عالم السياسة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم
" حقيقة ما يجري في سوريا وكيفية المخرج من الفتنة "
لن أتحدّث عن مكانة سوريا وأهميتها في نظر القوى الدولية الكبرى , والقوى الإقليمية في المنطقة , ولا عن ارتباطاتها الدولية , ولا مواقفها المثيرة للجدل , ولكن الذي أريد الحديث عنه هو ما يجري فيها حاليا , بغضّ النظر عن موقفنا من النظام أو الثورة , ولتسهيل عرض ما يغلب على الظنّ صحته فإنني ألخصه بالنقاط التالية :
1. في السنوات الماضية بدأت سوريا تتجه للدخول في نفق الخصخصة المفروض أمريكيا , كما كانت تتهيأ للدخول في نفق السلام الذي سبقها إليه كلّ من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية , وركيزة السلام مع سوريا انسحاب صهيوني من الجولان , وسيادة سورية منقوصة عليه تقتصر على الجوانب الأمنية فقط, وتكون فيه قاعدة عسكرية أمريكية .
2. بواكير الثورة على النظام السوري بدأت منذ أكثر من ثمانية أعوام وخاصّة في أيام غرق أمريكا في الوحل العراقي وكان من إرهاصاتها هروب عبد الحليم خدام , وقد سمعت بأذني في تلك الأيام أحد رموز المعارضة السورية _وقد نسيت اسمه _ يتحدث من دمشق لإحدى الفضائيات _أظنّها " المستقلة "_ كان يطالب بشار الأسد بالتنحي , وتسليم مقاليد الأمور للجيش , ومجلس الشعب لفترة انتقالية تجري بعدها انتخابات للرئاسة , ووضع دستور جديد للبلاد .
3. الأمريكان كانوا يدركون أنّ الأنظمة التي فرضت على الشعب العربي بالقوّة قد استهلكت , وأنّ بواكير الثورة في كلّ مكان إلاّ أنّها كانت مجرد مشاعر قهر وسخط ولم تنضج مشروعا ثوريّا ناضجا بعد , والقوى السياسية المعارضة التي من الممكن أن ترث الأنظمة العربية لا تملك مؤهلات بناء دولة ذات مشروع نهضوي وتحرري لعوامل كثيرة ليس هنا مجال بحثها , فرأت أن تطلق لهذه الشعوب الساخطة وطلائعها العنان لإسقاط تلك الأنظمة الوظيفية المتعفنة ليحلّ محلها أنظمة وظيفية تقوم على مبدأ تداول السلطة , والتخفيف من حدّة الفساد والإفساد استباقا لثورة ذاتية قد تخرج عن السيطرة و تنجح باقتلاع النفوذ الاستعماري .
4. حصل التغيير في تونس وليبيا ومصر واليمن وفق المخطط مع وجود مناكفات وصراع استخباري مع قوى دولية فاعلة , ولا تزال الأمور غير مستقرّة في تلك البلدان نتيجة لذلك الصراع بالإضافة لعوامل داخلية تتمثّل في مراكز القوى أو ما يسمّى بالدولة العميقة في تلك الأقطار التي حصل فيها التغيير .
5. المؤشرات تدلّ على أنّ الثورة في سوريا بدأت بحركة استباقية من قوى دولية مناكفة لأمريكا , واستعانت بعملائها وأتباعها في المنطقة , وربما غامرت تلك القوى ظنّا منها أن سقوط النظام سيكون سريعا , وأنّها ستنصب رجالها التاريخيين خلفا له ولكنّ الأمريكان بتنسيق مع ذراعهم الروسي أو حليفهم السريّ حالوا دون ذلك فطال أمد الثورة وتجاوز المدّة المتوقعة .
6. فتحت الحدود لإدخال السلاح والثوار من جميع الجهات من قبل القوى المتصارعة لخلق ثورة مسلحة تشبه الثورة الليبية ولكن المفاجئة للجميع أنّه قد تشكّلت ثورة ترفض الارتباط بأيّ قوّة من تلك القوى المتصارعة .
7. والعجيب الغريب المريب أنّ الحديث الآن يجري فقط عن قوتين : النظام السوري الذي يسوقه أنصاره بأنّه نظام عروبي مقاوم يتعرض لمؤامرة (صهيوأمريكية ) أو مؤامرة دولية وثورة مرتزقة مدعومة من الأمريكان والصهاينة وأتباعهم في العالم العربي أمّا القوة الثالثة والتي أربكت الجميع فلا يرغب أحد بالحديث عنها .
8. والحقيقة أنّه يوجد في سوريا الآن قوتان رئيسيتان , وفئة من العملاء :
• قوّة النظام وهي قوّة تتلاشى يوما بعد يوم , وتفقد شرعيتها الحقيقية المستمدة من القبضة الحديدية طيلة الأربعين عاما الماضية علاوة على رفع الغطاء عنها جزئيا من قبل القوى الكبرى وخاصّة الولايات المتحدة .
• قوّة الثورة المتمردة على الجميع , والتي تتقدّم يوما بعد يوم , وتلقى الدعم والمساندة من الشعب , وقد اتفق الجميع على خنقها بما في ذلك ثوار الداخل من المرتبطين بالقوى الدولية والإقليمية .
• فئة من العملاء المرتبطين مع القوى الكبرى بطريق مباشر أو غير مباشر وهي تأتمر بتوجيهات تلك القوى , وتتآمر على الثورة المتمردة ,وتقوم بأعمال تسيء لها , وتتربص بأن ينهك الطرفان ( النظام , والثورة ) بعضهما لتجهز على الطرفين بدعم دولي وإقليمي , لتنفذ ما يطلب منها من تلك القوى الاستعمارية الشريرة الماكرة .
9. والذي يلوح لي أنّ الأمريكان وغيرهم من القوى المتصارعة متفقون على إطالة أمد الصراع لتدمير بنية الدولة السورية , وترك القوتين الرئيسيتين ( الثورة , والنظام ينهكان بعضهما ) ثمّ تقوم بالإجهاز على الثورة والنظام معا وتسليم مقاليد الأمور لأولئك الكرازايات المتربصة ؛ ولذلك لا نستغرب انتشار أخبار تشكك المتبرعين وخاصّة في جزيرة العرب بمصير الأموال التي يتبرعون بها لدعم الثورة , وليس غريبا أن تطلق تلك الإشاعات من مشايخ الفضائيات الذين كانوا بالأمس يتحدثون عن الملائكة التي تقاتل مع الثوار , تلك الملائكة التي قاتلت الروس في أفغانستان وغابت عندما قامت أمريكا باحتلالها !! .
10. لو كان لي من الأمر من شيء , ولو وجدت من يسمع ندائي لطلبت من القوتين الرئيستين ( الثورة والنظام ) أن يصطلحا , ويقوم النظام بتسليم مقاليد الأمور وما بقي من مقدرات الدولة للثورة لتقيم دولة الإسلام في الشام , ويقفوا في خندق واحد للدفاع عنها فيحيون سادة أعزّاء أو يموتون كراما شهداء , وأدعو لذلك انطلاقا من الحقائق التالية :
• أنّ جميع القوى الدولية والإقليمية قد حسمت أمرها وبنت خطتها على القضاء على الطرفين , ولكن بعد التدمير الكامل لسوريا .
• أن الشعب السوري بعد تقديم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى وملايين المشردين لا يمكن أن يقبل بالنظام الحالي , فلا حلّ إلا بأنّ يسجّل هذا النظام هذا الموقف التاريخي حقنا للدماء , ونزولا عند الإرادة الشعبية , ومحاولة لإفشال المخطط الدولي الشرير , وأؤكد على كلمة "محاولة " ؛ لقناعتي بأنّ النظام لو اصطلح مع الثورة وسلمها مقاليد الأمور فإن تلك القوى وعملائها لن يقبلوا بذلك , وسيتدخلون عسكريا للقضاء على الدولة الجديدة .
11. ربما يكون هذا الأمر الذي أدعو إليه صادما لمن يرى في الثوار أنهم مجموعة من الرجعيين المتوحشين المتطرفين الذين لا يؤمنون بالتعددية والحرية , وصادما لمن يؤيدون هؤلاء الثوار وينتظرون الساعة التي يسقط فيها رأس النظام مضرجا بدمائه بمصير يشبه مصير القذافي , ولا ألوم أحدا من هؤلاء لأنّهم لم ينتبهوا للمصير الذي ينتظر الطرفين وينتظر الشام إن لم يتداركها الله بلطفه .
12. وأنوّه هنا بأنّ الثورة تحمل مشروعا , ولكنّه ليس بالمشروع المثالي فهو يعاني من ثغرات كثيرة تتمثّل في شوائب شرعنت على مرّ القرون وألصقت بالإسلام , ولكنني أراهن على أنّ القائمين على المشروع عندما يضعونه موضع التنفيذ سيكتشفون مثل ذلك الخلل , ويجدون أنفسهم مضطرين لإصلاحه وإلاّ فإنهم سيقعون بنفس الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها إمارة طالبان والتي قامت على موروث المدرسة الوهابية التي لا أرغب بالتوسع في الحديث عنها .
13. وختاما أسجّل عتبي على مؤيدي النظام السوري من الأردنيين ومعارضيه لما بينهم من سجال يوغر الصدور , ويخلق العداوة بين الإخوة , ولا يقدّم ولا يؤخر فيما يجري في سوريا , وكان الأولى بهما أن يحملا مبادرة لإنقاذ سوريا مما تعانيه الآن ومما ستؤول إليه إن نجحت تلك القوى الشريرة بفرض إرادتها , وأذكّر الجميع بمؤتمر الجابية الذي عقده أهل الأردن فكان السبب الرئيسي في صمود الدولة الأموية وبقاء دمشق عاصمة للخلافة , فهل يعجز الأحفاد عن موقف تاريخي كموقف أولئك العظام من الأجداد ؟؟
السابع والعشرين من أيار 2013م
فلاح أديهم المسلَمي الصخري