1- قصص مناسبة للأطفال


2- كيف اكتب قصة تربوية

أولا: كيف أحصل على المادة الخام؟


لا بد أن يتمتع الكاتب بروح الطفل الذي يكتشف الأشياء من حوله لأول مرة بكثير من السذاجة وكثير من الجرأة وكثير من الرغبة في المعرفة، إنه لا يكتفي بالنظر العابر، ولا يكف عن إطلاق التساؤلات وبأقصى قدر من النباهة واللجاجة، كما أنه أبدا لا يصل إلى إجابات مقنعة.. تماما كما لا تستهويه تلك الإجابات الجاهزة...


لا يمكن للكاتب أن يكون كالإنسان العادي يمر على الأشياء والأحداث مرور الكرام.. في العراك يهتم الجميع بفض الاشتباك أو على الأقل المتابعة البليدة إلا الكاتب... فهو يتابع العيون والوجوه.. التهديدات.. حتى السباب والشتم يتابعه بشغف.. يترصد الخوف في العيون.. والجبن والتخاذل أو الجبروت والتسلط.. ربما تذكر موقفًا مشابهًا أو أوحى إليه ذلك بفكرة قصة أو خاطرة.. لا يهم أن تكون قريبة أو بعيدة عن الحدث ربما صور هذا الشجار ذاته في أحد أعماله وبكل تفاصيله.. وربما قفز منها إلى فكرة التنازع على السلطة، أو حتى صراع الدول.


إن الكاتب يركب المواصلات العامة فلا يضيق بالزحام كالآخرين بل يلتهم الناس من حوله تأملا.. يرى اللص وعلامات الريبة على وجهه ويرى السائق والضيق ينهشه، ويرى العامل البسيط يعود من عمله منهك القوى وقد كلله العرق.. ويرى الفلاحة تبيع الزبد داخل الحافلة، ويرى... ويرى... لتكون تلك مادته التي يتكئ عليها حين يشرع في عمل.


وحسب نصيحة أحد الكتاب "اختبر فيك بديهة الطفل ورويّة الشيخ. طوّر قابليتك على رؤية المخلوقات والكائنات، انظرها -كل حين- وكأنك تراها لأول مرة... اعتياد الرؤية يقتل الأشياء يحنّطها، اخرج من شرنقة الاعتيادي والروتيني، لتكون كاتباً متفرداً".


إنه لا يرى في الشحاذ قذره وبطالته وملابسه الرثة، بل قد يرى فيه المجتمع الظالم.. والفساد الاقتصادي بل ووطنه الفقير أيضًا، وعامة فالكاتب الجيد هو ذاك الذين يجيد الإصغاء بجوارحه جميعًا لكل ما حوله، الطبيعة والبشر والناس والحيوانات والجماد أيضًا.


ثانيا: قبل كل قصة تكتبها اقرأ 10 كتب


لا بد للكاتب أن يقرأ ثم يقرأ ويقرأ ثم يعاود القراءة... وهذا ليس تكرارا لكن المراد القراءات المختلفة التي لا تغني إحداها عن الأخرى.. قراءة المتعة وقراءة الإفادة وقراءة المعرفة وقراءة الوقوف على نقاط الضعف والقوة.. إن الكاتب الجيد هو متذوق جيد بالأساس ثم هو ناقد جيد يعرف كيف يفهم العمل الفني، وهو حين يعجب بعمل ما وبقيمته الفنية يعرف كيف استطاع كاتبه أن يجوِّد عمله.. وما الذي أسهم في إعطائه تلك القيمة.


لا تعني القراءة هنا القراءة في الأدب فقط، لكن القراءة في الرياضة والسياسة والاقتصاد والتاريخ وغير ذلك من العلوم الإنسانية هي رصيد لا بد أن يضاف لك، وتبعا لكاتب فرنسي فإنه أثناء قراءته يتساءل: "ما الذي حبّب هذا الكتاب إليه؟ ما الذي كرّهه فيه؟ لماذا أثاره هنا وحرّك كوامن حزنه؟ كيف انتهج المؤلف أسلوبه ذاك؟ هل الأسلوب سلس أو معقّد، مبهم أم واضح؟ كيف تمَّ بناء الشخصيات وهندسة الأحداث، هل الحوارات مقنعة والسرد وافٍ، هل هي ضامرة وشاحبة لم تروِ ظمأ ولا أشبعت فضولاً؟".


ثالثا: ما الذي تريد أن تقوله؟


لا بد أن تقول شيئا لا يهم ماهية هذا الشيء يمكن أن يكون رأياً أو فكرة، أو فلسفة، أو دعوة أو تحذيراً أو حتى "نكتة"، بل يمكن أن يكون هذا الشيء هو اللاشيء… لكن المهم أن يكون هذا اللاشيء واضحا في ذهن صاحبه.. ولا نعني إلا أن الكاتب يمكن أن يعبر عن شاب ضاع هدفه وفقد بوصلته في الحياة ويختار الكاتب لذلك أن يكتب بلغة لا تعطي شيئا ولا تكون إلا أكوامًا من كلمات وحروف لينقل للمتلقي شعور الضياع والتشتت.. إن كافكا الكاتب الصهيوني سمي بالكاتب الكابوسي؛ لأن ما يكتبه يحاول أن يشرك القارئ معه في معاناة وضيق وهذا ما دارت حوله كل أعماله، وليس أدل على نجاحه من أن يقول الكاتب الفرنسي "جان جينيه": "يا له من حزن! لا شيء يمكن فعله مع كافكا هذا، فكلما اختبرته واقتربت منه أراني أبتعد عنه أكثر"؛ فالرجل نجح في إحباط قرائه ونقل الكابوس إليهم ورغم أن ذلك يبدو للبعض هدفا سيئا فإننا لا بد أن نبتعد عن تصنيف أهداف الكتاب إلى أهداف خيرة وأهداف شريرة لأنها ببساطة أهدافهم وهم أحرار حيالها.




بيت عند سفح جبل أو على شاطئ بحر.. غرفة ريفية منعزلة أو مقهى في ميدان مزدحم… لا يهم فإن شرطاً ثابتاً لنوعية مكان الكتابة ومواصفاته، لهو شرط عقيم لا يحالفه النجاح. ببساطة لأن لكل إنسان طريقة ما تناسبه وتفجر ما عنده؛ فالبعض يشترط على نفسه مكانا معينا والبعض قد يكتب في الأتوبيس.. إن شاعرا كبيرا كأمل دنقل وقاصا عظيما مثل يحيى الطاهر عبد الله كانا يكتبان على أظهر أغلفة علب السجائر، وربما التقط أحدهما ورقة من الرصيف الذي يمشي بجانبه ليسارع بتسجيل ما خطر له من نصوص.


وأنت أيها المبدع الواعد اكتب في المكان الذي يحلو لك الجلوس فيه، لا تقلّد أحداً ممن سبقك ولا تُعر انتباهاً لمن ينصحك في مثل هذه الجزئية، فلا تشترط الكتابة إلا جالساً على مكتب فخم ومرتب وعليه آنية بزهور يانعة، كما يفعل محمد حسنين هيكل. ولا تكتب إلا جالساً على أريكة صلدة كما كان يحلو لطه حسين إملاء كتبه على سكرتيره، أو تصرّ على الكتابة في ركن المطبخ كما فعلت فرجينيا وولف التي لم تشترط للكتابة إلا: "ركنا منعزلا وكرسيا ومنضدة للكتابة"، ومن طريف ما يذكر عنها أن كثيراً مما كتبت سجلته على حواف تذاكر القطار، وعلى العكس فإن الجاحظ لم يكن ليبدع إلا حين يؤجر دكاكين الورّاقين ويبيت فيها، ليتمكن من الكتابة، وخلاصة الأمر أنه لو كان بداخلك شيء فسيخرج في أي ظرف وتحت أي ضغط.. وإذا لم يكن هناك شيء فمهما فعلت ووفرت له الظروف فصدقني ستتعب ولن تجني شيئا ذا بال.

رابعًا: أين تكتب؟

خامسًا: كن الراوي الذي تريد؟


للقصة أنواع مختلفة.. من حيث الراوي فيمكن أن يكون الراوي هو البطل كأن يبدأ الكاتب الحديث على لسان البطل، يلبس سراويله وينام في فراشه، يتحدث حديثه ويمارس عاداته وهواياته. يتلكأ في الكلام أو يعرج أثناءه يحب أكل اللحوم ويهوي مشاهدة أفلاك الغرب الأمريكي...


ويمكن أن يكون الكاتب راوية فحسب.. لا يعدو أن يكون مراقباً نزيهاً وراصداً لحركات البطل أو الأبطال متابعاً سير الأحداث، دون أن يتدخل في السياق، فلا يفرض عليهم رأياً ولا يقدم لهم مشورة. محافظاً على ذاك البعد المحسوب والمسافة الدقيقة التي تفصله عنهم. إنه غريب عنهم، لكنه بينهم.


ومن الممكن أيضا أن يتقمص الكاتب روح كل كائنات القصة وأبطالها، يفصح عما في خلجاتهم ويدور مع نزعاتهم وبجميع الألسنة أو تعدد اللهجات.


سادسًا: كيف تنهي قصتك؟


النهاية البليغة لها تأثير كبير.. فالنهاية هي آخر ما يطالعه القارئ وبالتالي يمكن أن تكون الشيء الأكثر جاذبية فيها.. ولا نبالغ إذا قلنا بأن أحد أهم عناصر نجاح القصة نهايتها الموفقة، والنهاية الموفقة هي التي يمتد أثرها ولا يتبدد مع آخر كلمة لها.. يختار البعض أن تكون النهاية مخيبة لآمال القارئ بأن تسير به في اتجاه مغاير تماما لما يوجهه إليه العمل ككل.. ورغم إحباط القارئ فإنه يستبطن إعجابا بهذا القاص اللطيف الذي خدعه.. كأن يتحدث أحدهم عن محبوبته الغائبة ومعاني الشوق والعشق ثم تكتشف في النهاية أنه يتحدث عن ساقية أرضه.


ويمكن أن تكون النهاية مفتوحة تستدعي من المتلقي الاشتراك في العمل بعد نهايته بأن يسرح هو بخياله مع العمل ليتمه أو ليتناقش معه... والبعض يختار النهاية الدائرية بأن ينهي بجملة هي ذاتها التي بدأ بها ربما ليدلل على تكرار الحدث مرات ومرات، ويمكن أن نختم بما قاله أحد الكتاب "خبئ للقارئ دائماً في خاتمة القصة قطعة مُرّ أو حلوى.. قبلة أو صفعة، خبئ له مفاجأة ـ ولو صغيرة ـ تكون آخر هداياك له".


===============

3- استخدام القصة في تعليم الرياضيات

===============



4- تعليم الإنجليزية ( اللغات ) بالقصة القصيرة
تعليم الإنجليزية بالقصة القصيرة
كم هو مزعج في يوم امتحان مادة اللغة الإنجليزية،أن يضطر المدرس إلى أن يدور على كل فصل في المدرسة ليجد زميله الذي يقوم بالمراقبة وهو في ورطة كبيرة من شكوى الطلاب أنهم يريدون من " يترجم لهم الأسئلة " وأنهم لم يفهموا المطلوب فضلاً عن الإجابة عليه. في محاولة للخروج من هذه المشكلة (النصف فصلية) أطلب من طلابي في بداية كل سنة دراسية أن يحضروا قاموساً موحداً نتفق عليه لكي نتعلم اللغة من خلال ترجمة الكتاب المقرر وقد أضيع أسبوعا أو اثنين في تعليمهم كيفية استخدام القاموس. يظن بعض الناس أنه يمكن أن يتعلم الإنجليزية بمجرد النظر في القاموس ومحاولة حفظه، لكن هذه الطريقة غير صحيحة، لأنها لا تعلّم تراكيب اللغة ومنطقها وفلسفتها وبناءها، لا بد لمن يريد أن يتعلم الترجمة أن يبدأ من ترجمة " جملة كاملة ". الترجمة تثير حماس الطلاب بشكل كافٍ فكل واحد منهم يريد أن يقرأ ويريد أن يترجم، وهي أسلوب ناجح لأنها لا تقوم على التلقين وإنما تقوم على طريقة " افعله بنفسك " التي ثبت علمياً نجاحها، ويكون دور المدرس هو الإشراف والتوجيه، غير أنه يعكر عليّ أنني مضطر لأن أنهي المقرر في وقته، بما فيه من قواعد لا أراها ضرورية لتعلم لغة أجنبية وأعتقد أن الأفضل لكي نحصل على نتائج حقيقية في هذا المجال أن نلغي كل فصول القواعد من منهج اللغة الانجليزية في المراحل الابتدائية والمتوسطة وحتى الثانوية ونكتفي بدلاً منها فقط "بالترجمة". قصة قصيرة لا تتجاوز الصفحتين والثلاث ثم أسئلة مباشرة تناقش موضوع القصة ومدى استيعاب الطالب لأحداثها، ثم يقيّم في الامتحانات الشهرية والفصلية بناء على مدى استيعابه وفهمه لأحداث هذه القصص فقط دون سؤاله عن " إس " المفرد الغائب ولا الضمير التام ولا الفرق بين الفعل المضارع والفعل المستمر، لأن هذه التفاصيل بالإضافة لصعوبة استيعابها على طلابنا هي غير مفيدة لهم في حياتهم، هي تفيد من يريد أن يتخصص في هذا الفن فقط، وها هم كل البشر يتحدثون لغاتهم بقدر مفهوم وكثير منهم لا يعرفون ما هو الفعل المطلق ولا يدرون من هو " الأخ " الاسم المجرور ولا من جرّه. القصة القصيرة المكتوبة بالإنجليزية تملأ مكتبات العالم وبشيء من العمل والجهد بإمكاننا تحويل تلك القصص إلى منهج مفيد، علاوة على أنه سيثري طلابنا بالنصوص الأدبية التي تعرفها معظم الشعوب والتي سيكون لها دور في صقل عقولهم وتوسع مداركهم وتنوع معارفهم.
===========

5- استكشاف القصة وتعليم اللغة والكتابة

مدخل رؤيوي ومساحة معرفية

استكشاف القصة وتعليم اللغة والكتابة

إضاءة:


إن ما ارتأينا عنونته بالقصة وتعليم اللغة هو مساحة ما لتجربة العبور، وفضاء لمغامرة السؤال وعبور التجربة، للعبور بتعليم اللغة إلى مستويات وآفاق مغايرة للسائد، لمساءلة الطاغي في حياتنا، حتى لا تصبح مهمة التعليم تحويل الطلاب إلى نسخ بشرية (منسوخة أو ممسوخة) عن نموذج منجز وثابت، محبوك طبقاً لحكمة شاخت بعجزها وعجزت بشيخوختها، ولنعيد للتعليم براءته الأولى فيغدو فرصة للبحث والتفرد، فلكل فرد مسار وكل مسار فرد، وللبحث عن جديد الفكر والمعرفة عبر موضعة غاية التعليم في تفعيل ذلك الصراع الأبدي بين المجازفة والحكمة؛ الحكمة الساعية إلى ترويض الإنسان ومسخه، والمجازفة المنطلقة دوماً إلى الآتي تستقدمه، تبحث عنه وتحثه على الإقدام، وهذا ما دفعنا لاختيار القص سبيلاً لذلك، لكون القص يعني الحياة في صورة سردية، ويقدم اللغة في وضعية إنسانية وينتصر للتاريخ الآخر أو للآخر من التاريخ، ما يمكننا من اقتراح مقاربات تعليمية تتضمن رؤى نظرية نقدية، تخترق بنية التعليم السائد وتجتازها، ونشاطات تطبيقية إبداعية ونقدية تهدم الحدود وتُسائل اليقين فينا، وتخرجنا من عبودية الأجوبة إلى فضاء الأسئلة.


ما القصة؟ لماذا القصة؟


القصة، ليس المقالة أو القصيدة أو الخاطرة، نعم القصة بشكل خاص والنصوص السردية بشكل عام لأنها النص الذي بإمكانه أن يكون السياق الذي يحرر تعليم اللغة من شكله المجرد وصيغته الشكلية، الذي يحرم الطلاب من التعرف على اللغة في وجودها الحقيقي، ويحرم اللغة من دورها الجوهري وطاقاتها الرمزية، والقصة تجتاز ذلك وتتجاوزه، فهي الحياة في شكلها اللغوي، واللغة في وجودها الاجتماعي، ولذلك فالقصة كنص ضاجّ بالمعنى ومملوء به، وغير متعالٍ على الحياة ومنخرط فيها، توفر فرصة للطالب ليتعلم من الحياة ويتعلم للحياة، ما ينسجم مع منظورنا بأن هدف التعليم ليس إبقاء الطالب في كتاب، بل هو تعليم الطالب الانخراط في الحياة، وهذا ما يحققه التعليم داخل القصة، حيث يحقق التخيل والتذكر، والتفكير والمساءلة، والبحث والاستقصاء في سياقات إنسانية حقيقية، سواء أكانت واقعية أم متخيلة.


ما علاقة القصة بتعليم اللغة؟ ما علاقتها بالتربية المنظور إليها كسؤال وكفضاء ينتهك المسلمات ويقوضها؟

من منطلق فهمنا للغة، ذلك الفهم الذي لا يختزل اللغة إلى كونها أداة تواصل، فهذه إحدى وظائف اللغة، في حين أن اللغة في شكلها الإجمالي هي البنية الذهنية للإنسان. فقد كان لا بد من تبني توجهات معرفية تخرج عملية تعليم اللغة من وضعيتها الحالية كلغة مجردة وصورية، ومتعالية على دورها الوظيفي إلى وضعية مغايرة تمسي اللغة فيها نوعاً من التفكير الثقافي والحوار الاجتماعي، لتتحقق شكلاً للتفكير، وحاضنة للهوية، وفضاءا رمزياً للوجود الاجتماعي، ما دفعنا لتقديم بدائل لما يعلم في المدارس، بدائل للكتاب المدرسي تغنيه وتحاوره وتتصادم معه في الوقت نفسه. لقد تحقق الجزء الأكبر مما سيعرض في هذه المساحة في سياق مساءلة المناهج المدرسية عبر المعانقة اليومية لها، وعبر الشراكة مع المعلمين والمعلمات لإعادة النظر في المناهج المدرسية باعتبارها -طبقاً لرؤيتنا- خطاباً اجتماعياً يتضمن منظومة كلية تشمل الحياة والفكر والعالم، وليس ما يحصر في كتاب فقط. ولذلك، فهذا الجهد هو محاولة لإخراج التعليم من الكتاب والعودة به إلى مجاله الأوسع، ألا وهو الحياة الاجتماعية والعالم، وتوسلنا بالقصة، لكونها سياقاً يمنحنا الفرصة لرؤية سلوكنا وسلوك الآخرين في وضعية متخيلة، تمكننا من مساءلته وإعادة تنظيمه، وهي أفضل سياقات تعليم اللغة، ومن أكثرها فاعلية، حيث اللغة في السرد القصصي لغة حية وحقيقية، وليست لغة مجردة كما هي في الكتب المدرسية التي ما زالت تتناول اللغة باعتبارها لائحة من الكلمات ومصفوفات من الجمل. ولذلك، فإن ما نريد فعله هو إخراج التعليم من دائرة الجملة المجردة إلى النص الحي، ومن رؤية ترى أن تعليم اللغة هو تعليم لكلمات معزولة وقواعد مصفوفة، إلى رؤية ترى أن تعليم اللغة هو في حقيقته تعليم التفكير، وبناء الهوية، وهذا ما دفعنا للعمل على القصة، حيث هي الحياة في شكلها اللغوي السردي، واللغة في وجودها الاجتماعي.

ما المراد تحقيقه من هذه المساحة؟ يهدف هذا المحور إلى إعادة النظر في الشكل التعليمي لموضوع اللغة العربية في الصفوف المدرسية، وذلك من خلال التشارك مع المعلمين/المعلمات لخلق وتطوير:

• مجموعة من المفاهيم البديلة القادرة على التأسيس لأرضية تعليمية تتمكن من تحقيق التعليم الفاعل للغة، ومن هذه المفاهيم: التحليل النصي كمجال لمساءلة القيم واختبار اليقينيات، والكتابة كسياق لإنتاج المعنى وتأصيل النقد، والحوار الصفي كمنبر لإعادة النظر في أبنية الثقافة والمجتمع.
• قدرات المعلمين على مقاربة النصوص القصصية تعليمياً في الفضاء الصَّفي، بشكل فاعل في تعليم اللغة والكتابة، وتوظيف القصص في عملية تعليم اللغة، من خلال أشكال فاعلة وفعالة في تلقي النصوص وإنتاجها.
• توظيف الكتابة بشكل مختلف عبر إخراجها من وضعية طالب يستسلم للخطاب الدارج ويستلهم استعاراته المكررة والمكرورة ليقدمها لمعلم يمتحنه إلى حالة الكتابة كسياق للتفكير، ولبناء فهم شخصي وذاتي لمسألة أو مفهوم أو مشكلة تكون محور النشاط الكتابي.
كيف يمكن تحقيق هذا المبتغى؟ إن الشكل الأجدى لتعليم اللغة يجب أن يتحقق في سياقات ذات معنى ومن خلال توظيف تقنيات المناهج السيميائية ومناهج تحليل الخطاب، بالتضافر مع الأساليب والأعراف الدرامية، ما يحقق تعليماً فعالاً ومثيراً يقوم على:

المشروع في سياق تحققه التاريخي:
إن معنى أي شيء وقيمته لا تنفصل عن سياق إنتاجه، ولا عن طبيعة العملية التي أنتجته، ولا عن القوى التي تنتجه وتستولي عليه، فكل استيلاء على شيء ما هو تأويل له، كما أن كل تأويل هو نوع من الاستيلاء، ولذلك، فإننا نعتقد أن ثمة منجزات معرفية ومنهجية تحققت نتاجاً لمسار المشروع وفي خضم سيرورته، وما فيها من فجوات وثغرات اضطرتنا للعودة إلى سؤال المشروع ومساءلته، وما أفرزت من أخطاء دفعتنا إلى معالجتها وتقويضها.
ولذلك، يمكن القول إن لمشروع استدخال القصة في التعليم، قصة بدأت مع بداية النظر في الكتب المدرسية، حيث لأول مرة تطرح مناهج فلسطينية من حيث الشكل والمضمون، هكذا كان الحلم، وعندما لامس الواقع بدا ككابوس، فبدت المناهج الفلسطينية المطروحة نوعاً من التأكيد على الوضعية العربية (الحلم عابر والكابوس مقيم). وانحيازاً للحلم ومواجهة لرداءة الواقع، بدأنا النظر في الكتب المدرسية التي طرحت كمناهج مدرسية، وأثناء النظر اقتنعنا بضرورة تقديم شيء مرادف للمنهاج، مجاور له يضيف له، ويحاوره ويتصادم معه أيضاً، وهذه طبيعة تطور الأشياء، فبدأنا نفكر في العمل بشكل مختلف، عبر الدخول إلى النص بشكل عميق يوفر للطالب وسائل التعلم والرغبة فيه، حيث يحقق الإغراء قبل الإقناع. والمشروع لم يتحقق في فراغ، ولم يأت من الجلوس خلف مكتب، بل جاء من خلال العمل مع المعلمين والطلاب وعبر الاصطدام مع المناهج المدرسية والتفاعل معها من جهة، والانفتاح على منجزات العلوم النقدية والأدبية والتربوية من جهة أخرى. وقد سار المشروع منذ البداية على شكل مسارات متعددة المنابع تتوازى أحيانا لتتقاطع أحيانا أخرى، فبينما ونحن نلقى النظر على المناهج بهدف تقييمها وتطويرها، وقع اختيارنا على القصة "كثيمة" وموضوع رئيس، فبدأنا العمل على مقاربة القصص بشكل تعليمي جديد، ما استدعى منا العمل على البحث في المناهج النقدية الحديثة لتقديم أسس منهجية نوعية في مقاربة النصوص، في الوقت نفسه اكتشفنا "عطالة" القصص المقترحة في الكتب المدرسية، ما دفعنا للبحث عن قصص مختلفة تفي بالحاجة وتردم الفراغ، وقد ترافقت عمليتا التنقيب عن القصص والتأسيس النظري لمقاربة حديثة للنصوص مع الممارسة التطبيقية مع المعلمين في المساقات التربوية وورش العمل، ما دفع عملية بناء الأنشطة وتطبيقها وساهم في تطويرها وإغنائها نظرياً وإجرائياً، ذلك التلاقي بين المسارات الثلاثة وتفاعلها أثمر بدوره عن مجموعة من الكتب والأبحاث التي ستنشر ضمن هذا الموقع.
وفي هذا السياق، عملنا على دراسة مضامين الكتب المدرسية واشتغلنا على القصص الموجودة فيها، وقصص من خارجها، كما عملنا تجارب تطبيقية على هذه القصص، ونحن بصدد إصدار كتاب يتعلق بتحليل القصة الموجودة في الكتاب المدرسي، وتقديم اقتراحات أخرى أو بدائل للمحتوى والطريقة، ووجدنا أنه من الضروري أن نقدم كتاباً فيه مجموعة من القصص العالمية، وكتاباً آخر يتناول توظيف الدراما في التعليم عبر القصص، بشكل نقدم من خلاله مادة نظرية عن المناهج السيميائية، ومناهج تحليل الخطاب، وكيفية توظيفه في استكشاف القصص والنصوص السردية، ورزمة من القصص المتنوعة الملائمة كي تكون نصوصاً تعليمية فاعلة، ومادة تطبيقية على هذه القصص، وهذا ما نحاول عمله لتغطية هذه المساحة بأشكال متعددة.
بدل خلاصة:
أثناء العمل لتقديم مقترحات لتغيير طريقة تعليم اللغة، اكتشفنا أهمية تغيير لغة التعليم ليحل التساؤل محل التلقين، والنشاط محل المحاضرة، وتأتي المخيلة لتدعم الذاكرة وتجاورها في الفعل الصفي الذي ما زال يقتصر على عمليات الحشو والتذكر. ولذلك، حاولنا الجمع الخلاق بين التأسيس النظري لفكر رؤيوي مترحل، وبين الأجرأة التطبيقية لممارسات صفية تعتمد الكتابة والحوار كنشاطات وسياقات، ليؤسسا ويهيئا للتعليم في فلسطين مسرحاً تربوياً مغايراً يعاد تأثيثه دوماً بالجديد فكرياً وتطبيقياً، ليحل محل المثلوم والبائد.
1. الجمع بين التعليم والفن، عبر توظيف فنون الارتجال والدراما في إنتاج الكلام الفردي.

2. تقديم الحوارات القريبة من الواقع وتجاوز الحوارات المقولبة.

3. إفساح المجال لمبادرات وملاحظات المتعلمين لتشكِّل أساسيات الدرس والنشاط التعليمي.

4. تبني مفاهيم التلقي والإنتاج والتأويل والمقاربة والاستقصاء والانخراط بدل مفاهيم الإخبار والقراءة والإنشاء والشرح والتصميم … الخ.

5. اعتماد أساليب الحوار والدراما والكتابة النصية كسياقات تعلم تبنى داخل النصوص وعلى تخومها ومن خلال العمل داخل البنية النصية.

6. الاستناد إلى أن وحدة التعلم اللغوي هي معنى الكلمة، من منطلق أن معنى الكلمة ذو محتوى تفكيري ولغوي معاً، ولكون المعنى ليس شيئاً، ولكن عملية نمو مستمر من خلال التلقي للمعاني المختلفة ضمن سياقات نصية ووضعيات اجتماعية مختلفة، وإعادة تملك المتلقي له من خلال إعادة إنتاجه في كلامه بشكل يشحنه بمقاصده ونواياه.

7. استخدام تمارين ونشاطات ارتجالية ودرامية مثل: بناء سيمفونية العاطفة، والكلام في حقول شعورية مختلفة، والرسم على الأجساد، وعين الكاميرا وعين المصور، وأساليب وتكنيكات أخرى، لإثارة رغبة الطلاب ودافعيتهم للدخول في تعليم استكشافي.

================

6- الإعجاز الفني للقصة القرآنية

قصة المثل في القرآن الكريم

لم تدرك قريش ولا اليهود أن فتح باب المقارنة بين القصص القرآني والقصص اليهودي هو الذي أدى إلى انتشار الإسلام.
ميدل ايست اونلاين
بقلم د. أحمد شمس الدين الحجاجي
إلى الابن العزيز العالم الدكتور أحمد عطا
تحية حب وتقدير
***
أبحاث كثيرة تناولت القصة القرآنية كنوع أدبي ويرى هذا البحث أنها تنقسم إلى نوعين مختلفين أولهما قصة المثل، والثانية قصة الفعل. وهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ومختلفان أيضا اختلافاً واضحاً، ولكل منهما وظيفته الهامة المرتبطة بالعقيدة في جوانب متعددة، فقصة المثل ترتبط بالموقف الأخلاقي والاجتماعي للعقيدة، أما قصة الفعل فمع ارتباطها بالموقف الأخلاقي والاجتماعي فهي تقدم رؤية كاملة للكون والإنسان في العقيدة. وهذا البحث يتناول جانباً من جوانب الإعجاز الفني في القران الكريم وهي قصة المثل.
وإنه من الخير أن نبدأ بتوضيح أمر هام، وهو أن المقاييس المتاحة لنا والتي يمكننا بها أن نقيس الإعجاز القرآني مقاييس بشرية. فعقلنا البشرى هو الذي يتعامل مع المادة القرآنية، وليس أمام البشري حين يتعامل مع الكوني من مقياس سوى ما يصنعه العقل والقلب. ومن هنا فإنه من غير المقبول أن نرفض مناقشة أمر إلهي بمقاييسنا ذلك لأن القرآن الكريم كان يخاطب العقول والقلوب البشرية.
إن تجلية الإعجاز القرآني، وهو كلام الله لنا نحن كبشر لا تتأتى إلا باستخدام مقاييس بشرية فالقرآن الكريم معجزة نزلت على محمد لتعجز قدرة إبداعية متقدمة عند العرب.
فالقرآن هنا يتحدى القدرة الإبداعية للعرب، تماما كما تحدى موسى بعصاه القدرة المتطورة للسحر عند كهنة فرعون. وكان تفوق القرآن الكريم على المبدعين العرب من شعراء وناثرين أيضا الدليل الواضح على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه حين أعلن على الملأ من قومه رسالته أنكروا عليه أن يكون نبياً مرسلاً. ولم يكن معه عليه الصلاة والسلام من دليل على صدق قوله سوى القرآن الكريم، فالقرآن الكريم كان معجزة إلهية يحملها إلى العرب في مواجهة قدرة بشرية يملكها العرب وهي إبداعهم الأدبي.
ولقد حاولت قريش في البداية أن تشكك في القرآن الكريم على أنه إبداع بشري، فكان أن وصف الله كلامه بأنه {أحسن الحديث} ولقد كان هذا الوصف تحديا لكل إبداعهم الأدبي. وسار هذا التحدي شوطا بعيداً حين سألهم القرآن الكريم {قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات..}  وقدم لهم عرضا آخرا أقل جهدا من العرض الأول فسألهم أن يأتوا بسورة واحدة. {وأن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}..  ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما أخذ التحدى صورة أخرى أكثر ازدراء لقدراتهم الإبداعية، فهو يسألهم أن يلجأوا إلى كل القوى الأرضية والكونية التي يعبدونها من دون الله لتساعدهم على الإتيان بسورة من مثله {قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله} .
ولقد انتهى الأمر إلى إيمان العرب جميعا بأن هذا القرآن إعجاز لا تستطيع أن تصل إليه قدراتهم الإبداعية. وحين خرجوا يواجهون الفرس والروم ويحتلون قلاعهم وأرضهم لم يكن معهم ما يواجهون به هاتين الحضارتين سوى القرآن الكريم. أخذوا يتدارسون جوانب الإعجاز فيه من كل جوانيها. مما تسبب في صنع حضارة كبرى هي ما تعرف اليوم بالحضارة الإسلامية، فالقرآن في حقيقة الأمر كان إعجازاً لغوياً وفكرياً للعرب، كما أصبح إعجازاً حضارياً للبشرية جمعاء فقد كان النص الذي استقي منه جزء كبير من البشر معتقدهم، وكان أيضا النص الذي حاول جزء كبير من البشر دحض الاعتقاد فيه والتشكيك في صدقه، فهو نص حي قادر على العطاء المتجدد على مر العصور، وقادر على رد التحديات.
وفي هذا البحث سيكون النص القرآني الأساس الذي تعتمد عليه هذه الدراسة. وقد يلجأ البحث إلى بعض دراسات القدماء والمحدثين حوله، وقد يتطرق البحث أيضا إلى المقارنة بين عناصر الحكي فيه.
إنه يمكن القول بأن الدراسات حول موضوع الإعجاز القرآني كثيرة، فهناك دراسات متعددة للقدماء والمحدثين من مسلمين وغير مسلمين، غير أنه مهما تعددت الدراسات فإن الحديث عن موضوع الإعجاز القرآني لم ينته بعد، وأن التطور الذي حدث في الدراسات الإنسانية في علم الاجتماع والفلسفة والأدب يمكن أن يسهم مساهمة كبرى في كشف بعض عوالم القرآن الرحيبة.
***
لقد تعودنا عند مناقشة الإعجاز القرآني في مواجهة الإبداع الأدبي العربي أن نضع القرآن كله في مواجهة الشعر العربي الغنائي. والحقيقة أن التشكيل الفني للقرآن الكريم ينقسم إلى قسمين قسم غنائي والآخر قصصي. ويقف القسم الغنائي للقرآن الكريم في مواجهة غنائية الإبداع العربي من شعر ونثر متمثل في الخطب والوصايا وسجع الكهان. وهنا يبرز سؤال أين يقف القسم القصصي من القرآن الكريم؟ إنه لا يقف وحده وإنما يقف في مواجهة لون من الإبداع الأدبي وهو القصة العربية. ولقد أهمل مؤرخو الأدب العربي هذا اللون من الإبداع. ولم يضيفوه إلى القدرات العربية في إبداعها الأدبي.
يرجع هذا الإهمال إلى أن مؤرخي الأدب العربي اتجهت نظرتهم إلى الإبداع الغنائي واختصوا الشعر باهتماماتهم على أنه أهم ما أبدعته العقلية العربية قبل الإسلام.
وعند إعادة النظر إلى طبيعة الإبداع الأدبي في هذه المرحلة، فأنه يمكن رؤية الإبداع الغنائي مسيطرا على الجزيرة العربية حتى معركة خزاز التي انتصر فيها تجمع ربيعة الشمالي على عرب الجنوب بقيادة كليب التغلبي .
ولقد حدد مؤرخو الأدب العربي تاريخ الشعر العربي بهذه المعركة فإنها أفرزت شاعرا كالبراق، كما أفرزت المرحلة نفسها شاعرا عظيما ارتبط اسمه بالشعر فسمي المهلهل أي الذي هلهل الشعر.
وليس من السهل تقبل أن تكون بداية الشعر العربي هي المهلهل، أي فترة مائة وخمسين عاماً قبل الإسلام. فشعر المهلهل ليس بداية اكتمال الفن الشعرى وإنما الممثل لذروة النضج الغنائي للشعر العربي.
ولقد حفظت الذاكرة العربية شعرا لشاعرين ارتبطا نسبيا بالمهلهل هما: امرؤ القيس، وعمرو بن كلثوم، كما حفظت الذاكرة اسم شاعرين وقفا في الوجه المقابل لهما، وهما عبيد بن الآبرص المعاصر لامريء القيس، والحارث بن حلزة معاصر عمرو بن كلثوم وعدوه.
كان هناك أمر أغفله مؤرخو الأدب العربي؛ وهو أن هذه الفترة نفسها هي بداية تكون فني له قيمة كبرى في واقع الإبداع العربي، وهو الفن القصصي، فقد أدى تجمع عرب الشمال وانتصاراتهم على عرب الجنوب إلى إبراز حس الوحدة بينهم. صحيح أن هذا التجمع لم يستمر ولكن إحساس العرب بأنهم أمة واحدة لم يتوقف وقد تمثل ذلك في التجمع الكبير، في مواجهة قوة الفرس وهزيمتهم في معركة ذي قار وفرحة العرب جميعا بهذا الانتصار.
كان ذلك هو المناخ الملائم لخلق الجو القصصي. فقد ارتبطت القصة بالواقع التاريخي لهم، ارتبطت بأيامهم ووقائعهم وأمجادهم. وحين استقر المسلمون وأخذوا ينظرون إلى تاريخ هذه الفترة لجأوا إلى الإبداع القصصي دون أن يعدوه إبداعاً فنياً، وأنما عدوه رواية لواقعهم، ومن هنا تداخل الإبداع القصصي بالتاريخ ثم تداخلت رواية القصة الشعبية برواية العلماء، وأصبح لها سلسلة رواة تماماً كسلسلة رواية العلماء.
وإذا كان النقاد العرب لم يعدوا قصص هذه المرحلة إبداعا يدرسونه ويقومونه فإن القرآن الكريم واجهها على أنها إبداع أدبي. وعلى هذا فقد كانت القصة القرآنية تقف إعجازاً أمام القصص العربية. ويؤكد ذلك المقارنة بين قصصه والقصص الأخرى، فقصصه هي الحق {إن هذا لهو القصص الحق وما من إله ٍإلا الله} .
وحين يحدد القرآن الكريم صفة قصصه بأنها الحق فهو يقارن بينها وبين الأخرى من حيث صدق الحدث، فالقصص القرآنية تختلف عن غيرها من القصص في أنها حق بينما القصص الأخرى إبداع يدخل فيه الخيال البشرى. وكون القصة حقيقة صادقة لا يجعلها تفوق القصة المؤلفة، لذا فإن القرآن الكريم لا يتوقف عند حد وصف قصصه بالصدق بل يتعداه إلى أنها الأحسن. {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} .
وهنا يمتزج مفهوم الصدق بالإعجاز الفني المواجه للقدرة البشرية. فالقرآن الكريم بقصصه يوضح للنبي ما كان عنه غافلاً من قبل، كما يوضح أيضا أن هذه القصص أحسن صياغة من قصص صناعة البشر. فالقرآن هنا يعترف بوجود فن القصة العربي ويجعل من قصصه هي الأحسن. واستخدام الأحسن في المقارنة هنا لا يمكن تحديد حسنه فهو الأحسن على الإطلاق وفي أي وجه من وجوه المقارنة.
وعلى هذا فقد كانت القصة القرآنية تقف إعجازاً أمام القصص العربي.
ولقد كان للعرب قصاصهم المعروفون بقدراتهم الإبداعية في القص. ذكر مؤرخو الأدب العربي بعض أسمائهم، ولا يزال يتردد اسم عبيد بن شرية كواحد من أشهر قصاصهم المخضرمين، وقد عاش حتى استقدمه معاوية ليقص عليه قصص ملوك اليمن، وتذكر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أحد قصاص قريش المهمين وهو النضر بن الحارث، وكان من أهم الأسماء البارزة في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، النضر كان ذكيا يفهم الكلام ووجوهه ويقدره، يعرف قيمة القرآن ويكابر فيرفض الإيمان. تصفه السيرة بأنه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينصب له العداوة وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار.
وقام النضر بدور كبير في مواجهة الرسول وعداوته فاستخدم معرفته في الهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم، فاتهم ما يقوله محمد (ص) بأنه أساطير الأولين. ولقد ذكرت كلمة أساطير تسع مرات في القرآن الكريم كانت جميعها ردا على قوله. ولم يتوقف به الأمر عند هذا الحد وإنما روى عنه أنه قال "سأنزل مثل ما أنزل الله."
وسجل له القرآن الكريم موقفه هذا {قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا أن هذا إلا أساطير الأولين} . كان تحدي النضر تحديا عمليا مسيئا للرسول محاولا تشويه رسالته وتشويه حقيقة القرآن. فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه في محله إذا قام ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثا منه، فهلم إلى فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟
وفشل النضر في دعواه وفشل في تشويه رسالة محمد (ص) واعترف بأن ما نزل بقريش أمرآ عظيما وأخذ حديثه لرؤساء قريش شكل الاعتراف وهو يقول "يا معشر قريش، إنه والله نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم شاعر لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم." 
وبعد أن استمع الزعماء إلى ما يقول النضر بعثوه مع عقبة بن أبى معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة لعلهم يجدون لقريش مخرجا، وإنما دخلوا ودخلت مصادر علمهم القصصية في مقارنة مع قصص القرآن الكريم، فبعد أن أدخل النضر بن الحارث القصص الزرادشتي ليقف في مواجهة القصص القرآني حتى يبطل إعجازه يتجه إلى اليهود لتقف قصصهم في مواجهة القصص القرآني ليبطل إعجازه أيضا، وهو في الحقيقة قد أضاف بعدا جديدا يوسع دائرة المقارنة بين القصة القرآنية غيرها من القصص، ففي البداية كانت القصة القرآنية في مواجهة القصة العربية، ثم تحركت المواجهة لتصبح القصة القرآنية في مواجهة القصة الزرادشتية، وتتحرك القصة حركة كبيرة لتصبح القصة القرآنية في مواجهة القصة اليهودية.
إذ أن اليهود طلبوا من النضر وصاحبه أن يسألا محمدا عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح. وقال أحبار اليهود لهما "سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وأن لم يفعل فالرجل متقول، فرأوا فيه رأيكن، سلوه عن فتية في الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ماهي؟ .
ولم تكن قريش تبحث عن صدق محمد من عدمه فهي تعرف صدقه ولكنها كانت تبحث عن وسيلة لتعجزه، وتصورت أن تجدها عند اليهود غير
أنها فشلت فلقد أجاب محمد على الأسئلة بقصص أضافت إلى إعجاز القصص القرآني في مواجهتهم قوة ولكنهم أكدوا مع ذلك جحودهم لدعوته ونكرانها فقال قائلهم {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} (26 فصلت ).
الشيء الذي لم تدركه قريش ولا اليهود أن فتح باب المقارنة بين القصص القرآني والقصص اليهودي هو الذي أدى إلى انتشار الإسلام بين العرب كافة، فلقد استمع نفر من أهل المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ سورة يوسف فأدركوا أنهم أمام إعجاز فني يقف وراءه صدق ديني دفعهم إلى الإيمان بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام لتبدأ الدعوة الإسلامية دورا جديداً بهذا الإيمان، فمن هذه الجماعة بدأ الإسلام في السير في طريق جديد. وأخذ القرآن الكريم مساره ليتأكد إعجازاً فنياً لا تقف بجوار بلاغته بلاغة قصصية شفوية كانت أم مكتوبة.
أما صورة الإعجاز الفني للقصة القرآنية الذي سبق به القرآن الكريم جميع الأعمال التي حاول النضر بن الحارث وغيره أن يقارنوه بها فيمكن أن يتعرف عليها عند النظر إلى هذه القصص مجتمعة، وهي تأخذ شكلين واضحين هما قصة المثل وقصة الفعل.

alfaresmido

أنا مسلم .. أعتز بديني

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2011 بواسطة alfaresmido

ساحة النقاش

الفارس أحمد عطا

alfaresmido
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

116,098