تقرير مي يوسف

لانبالغ إذا قلنا بأن المرأة في وطننا العربي هي من أكثر الطاقات المهمشة في عملية التنمية، فلا زالت حتى اليوم لا تتمتع - في معظم المجتمعات العربية - بنفس

الحقوق التي يتمتع بها الرجل· وظلت النظرة الأكثر انتشارا هي تلك النظرة التي تنظر الى المرأة بوصفها كائنا لا يصلح سوى لإنتاج الخام البشري·


لكن ما يدعو الى التفاؤل أن هذه النظرة قد بدأت في التغير شيئا فشيئا وسط ضغوط احتياجات العصر للمزيد من الموارد البشرية المدربة والمؤهلة للتصدي لجميع

التحديات التي يحملها العصر بين ثناياه، ويظل وطننا العربي بوضعه الحالي أكثر حاجة لإشراك نسائه في خطط وعمليات التنمية وادماجهن في مشاريعها الرامية

الى تحسين نوعية الحياة وتأسيس بيئة أفضل لنمو الجنس البشري بحيث يمتلك التعليم والتدريب والتأهيل الملائم لمجابهة تحديات العصر الثقافية، الاجتماعية،

الاقتصادية والسياسية وغيرها·


ولا يتم ذلك من دون التعبئة العلمية والتخطيطية الشاملة والدائمة للموارد الانسانية التي هي هدف من أهداف السياسة الإنمائية·· لذا كان لابد من التأكيد على

 أْهمية الإفادة من جميع الموارد البشرية في جميع القطاعات·


فعملية التنمية تحتاج الى تسخير كل الطاقات المادية والبشرية، ولعل أهم عملية استثمارية تقوم بها أية دولة نامية - على الأخص - هي تنمية مواردها البشرية··

 ولا شك ان المرأة في المجتمع - كما يقال عادة - تكون نصف الموارد البشرية التي يعتمد عليها في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة الى دور

المرأة في تكوين شخصية أطفال المجتمع، أو بمعنى آخر في تنمية الموارد البشرية الصغيرة، ويقصد بالمشاركة التنموية تلك الجهود والإسهامات التي تبذلها المرأة

سواء اتسمت بالطابع الاقتصادي أو الاجتماعي، والتي تؤدي الى إحداث التغيير الاجتماعي، وتسهم في تحقيق درجة ما من التقدم الاجتماعي·


وتؤكد العديد من الدراسات على أن من بين مؤشرات تقدم المجتمع مساهمة نسائه في النشاط الاجتماعي والاقتصادي· بل ان هناك آراء ترى أن أي خطة تنموية

لابد أن تعتمد في جهودها على مشاركة المرأة بجانب الرجل بوصفها نصف القوى البشرية في المجتمع·


لذلك فإن تخلف مجتمعنا العربي يعزى، بلا شك، الى اقتصاره في مجهوداته التنموية على قوى الرجل مهمشا لدور المرأة ومستعبداً لأهمية هذا الدور· فظلت المرأة

في تخلفها ولم تتمكن المجتمعات من تجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية لحقب طويلة من الزمان· إن عملية التنمية عملية متكاملة تهدف للارتقاء بالعنصر

البشري دون تمييز بين فئاته، ولذلك ينبغي ان تستوعب في خططها كل فئات المجتمع·


فنسق القيم من شأنه محو صورة المرأة السلبية المتخلفة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وإحلال محلها صورة المرأة المثقفة الذكية الواعية الايجابية

المشاركة في الحركات التنموية المختلفة، كما ان بالمزيد من الوعي المجتمعي يتضح الإطار الاجتماعي للعمل والإنتاجية والدور الاجتماعي للفرد فيسهل بذلك

تحقيق أهداف السياسات التنموية دون ما تفريق في توظيف القدرات البشرية لجميع فئات المجتمع· هكذا فعندما تكون المرأة - التي تمثل نصف المجتمع المؤثر -

واعية بأدوارها ومتسلحة بالقدر الملائم من المعرفة والثقافة والخبرات والقدرات والمهارات الفنية والحرفية وغيرها، فبذلك يقل خطر وسائل الإعلام في التأثير سلبيا

على المحيط الاجتماعي الذي تتفاعل في داخله هذه المرأة وتعيش فيه عددا من الصراعات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة·
لذا ينبغي العمل على تخليص المرأة من قيود العادات والتقاليد المتخلفة المضروبة حولها والمعيقة لمشاركتها في تنمية مهاراتها وقدراتها ومن ثم تنمية المجتمع ككل· ولعل جهود تنمية المرأة ينبغي ان تبدأ بالتعليم ثم تمتد لتشمل التدريب الفني والتأهيل والتثقيف الذي يتواكب ومستجدات العصر من علوم وتكنولوجيا

ومعلومات·


وقد أشارت العديد من الدراسات الى أن ضعف القاعدة البشرية يتمثل بشكل أساسي في انتشار الأمية، وبخاصة بين الإناث، وضعف التعليم الجامعي، ونقص

التدريب الفني، وتواضع مستوى التنمية البشرية، وبخاصة في البلدان العربية غير النفطية· وقد يؤدي ذلك الى تدني دافعية الجماهير العربية وخصائصها الفنية،

وقدرتها على المشاركة بفاعلية في جهود التنمية فينبغي لذلك الالتفات الى هذه الناحية المهمة أولا كخطوة أساسية للإقدام على أي برنامج يهدف الى تحقيق

التنمية البشرية العربية·


وقد درجت بعض القواميس الكلاسيكية على تعريف المرأة الأمية بأنها: المرأة التي لاتعرف القراءة والكتابة· أما تعريف اليونسكو الموسع نسبيا - في مطلع

الخمسينات - فقد اعتبر غير الأمي الشخص القادر على قراءة وكتابة نص بسيط وقصير يدور حول الوقائع ذات العلاقة المباشرة بحياته اليومية· وفي ضوء تطور

المجتمعات المعاصرة، بما تمليه من احتياجات متزايدة ومتجددة، تبنت هذه المنظمة الدولية تعريفا جديدا يتناسب وطبيعة هذه التطورات وحجم الاحتياجات، حيث

عرفت المرأة غير الأمية بأنها: المرأة التي تملك معرفة القراءة والكتابة والحساب بالقدر الذي يمكنها من تحسين نوعية حياتها اليومية وحياة اسرتها، ويسهل من

مشاركتها بشكل كامل في تنمية الجماعة والمجتمع·


ويرى بعض الباحثين وجوب الجمع بين الأمية الابجدية ومحو الأمية السياسية بالنسبة للمرأة الريفية، بمعنى مساعدتها على الربط بين حياتها اليومية والحياة

السياسية العامة حتى يتضح مستواها الفكري ووعيها بحقوقها وحتى تتخلص من التخلف الذي تعيش في إطاره·· كما يرون ضرورة التركيز في عملية التنشئة

الاجتماعية في الأسرة والمؤسسات الأخرى على ضرورة إزالة التحيز الجامد بين الأدوار التي حددت تاريخيا واجتماعيا للرجل والمرأة·


يعزو بعض الباحثين انخفاض مساهمة المرأة في بعض المجتمعات الى عوامل تتعلق بعدم توفير الفرص للإعداد الكافي لها للمشاركة في الحياة العامة كالفرص

 التي أتيحت للرجل من حيث تأهيله لوظائف معينة كالوظائف القيادية مثلا، ومن حيث وضع فروق بين الرجال والنساء في الأجور·


وربما يعكس ذلك مدى الظلم الذي تعاني منه المرأة داخل سوق العمل· فإذا كانت الدول النامية بشكل عام تعاني من القهر والاستغلال الخارجي في ظل نظام

اقتصادي دولي غير متكافئ فإن المرأة تعاني من استغلال مزدوج وخاص· فهي فئة اجتماعية لها خصوصيتها وهي مقهورة، لا من النواحي الاقتصادية فقط وإنما في

 النواحي الأيديولوجية والفكرية، وان كانت الأخيرة أكثر خطورة وأقل وضوحا· فبالتمعن في اقتصاد العديد من الدول النامية يتبين أن المرأة تشغل أدنى المراتب في

سوق العمل، اي انها تعمل في قطاعات ضئيلة الأجرة سيئة التنظيم· (القطاع الهامشي على سبيل المثال، أو قطاعات خدمية غير منظمة) قليلة المرافق الخدمية

والصحية والتأمينية·


وعلى الرغم من كثرة النصوص القانونية العديدة، في كثير من الدول النامية، التي تؤيد المرأة، إلا أنه بالنظر الى المستوى الفعلي والتطبيقي نجد الكثير من هذه

القوانين تعوق استقلال وتحرير المرأة· وأخطر من ذلك أن كثيرا من العادات والتقاليد والقيم تعوق المرأة بشكل واضح على المستوى المجتمعي والفردي ايضا· فعلى

سبيل المثال فإن اكتساب حق العمل قد لا يوصل المرأة الى اكتساب السلطة أو الاستقلال داخل الأسرة، بل بالعكس احيانا قد يزيد هذا الوضع من عبوديتها عندما

يستحوذ ذكور الأسرة على ثمار جهدها وتزيد أعباؤها·


ولا شك أن كل ذلك يحد من دافعية المرأة للعمل ويزيد من حجم الاحباطات والمعوقات النفسية السيكولوجية التي تواجهها·· فالمرأة تفتقد الى الدافع الحقيقي

 لبذل المزيد من الجهود في سبيل تطوير قدراتها ومهاراتها الفنية والحرفية والادارية وغيرها، فهي نادرا ما تحلم بأن تستولي على منصب قيادي في مجتمعات

 

تستبعدها عن مثل هذه المهام التي تعتبر ملكا للرجل دون منازع

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 258 مشاهدة
نشرت فى 12 يونيو 2015 بواسطة akherkalam

موقع اخر كلام

akherkalam
موقع اخر كلام صحافة حرة والخبر فور حدوثة رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير :محمد الصبروت /ت 01225288308-01004211282 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

288,791