أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

ظروف اقتراف الفعل المفزع المفرح

وهو من أهم المشاهد التى يجب أن تشملها أى قصة درامية ( تراجيكمدى ، أو تراجيديا عظيمة ، أو تراجيديا إلهية ، أو كوميديا عظيمة )

ويبقى الوجه الثانى: ظروف اقتراف الفعل المفزع ، وتختص به القصة الدرامية ( التراجيديا السوداء ، والكوميديا السوداء ، والتراجيديا الإلهية تحتملها ايضا وتكون صحيحة على أن يكون البطل هو من يقع عليه الفعل ) وسنتناوله فى المقال تالى.

   الفعل المفزع المخيف المفرح يتولد من الصراع على أشده بين البطل وواحد من مصارعيه وهما يجهلان حقيقة بعضهما ، ولكن لا يجهلان بعضهما ، حتى لحظة معينة يتم فيها التعرف من التكاشف أو من خلال طرف أخر أو أى نوع من أنواع التعرف العشرة  ، فيتوقف الفاعل عن استكمال الفعل , ويتم على عكس بدايته وهو مكمن الفرح على أن يكون المتصارعون تربطهم صلة قوية مثل صلة الدم أو النسب أو الشرف وهما لا يعرفان بذلك.

  ولا يتحقق الفزع بل الرعب  إلا بالقتل سواء كان قتلا جسديا  أو قتلا معنويا ، ومن شدة الخوف المتولد حتى يحدث التعرف فيتحول إلى فرح كبير وسعادة عظيمة .

1 - أن يهم الفاعل بفعله المفزع وهو يعرف من سيقع عليه الفعل ، ويعرف حقيقته ، ويتوقف عن الفعل فى اللحظة المناسبة .

 إن سيدنا إبراهيم  هو أبو إسماعيل فليس هناك علاقة أقرب من هذا ، ومع ذلك همَّ إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل– ابتلاء عظيم وامتحان شاق وصعب – الذي نجح فيه -  ولكن فى اللحظة المناسبة حدث التعرف من القوة العليا له بأن أنزل له كبش فداء ، ولذلك توقف إبراهيم عن استكمال الفعل المفزع الذى تحول إلى مفرح0

2- أن يهم الفاعل بفعله المفزع وهو يعرف من سيقع عليه الفعل ، ولكن لا يعرف حقيقته ، ويتوقف عن الفعل فى اللحظة المناسبة ، وهو من أروعهم وأكثرهم تأثيرا0

   فى قصة سراقة بن مالك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرسول يهاجر إلى مكة يسلك دروب الصحراء يخشى ويتخفى من قريش والمشركين، وكان سراقة قد عرف بما تنذره قريش لمن يقتل محمدا وصاحبه ، فطفق سراقة يسابق الريح يريد أن يظفر بما وهبه القرشيون الكفرة ، ويقول سراقة : حتى دنوت منهما فعثرت بي فرسي فخررت عنها ، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي  فاستخرجت منها الأزلام ، فاستقسمت بها : أضربهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره  0فركبت فرسي - وعصيت الأزلام – تقرب بى ، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله وهو لا يلتفت ، وأبو بكر يكثر الالتفات ، صاخت ( غرست ) يدا فرسي فى الأرض حتى بلغتا الركبتين ، فخررت عنها ، ثم زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها ، فلما استوت قائمة إذا لأثر يدها عثان ( غبار) ساطع فى السماء مثل الدخان ، فاستقسمت الأزلام فخرج الذي أكره ، فناديتهما بالأمان  فوقفا ، فركبت فرسي حتى جئتهما ، ووقع فى نفسي حين لقيته ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله ، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية ، وأخبرتهما إخبار ما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع " وما سبق يعتبر مشهدا كاملا تاما ، تتحقق فيه كل القواعد التى استنتجناها0

3- أن يهم الفاعل بفعله المفزع  وهو يعرف من سيقع عليه الفعل ، ولكن لا يعرف حقيقته ، وفى اللحظة المناسبة يعرف حقيقته فيكف عن الفعل ، وهو من أروعهم وأحسنهم على الإطلاق فنيا 0

   فى قصة مريم والمسيح ، علمنا أن قومها كانوا يعرفونها تمام المعرفة ، ولكن لا يعرفون حقيقتها وحقيقة إيمانها بالله وطلبها منه فى دعائها ودعاء والدتها زوجة عمران من أن يكون لها ولد من غير زوج وقد استجاب الله لها ،  ولكن عندما ولدت المسيح  وهى العذراء التى لم تتزوج ، اتهموها بما ليس فيها ولكنهم لا يعرفون ذلك ، وهنا كادوا يوقعون بها القتل المعنوي حتى أنطق الله المسيح الرضيع  ، وهنا عندما تم التعرف أو الاستكشاف واستبانت لهم الحقيقة كفوا وتوقفوا عن الفعل0 وهذا النوع من أجملها على الإطلاق 0 التعرف هنا تعرف  مباشر، وجاء من الإدهاش  وهو أحد أنواع التعرف 0

4- أن يهم الفاعل بفعله المفزع  وهو لا يعرف من سيقع عليه الفعل ، ولا يعرف حقيقته ، ثم في اللحظة المناسبة يعرفه ويعرف حقيقته ، فيتوقف عن الفعل ، وبه درجة ما من الجمال والروعة 0

  من حادث الهجرة للرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - أن فتيان قريش مسلحون بالسيوف البتارة الحادة يدخلون بيت الرسول يريدون قتله ، والرسول لم يكن هو النائم فى فراشه بل كان عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه وهم لا يعرفون ذلك ، وهموا بارتكاب الفعل المفزع ألا وهو القتل على حين غرة وخيانة ومباغتة ، وما إن اكتشفوا وعرفوا سيدنا عليا كرم الله وجهه فحدث لهم الاندهاش ، فهم بالطبع يعرفون حقيقته من يكون وابن من فيهم فى قريش ومن يكون أبوه وجده ، وحقيقة صلتهم به ، توقفوا عن ارتكاب الفعل المفزع0

وهذ النوع من أروع وأجمل أنواع إتيان الفعل المفزع المفرح ، فمن منا لم يخف ولم يفزع ونحن نرى الفتيان بسيوفهم البتارة يرفعونها ويكادون يهوون بها على سيدنا على 0

إن الفعل المفزع يحقق كل أغراضه والمطلوب منه من إثارة الخوف بل الرعب بداخلنا ، ولكن عندما توقف فى اللحظة المناسبة ، طهر نفوسنا من مخاوفنا ، فأسعدنا وأشعرنا بالراحة النفسية والأمان وهم نوع من العلاج النفسي المطلوب تحقيقه من كل عمل فني محترم نافع ممتع يستحق إنفاق الملايين من المال ، كما يستحق أن تتسابق على عرضه القنوات الفضائية والأرضية0

ـــــــــــــ

من اهم الأحداث التى يجب أن تشملها أى قصة درامية سواء كان فيلما أو مسلسلا أو مسرحية  تراجيدية أو كوميديه ، لأنه من اكبر الأدوات التى تربط بين الممثلين والمشاهدين لهم منا نحن الجمهور

كما انه هو الذى يحدد جنس القصة إن كانت مأسملهاة ، أو مأساة ،

كما أنه يؤكد على نبل الفاعل من ترديه ويؤكد النهاية هل الفرح أم الفاجعة

فعند توقف الفعل فى اللحظة المناسبة ويحدث الفرح من بعد الخوف تؤكد على نبل الفاعل ونهايته السعيدة ، وتكون القصة مأسملهاة .

اما عند اكمال الفعل ووقوعه فإنما يؤكد على وضاعة الفاعل وتأكيد نهايته الحتمية بالفاجعة أو الخسران الكبير والندم العظيم .

وكذلك هو من اكبر واعظم المشاهد الخالقة للخوف لدينا نحن المشاهدين تجاه البطل المأزوم اشد تأزم وهى يواجه بلية عظيمة تكاد تقضى على حياته وهو ليس بمقدوره رد أو مجابهة القوة المجابهة والمصارعة له ، وهنا يتجلى خلق واستنهاض الخوف بداخلنا عليه لأنه فى نظرنا لا يستحق أن يصرع أو يشقى لنبله ، وعندما يتوقف الفعل فى اللحظة المناسبة ويتلاشى المؤثر الذى كان يهدد حياة البطل نفرح ايما فرح ونسعد وهو بذلك يخلصنا من الخوف الذى تمكن منا ، وبعدها نشعر بالأمن ، والامن علاج النفس .

aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 52/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 387 مشاهدة
نشرت فى 25 ديسمبر 2010 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

124,011