كل مسلم عاقل يعلم أن الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم أجمعين - هم أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء ، وأن قلوبهم أنقى وأتقى قلوباً بعد قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلوب الرسل والأنبياء – عليهم الصلاة والسلام - ، وهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، وأتقاهم لله – تعالى - ، وأكثرهم خشية لله – تعالى - ، وأفضل منا عند الله - عز وجل - .
ومن أصول أهل السنة والجماعة حب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم صحابة خاتم الرسل والأنبياء وهم نقلة التشريع , ومن الذين ذكروا تلك الأصول العلامة أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله تعالى – بقوله : (ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم , ونبغض من يبغضهم , وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان . ونثبت الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أولاً لأبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه - , تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة , ثم لعمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه - , ثم لعثمان – رضي الله تعالى عنه - , ثم لعلي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه - , وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون , وأن العشرة الذين سماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبشرهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وقوله الحق , وهم : أبو بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وطلحة , والزبير , وسعد , وسعيد ، وعبدالرحمن بن عوف , وأبو عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - , ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وأزواجه الطاهرات من كل دنس , وذرياته المقدسين من كل رجس ؛ فقد برئ من النفاق . وعلماء السلف من السابقين , ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل , ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل).
وقد ذكر فضلهم سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في مواضع عديدة منها قوله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) , قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - : (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمه الله تعالى - , في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ، قال : لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية . ووافقه طائفة من العلماء على ذلك . والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة , ويكفيهم ثناء الله عليهم , ورضاه عنهم . ثم قال : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ) من هذه لبيان الجنس , (مَغْفِرَةً) أي : لذنوبهم . (وَأَجْرًا عَظِيمًا) أي : ثواباً جزيلاً ورزقاً كريماً , ووعد الله حق وصدق , لا يخلف ولا يبدل , وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم , ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة , رضي الله عنهم وأرضاهم , وجعل جنات الفردوس مأواهم ، وقد فعل . قال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى , حدثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن أبي صالح ، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه).
وجاء في صحيح الإمام مسلم – رحمه الله تعالى - عن أبى بريدة عن أبيه – رضي الله تعالى عنهما - قال: صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء قال : فجلسنا فخرج علينا فقال: (ما زلتم ههنا ؟) قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء قال : (أحسنتم أو أصبتم) قال : فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : (النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) , قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - : (معنى الحديث أن النجوم مادامت باقية فالسماء باقية ، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) أي : من الفتن والحروب , وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً وقد وقع كل ذلك. قوله - صلى الله عليه وسلم - : (وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك وهذه كلها من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - ).
وختاماً .. فإن الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – نجوم وزينة سماء هذه الأمة , والشرف كل الشرف في إتباعهم , وبذل كل غالٍ من أجل الذب عنهم وحفظ مكانتهم ونشر محبتهم , وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي بلغت عنان السماء في فضلهم لأنهم في الحقيقة حلقة الوصل بين الأمة وبين نبيها - صلى الله عليه وسلم - فإذا قطعت هذه الحلقة بأي طريقة يعني قطع صلة الأمة بنبيها - صلى الله عليه وسلم - , وبالتالي فلا يجوز أن يناقش في عدالة الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين - بعد عدالة الله تعالى ورسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم – لهم , ومن فضله تعالى أن منَّ على الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين - بالصحبة ، فلا يجوز لغيرهم أن يقيس نفسه بهم وأن يجعل من نفسه حكماً عليهم . نسأل الله العلي القدير أن يجمعنا برسولنا – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام ووالدينا ومن أحببناهم في الله وأحبونا فيه في الفردوس الأعلى.
نشرت فى 6 يوليو 2019
بواسطة alayman
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
114,433