أول الصحابـة إسلامـًا
اختلف السلف في أولهم إسلامـًا، والأورع أن يُقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصّديق، ومن الصبيان أو الأحداث علي بن أبي طالب، ومن النساء خديجة بنت خويلد، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال بن رباح رضي الله عنهم، والله أعلم.
المهـاجـرون
هم الذي أسلموا قبل فتح مـكة وهاجروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة واستوطنوها، وتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم، رغبةً فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرة لهذا الدين، ولا هجرة بعد الفتح.
الأنـصار
هم أهل المدينة النبوية (يثرب) الذين استقبلوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرين، وآووهم في المدينة وقاسموهم أموالهم ولم يبخلوا عليهم بشيء، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. جاءت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية بتعيين اسمي المهاجرين والأنصار؛ كما قال سبحانه وتعالى: - {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} [التوبة:100]. - {لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ} [التوبة:117]. - {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8،9]، والمقصود بـ {الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} الأنصار. - {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74]. وفي كتب الحديث جاءت تسمية الأنصار بذلك في أكثر من موضع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يناديهم (يا معشر الأنصار). وعن غيلان بن جرير قال: "قلتُ لأنسٍ: أَرَأَيْتَ اسمَ الأنصارِ، كنتم تُسَمَّوْن به، أم سمَّاكم اللهُ؟ قال: بل سمَّانا اللهُ" (البخاري:3776).
السـابـقـون الأولـون
اختُلِف في تعيين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على أقوال: أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين. الثاني: أنهم أهل بيعة الرضوان. الثالث: أنهم أهل بدر. الرابع: أنهم جميع الصحابة بلا استثناء وأن الذين اتبعوهم بإحسان هم تابعوهم من غير الصحابة. هذه الأقوال المنقولة عن السلف من الصحابة والتابعين. قال القرطبي: "واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم". وقال الذهبي رحمه الله: "والذي أرى في اللفظ دلالة عليه أن المراد بالسابقين الأولين الذين سبقوا إلى الإسلام والهجرة والنصرة، وابتدروا ذلك قبل تمكن الإسلام وتتابع الناس عليه، ولا شك أن أول من يدخل في هؤلاء أوائل من أسلم من المهاجرين كالخلفاء الأربعة ومن الأنصار الذين أسلموا ليلتي العقبة. ولعل جميع من أسلم حتى غزوة الحديبية من السابقين الأولين" (سير أعلام النبلاء).
أصحاب الهجرتين
ويُقصد بهم الصحابة الذين هاجروا أولًا إلى الحبشة ثم هاجروا ولحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. وفي الصحيحين أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأسماء بنت عُميس رضي الله عنها (وكانت قد هاجرت إلى الحبشة ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم مع زوجها جعفر وباقي المهاجرين بالمدينة)- قال لها: "سبَقناكم بالهجرةِ، فنحن أحقُّ برسولِ اللهِ منكم"، فذكرت أسماء ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ليس بأحقَّ بي منكم، وله ولأصحابهِ هجرةٌ واحدةُ، ولكم أنتم -أهلَ السفينةِ- هجرتان» (البخاري:4230، ومسلم:2503).
البـدريـون
وهم الذين شهدوا غزوة بدر الكبرى مع النبي صلى الله عليه وسلم أو غابوا لظروف وضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بسهام كأنهم شاركوا في القتال، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر. روى البخاري وغيره عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوزه معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاث مائة". وفي رواية الترمذي: "ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا". وقد وقع في بعض الروايات: "أربعة عشر"، وفي بعضها: "خمسة عشر"، وفي بعضها: "سبعة عشر"، وفي بعضها: "تسعة عشر". وفي رواية لابن جرير: أنهم كانوا ثلاث مائة وستة رجال. وقد جمع الحافظ ابن حجر في الفتح بين هذه الروايات بما خلاصته: أن الجميع لم يشهدوا القتال، وإنما شهده منهم خمسة أو ستة وثلاث مائة كما أخرجه ابن جرير، وكأنه لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبيّن وجه الجمع: بأن ثمانية أنفس عدوا من أهل بدر ولم يشهدوا القتال وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهام لكونهم تخلفوا في مهمات كلفهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد، وأبو لبابة، وعاصم بن عدي... وبعضهم ضم إليهم من حضر ولم يؤذن له في القتال لصغر سنه كالبراء بن عازب وابن عمر وأنس. فالخلاف إذا لفظي، فعدد الذين شاركوا في القتال بالفعل ثلاثمائة وستة، وما زاد على ذلك كان في مهمة تخدم المسلمين، ولهذا شاركوهم في الأجر والغنيمة. وفي الصحيحين عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا فقال: اعملوا ما شِئْتُمْ فقد غفرتُ لكم» (البخاري:4272، ومسلم:2494).
النـقـبـاء
في بيعة العقبة الثانية قدِم من الأنصار ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، واختار النبي منهم اثني عشر رجلًا نقيبًا على قومه ممثلًا عنهم، روى الهيثمي في (مجمع الزوائد: 6/45) "وَقَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْكُمْ يَكُونُونَ على قَوْمِهِمْ»، فَأَخْرَجُوا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْهُمْ تِسْعَةٌ من الخَزْرَجِ وثَلَاثَةٌ من الأَوْسِ" (صححه الألباني في فقه السيرة)، وهم: من الخزرج: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو. ومن الأوس: أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر
العـشرة المبـشرون بالجـنـة
وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعيد بن زيد وجدير بالذكر أن المبشرين بالجنة من الصحابة والصحابيات كثيرون، ولكن هؤلاء العشرة ذُكروا في وقتٍ واحدٍ في حديثٍ واحد عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أ «بو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة» (رواه الترمذي وصححه الألبانى
اهل الصفة
قال ابن حجر: الصُفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أُعِد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل. وأهْلُ الصَّفَّة هم فقراء المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم تكن لهم منازل يسكنونها، فكانوا يأوون إلى هذا المكان المظلّل في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وعُرفوا بأضياف الإسلام. قال أبو هريرة رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: "وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال، ولا على أحد، إذا أتته -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- صدقة، بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية، أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها". وكانوا يكثرون ويقلّون بحسب تبدّل الأحوال التي تحيط بهم، من يسر بعد عُسْر، أو شهادة في سبيل الله، أو غير ذلك. أما عددهم فقد كان يختلف باختلاف الأوقات، على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلاً. واشتهر بعضهم بالعلم كحذيفة بن اليمان وكأبي هريرة رضي الله عنهما، وكان أهل الصفة يشاركون في الجهاد، بل كان منهم الشهداء ببدر مثل صفوان بن بيضاء، وخريم بن فاتك الأسدي وخبيب بن يساف وسالم بن عمير وحارثة بن النعمان الأنصاري، ومنهم من استشهد بأحد مثل حنظلة غسيل الملائكة، ومنهم من شهد الحديبية مثل جرهد بن خويلد وأبو سريحة الغفاري، ومنهم من استشهد بخيبر مثل تقف بن عمرو، ومنهم من استشهد بتبوك مثل عبد الله ذو البجادين، ومنهم من استشهد باليمامة مثل سالم مولى أبي حذيفة وزيد بن الخطاب، فكانوا رضي الله عنهم فرسانًا بالنهار رهبانًا بالليل.
أصحـاب الشـجـرة
ويُطلق عليهم أيضًا(أهـل بيـعة الرضوان)فبيعة الرضوان شهدها ألف وأربع مائة أو ألف وخمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كما في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربع مائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم خير أهل الأرض». وجاء عن سعيد بن المسيب: أنهم ألف وخمس مائة. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألف وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألف وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قول البراء في رواية عنه: كنا ألفاً وأربعمائة أو أكثر. وقد جاء في فضل أهل بيعة الرضوان قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي. ولم نقف على من ذكر أسماء الصحابة الذين شهدوا البيعة حسب المصادر التي بأيدينا، وقد ذكر في السنة الصحيحة أسماء بعض من حضروا البيعة: كأبي بكر وعمر وعلي وجابر بن عبد الله وابن عمر وأم سلمة، وغيرهم رضي الله عنهم.
الثلاثة المخلفون
قال الله تعالى: {لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ . وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:117،118]. والثلاثة الذين خُلفوا هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي، وكلهم من الأنصار. وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذهبوا معه إلى غزوة تبوك (العسرة) فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة أتاه جميع من تخلف من المنافقين يعتذرون إليه، أما كعب وصاحباه فلما حضروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتذروا بشيء وقالوا: ما لنا والله من عذر. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الجميع بأن يهجروهم ولا يردوا عليهم السلام. وبقي هؤلاء الثلاثة على هذه الحال مدة خمسين يومًا حتى نزلت توبة الله تعالى عليهم ففرحوا بذلك أيما فرح. تنبيه: معنى {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} أي خُلِّفوا عن التوبة، وأرجأ الله سبحانه وتعالى توبته عليهم. "وليس المراد من قوله: {خُلِّفُوا} تخلفوا عن غزوة تبوك، ولكن المراد أنهم لم يعتذروا كذبًا كالمنافقين بل صدقوا فأُرجِئوا وأُخِّروا حتى ينزل الله فيهم فأنزل الله توبته عليهم" كما في الآيات السابقة.