بين الأدب و التربية

نحو ثقافة تمد وشائج الصلة بين الأدب بمعناه الاصطلاحي والتربية كعلم ، ثقافة ترحب بحوار الفكر والإبداع

الثقافة شأنها شأن التكوينات الفرضية فى ميادين العلم المختلفة ، لا يختلف المتخصصون كثيراً حول  تأثيراتها ومظاهرها ، وإنما يحتدم الخلاف  دائماً وتتسع هوته حول طبيعتها و تحديد مكوناتها .

        وقد ظهر مصطلح الثقافة فى ميدان الأنثروبولوجيا على يد العالم البريطاني " تايلور "  عام 1865 م ، وحدده فى " ذلك الكل المعقد الذى يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل المقومات الأخرى التى يكتسبها الإنسان كعضو فى المجتمع " ، ثمّ تعددت تعريفات الثقافة بعد ذلك ، والتى قدمها العلماء فى مختلف ميادين العلم ومثّلت اتجاهات  مختلفة منها : الوصفى ، والتاريخي ، والمعياري ، والنفسي ، والبنائي ، والنشوئي ، فرأى أصحاب الاتجاه الوصفي ؛ أنها تتضمن منتجات النشاط الإنساني واستجابات الأفراد نتيجة لعادات الجماعة ، على حين ركزت التعريفات  التاريخية على جانب التراث الاجتماعي ، وحددت التعريفات المعيارية الثقافة فى أنها : طريقة متميّزة فى الحياة ، واعتبرتها التعريفات النفسية " مجموعة أساليب فنّية تحقق إشباع الحاجات ، وحل المشكلات ، والتكيّف مع البيئة" ، أمّا الاتجاه البنائي فقد رأى أصحابه أن الثقافة " نموذج تصوّري يمكن الاستعانة به فى دراسة السلوك وتفسيره؛ ولكنها ليست هي السلوك " .

         وينظر المفكرون إلى الثقافة باعتبارها نتاج الفكر الإنساني وتشتمل على نواحى نشاطاته المختلفة من:  فلسفة ،وعلم ، أدب ، وفنّ  ، أمّا المؤرخون فيرون أنها : ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع من البيئة ومعبّر عنها أو مواصل لتقاليدها فى هذا الميدان أو ذاك  ، ويرى التربويون أنها : النسيج  الكلي المعقدّ من الأفكار والمعتقدات  والعادات  والاتجاهات  والقيم وأساليب التفكير  والعمل  وأنماط السلوك ... وغير ذلك مما ينشأ فى ظله كلّ عضو من أعضاء الجماعة ، ومما ينحدر إلينا من الماضى .

         ومن مجمل تعريفات الثقافة يمكن تحديد اتجاهين فى تعريفها : الاتجاه الأول  ينظر إليها على أنها  تتكون من المعتقدات والمعايير والرموز والأيديولوجيات وغيرها من المنتجات العقلية ، أمّا الإتجاه الآخر : فيربط الثقافة بنمط الحياة الكلي لمجتمع ما ، ونمط العلاقات التى تربط بين أفراده ،وتوجّهات هؤلاء الأفراد فى حياتهم .

             وللثقافة ثلاثة جوانب : الجانب المعياري ؛ ويتمثّل فى تصوّر المجتمع للألوهية والكون والإنسان والحياة ، وهذا التصوّر بمثابة الموجّه لسلوك الأفراد والجماعات ، والجانب السلوكي : ويشمل سلوكيّات المجتمع الفرديّة والجماعيّة ، والجانب الحضاري :ويمثّل الثمار الحضارية للثقافة ويتوقف كمّ وكيف هذه الثمار لثقافة ما على مدي الإحاطة والشمول والمرونة والقدرة على توجيه السلوكيّات الاجتماعية وفق معايير شاملة وباقية كما يتوقف تميّز المجتمع على مدى التزام السلوك الاجتماعي بالتحيّزات الثقافية ( الجانب المعياري) .

               والاتجاه العام اليوم ينحو إلى ضرورة المحافظة على الثقافات المحلية ،و ينظر للثقافة على أنها محور عملية التنمية الاجتماعية, وأنها من أهم الصناعات الإستراتيجية التى تحكم موازين القوى فى العالم ، وأصبح المنطق المقبول الآن هو أن التنمية الذاتية تحتّم تشجيع الهويّة الثقافية ؛ إذ لا يمكن أن تقوم تنمية ذاتية على أنماط ثقافية مستمدّة من ثقافات خارجيّة ؛ وبالتالي فإن التعليم العربي مطالبٌ اليوم أن يعمل على تشجيع الهويّة الثقافية العربية الإسلاميّة هذه الهويّة التى تساعد العرب على تطوير السمات الثقافية العربية بجزءٍ عربي بحت 

             والثقافة العربية الإسلامية يقصد بها الجوانب الخلقية والوجدانية والاجتماعية والفكرية فى الثقافة القائمة مصطبغةً بالصبغة الإسلامية؛ فهي عربية اللسان، إسلامية المضمون والتاريخ، أو هى الأسلوب الكلي لحياة الجماعة ( فى المجتمع الإسلامي ) ،الذى يتسق مع تصورها العام للألوهية والكون والإنسان والحياة ، وقد تكونت أساساً من الإسلام نفسه مضافاً إليه العناصر الثقافية التقليدية لكل بلد إسلامي ، ومن ثمّ فإنها تتميز بمجموعة خصائص تتمثّل فى أنها : ربانية المصدر والغاية ـ  تقوم على التوحيد ـ عالمية ـ ترسى أخلاق العمران والتربية  ـ  ذات ثوابت ومتغيّرات  ـ شاملة متكاملة  ـ  تجعل سلوك الإنسان عبادةً لله ـ متوازنة ـ إيجابية ـ واقعية .

         و الثقافة العربية الإسلامية تواجه الآن تحديات عِظام ، ومحن عُضال ، فقد أصبح التغيّر السريع سمة العصر ، وترتب عليه ضيق الفجوة بين الاكتشافات العلمية وتطبيقاتها ، وتداخل العلاقات بين بلدان العالم المختلفة ، وزيادة أهمية المعرفة المرتبطة بالإنتاج والخدمات ، وتغيّر موازين القوى  العالمية، وتقلص مفهوم النظام القومي ، وإحلال محله : النظام الدولي " ثمّ " النظام العالمي الجديد " والعولمة وما يرتبط بها من هيمنة أمريكية تسعى إلى ما يضمن تبعية المجتمعات  الأخرى  لأيديولوجيتها ، وأيضاً ما يتضمنه الخطاب الإعلامي  ـ وغيره من الخطابات الأخرى  ـ للدول الكبرى من أقاويل تمزج الأصولية بالعنف ، وتحلّ مبدأ إعادة البناء محل توازن القوى .

            و قد حولت ثقافة العولمة التكنولوجية عصرنا هذا إلى عصر تتهاوى فيه النظم والأفكار قريباً من بداياتها ، وتتآلف فيه الأضداد ،و تتهاوى فيه القيم الإنسانية والأخلاقية , وتنسف تحوّلاته المتسارعة ـ والتى يكتنفها الغموض ـ كل الإسقاطات المستقبلية ، وتدخلنا فى عالم " السيناريوهات "  المفتوحة على كافة الاحتمالات ، وفى ظل هذه الظروف أصبح وطننا العربي مستهدفاً من قِبل الهيمنة الغربية فى : إنسانه ، وثقافته ، ولغته ، ومعتقداته الدينية ؛ من أجل تحقيق مصالح تلك الدول : الاقتصادية والسياسية ، ومن ثمّ أصبح واجباً علينا أن نسلّح أبناءنا بمجموعة قدرات أهمها : التمكن من مهارات اللغة ، والسيطرة على المهارات الأساسية للغة الإنجليزية ، والتمكن من مهارات الانتقاء والاختيار من كمّ المعرفة المتدفق والمتزايد ، وذلك وفق معايير متسقة مع تصورهم للكون والإنسان والحياة ، والقدرة على استيعاب  المعارف المختارة وإعادة صياغتها فى نسق علميّ ، والقدرة على الاستخدام الأمثل للمعرفة المختارة فى إنتاج : أفكار ونظريات ومنتجات  جديدة .


([1]) محمد عاطف غيث :قاموس علم الاجتماع ، القاهرة،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1979 م ،ص ص : 110 ـ 112 .

([2] ) ديلاسى أوليرى :الفكر العربي ومكانته فى التاريخ ، ط2 ، ترجمة : تمام حسّان ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1997 م . انظر مقدمة المترجم : ص : 7.   

([3] ) حسين مؤنس :الحضارة ( دراسة فى أصول وعوامل قيامها وتطورها ) ، ط2 ، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، س : عالم المعرفة ، ع : 237 ، سبتمبر 1998 م . ص : 37 . 

([4] )  حسن شحاته ، وزينب النجار :معجم المصطلحات التربوية والنفسية ، ط1 ، القاهرة ، الدار المصرية اللبنانية ، 2003 م . ص :  162 .

( 5 ) على أحمد مدكور : التربية وثقافة التكنولوجيا ، ط1، القاهرة ، دار الفكر العربي ،2003م . ص :25 .   

(5 )  عبد الله السيد عبد الجواد : المنظومية فى إعداد المعلم مطلب رئيس لمواجهة التحديات المتجددة ،المؤتمر العربي الثالث حول المدخل المنظومي فى التدريس والتعلم، مركز تطوير تدريس العلوم ، كلية التربية ، جامعة عين شمس ، 5 ـ 6 آبريل 2003 م . ص ص : 328 ـ 329 .

(6 )  على أحمد مدكور :معلم المستقبل ( نحو أداء أفضل )، ط1 ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 2005 م. ص ص: 19ـ 21.

(7 )  حامد عمّار :مقالات فى التنمية البشرية العربية ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2007م . ص : 24 .

المصدر: صاحب الموقع
aladbwltarbia

أحمد المهني

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 868 مشاهدة
نشرت فى 3 مايو 2012 بواسطة aladbwltarbia

ساحة النقاش

aladbwltarbia
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

147,185