بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين..هكذا كانت أولى آيات سورة الفاتحة التي نقرؤها كل يوم 17 مرة في كل ركعة نركعها، إنها أوّل الأدوية في الروشتة القرآنية؛ الحمد بداية السعادة، فكما يُقال في فنون التنمية البشرية إن ما تكرره لنفسك وعلى أسماعك هو ما يتوجّه إليه سلوكك وتعيش به مشاعرك، مما يغير الواقع حولك، فحينما تكرر على نفسك كلمة الحمد، يتوجّه شعورك إلى الإحساس بنعم الله وعطائه، فأنت تحمد الله على نعمه، وهو ما يجعلك تشعر دائمًا بتلك النعم، فتسعد في حياتك وترضى.
وينتقل القرآن إلى الدواء الثاني الذي يكتب للإنسان السعادة والرضى، فيقول تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}؛ فكم من قلوب حائرة تائهة في حياتنا تلك؛ فيضع القرآن لها الحل الأمثل الذي يُحقّق لها الاطمئنان والأمان؛ إنه ذِكر الله، فمن يَذْكُر الله ويكثر من ذِكْره لا يشعر بالوحشة ولا بالخوف، ولا يخفى على أحدنا أن أهم أركان الحياة هو الركن الروحي، فمهما يعلو شأن البشر لا يطمئنون في الحياة إلا أن اطمأنت قلوبهم بِذِكْر الله ومعرفته سبحانه.
وفي موضع آخر يشير القرآن مباشرة إلى علاج أوجاع الإنسان في هذه الدنيا، فيقول تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أليس العسر يا إنسان ما يُؤلمك في هذه الحياة؟ أفلا تدري إذن أنه مع كل عسر يسران، يسر في حل العسر الذي أصابك، ويسر في تقويتك على كل عسر مشابه له، يسر في مواجهة العسر، ويسر في الثواب الذي تحصل عليه، ألا تشعر أن ربك بك رحيم رءوف؟ من يقرأ هذه الآية ويحزن بعد ذلك لعسر أصابه؟ إن نفس الإنسان تتقبل الألم مقابل المنفعة، أفلا تتقبل العسر مقابل يسرين؟
وبما أن الله اللطيف الخبير هو الذي خلق الإنسان، وهو أعلم بما في ضميره، ويعلم ما يحبّه الإنسان، وما يسعى إليه في هذه الدنيا؛ فهو وحده سبحانه من يرشد الإنسان إلى الطريق لتحقيق أهدافه؛ فالمولى جعل حب الإنسان في الدنيا في المال والذكور من البنين وحب الجمال والشعور بالسعادة، ثم يُبيّن المولى سبحانه وتعالى طريقة الحصول على كل هذه الأشياء في الدنيا، الحصول عليها مجتمعة معًا، يقول تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}؛ فبالاستغفار فقط تحصل على مغفرة الله في الآخرة، أما في الدنيا، فتحصل على الأمطار التي تزرع بها الأرض وتطمئن بها نفسك، ولن يُكلّفك الله سبحانه وتعالى عناء كبيرًا في زراعتها، فقد وعدك بأن يجعل لك بهذه الأمطار جنات وأنهارًا، وصرّح لك بأنه سيمدك بالمال، بل المال الكثير، فقد قال تعالى: {بِأَمْوَالٍ} ولم يقُل بمال، لتهنأ نفسك كما تشاء، وسيمدك بالبنين، وهو ما يعني الذكور فهي كلمة لا تطلق إلا على الذكور، ويجعل لك جنات وأنهارًا أي يجعلك تعيش في سعادة وهناء وشعور طاغٍ بالجمال والراحة النفسية بكل أشكالها، أليس هذا ما يبحث الإنسان عنه في الدنيا؟
إن كنت تبحث عن القوة والسيطرة، فسيمنحك الذكور من الأبناء ويمنحك المال..
وإن كنت تبحث عن السعادة وراحة البال، فسيمنحك الجنات والأنهار..
وإن كنت تبحث عن الأمان وكفاية احتياجاتك، فسيمنحك الأمطار بوفرة فلا تخف على نفسك من جوع أو عطش..
وإن كنت تبحث عن آخرتك والجنة، فسيمنحك المغفرة مما يدخلك جنته ورضاه..
ولاحظ أن هناك الكثير من الهبات والمنح ذكرت في الآيات بصورة غير مباشرة، لكنها مفهومة، فمنحك البنين يعني حياة زوجية مستقرة؛ لأنه تعالى قال {يُمْدِدْكُمْ}، والإمداد معناه المنح المتواصل، فهو تواصل في الحياة الزوجية السعيدة.
وكذلك تواصل في الصحة، فأنت في صحة وعافية أنت وأهلك بما يسمح لكما بإنجاب البنين بصورة متواصلة حتى ترضيا.
وتواصل إمداد المال يعني تواصل متع الإنفاق والحصول على ميزات الحياة كلها، كما تلاحظ أن المولى جعل الأموال قبل البنين، فأنتم تعيشون في رغد من الحياة، ثم يرزقكم الله بالبنين وأنتم في هذا الغنى وهذه السعادة.
وجعل الجنات قبل الأنهار ليؤُكّد لكم أنكم لن تتعبوا في زراعة تلك الجنات، بل هي منحة وهبة من المولى سبحانه وتعالى، فبعد أن يجعل لكم الجنات من أمطار السماء التي نزلت مدرارا، يجعل الأرض تتفجر بالأنهار لتكمل المشهد الرائع الذي يملؤكم بالسرور والسعادة.
عما تبحث أيضًا ولم تجده في تلك الآية؟
لا أجد إلا أن أقول الحمد لله رب العالمين..
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا..
ساحة النقاش