناء الشعب في إقامة الشعائر ودور العبادة.. في الكيل بمكيالين بين عناصره.. في تبرئة المعتدي وإدانة المظلوم.. في قصر الوظائف القيادية على جانب دون الآخر حينئذ تنفتح الثغرات للفتك بالأمة مجتمعة بكل فئاتها ولن يملك أحد إلا الندم على انهيار حصن المواطنة.
أحبائي إن ثروة مصر الحقيقية في أبنائها الساكنين في منجم مواطنتها المرتكزة على أعمدتها الرصينة، هذه هي مصر وهذا هو فكرها المستنير وما خالفه من أفكار وتيارات إرهابية سوداء هو دخيل وغريب على شخصية مصر ومواطنتها الرصينة ومواطنيها الأوفياء.
أدعو كل مصري مثقف أن يتسلح بالفكر المستنير وأن يجاهد مدافعًا عن المواطنة في وطننا وعن مسيرته نحو الفكر المستنير... أدعو كل مصري أمين لرفض الإرهاب ونبذ كل من يريد إضرام نار التمييز بين أبناء الأمة مثل المغلول ابن النجار زغلول عندما انبرى مشوشًا كعادته في برنامج "على الهوا" مع جمال عنايت قائلاً "أن النصارى في مصر رفعوا رؤوسهم وأن الحكومة ضعيفة أمامهم ولابد أن يلزموا حدودهم ولازم يتعلموا الأدب"!! كلام غريب ودخيل على وطننا لا يخرج من بين شفتي أحد يخلص لهذا الوطن... كلام ملئ بالحقد والكراهية للوطن ومواطنيه جميعًا.. كلام من قلب سكن داخله الإرهاب وسجن وراء قضبانه المحبة والإخاء فأطاح بالمواطنة ومصيرها إلى الفناء.
أدعو كل مَن يحب هذا الوطن العظيم إلى الاحتماء بذلك الحصن المنيع وأعمدته الرصينة
( المواطنة ) .
وقبل أن أختم لا يفوتني أن أبعث وإخواني في المهجر فائق الاحترام والتقدير إلى فخامة الرئيس محمد حسني مبارك مؤكدا لفخامته حُبنا الصادق لمصرنا في شخصه الكريم.. مؤكدًا لسيادته أن أبناءه في المهجر لم ولن ينسوا مصرهم المباركة من الله... معلنًا ولائنا لوطننا الغالي واعتزازنا بمواطنتنا فيه مهما بلغت المسافات بيننا.. مجددين الثقة في قيادته الرشيدة العادلة والتي تعطي كل ذي حق حقه.. ولا تسمح لأنياب الإرهاب اللعين أن تلتهم مواطنًا . واحدًا من شعبه.. فأنت قائد مسيرتنا وحامي وطننا وداعم أعمدة المواطنة .
تمر كثير من النخب المثقفة في عالمنا الإسلامي بشقيه العربي والعجمي منذ عقود بأزمة فكرية حادة، وحالة انهزامية واضحة، أمام كثير من المصطلحات الوافدة من العالم الغربي (المتقدم تقنيا)، ويتمثل ذلك في قبول تلك المصطلحات، والترويج لها، والدعوة إلى تعميمها؛ لتسود مناخنا الفكري والثقافي، ومهاجمة من يقف في الاتجاه المعاكس، بل والساكت الذي لا يظهر موافقة ومشايعة، ويشاركهم في هذا فئة تنتسب إلى العلم الشرعي ويزيدون عليهم بمحاولة إضفاء مسحة أو شكل إسلامي على تلك المصطلحات بأساليب غريبة وبعيدة عن أساليب أهل العلم ومجافية لأصول الاستدلال المستقرة لدي العلماء، فيتسولون الدلالات ويستنطقون النصوص باستكراهها ليزرعوا هذه المصطلحات ويستنبتونها في بنية المنظومة الثقافية الإسلامية، يفعلون ذلك مع أكثر المصطلحات القادمة من وراء البحار وكأن دور الإسلام مع هذه المصطلحات الشهادة لها بالسبق والتصديق عليها بالإصابة.
منذ عقود طويلة استقدمت كثير من المصطلحات كالاشتراكية والعلمانية وتحرير المرأة والرأسمالية والديمقراطية والمعارضة والأحزاب السياسية والليبرالية والدولة المدنية، وغير ذلك، وقد تبين فساد مدلولات بعض تلك المصطلحات بعد فترة من الزمن رغم الوهج الذي كانت تتمتع به عند ظهورها، وما زالت هناك مصطلحات لها وجود وحضور وتأثير في الواقع رغم عدم صلاحيتها ومخالفتها للشرع المنيف، وقد تعرضتُ في مرات سابقة لمدلولات بعض هذه المصطلحات كالديمقراطية والعلمانية والمعارضة والدولة المدنية، والمشاركة في البرلمان وغير ذلك وبينت بعض مخالفاتها للشريعة، وفي هذا المقال نتعرض لمصطلح المواطنة الذي كثر تداوله هذه الأيام وأصبح له وجود فاعل وتأثير واضح في القوانين والفكر والثقافة والمجتمع، وإن كان هذا المصطلح بدأ في التعرض للاهتزاز فيما يشبه الأزمة، وذلك بفعل تأثيرات العولمة الملغية لتأثيرات الحدود (الجغرافيا) ولخصوصيات المجتمعات )الثقافة والفكر والعادات) والتي تستهدف إلغاء أو كسر الحاجز الوطني .
لفظ المواطنة لغة مأخوذ من مادة "و ط ن" لكن ليس على المعنى المصطلح عليه، وفي لسان العرب: "الوطن المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله والجمع أوطان، وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها... وطن بالمكان وأوطن: أقام، وأوطنه: اتخذه وطنا، يقال أوطن فلان أرض كذا وكذا: أي اتخذها محلا ومسكنا يقيم فيها، والميطان: الموضع الذي يوطن لترسل منه الخيل في السباق، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: "كان لا يوطن الأماكن"[1]، أي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به، والموطن: مفعل منه، ويسمى به المشهد من مشاهد الحرب وجمعه مواطن، والموطن: المشهد من مشاهد الحرب، وفي التنزيل العزيز :"لقد نصركم الله في مواطن كثيرة""[2]، وفي المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: "الوطن: مكان الإنسان ومقره، ومنه قيل لمربض الغنم: وطن، والجمع أوطان مثل سبب وأسباب، وأوطن الرجل البلد واستوطنه وتوطنه: اتخذه وطنا، والموطن مثل الوطن والجمع مواطن مثل مسجد ومساجد، والموطن أيضا: المشهد من مشاهد الحرب، ووطن نفسه على الأمر توطينا: مهدها لفعله وذللها، وواطنه مواطنة مثل وافقه موافقة وزنا ومعنى"، فالكلمة تدور حول المكان والإقامة فيه، وليست تحمل مدلولا اصطلاحيا يحمل قيمة تزيد عن معناها اللغوي، ومن هنا يتبين أنه لا دلالة لغوية في كلمة هذه المادة "وطن" على المعاني والدلالات التي أريد لها أن تحملها والتي نعرض لها لاحقا، وقد حاول البعض[3] أن يستخرج عن طريق القياس دلالة لغوية على جواز استعمال لفظ المواطنة بمعنى المعايشة، ورغم أن هذا الاستعمال لا وجود له في لغة العرب، بل هو محدث، فإنه بفرض وجوده أو صوابه فإنه لا يدل على المعنى الاصطلاحي الذي يراد أن يدل عليه لفظ المواطنة .
لكن هذا اللفظ أريد له أن يحمل بعدا فكريا وأيدلوجيا تبنى على أساسه التصورات والتصرفات في الوطن الذي يحمل اسم "دولة" ليحل محل الدين في صياغة التصورات والأفكار وإقامة العلاقات، خاصة أن هذا المصطلح ارتبطت بدايات ظهوره بتنحية الدين في العالم الغربي النصراني الذي ظهر فيه، وتغليب مفاهيم بديلة تتنكر للدين وتعلي من قيمة الجنسية والتراب الوطني والاعتزاز به أكثر من غيره، والانتماء إلى تراثه التاريخي وعاداته وثقافته ولغته، والتي شكلت نسيجا يحيط بالوطن حتى حولته إلى رمز يُوالى فيه ويُعادى عليه ومنه تستنبط القيم والسلوك و العادات؛ وعلى أساسه تحدد الحقوق والواجبات بعيدا عن الدين أو أي موروث فكري أو ثقافي يعارض هذه الفكرة، حيث يعمل على إذابة كل الأفكار والانتماءات العقدية والعرقية
ورغم أن مصطلح المواطنة لم يوجد على هذه الصورة أول أمره بل أخذ يتطور وينتقل من مفهوم إلى مفهوم، بحيث لا يمكن الوقوف على تعريف جامع له، إلا أنه ينظر للمواطنة بوجه عام على أنها علاقة قانونية بين الفرد (المواطن)[4] وبين الوطن الذي تمثله الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث تنظم القوانين السائدة هذه العلاقة، والتي تقوم على أساس الانتماء لوطن واحد خاضع لنظام سياسي واحد بعيدا عن الارتباط بشيء خارج إطار الوطن سواء كان الدين أو الثقافة أو غير ذلك، ، وهي علاقة اصطناعية ليست علاقة طبيعية، فهي ليست صفة لصيقة للإنسان بمقتضى إنسانيته بل هناك طرق لاكتسابها كما أن الإنسان يمكن أن بفقدها وفق شروط وضوابط معينة.
كما أن الأحكام المنظمة لهذه العلاقة قابلة للتغيير انطلاقا من إمكانية تغيير القوانين التي تضبط حدود تلك العلاقة وتبين الحقوق والواجبات المترتبة عليها.
وقد نصت كثير من الموسوعات كدائرة المعارف البريطانية والموسوعة السياسية لعبد الوهاب الكيالي، وقاموس علم الاجتماع لمحمد عاطف غيث على أن المواطنة علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق يتمتع بها وواجبات يلتزم بها، انطلاقا من انتمائه إلى الوطن الذي يفرض عليه ذلك، ومن هنا يتبين أن المواطنة أضحت فكرة وتصورا تنبثق منها الحقوق والواجبات وتتحدد على أساسها الالتزامات، وتحولت بذلك إلى أيديولوجيا يلتف حولها الأفراد في الوطن الواحد على اختلاف لغاتهم ومللهم ونحلهم.
وانطلاقا من مبدأ المواطنة يصير جميع الأفراد (المواطنين) في مركز قانوني واحد، فما يجوز لفرد يجوز لجميع الأفراد، وما يمنع منه فرد يمنع منه جميع الأفراد، ومع إيمان المسلمين بوجوب العدل مع الجميع حتى لو كانوا كفارا محاربين كما نصت على ذلك النصوص الشرعية، لكن النصوص أيضا اختصت الكفار ساكني دار الإسلام (أهل الذمة) ببعض الأحكام التي يختلفون فيها عن المسلمين، والأخذ بمبدأ المواطنة على النحو المتقدم يعني إهدار تلك الأحكام، وبمقتضى ذلك يجوز لليهودي أو النصراني من ساكني دار الإسلام أن يكون وليا لأمر المسلمين، وبمثل ذلك يقول كل الذين ينادون بمبدأ المواطنة، وهذا مما يتبين به تعارض مفهوم المواطنة مع الأحكام الشرعية في هذا الباب وأبواب أخر، ولا شك أن التقيد بالأحكام الشرعية يعني عدم القبول بمبدأ المواطنة أو التقيد به.
والكلام المنقول عن المحتفين بمبدأ المواطنة أو الآخذين به والداعين إليه يؤيد ذلك الكلام المتقدم ويؤكده.
يقول د/يحيى الجمل: "بوضوح وبإيجاز شديد، يعني مبدأ المواطنة أن كل مواطن يتساوى مع كل مواطن آخر في الحقوق والواجبات، ماداموا في مراكز قانونية واحدة... إذا صدرت قاعدة قانونية تقول إنه لا يجوز للمصري غير المسلم أن يتولى منصبًا معينًا أو ألا يباشر حقًا سياسيا معينًا فإن هذه القاعدة تكون غير دستورية لمخالفتها مبدأ المواطنة... إن حق المواطن بصفته مواطنًا أن يدخل أي حزب شاء، أو أن يلي أي منصب عام تنطبق عليه شروطه لا يرتبط بكونه منتميا إلي دين معين، أو أنه بغير دين أصلاً. فمن حق المواطن أن يكون مواطنًا حتى ولو لم يكن صاحب دين سماوي من الأديان الثلاثة المعروفة"[5].
فهذا القائل يرى أن المواطنة تتيح لكل أحد حتى لو كان ملحدا أو وثنيا أو من عباد الوثن أو عبيد الشيطان أن يكون وليا للأمر في بلاد المسلمين ما دام هو من سكان ذلك الوطن، ومن ثم فله الحق في التمسك بما يراه بل ويدعو إليه.
ويعدد علي خليفة الكواري مقومات الحكم الديمقراطي فيقول : "ثانيتها: مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية الفاعلة, واعتبار المواطنة -ولا شيء غيرها- مصدر الحقوق ومناط الواجبات دون تمييز، وأبرز مظاهر المواطنة الكاملة هي تساوي الفرص من حيث المنافسة على تولي السلطة وتفويض من يتولاها، وكذلك الحق المتساوي في الثروة العامة التي لا يجوز لأي أحد أن يدعي فيها حقا خاصا "[6].
فالمواطنة ولا شيء غير المواطنة- عند الكواري-(دينا كان أو غيره) مصدر الحقوق ومناط الواجبات.
وعلى الدرب نفسه تسير د/ منى مكرم عبيد، فبعد أن نقلت عدة تعريفات للمواطنة عقبت على ذلك برأيها في معنى هذه الكلمة وما يترتب على الأخذ بها فقالت: "وبوجه عام يمكن القول أن المواطنة تعني "العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري"[7].
فهي ترى أن المعايير القائمة على أساس الدين معايير تحكمية، أي معايير لا تعتمد على المنطق السليم والتفكير الرشيد، بل هي معايير لا تستند إلا لمنطق القهر والقوة وفرض الرأي على الآخرين.
من هذه المقولات وما يشبهها نجد أن المواطنة عند الآخذين بها تشتمل على عدة عناصر:-
1- علاقة قانونية بين فرد (مواطن) ودولة .
2- أساسها الاشتراك في وطن واحد .
3- وجود حقوق وواجبات متبادلة بين الفرد والدولة.
4- الوطن مصدر الحقوق والواجبات ولا شيء غيره .
5- المساواة بين الأفراد (المواطنين)جميعهم على قاعدة الاشتراك في الوطن .
6- خضوع الفرد (المواطن) لأنطمة المجتمع والتقيد بها .
7- استبعاد الدين من هذه العلاقة القانونية استبعادا مقصودا .
ويتبين من ذلك أن الدعوة إلى المواطنة هي في حقيقتها دعوة إلى العلمانية ولكن بمصلح جديد.
يرجع بعض الباحثين فكرة المواطنة إلى تاريخ متأخر جدا حيث يربطونها بدولة المدينة عند الإغريق في مدينة أثينا القديمة[8]، ومن اللافت للنظر أن كثيرا من الباحثين الغربيين يرجعون بدايات كل فكرة سياسية أو اجتماعية ذات قيمة لديهم إلى تلك المدينة، وكأنهم يريدون أن يبينوا أن لهم تاريخا يستندون إليه ويعتمدون عليه، ومن الصعب جدا-في ظل المعلومات المتوفرة عن مدينة أثينا- الحديث عن فكرة المواطنة فيها بمفهومها الحالي أو حتى قريبا منه، وإرجاع فكرة المواطنة إلى هذا التاريخ فيه تجاوز كبير إن لم يكن خطأ فادحا، مع العلم أن إرجاع هذه الفكرة لذلك التاريخ لا يعني صوابها، لكن من الممكن إرجاع البدايات المؤثرة والتي نتج عنها تطور هذا المفهوم للثورة الفرنسية العلمانية عام 1789 م وما تلاها، وقد ارتبط مفهوم المواطنة بالتطور السياسي في المجتمع الغربي النصراني حيث انتقل النظام من السلطة المطلقة الممنوحة للحكام بغير ضوابط إلى فكرة العقد الاجتماعي الذي قضى على سلطان الكنيسة، والذي انبنت عليه الدولة الحديثة في ثوبها العلماني القومي، وخاصة بعد تهميش الدين في نفوسهم وتحويله إلى مجرد شكليات وطقوس تؤدى في زمن محدد ومكان معين، ثم لا يكون لها خارج الوجدان الذاتي أدنى تأثير، والتي انتهت بكثير منهم إلى الإلحاد، وقد كان ابتداع فكرة المواطنة بمثابة حل للصراع القائم بين أصحاب التعددية العقدية والتعددية العرقية في المجتمع الغربي.
والآن تتعرض فكرة المواطنة لتحد كبير ناتج من التحديات التي أوجدتها العولمة المتغولة، حيث يراد إضعاف الهوية الوطنية، وإذابة المجتمعات في النسق الثقافي الغربي (فكرا-اقتصادا-سياسة)، وخاصة أمريكا، لتكون الدول المستهدفة بمثابة الحقل أو المنجم الذي يصب مواده الأولية في مصانع الغرب، بينما تباع مصنوعات الغرب في أسواقهم .
المواطنة-بالنسبة لمن يقولون بها-فكرة إنسانية بحتة، ليس لها أية مرجعية خارج نطاق الإنسان نفسه، يمكن أن تقاس عليها أو تحاكم من خلالها، ليس لها تعلق بالدين، ومن ثم فإن عقول البشر وأهواءهم هي التي تحكم هذه الفكرة وتضع لها المقاييس، وانطلاقا من هذا فإن الأفكار والعلاقات والقوانين المتعلقة بها تنتقل من وضع إلى وضع آخر ومن طور إلى طور ثان تبعا لزيادة علم الإنسان أو نقصانه وتبعا لحسن خلقه أو سوئه، وتبعا لما يراه محققا لمصالحه، فالمواطنة ليس لها أي مرجعية دينية، وإن حاول بعض من الناس إلصاقها بالدين، وقد بينت النقولات السابقة وغيرها تعارض فكرة المواطنة مع الدين، كما ظهر هذا التعارض عمليا عند إرادة تعديل الدستور المصري حيث رأى فريق من الناس أن المادة الثانية في الدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع تتعارض تماما مع مفهوم المواطنة.
إن عد التمسك بالشريعة الإسلامية معارضا تماما لمبدأ المواطنة يبين أن المراد بالمواطنة ليس ما يزعمه المروجون لها وهو حسن التعامل مع المخالف أو البر به والعدل معه ونحو ذلك من المقولات التي تملها الأسماع، بل المراد منها تنحية الشريعة وإبطال العمل بها، وأن يحتكم الناس إلى ما يرونه ويتفقون عليه.
المواطنة انطلاقا من تقيدها بالوطن وانحصارها في الأفراد الذين يسكنونه فإن معانيها ودلالاتها تختلف من بلد لآخر، وتنحصر في الحدود الجغرافية لكل وطن، فليس لها صفة العموم والشيوع، فالإنسان لا يعامل معاملة (المواطن) ولا يتمتع بحقوق المواطنة إلا داخل حدود دولة يحمل جنسيتها حتى لو عاش أغلب حياته خارج حدود الوطن، بينما الإنسان الذي لا يحمل جنسية دولة ما لا يتمتع بحقوق المواطنة فيها وإن جلس عشرات السنين، أو قضى عمره كله فيها يعطيها من فكره وعقله وجهده.
وأصحاب الفكر الديمقراطي لا يرون معنى حقيقيا للمواطنة إلا في دولة ديمقراطية ليبرالية، كما أن أصحاب الفكر الاشتراكي لا يرون معنى حقيقيا للمواطنة إلا في دولة ديمقراطية اشتراكية.
والمواطنة بالنسبة للمسلمين تمثل دعوى للتفرق والتشتت والتقوقع، فيكون هناك ولاء من الفرد (المواطن) لوطنه يلتزم بقوانينه ويدافع عنه، ولا يتعدى ذلك إلى محيطه الأوسع وأمته المترامية الأطراف، لأن المواطنة مرتبطة بأبعاد جغرافية محدودة لتحقيق منافع دنيوية.
وبتبني المواطنة والدعوة إليها تزداد عوامل الانعزال بين أوطان الأمة الواحدة، وانطلاقا من هذه المواطنة المحشورة في الوطن أفتى بعض المنسوبين للعلم، المسلمين في الجيش الأمريكي-عندما اعتدت أمريكا على أفغانستان-بجواز الاشتراك في مقاتلة المسلمين في أفغانستان، ومن قبل ذلك بعقود في بداية القرن العشرين الميلادي قامت في مصر دعوات مناهضة لاشتراك المصريين في مساعدة إخوانهم الليبيين ضد الاحتلال الإيطالي، فالمواطنة تفرق بين أبناء الأمة الواحدة وتجعل للمشاركين في الوطن المسلم-من أهل الديانات المباينة له-حقوقا ليست للمسلم من وطن آخر، مما يمثل إعلاء لرابطة المواطنة (الوطن) على رابطة الدين (الأمة)، وفي هذا مخالفة صريحة للنصوص الشرعية التي تعلي رابطة الإيمان وتجعلها فوق الروابط جميعها، فهناك روابط كثيرة تربط بين الأفراد كرابطة الأبوة والبنوة والأخوة والزوجية، والعشيرة والمال والتجارة والمساكن والأوطان، لكن لا ينبغي أن تقدم رابطة من تلك الروابط على رابطة الدين وحب الله ورسوله والجهاد في سبيله قال الله تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآ�