عالم السياسة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم
دفاع عن الحقّ والحقيقة وليس دفاعا عن الملك
لست أجهل خطورة ما سأتناوله في هذا المقال على كافّة الصعد , ولكنني أقدم عليه دفاعا عن الحقّ والحقيقة التزاما بقول الحق سبحانه وتعالى (( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) واقتداء بمقولة ذلك العربي النبيل : (( إنّ لنا أحلاماً تمنعنا من أن نظلِم، وأحساباً تمنعنا من أن نٌظلَم )) فوجدت نفسي مضطرا لإعلان استغرابي واستهجاني لما أثير من لغط حول تصريحات جلالة الملك التي نشرها جيفري غولدبيرغ في مجلة 'اتلانتك مونثلي' , واستنكاري للطريقة التي تمّ تناول تلك التصريحات فيها وخاصّة من الحراكيين ودعاة الإصلاح , وأكتمل المشهد المؤلم بذلك الإعلان الهزيل الصادر عن الديوان الملكي , وسبب استغرابي واستهجاني لذلك يعود للعوامل والأسباب التالية :
الأول : أنّ هذه التصريحات ليست الأولى من نوعها
فقد سبق وإن صرح الملك بمثل هذه التصريحات قبل عام ونصف ولم تقابل تلك التصريحات بمثل هذه الضجة , فقد نشرت المواقع الالكترونية تصريحات مشابهة ومنها ما نشره موقع المرصاد بتاريخ 18/8/2011م تحت عنوان ((في المرصاد" تكشف تفاصيل لقاء جمع الملك بقيادات شبابية: ديناصورات أمنية عقولها ناشفة تعمل ضدي!)) وجاء في ذلك اللقاء ما نصّه : ((وأعرب جلالة الملك خلال اللقاء، الذي جمعه بأربعة عشر شخصية من القيادات الشبابية، عن امتعاضه من سلوك مؤسسات أمنية نافذة في الدولة قال إن عملها الخارجي جيد 100%، لكن أداءها في الداخل غير مرض ٍ، بسبب أنها تضم عناصر تنتمي كما قال الملك إلى عصر "الديناصورات"، وهو ما يعيق العمل، ويتسبب "لي بمشاكل"، لأن بعضهم "عقولهم ناشفة"، محملا إياهم المسؤولية عن تزوير انتخابات 2007 !)) , وقال : ((حمّل الملك تلك الأجهزة المسؤولية عن تفجر أحداث 1989 في معان، وقال إنهم "كانوا يعملون مشاكل لوالدي" الملك الراحل الحسين.)) ويمضي الموقع قائلا : (( وذكر موقع "ميدل إيست أون لاين"، استنادا إلى معلومات "السبيل"، أن الملك فاجأ الوفد بالقول إن "أجهزة أمنية تعمل ضده، وتخلق له مشاكل مع الشارع". وقالت الصحيفة أن التسريبات التي حصلت عليها أشارت إلى أن الملك هاجم قيادات أمنية "عليا"، متهما إياها بإشعال "هبة نيسان" عام 1989، و"العمل صراحة ضد والده الراحل الملك الحسين بن طلال". وذهب الملك إلى حد القول "إنني على علم بوجود شخصيات أمنية تسعى لإحداث شرخ بيني وبين شعبي"، على ما نقلت "السبيل" عن شخصيات حضرت اللقاء.)) انتهى . فلماذا قوبلت هذه بصمت وقوبلت الآن بهذا الضجيج والعجيج ؟؟
ثانيا :
التصريحات الأخيرة ليس فيها ما يعيب وإليكم البيان :
- 1. فيما يتعلق بدور الأجهزة الأمنية في إعاقة الإصلاح فهذه مسألة مجمع عليها , وظاهرة للعيان , ولا يستطيع أحد إنكارها , وإن تغليفها تحت شعار الحفاظ على الأردن من خطر الوطن البديل لا ينطلي على أحد , لأنّه كان الأولى أن تستغل نفوذها وقدرتها على حماية الأردن من الفساد الذي أهلك الحرث والنسل , وتحمي مقدرات الوطن التي ذهبت هدرا وبيعت بأبخس الأثمان ثمّ تتحدث عن حمايته من تلك الأخطار الخارجية المزعومة .....
- 2. الملك لم يصف العشائر بالديناصورات ولكنّه وصف فئة من متنفذيها ممن يدعون الولاء للملك , ومواقفهم خلال فترة الربيع العربي تؤكد ذلك , فهم من يقود مسيرات قوى الشدّ العكسي ويطلقون التهديد تلو التهديد ضد دعاة الإصلاح , ألم نسمع تهديدهم ووعيدهم على الفضائيات , فمثل هذه المواقف منهم هي رسالة للملك قبل غيره بألاّ يستجيب لدعاة الإصلاح , وهذه أمور لا يدرك تأثيرها إلاّ من يعرف كيف تدار الأمور , وكيف يصنع القرار ...... فماذا نقول عمّن يتفاخر أنّه خاطب الملك قائلا : ابعد الجيش والأمن عن التدخل واسمح لنا بأن نقمع الحراك ؟؟ فبماذا نصف مثل هذا ؟ وبأي عصر يعيش ؟ وماذا نقول عمن يستهزئ بمثل جميل النمري ويقول ما معناه تصور لو أنّه شكّل الحكومة ؟؟ وكأنّ هذا القائل بوزن وصفي التل أو هزّاع !! وماذا نقول عمّن فرضوا قانون الصوت الواحد لإعادة انتاج برلمان مشرذم مفكك عاجز عن الاتفاق على أبسط الأمور , ضاربين عرض الحائط بإجماع الشعب على رفض هذا القانون الممسوخ , متجاهلين ما يجري في الإقليم , غير مستعدين لتقديم أدنى تنازلات لمطالب الشعب ؟؟؟
- 3. أمّا تصريح الملك عن الإخوان فمع تحفظي عليه فهي وجهة نظر تحترم من باب احترام الرأي الآخر , فالملك كما هو معلوم شخصية ليبرالية لا يؤمن بطروحات الإسلاميين ونهجهم , ومن حقّه أن يدافع عمّا يؤمن به بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه في ذلك , ومن حقّه أن يخاطب الغرب مدافعا عن وجهة نظره كما أنّه من حقّ الإسلاميين أن يخاطبوا الغرب والشرق ويسوقوا وجهة نظرهم .
- 4. لن أقف عند تقييم الملك لبعض حكام الإقليم لأنّ هذا أمر يطول شرحه ولا فائدة منه في هذا الظرف .
ثالثا :
إنّ فزاعة الوطن البديل هي محض خرافة
فالمواطن الذي يحمل الجنسية الأردنية ويتمتع بكافّة حقوقها هو مواطن أردني , ومقولة تجريد فئة من الشعب من حقوقها السياسية تحت شعارات مختلفة هي دعوة علنية لإثارة فتنة ستؤدي إلى نتائج كارثية , والذين يعيقون الإصلاح تحت هذا الشعار الخادع هم أول من يعلم بأنّ الوطن البديل قد تم منذ أن منحت الجنسية الأردنية لأهل فلسطين , إلاّ أن قوى الفساد والاستبداد التي حولت الوطن إلى مزرعة خاصّة تنتهج سياسة فرق تسد لتظلّ هي مستأثرة بخيرات الوطن وتعيث فيه فسادا وإفسادا , وتخشى أيّ خطوة في اتجاه الإصلاح لأنها ستهدد مكتسباتهم وتقلّص فسادهم .
وهذه القوى الفاسدة المستبدة هي من تسخّر جميع أجهزة الدولة للحفاظ على مصالحها المناقضة لمصالح الشعب بمختلف فئاته , وتحارب بشراسة قيام حكم رشيد نظيف , وتحارب المنافسة الحرّة الشريفة لما تعلمه من عجزها عن المنافسة , وتضع معايير خاصّة لمن يشكّل الحكومة ليحافظ على مصالحها ونهجها الفاسد ........أمّا الشعب فإنّه لا يعنيه هوية وأصول رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء ما دام هذا المجلس مجلسا وطنيا خاضعا للقانون , ومنفذّا له , ويحاسب على أساسه , ولا يفرق بين مواطن ومواطن , ولا بين إقليم وإقليم , ولا محافظة ومحافظة .... ومتى كان الشعب الأردني يلتفت لهوية وأصول رئيس الوزراء وهو الذي ترأس حكوماته عرب من مختلف بلدان العالم العربي ولم يغضبه ذلك , ولم يزعجه؛ لأنّه يعتقد أنّ [الحاكم = مجلس ورئيس الوزراء] هو خادم للوطن , وتقييمه لا يكون إلاّ على هذا الأساس.
رابعا :
إنّ الشعب يريد وطنا عزيزا قويا
يسوده العدل والحق والخير , وتصلح منظومته التشريعية , وتفعّل قوانينه ودستوره؛ ليفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , ويكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي لاعتقاده بأنّه وطن طاهر فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون ... هذا ما يريده الشعب أمّا قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور فإنّها تسعى لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل بالنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم........ فهل هذه المطالب تحتاج إلى معجزات ؟؟
إنّ المفترض بالملك أن ينحاز للشعب , ويقود ثورة بيضاء لتطهير الوطن من مراكز القوى الفاسدة المستبدة , ويؤسس لحكم رشيد نظيف تكون السلطة فيه للشعب , وتكون السيادة لقانون ودستور يؤسس لحكم مدني رشيد يحقق العدالة والمساواة ويصون حقوق الشعب , ورفض ومحاربةمطالب المحاصصة ؛ لأنّها تكرّس الهويات السايكسبيكوية الضيقة , وتتناقض مع الهوية الوحدوية العروبية الجامعة , وتبني ثقافة وحدوية جامعة جادة لصهر مكونات الشعب في هوية عروبية وحدوية إنسانية جامعة ترتكز على ثقافة الأمّة , وموروثها الحضاري مع أخذ النافع من الحضارات والثقافات الأخرى, ومحاربة الهويات القاتلة , والنظرات الضيقة وتجريم سياسة فرق تسدّ.
الحادي والعشرين من آذار 2013م .
فلاح أديهم المسلَمي الصخري .