عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

الناشر ومدير الموقع / نصرالزيادي.. حريتنا في التعبير .. سقفها المسؤولية الدينية والأخلاقية .

عالم السياسة الإخباري .. بقلم رهف خلدون المعايطة

 

قصة من صميم المعاناة السورية
      ( نهاية البداية )


في الحادي عشر بعد الألفين , وتحديداً في الخامس عشر من شهر آذار للعام نفسه , خرجت مظاهرةُ في دمشقَ لبعض الصحفييّن الأحرار , ثمّ تم قمعها , وبعد ثلاثة أيّام قامت ثورة الثامنة عشر من آذار المباركة , والتي انطلقت من مدينة درعا في سورية الحبيبةَ.
وفي ذلك الوقت قُتلت عائلة الطفل ليث الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً , والذي قدّم حياته فداءً لسوريّا , حيث كان مختبئاً ووالدته جراء القصف المستمر ّ فوق حيّهم , فأصبح ليث يخاطبُ أمه قائلاً :
إلى متى سنظلُ مختبئين ؟؟
نشاهد القتلى , ونسمع أنين الجرحى ؟ فاحتضنته أمه وقالت :
سوف نذهب إلى الأردن ونختبئ هناك وننجو بأرواحنا يا صغيري , فنظر إليها ليث وقال بحزم :
لن أذهب معك ,, سأبقى ها هنا , لا أريد أن يطلق عليّ اسم لاجئ وأعيش على المعونات الخارجيّة , سأحفظ كرامتي وأبقى في وطني.
ثمّ خرج من المنزل غاضباً متوعداً الظالم باسوء عاقبة ,, وفوجئ عندما خرج من المنزل بمشهد الحيّ الي يعجّ بالحطام ,, حيث المباني المنهارة ,, والدماء التي رسمت طريقها عبر زقاق الحي .. تتحدث عن درب المعاناة القادم والالم الذي سيراه ذلك الشعب.
جاءت منه التفاتةً هنا وهناك ,, مترقباً عيون القنّاصة الغادرة ,, واثناء تفكيره بعواقب خروجه من المنزل سمع صوتاً مرتفعاً يصدر من أمام الجامع الذي في الحي , وعندما أصغى جيداً للصوت سمع المتظاهرين يرددون كلمات غاضبة تخاطب النظام السوري ,, ومنها ماردده المتظاهرون ( على الجنة رايحين , شهداء بالملايين ) , حينها شعر بالقوة والحماسة , وذهب مسرعاً لينضم إليهم , وفي هذه الاثناء , قُصف المسجد بمتظاهريه ,, فأسرع ليث واختبأ في أحد المباني المجاورة للمسجد , ودار بينه وبين نفسه حوارُ طويل ,, هو لا يملك أيّ سلاحٍ ليدافع عن نفسه ,, ولكن ,, سيحمل بعض الحجارة كأطفال فلسطين , هذا ما عزم عليه.
كان حزمه وإصراره قويّين جداً , ولكن ,, أنّى لهذه الحجارة أن تؤتي نفعاً مقابل أسلحة النظام الغادر , وخرج ليث من مخبأه وبدأ يقترب من منطقة الخطر شيئاً فشيئاً ,,ونبضات قلبه تزداد وتتسارع ,, اقترب من المسجد ليلقي نظرةً على ما تبقى منه , ويا للأسف !! كانت صفحات كتاب الله تتطاير مع نسمات الهواء الدافئة المعطرة بد الشهداء ,,
ثم سمع ليث صوت أنين لا يكاد يُسمع ,,أنصت قليلاً ,, وإذا به يرى شخصاً مدفوناً تحت ركام المسجد !! فهرع ليث مسرعا ليُخرج الشخص من تحت الأنقاض المنهارة.
بدا يرفع الأنقاض وإذا به يرى رجلاً قد تجاوز الثلاثين من العمر , ارتجف ليث لماشاهده .. كان كثير الكسور والجروح ,, وليث طفل لا يعرف شيئاً عن الإسعافات الأوليّة , وكان المكان خالياً تماماً ,, فكل المتظاهرين أصبحو جثثاً هامدة لا حراك فيها .. ساكنة لا روح فيها ,,
قال ليث للرجل : سأطلب المساعدة حالياً لك ,,خرج مسرعاً باحثاً عن مساعدة تغيث هذا الجريح ,, وفجأة سمع صوتاً في أحدى الزوايا ,, فإذا هما شخصان ,, لم يذهب خشية أن يكونا من أزلام النظام الجائر فيقتلاه حال رؤيتهما له ,, لكن صغيرنا يتحلى بالذكاء وسرعة البديهة , رغم صغر سنّه .
اختبأ خلف أحد الأسوار ليسمع ما يدور بينهما من حوا ر, وأثناء ذلك وصل شخصٌ ثالث يرتدي بذلة عسكريّة ,, لفت انتباهه شعارٌ معلّقٌ على صدر الرجل , وإذا به ( شعار الجيش الحر ) , فخرج حينها مسرعاً نحوهم قائلاً : لا تطلقوا النار ,, نظروا إليه والدهشة مرسومة على وجوههم .. فاقتربوا منه ,, وهدؤوا من روعه.
فبادر ليث بإخبارهم عن الجريح المصاب في المسجد المجاور .. فهرعوا إليه مسرعين ,, كانت السعادة تغمره .. فقد وجد من يسعف هذا الجريح ,, لكنّ سعادته لم تكتم ل,, فقد فات الاوان والجريح يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم يكن باليد حيلة ,, ولقد قام أحد الرجلين بإنطاقه الشهادتين ,, وفارق الحياة ,, فانسابت دموع الطفل البريئ .. ثم قام الرجال بدفنه .

سار ليث مع الرجلين ,, فسأله أحدهما ، عن بيته ,, عن أسرته ,, لكنّ ليث قرر البقاء معهم ورفض العودة للمنزل .. أصرّ الرجل على عودة الطفل لبيته ,, فهو صغير لا يقوى على الخروج للقتال ,, لكنه رفض وبإصرار ,, ونظر نحو الرجل بغضب ,, وقال له : سوريا تطلب الصغير والكبير في هذا الوقت .. وأنا سأعمل على إسعاف الجرحى إن أمكن لك.

هاهو ذاك الطفل يتخذ موقفاً حازماً في حياته ,, لك الموقف المشرّف الذي أشعره برجولته التي افتقدها الكثيرون ,, وأن أمّه لطالما ستفخر به دوماً.

تذكّر ليثٌ أمه التي تركها وحدها في البيت فعاد مسرعاً إلى بيته فلم يجدها ,, وجلس أمام باب منزله ينتظر أمه ,, هبط الظلام وحلّ الليل ولم تعد ,, ثم رأى جارته أم حسام فانطلق نحوها مسرعاً , وعندما راته جارته ,, صرخت قائلةً : ليث ,, يا عزيزي ألا زلت على قيد الحياة ؟؟!!
ألم تمت؟؟
احتضنته بشدة وبكت
فقال لها : لم أمت ,, من أخبركم بموتي؟؟
أين أمي؟
نظرت إليه بحزن شديد .. وقالت:
رحلت يا بني والحزن يقطع اوصالها عليك .. فلقد أخبروها أنك قد استشهدت!!
غادرت مع القافلة المتجهة الى الاردن!!!
في هذه اللحظا ت.. لم يستطع تحديد مشاعره ,,,
هل يفرح لأن والدته ستكون في مأمن هناك؟؟
أم يحزن لفراقها ... وظنها انه قد مات ... فهي في حزن دائم ؟!
ودّع ليث جارته وعاد غلى المكان الذي جاء منه ,, فأخذه احد الأطباء هناك ليعلمه الإسعافات الأولية..
انقضت أول ليلة بعيدا عن أمه .. ينام في مكان ملئ بالحطام والركام .. شباك العنكبوت تتطاير مع نسائم الهواء الدافئ من نافذة قديمة مخطوط عليها كفاح هؤلاء الناس ..

طلعت الشمس واستيقظ ليث على صوت هتافات افراد الجيش الحر .. فسأل أحدهم مالذي يجري ؟ فأجابه ان هناك ضابطان من أزلام النظام انضما إلى كتائب النور في الجيش الحر ,,
فشعر الرجل الصغير بسعادة عامرة ..

انطلق الكل إلى عمله فما أشبههم بخلية نحل ! وفجأة سُمع دوي إطلاق النار ,, بدأت سجال المعركة ,,استدعى أحد الممرضين ليث وأوصاه بان يظل قريباً منه ولا يفارق الجيش ..
بدأ بتجهيز معداته.. وهو يدعو من كل قلبه ويسال الله النصرة للمجاهدين الاشاوس ..

انطلقوا جميعاً .. ومشاعر مختلطة في قلبه لا يعرف لها تفسيراً ، باغتتها صوت قنبلة قريبة منهم .. فانفجار مدوي .. أصابت طفلنا الحبيب شظاياها ,,

ألقته على الارض لا حراك ,, سوى أنفاسٍ تجئ وتروح بين جنباته ,, شخصت عيناه ألى السماء .. ومرّ شريط ذكرياته أمام عينيه ,, والده الذي استشهد ,,
والدته التي رحلت دون وداع ,,

وفي معمعة النزال .. لحظات وينتصر الجيش الحر وتنسحب قوات النظام .. هاهو يلفظ أنفاسه الأخيرة .. وتلك نهاية البداية لرجل صغير أراد أن يسعف الجرحى فلم يسعفهم سوى في خياله.. وفي أحلامه .
(رهف خلدون المعايطة)الصف العاشر .. مدرسة أدر الثانوية للبنات - الكرك

 

المصدر: عالم السياسة الاخباري .. رهف خلدون المعايطة
alam-asiyasa

عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا ) .. نصر الزيادي .. " المواد المنشورة ليس بالضرورة ان تعبر عن رأي صحيفتنا الالكترونية " حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 276 مشاهدة

عالم السياسة والثقافة الإخباري

alam-asiyasa
( ع . س . ا ) صحيفة الكترونية شاملة .. إخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية »

البحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

242,267

عالم السياسة والثقافة الإخباري

عالم السياسة والثقافة الإخباري

      ( ع . س . ا )


 صحيفة الكترونية شاملة .. اخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية


* تعنى بالشأن السياسي المحلي والعالمي  
* تعنى بنقل الخبر بمصداقية وشفافية
* تعنى بالشؤون الاجتماعية والثقافية
* تسمح بالنقاشات الهادفة وتبادل الاراء 
* تقوم على استفتاء الجمهور بمواضيع ذات اهمية
* الأستقلالية ونبذ التبعية الفكرية 
* الحرية في التعبير سقفها المسؤولية الدينية والاخلاقية .