أزمة مصر اليوم أزمة معقدة جداً للغاية ، لأن أبطالها من طراز خاص وفريد ، فهم يجيدون اللعب على كل الأوتار، فالملعب الآن يسع الجميع وكل فريق له أجنداته وأدواته والمرمى بدون حارس وتسجيل الأهداف سهل جداً لمن يجيد فن إصابة الهدف في مقتل ، وصعب على من لا يجيد التسجيل وخبرته قليلة في الملعب،ولكنه يحاول أن يثبت وجوده بأي طريقة كانت حتى لو سجل هدف من تسلل . فالنتيجة الآن لا تطمئن فهي لصالح النظام السابق ... لماذا ؟ لأنه يجيد فن إصابة الهدف في مقتل وهذه لعبته ، وجعل الآخرون ممن لا يجيدون فن التسجيل وخبرتهم قليلة في ذلك يتصرفون بطريقة انتحارية فالكل ينتحر ولا يدرى من يجذبه إلى هذا الانتحار الجماعي ، بل ويتلذذون بما يحدث من دمار وخراب ويجدون لذة ومتعة عندما يُنَفَّذ لهم طلب من مطالبهم ويزدادون جبروت ويتفننوا في لوى الأذرع بمليونية كل جمعة ، وتكون النتيجة تساقط كل حكومة يتم تعينها بأسرع ما يكون وسينتقل الوضع من انتخابات إلى أخرى وبفترات زمنية قياسية لأن ميدان التحرير موجود وَتَعوُّدَ عليه الشعب واستسهل ما يرافق ذلك من فوضى وتحدي وأعمال مخلة بالأمن من تدمير ونهب ، فنحن إذا أرادنا أن نعرف حقيقة هذه الأزمة وحقيقة ما يحدث من حولنا فلا بد أن نعمل عملية تبادل للأدوار بيننا وبين النظام حتى نفهم ونعى كيف يفكر هذا النظام بصرف النظر عن من المخطأ ومن المصيب ، لأننا نحلل واقع قد فرض علينا ولا داعي للبكاء على اللبن المسكوب ، فمن هنا يجب علينا أن نعرف كيف يتصرف النظام السابق وبجانبه أيضاً القوى الأخرى التي لها مصلحة في عدم استقرار مصر ، ولنبدأ أولاً بالنظام ، فالنظام وأعوانه لم يعترفوا بهذه الثورة على الإطلاق ويشعر بإهانة بالغة لما حدث لرموزه وخصوصاً رئيسه ، وعلى هذا الأساس بدأ في رسم سيناريوهات عديدة لمواجهة كل ما يحدث مع وضع تصور كامل لكل الاحتمالات مع العلم أنه واضع في كل حساباته تحقيق أكبر مكسب وأقل خسارة ممكنة في ذلك ، وقصده من ذلك ضرب هذه الحركة في مقتل وقلب الشعب عليهم والمطالبة بمحاكمتهم ، ويكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر فيثبت للشعب وللعالم أن هذه لم تكن ثورة حقيقة وأن كل من أيَّدَهم وساندهم كان مخطئاً ، وثانياً يثبتوا ذاتهم وكيانهم وهيبتهم بعد أن أضاعها شباب التحرير ، وأضاعوا أيضاً هيبة الدولة ، فالمشكلة الأساسية لدى النظام تكمن في نظرته لهؤلاء الشباب الذي قلب الأمور رأساً على عقب بأنهم شباب الفيس بوك والنت وأنهم عملاء ....؟؟؟ وأيضاً نظرته لمن استغل الفرصة وركب الموجة والتف حول هؤلاء الشباب ، بأنهم غير صادقين فيما يقولونه ويفعلونه لماذا لأنهم مكشوفين لديه من جهة أمن الدولة والمخابرات ، وكما يقال أنهما " العين التي ترى في الظلام " فكل من على الساحة من الشخصيات المشهورة البارزة القيادية له ملف خاص ومعروف لديهما معرفة شخصية تامة ويعلمون عنه كل شيء ويعرفون حقيقته التي تخفى على من حوله ، فلذلك هم يتعجبون من وطنيتهم الزائفة ومن شعاراتهم الكاذبة وحديثهم عن الفساد والتطهير و...... الخ . فالنظام لم ولن يترك الكعكة كلها لهؤلاء ولا لهؤلاء عملاً بالمثل العامي ( يا فيها يا أخفيها ) ، لأنه يعلم علم اليقين دور كل واحد منهم وأجندته ، وأما الصادقين منهم فهم قلة لا تأثير لهم فيما يحدث ولن يلتفت إليهم أحد ، إذن نحن أمام حقيقة مُرَّة غائبة عن أذهاننا جميعاً إلا من رحم ربى وتعتبر هذه الحقيقة هي السبب الرئيسى للأزمة التي نحن فيها الآن . آلا وهى هل نحن أهل لتغيير نظام الحكم وتغيير النظام وتطهير البلاد من الفساد و... و... ؟؟؟ وبمعنى آخر هل نحن تغيرنا أولاً للصورة التي نريد أن نغير النظام والبلد إليها ؟ ؟ ؟ وإجابة هذا السؤال هو السر في فشلنا في كل شيء ، فالنظام وكما قلت آنفاً ينظر إلى الشباب أنه شباب الفيس بوك وأنهم عملاء ... وينظر إلى الباقي على أنهم مهلهلين من داخلهم فهو يعلم عنهم الجانب الخفي المؤلم الذي لا يُؤَهَّلهم أصلاً في قيادة منزل أو أسرة فما بالك بقيادة بلد بأكملها ، وهذا حق يراد به باطل وكأن النظام مدرك لهذه الحقيقة التي تتجلى في قوله تعالى « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » وهذا ما يدركه ويعلمه النظام تماماً مما جعله يستخدم كل الطرق والأساليب لإجهاض هذه الثورة المزعومة ( على حد قوله ) لأنه يعلم تماماً أن معظم الشباب ومعظم من على الساحة الآن ليسوا أهلاً لذلك ، ويعلم أيضاً أن جميع التيارات الإسلامية لم ولن تتمكن من الحكم ، لهذا السبب الشرعي فهم أيضاً ليسوا أهلاً لذلك ، ومن ثَمَّ فمن السهل جداً السيطرة عليهم والتحكم فيهم وإشعال نار الفتنة بينهم حتى يقضوا على أنفسهم جميعاً وهذا ما يحدث الآن ، فالنظام الآن يحرك أطياف الشعب كالدمية . فنحن أمام العديد من السيناريوهات المتوقعة بعد 25يناير أكثرها تشاؤماً أن يظل النظام الحاكم القديم بعد اقتلاع رؤوسه ليأتي بوجوه جديدة فقط . أو كما يقول شاندرا مظفر العالم الماليزي "المباركية بدون مبارك"، ويعني أن تظل الأنظمة القمعية المتغلغلة في المجتمع مع تغيير الوجوه والأسماء فقط، وهذا السيناريو بالطبع سيكون مخيبا للآمال ولا يتلاءم مع تضحيات المحتجين والدم الذي قدموه ".
فالنظام السابق سيسعى حثيثاً لاستعادة دوره وامتيازاته لتقويض الثورة. . للسببان المذكوران آنفاً ، ناهيك عن ذلك ما تخططه تلك القوى الخفية [ سواء كانت خارجية أم داخلية وسواء كانت تابعة للنظام أم لا ] من مخططات شيطانية للوقيعة بين جميع أطياف الشعب التي سوف تؤدى في النهاية إلى حرق مصر بأكملها تلك المخططات التي لم يكشف عنها حتى الآن فما خفي كان أعظم ، ف مصر الآن تحترق وتمر بأزمة عنيفة وبهزات أعنف مما كانت تمر بها من قبل ، وهناك أبخرة قاتلة تتصاعد، وهناك حمم تتطاير في السماء. كل الشواهد من حولنا تدل على أن القادم أخطر وأصعب مما فات وسوف يأخذ في طريقه الأخضر واليابس ويدمرنا جميعا والخطورة هنا تتمثل في أن الأعداء قد يكونون ظاهرين وقد يكونون مختفين. وكثير من الثورات في الماضي تم إجهاضها على يد حُرَّاسها المفترضين. إذن فنحن أمام أزمة حقيقية مدمرة ..! الفوز فيها سيكون للأقوى وليس للأصلح وأخيراً اكتفى بهذا القدر ولعلي أكون قد استطعت توضيح الصورة بقدر المستطاع حتى نستطيع أن ندرك ما نحن فيه الآن ونعمل على إيجاد الحل المناسب للخروج من هذه الأزمة ، أسأل الله عز وجل أن ينقذنا مما نحن فيه ويولى علينا خيارنا ويهدينا إلى الحق فهو نعم المولى ونعم النصير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ساحة النقاش