بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فقد لفت نظرى أثناء قرأتى لتعليقات العلامة الألبانى على كتاب رياض الصالحين التعليق على الحديث رقم 8 من الكتاب فوجدته تعليقاً قيماً لما يحويه من تحقيق دقيق لم يسبقه إليه أحد على حد علمى ، لذلك قررت أن أنشره لتعم الفائدة للجميع ويصحح هذا الخطأ لمن لديه كتاب رياض الصالحين . وإليك عزيزى القارىء ما قاله العلامة الألبانى رحمه الله تعالى :
3- فوائد متفرقة
1- الحديث ( 8 ) " وعن أبى هريرة .. إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم . رواه مسلم "
قلت : وزاد مسلم وغيره فى رواية : " وأعمالكم " وهو مخرج فى "غاية المرام فى تخريج الحلال والحرام " ( 410 ) . وهذه الزيادة هامة جداً ، لأن كثيراً من الناس يفهمون الحديث بدونها فهماً خاطئاً ، فإذا أنت أمرتهم بما أمرهم به الشرع الحكيم من مثل إعفاء اللحية ، وترك التشبه بالكفار ، ونحو ذلك من التكاليف الشرعية ، أجابوك بأن العمدة على ما فى القلب ، واحتجوا على زعمهم بهذا الحديث ، دون أن يعلموا بهذه الزيادة الصحيحة الدالة على أن الله تبارك وتعالى ينظر أيضاً إلى أعمالهم ، فإن كانت صالحة قبلها وإلا ردها عليهم كما تدل على ذلك عديد من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال ، ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب ، وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل بيان فى حديث النعمان بن بشير : " ... ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، الا وهى القلب " ( الحديث 593 ) . وحديثه الآخر : " لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم " . أى قلوبكم ( الحديث 1096 ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله جميل يحب الجمال" . وهو وارد فى الجمال المادى المشروع خلافاً لظن الكثيرين . انظر الحديث ( 617) .
وإذا عرفت هذا ، فمن أفحش الخطأ الذى رأيته فى هذا الكتاب " الرياض " فى جميع نسخه المخطوطة والمطبوعة التى وقفت عليها ، أن الزيادة المذكورة قد استدركها المصنف - رحمه الله تعالى - فى الحديث ( 1578 ) لكن قلمه أو قلم كاتبه انحرف بها فوضعها فى مكان مفسد للمعنى . فوقعت فيه هكذا : " ... ولا إلى صوركم وأعمالكم ، ولكن ينظر ... " وانطلى ذلك على جميع الطابعين والمصححين والمعلقين ، لا اسنثنى من ذلك مصححى الطبعة المنيرية ولا غيرها . بل لقد انطلى أمرها على الشارح ابن علان نفسه فشرح الحديث على القلب ! فقال : ( 4 / 406 ) : " أى أنه تعالى لا يرتب الثواب على كبر الجسم ، وحسن الصورة وكثرة العمل " ! وهذا الشرح مما لا يخفى بطلانه لأنه مع منافاته للحديث فى نصه الصحيح ، معارض للنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أن تفاضل العباد فى الدرجات فى الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرة وقلة . من ذلك قوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجات مما عملوا ) [ سورة الأنعام اآية : 132 ] . وقوله فى الحديث القدسى : " ... يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ... " الحديث ( 113 ) وكيف يعقل أن لا ينظر الله إلى العمل كالأجساد والصور ، وهو الأساس فى دخول الجنة بعد الإيمان كما قال تعالى : ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) [ سورة النحل الآية : 32 ]
فتأمل كم يبعد التقليد أهله عن الصواب ، ويلقى بهم فى واد من الخطأ سحيق ، وما ذلك إلا لإعراضهم عن دراسة السنة فى أمهات كتبها المعتمدة المصححة ، والله المستعان .
وقريب من ذلك الخطأ قوله فى حديث مسلم ( 364 ، 457 ) عن أنس : ( سطر 5 ) " إنى لا أبكى إنى لأعلم " هكذا وقع فى الموضعين المشار إليهما وهو خطأ ، وصوابه : " ما أبكى أن لا أكون أعلم " كما فى صحيح مسلم ( 7 / 145) ، ولفظ ابن ماجه (1635) : " قالت : إنى لأعلم أن ما عند الله .. " وهذا مطابق لما وقع فى الكتاب لولا قوله فيه : " إنى لا أبكى " المفسد للمعنى كما هو ظاهر . وقد جاءت العبارة فى مرسل عكرمة عند الدارمى ( ص 22-23 - هندية ) قريباً من لفظ مسلم : " قالت : إنى والله ما أبكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا ، ولكنى أبكى ... "
ومن الغريب أن هذا الخطأ مما تتابعت عليه النسخ المخطوطة والمطبوعة أيضاً كلها ومنها نسخة الشارح ابن علان ( 2/223 ) ! أما النسخة التى طبعت حديثاً بدمشق - دار المأمون - فقد صححت من الخطأ من حيث المعنى دون الرجوع إلى الأصل ، أعنى " صحيح مسلم " ودون الإشارة إلى تتابع النسخ على الخطأ والعصمة لله وحده .
ساحة النقاش