من وحي حكاية (نصف دينار)
للرائعة أرفلون السماوي
************************

حين يغيب الأب عن البيت لأي سبب كان تأخذ الأم دور الأب علاوة على دورها وهذا ما حصل لأم (أرفلون) فزوجها عسكري على جبهات القتال لا يأتي الى البيت إلا كل شهر هذا اذا كان وضع الجبهة هادئا.
وكانت الأم تغمر بدفء جناحيها (ارفلون) ذات الست سنين وأختها (أمل).
وأدت خطة التقشف التي فرضتها الأم على مصروف البيت الى ترشيد مبلغ (اليوميات) لـ(أرفلون) وأختها فيوما تعطيهما درهماً واياماً أخرى 25 فلساً وكانت الأختان تنفقان يومياتهما لشراء الحلوى من حانوت المدرسة الذي تديره (أم ناصر).
وفي أحد الأيام لم تصدق الطفلتان عينيهما وهما يستلمان من أمهما (نصف دينار) فكانت فرحة كبرى ملأت قلبي (أرفلون وأمل) وركضتا بفرح طفولي إلى مدرستهما تتنططان كعصفورتين حالمتين ولم تستطع (أرفلون) كتم رغبتها الطفولية في الشراء من حانوت (أم ناصر) مادام لديهما نصف دينار لكن (أمل) رفضت ذلك بشدة وقالت:

-اصبري ولج...نشتري من دكان (أبو حسون) من نطلع من الدوام!!
كانت (أرفلون) مشاكسة ونزقة ومتسرعة في الألحاح لتحقيق طلباتها فوراً بينما كانت (أمل) أكبر من عمرها في الهدوء والتريث ودقة التصرف والبخل أحياناً.
وبقيت (أرفلون) أمام إصرار أختها تعد اللحظات لإنتهاء دوام المدرسة حتى تهنأ بشراء ما تشتهي من دكان (أبو سعدون) وصارت تحوم حول حول حانوت (أم ناصر) متوسلة بأختها أن تشتري شيئاً لكن (أمل) رفضت ذلك مطلقاً.
وعند إنتهاء دوام المدرسة ركضت الأختان بسرعة الملهوف تنط ضفائرهما فوق أكتافهما للوصول الى دكان (أبو سعدون) وكانت (أرفلون) أكثر حماساً ولهفة بينما كانت أمل متريثة تعصر في يديها النصف دينار.
وعند دكان (أبو ناصر) كان هناك شابٌ يتحدث مع (أبو ناصر):
-شلونك عمي أبو ناصر
-هلا بويه الحمد لله
-عمي هسه جابوا حسين والي شهيد
وما كاد الخبر يصل الى أذن (أمل) حتى رمت النصف دينار من يدها وأمسكت بيد أختها تسحبها وهي تركض مهرولة الى البيت..صور كثيرة مرت بذاكرتي الطفلتين قبل وصولهما الى البيت...صور والدهما حين يأتي من الجبهة محملاً بكل الشوق واللهفة لبيته وبناته و زوجته حيث تكون اللحظات سعيدة دافئة كيوم العيد.
وظلت عينا (أرفلون) معلقة بالنصف دينار الذي رمتهُ أمل من يدها...ومن هول الصدمة صارت (أرفلون) تصرخ:
-كذب...كذب...مو صح...اشتري لي موطا فدوه أمل
لكن أمل بعقلها الراجح أيقنتْ تماماً أن الخبر صحيح وأن مأساة اليتم قد حلتْ لإفتراس صفو حياتهم.
وحين وصلتا الى البيت كان هناك جمع غفير من الناس الذين جاءوا للتعزية.
وكانت كل الأنظار موجهة وبحزن شديد الى الطفلتين المفجوعتين..فقالت إحدى النساء:
-ادخلن يمه حتى تشوفن ابوجن
وكانت أمل هي السباقةالخطى وحين رأت ابيها مضرجاً بدمائه لم تتمالك نفسها..فأغمي عليها...لم تحتمل الطفلة هذا المنظر الأليم..أما (أرفلون) فقد هربت الى بيت الجيران كأنها تهرب من حقيقة مأساوية لا تستطيع مواجهتها.
وتلاشت الفرحة التي كانت تملأ روحيهما بالنصف دينار وغمرت البيت مراسيم الحزن والفجيعة.
وبقيت حكاية النصف دينار تؤرق (أرفلون) وتأجج حزنها و دموعها...فكلما رأت نصف دينار..عاد شريط المأساة وغمرها البكاء وأمطرت عيناها الجميلتان بلآليء الدمع وحكمت ذاكرتها تلك الحادثة المروعة حد الوجع.

حِيَال مُحَمَّد الأَسَدِي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 260 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2016 بواسطة alankaa

مجلة رابطة العنقاء للابداع الادبي

alankaa
بسم الله الرحمن الرحيم -أهلاً وسهلاً بكم معنا في هذا المنتدى الثقافي الأدبي ..و الذي يرعى الإبداع الأدبي بكل صوره من حيث الاهتمام بالمبتدئين الموهوبين والتفاعل مع المبدعين الكبارِ ليرتقي الجميعُ ،، ..اهلاا و مرحبا بكم . »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

103,094