عالم السياسة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم
قاعدة لا يُطلّ ُدم في الإسلام وقتلى المستشفيات
نشرت بعض المواقع خبرا تحت عنوان ((500 دينار تنهي حياة إخلاص على عتبات المستشفى )) والذي يتحدث عن قصّة امرأة أسعفت إلى أحد المستشفيات فرفض دخولها لعدم وجود تأمين أو مال معها فتوفيت , ولا أظنّ هذه القصّة نادرة الحدوث في المستشفيات الأردنية , فهي قصّة تتكرر بصور مختلفة ومنها قصّة المعلم الذي توفي على باب أحد المستشفيات الذي رفض علاجه , وقصة الطفل التي نشرها الأستاذ فايز الفايز والذي رفض أحد المستشفيات إسعافه لعدم وجود المال أو التأمين , ومثل هذه القصص أصبحت من القصص العادية التي لا تلفت النظر , ولكن ما لفت نظري في هذه القصّة هو أنّ المستشفى يحمل اسم إسلامي حيث نشر المواقع ما نصّه ((وفي التفاصيل التي رواها الزوج فقد أصيبت إخلاص 42 عاما بضيق بالتنفس فجر السبت الموافق 21/6/2013 وتم نقلها إلى مستشفى ماركا التخصصي الإسلامي وعلى الفور قرر الطبيب المناوب في الطوارئ بضرورة إدخالها الى العناية الحثيثة .)) انتهى , فأستوجب ذلك أن نحتكم للإسلام الذي يحمل اسمه هذا المستشفى , فماذا يقول الإسلام في ذلك , وما هو حكمه في مثل هذه الحادثة ؟؟
لا يخفى على أحد حرص الإسلام على حفظ حياة النفس البشرية لأنّ ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة الذي لا يسع أحد جهله , وقد توالت نصوص الوحي بتأكيده فكان منها قول الحقّ سبحانه وتعالى : ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )) وقال سبحانه وتعالى ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا )) .
وهذا أمر معروف للجميع فلا يحتاج إلى بحث واستدلال , ولكن الأمر الذي يغيب عن كثير من الأذهان هو أنّ الإسلام لا يعرف ما يسمّى بالقاتل المجهول أو تقييد قضية قتل ضدّ مجهول فلا يذهب دم مسلم أو ذمي أو مستأمن هدرا , وكذلك المعاهد إن قتل في بلاد المسلمين , فإن لم يعرف قاتله وجبت ديته في بيت مال المسلمين , والتسبب بالموت كعدم إسعاف المصاب مع القدرة أو عدم إطعام الجائع حتى يهلك جوعا فإنّه يستوجب عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي مع دفع الديّة الشرعية لذوي القتيل , فإن لم يعرف القاتل وجب على الحاكم أن يدفع الدية من بيت مال المسلمين .
إنّ قاعدة لا يطلّ دم هي من القواعد المتفق عليها عند أهل العلم فقد جاء في مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الأزهر عام 1978م ((المادة (35) : "لا يطل[ يُهدر] دمٌ في الإسلام، وعلى الدولة تعويض المستحقين من قتلى لا يعرف قاتلهم؛ أو عجزة لا يعرف من أعجزهم؛ أو عُرِفَ ولم يوجد لديه مالٌ يكفل التعويض". , وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ((إِذَا وُجِدَ الْقَتِيل فِي مَكَانٍ يَكُونُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، كَالشَّارِعِ الأَْعْظَمِ النَّافِذِ ، وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ ، وَالسِّجْنِ وَكُل مَكَانٍ لاَ يَخْتَصُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَلاَ لِجَمَاعَةٍ يُحْصَوْنَ ، فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَال ؛ لأَِنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ ، فَلَمَّا كَانَ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ هُمُ الْمُنْتَفَعِينَ بِهَذِهِ الأَْمَاكِنِ كَانَ الْغُرْمُ عَلَيْهِمْ ، فَيُدْفَعُ مِنْ مَالِهِمُ الْمَوْضُوعِ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَال . وَكَذَلِكَ إِذَا قُتِل شَخْصٌ فِي زِحَامِ طَوَافٍ أَوْ مَسْجِدٍ عَامٍّ أَوِ الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ ، فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَال ، لِقَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لاَ يُطَل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ , وجاء فيها ((قَال الْمَالِكِيَّةُ : إِذَا كَانَ عِنْدَ الشَّخْصِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُمْسِكُ صِحَّتَهُ حَالاً وَمَآلاً إِلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ الطَّعَامُ ، وَكَانَ مَعَهُ مُضْطَرٌّ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاتُهُ بِذَلِكَ الزَّائِدِ ، فَإِنْ مَنَعَ وَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَ دِيَتَهُ )) انتهى . ونقل القرضاوي عن ابن حزم أنّه أفتى بأنّه (("لو مات رجل في قرية أو في حي من الجوع وجب على أهل القرية أن يدفعوا ديته" وقد جاء في موقع هدي الإسلام ما نصّه (( وقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي موضوع العاقلة وتطبيقاتها المعاصرة في تحمل الدية وذلك في دورته السادسة عشرة بدولة الإمارات العربية المتحدة في شهر صفر 1426هـ الموافق نيسان2005م، وبعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت، قرر ما يأتي : وكان منها (( رابعاً: التوصيات: يوصي مجمع الفقه الإسلامي مختلف الحكومات والدول الإسلامية بأن تضع في تشريعاتها نصوصاً تضمن عدم ضياع الديات، لأنه لا يُطَلَّ ( لا يُهدر ) دم في الإسلام. • )) انتهى .
وتأسيسا على ما تقدّم فإنّ المستشفى في مثل هذه الحالة وما يشبهها يلزم بدية شرعية مغلظة باعتبار ما حصل هو من نوع القتل شبه العمد كما جاء في الحديث الصحيح ((ألا إن قتل الخطأ شبه العمد بالسوط و العصا فيه مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها )) انتهى , وقيمتها الآن بحدود مائة وأربعين ألف دينار أردني .
أمّا ما جاء في ردّ المستشفى من أنّ ولي أمرها أخرجها على مسؤوليته على الرغم من تحذير الطبيب له , وأنّه وقّعه على ذلك , وبغضّ النظر عن الحيثيات التي دفعت ولي الأمر لهذا الفعل فإنّ القرار هنا هو قرار الطبيب الذي اعترف بأنّ حالتها خطيرة , فلا يجوز له أن يسمح بخروجها ولو اقتضى الأمر الاستعانة بالشرطة لمنع مرافقها من إخراجها من المستشفى .