الشيخ احمد احمد سلطان

امام وخطيب بوزارة الاوقاف المصريه

الحمد لله لم يزل عليّا ، ولم يزل في علاه سميّا ، قطرة من بحر جوده تملأ الأرض ريّا ، نظرة من
عين رضاه تجعل الكافر وليّا، الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًا والنار لمن
عصاه ولو شريفًا قرشيًا، أنزل على نبيه ومصطفاه قولاً بهيًا { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنكَانَ تَقِيّاً[ [مريم : 63] 
وكم لله من لطف خفي **** يدق خفاه عن فهم الذكي 
وكم أملٌ تساق به صباحا **** فتأتيك المسرة ُبالعشي
وكم يسر أتي من بعد عسر**** ففرج كربة القلب الشجيإ
ذا ضاقتك الأحوال يوما **** فلذ بالواحد الفرد العلي
ونصلي ونسلم
على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما جرا أثواب الحرير و ما مشى التاج من فوق الجبين مرصعًا ،
جاءت له الدنيا فأعرض زاهد ًا*** يبغي من الأُخرى المكان الأرفعًا ، 
من ألبس السعادة حلةً ***فضفاضة لبس القميص مرقعًا ،
و هو الذي لو شار نالت كفه *** كل الذي فوق البسيطة أجمعا .
أمة الإسلام: كل عام أنتم بخير واسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكتب لنا حج بيته الحرام – ها هي مواكب الحجيج قد توجهت يحدوها الشوق والحنين والهيام والغرام بحج بيت الله الحرام حالهم كما وصفهم الشاعر:
هجرت الخلق طراً في هواك * وأيتمت العيال لكي أراكا
ولو قطـعتني في الحب إرباً * لما حن الفؤاد إلى سـواكا
تجاوز عـن ضعيف قد أتاك * وجاء راجيا يرجوا نـداكا
وإن يك يا مهيمن قد عصاكا * مقراً بالذنوب وقد دعاكا
وإن تغفر فأنت لـذاك أهل * وان تطرد فمن يرحم سواكا
قد فارقوا الأوطان وتركوا الأولاد والأحباب وتجردوا من كل متع الدنيا حالهم:
يا كعبة الحسن كم من عاشق قتلا ** شوقاً إليك ورام الوصل ما وصل
-قد يتمت بعده الأولاد حين سري ** وظل يبكي بدمع فاض منهملاً
-فكم غريق بـحار في هـواك غدا ** وآخر ظل في البيداء منجدلاً
-وانتم معشر الــزوار قربكـم ** إلى مقام بها أمن لمن دخـلا
-فـلا تخـافوا فـأنتم في ضيافته ** فهو الكريم الذي بالجود ما بخلا
لذا كان لزاما أجل مسمى أن نبين للأمة جمعاء وإلى الحجيج خاصة مقاصد الشريعة الإسلامية من الحج فموضوع اللقاء {تذكرة الناسك بمقاصد المناسك}
مقاصد روحية 
=============
والمقصود بالمقاصد الروحية هي التي تغذي الروح وتسموا بالنفوس وهذا من أسمى المقاصد إذ الهدف من الرسالة عامة سمو الروح ونقاء النفس قال الله سبحانه وتعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]
ففي الحج منافع روحية عظيمة، منها:
أولاً: استشعار القلوب بوحدانية الله، حيث يستشعر الناس في شعيرة الحج بوحدانية الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال وحدة المناسك والمشاعر والقصد والسعي والقول والدعاء، الجميع مسلمون يطوفون ببيت واحد، ويعبدون إلهاً واحداً، ويتبعون رسولاً واحداً، وينتهجون منهجاً واحداً، كل هذا تجسيد حقيقي لمدلول:" لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ". إن هذا الشعور يترك في نفوس المسلمين أهمية الوحدة والعمل في ظل جماعة واحدة حتى يتمكنوا من الانتصار على أعدائهم ... ويكونوا بحق خير أمة أخرجت للناس، وذلك مصداقاً لقوله تعالى : "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَتَفَرَّقُوا".
ثانياً : تعويد النفس على الطاعة والامتثال لأمر الله: فالحج فرض في العمر مرة على كل مسلم ومسلمة لمن استطاع ذلك، ومن ينكر فرضية الحج فقد كفر، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى:"وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً"، وتأسيساً على فرضية الحج نجد أن الحجاج يؤدون المناسك مثل : الطواف، والوقوف بعرفه، والسعي، والحلق والتقصير، والهدى ... وغير ذلك من النسك دون نقاش أو جدل، بل طاعة وامتثالاً واستسلاماً لأمر الله سبحانه وتعال، وفى هذا تعويد للنفس البشرية على الالتقاء على طاعة الله والاتحاد على دعوته، ولقد وعد الله سبحانه وتعالى أصحاب هذه النفوس المطيعة والمستسلمة له بالجنة فعن جابر رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم " رواه البزار ورواته ثقات
ثالثاً: تزويد القلوب بالإيمان والتقوى، فمن منافع الحج الروحية التزود بالتقوى، ولقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37] وقال أيضاً : {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج: 32] 
فقد ورد في ظلال القرآن في هذا الشأن: "إن التقوى زاد القلوب والأرواح منه تقتات وبها وترى وتشرق وعليها تستند في الوصول والنجاة وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى وخير من ينتفع بهذا الزاد". فالحج مناسبة طيبة ومباركة لتزويد القلوب بالتقوى وهو خير الزاد.
رابعاً : اختبار قوة الإيمان، فلا شك أن من أهم غرائز النفس البشرية حب الشهوات من النساء والبنين والأموال والتمتع بلذائذ الحياة الدنيا المختلفة، وفى الحج يترك الناس هذه اللذائذ وينسون رغبات الدنيا ويتجنبون الشهوات .. ففي ذلك اختبار على قوة الإيمان وصدق العقيدة والإخلاص في حب الله ورسوله ، فالحجاج أثناء أداء المناسك ويؤمنون إيماناً بأن اتقاء الله والعمل على الفوز برضائه وغفرانه خير من تلك الشهوات الزائلة ويتذكرون قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [البقرة: 165] كما أنهم يحسون بحلاوة الإيمان ولقد قال عن هؤلاء الرسول صلى الله عليه وسلم: عن أنس عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وإن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار وأخرجاه "، ولذلك يعتبر الحج المبرور من مقاييس صدق العقيدة وقوة الإيمان.
خامساً : تطهير النفس من مظاهر الكبرياء والعظمة، حيث يلبس الحجاج ملابس بسيطة، يستبدل الغنى الفاخر الثمن من الثياب بثوبين لا زينة ولا زخرفة فيهما كما يقف أمام الله سبحانه وتعالى متجرداً من كل مظاهر الحياة الدنيا الزائلة يتذكر يوم لقاء الله، وهذا يطهر النفس البشرية من الكبرياء والعظمة والغرور والتفاخر بالأنساب والألقاب، كما يعود النفس البشرية على التواضع حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد متذكرين قول الله تبارك وتعالى { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]
* تقوية الصلة الروحية بالأمة الإسلامية: ومن التربية الروحية عباد الله تقوية الصلة بين الماضي والحاضر و استحضار سير الأنبياء في كل خطوة يخطوها الحاج 
* عند مقام إبراهيم صلى ركعتين إن تيسر وتذكر الصلة الروحية الممتدة عبر الأجيال بيننا وبين سيدنا إبراهيم عليه السلام واستجابة الله لدعواته بأن بعث فينا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين .
فنحن أمة ذات مجد وأصالة وذات تاريخ وحضارة لسنا أمة مقطوعة الجذور 
* وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه ليس كغيره من الماء , فقد خصه الله كذلك بخير كثير ولنتذكر عند شربنا منه السيدة هاجر أم إسماعيل , وكم قاسا من العطش قبل ظهور زمزم ، فلنروض أنفسنا على تحمل المشاق في سبيل الله في ميادين الجهاد والعمل لنصرة دينه عز وجل .
* وأنت تشرب ماء زمزم تذكر أنه لا بد من الفرج بعد الشدة وأن مع العسر يسرا , فالليل مهما طال لا بد من الفجر . فثق بربك القائل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) 
وتأكد أن من سنن الله في الكون إن بعد كل عسر يسرا.
* إذا وقفت على جبل الصفا تذكر جهر النبي بدعوته. واستحضر ما لاقاه هو وأصحابه الكرام في سبيل توصيلها إلينا نقية خالصة. 
وتذكر رد عدو الله أبو لهب عليه، واستشعر وأنت على الصفا أنه في هذا المكان معانقة السماء للأرض و نزول قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا ذات لهب *وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد }
وتذكر غضب الله وتوعده لأبي لهب وامرأته بنار جهنم الموقدة جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله. وتذكر التباب والهلاك والسخرية والزراية والمصير المشئوم الذي جعله الله جزاء لكل الكائدين لدعوة الله في الدنيا وفي الآخرة . تذكر هذه المعاني وعاهد ربك من فوق جبل الصفا أن تكون عند عودتك إلى بلدك عونا للدعوة وللدعاة والعاملين في حقل الدعوة. واحذر أن تكون في يوم من الأيام معاديا لدعوة الله بقول أو بفعل.
* وأنت تسعي بين الصفا والمروة تذكر أن السعي عبادة وليس مجرد سير هذه الأشواط وإن صاحبها شعور بالتعب والمشقة.
ففي هذا المقام تذكر السيدة هاجر وسعيها بين الصفا و المروة بحثاً عن الماء لوليدها الذي أشرف على الهلاك فما أجدرنا أن نتحمل المشاق و السفر و الجهاد في سبيل الله وفي سبيل دعوته , وليكن ذلك تعبداً وتقرباً إلى الله, و زكاة لصحتنا وشغلاً لأبداننا بطاعة الله عز وجل .الاستغفار
المقاصد الأخلاقية للحج والعمرة 
==================
اعلم أن الحج مدرسة لتعليم الأخلاق الحميدة: من الصبر والتحمل، والتعاون والإيثار. فالقدوة الحسنة , والأخلاق الكريمة؛ من أعظم الطرق لكسب قلوب الآخرين ومن ثم دعوتهم والتأثير عليهم .
ومن مقاصد الحج الصبر وهو حبس النفس على ما تكره، وهو أنواع:
1 -الصبر على طاعة الله: بأداء مناسك الحج والعمرة -من إحرام، ومبيت بمنى، ووقوف بعرفة، ومبيت بمزدلفة، ورمي، وذبح، وحلق، وطواف، وسعي،
وتحلل -على الوجه المشروع والمطلوب.
2 -الصبر عن معاصي الله: باجتناب الرفَث، والفسوق، والجدال بالباطل، وغيرها من المعاصي:
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة 197)
(الرفث: الجماع والتقبيل) (الفسوق: المعاصي).
3 -الصبر على مفارقة الأهل، والأحباب، والأوطان وذلك بذكر الله وشكره، وطلب الأجر من الله.
قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ
ذِكْرًا}. (البقرة 200)
4 -الصبر على تكاليف العمرة والحج، فأجر النفقة لا يضيع عند الكريم، بل يضاعفه له، ويخلفه عليه، ويزيده من فضله: قال تعالى:
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. (سبأ 39)
قال -صلى الله عليه وسلم -لعائشة -رضي الله عنها-في عمرتها: "إن لك من الأجر على قدر نصَبك ونفقتك". (صحيح رواه الحاكم)
الحج مدرسة الأخلاق وميدان تربية النفس على معالي الأخلاق، والتباعد والتجافي عن سيء الأخلاق ورديئها . 
يحدوه في ذلك خلق سيد البشر صلى الله عليه وسلم الذي كان مناراً لكل حائر في ظلمة الأخلاق، مستشعراً تلك النداءات النبوية والوصايا الإيمانية بالتخلق بكريم الأخلاق والاتصاف بجميل الطباع. 
مقاصد اجتماعية 
=================
معاشر المؤمنين: وللحج مقاصد اجتماعية تلكم المقاصد تبني مجتمعا متراصا متماسكا متحابا لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى نذكر منها:
* تحقيق مبدأ المساواة: 
إن مبدأ المساواة يتجلى واضحاً في الحج حيث يجتمع المسلمون من كل جنس ولغة ولون ووطن في صعيد واحد لباسهم واحد وعملهم واحد ومكانهم واحد ووقتهم واحد وحدة في المشاعر ووحدة في الشعائر، وحدة في الهدف، ووحدة في العمل ووحدة في القول. 
عن أبي نضرة قال حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال (إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى). شعب الإيمان -البيهقي)
وعلى هذا يتربى الأغنياء والمترفون أنه مهما كثرت الأموال ومهما ارتفعت المناصب فليس المال وليس المنصب وليس الجاه هو المقياس الحقيقي للتفاضل والتفاخر بل تقوى الله وإخلاص العبادة له وحده هي مقياس التفاضل ,فما فاق بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي أبا جهل وأبا لهب بالنسب ولا بالمنصب بل بحقيقة التفاضل وهو إيمانهم بالله وحده ولهذا نالوا شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومرافقته. 
سواسية كأسنان المشط، الغني بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، والكبير بجوار الصغير، والمصري بجوار الباكستاني وبجوار النيجيري وبجوار الشيشاني وبجوار الفلسطيني، لا قبيلة ولا عنصرية ولا اختلاف في الهيئة الخارجية ولا في المناسك ولا في المكان ولا في الزمان، الناس سواسية كأسنان المشط، معنى من أهم المعاني البنائية لأمة الإسلام.
تحقيق مبدأ الأخوة:
============
فحينما يقصد الحجاج من كل بلاد الدنيا مكاناً واحداً في وقت واحد على هيئة واحدة ويؤدون منسكاً واحداً يتحقق في النفوس أخوة الدين التي جمعتنا ينادي كل أخ أخاه ويحاكيه متذكراً تلك الأخوة التي عاشها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت من أول الأعمال التي قام بها حين قدم المدينة مهاجراً فآخى بين المهاجرين والأنصار فتحقق بذلك أخوة الدين. 
ولنتأمل قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} تلك الرابطة التي ارتضاها الله عز وجل لأهل الإيمان وهي أقوى من أخوة النسب فما أجمل تلك الأخوة وما أسماها لأنها قامت على أساس هذا الدين فالمحرك والدافع لها هو هذا الدين.
ولنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس- رضي الله عنه- أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا - عباد الله - إخواناً زاد ابن عيينة وغيره ولا تقاطعوا" أخرجه البخاري و مسلم 
* التعارف:
=============
و من المقاصد عباد الله التعارف بين أبناء الأمة الإسلامية و ان يسمع كل بمشكلات الأخرى و يضعوا لها الحلول المناسبة ففي الحج يتحقق ذلك المعنى الرفيع كما أخبر الله بذلك فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وإن اختلفت اللغات والأوطان والمشارب فالتعارف من أكبر أسباب الألفة بين أهل الإسلام. 
وحينما نقرأ هذا الحديث يقودنا لشعور صادق وحس عجيب, عن أبي هريرة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قال الأرواح جنودٌ مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " أخرجه البخاري 
,فما أجمل هذه الأرواح وهي تتعارف لتتآلف وتتوحد حباً ودفاعاً ونشراً لهذا الدين. 
والخير للمؤمن أن يكون ممن يألفه الناس ويأنسوا به فعن عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ مَأْلَفَةٌ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ») أخرجه أحمد 
* إلغاء جميع الشعارات إلا شعار واحد:
========================
وفي الحج عباد الله تسقط جميع الشعارات والنعرات والقوميات ولا يبقى إلا شعار واحد ألا وهو شعار التوحيد الذي يدعو الأمة إلى الوحدة والاتحاد وأن تذوب جميع الفوارق والحدود فتنصهر الأمة في بوتقة واحدة ألا وهي بوتقة الإيمان بالله الواحد الأحد 
ولذا كان شعار جميع الحجاج واحد (لبيك اللهم لبيك) شعار التوحيد، يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم (فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك)(مسلم ) 
فهي تربية لأهل الإسلام كلهم أن يتوحدوا بشعار واحد وأن يبطلوا جميع الشعارات التي كانت سبب فرقة وخصام ,ليحققوا مراد الله عز وجل في توحيده وفي شهادتهم بـ(لا إله إلا الله) ليعم الخير والإسلام في جميع أنحاء الأرض ويكون هو منطلق كل داع يدعوا لهذا الدين 
فالحاج يبدأ حجه بالتوحيد ولا يزال يلبي بالتوحيد ويتنقل من عمل إلى عمل بشعار التوحيد وهو شعار جميع الحجاج ولا شعار لهم غيره فما أجله من شعار يهتفون به في جميع المشاعر.
مقاصد الحج الاقتصادية 
===============
و اعلموا عباد الله ان للحج مقاصد اقتصادية كبرى فالحج يجمع المسلمين من أنحاء الكرة الأرضية و لقد أباح الله تعالى للامة الاتجار في الحج فقال سبحانه وتعالى { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [الحج: 28]
أي أدعهم إلى الحج ليحضروا منافع لهم دينية بأن يحظوا برضوان الله، ودنيوية بما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، وما يكون في ذلك الاجتماع العظيم من التعارف. وهذا دليل على جواز الاتجار في الحج.
يقول الدكتور محمد أبو زهرة-رحمه الله –في تفسيره: 
إنه سبحانه وتعالى ذكر المنافع بلفظ نكرة، والتعبير بالنكرة يدل على أنها منافع عظيمة، لَا يقدر قدرها ولا تدرك نهايتها للناس، ونرى أن هذه المنافع مادية ومعنوية وعبادية، وهي سنام المنفعة، أما المنافع المادية فتجارات تتبادل بين الأقاليم الإسلامية، فأهل كل إقليم يجلبون معهم من مواردهم ما لَا يكون عند غيرهم، فما عند الهنود من خيرات يفيضون به على غيرهم من المسلمين، وما عند المصريين من خيرات يفيضون به على غيرهم ممن ليس عندهم مثلها أو هو قليل، وتعقد في مواسم الحج الصفقات الاقتصادية وذلك ليس بممنوع، بل هو مطلوب، كما قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ. . .)، وإن ذلك يجيز بل يوجب أن يعقد في موسم الحج الاتفاقات التجارية، ويتخذ من موسم الحج موعدا للدراسات الاقتصادية بين المسلمين، ولقد كانت في مكة الأسواق التجارية مثل عكاظ وذي المجاز، وغيرهما.
أما المنافع المعنوية، فدراسة التعاون الإسلامي من كل النواحي الاجتماعية والحربية والتعاونية والتعليمية ويعمل كل إقليم على التعرف ببقية الأقاليم الإسلامية والتعريف بحاجاته من العلم والحرب، وغيرهما وكذلك يشعر كل إقليم بأنه يعيش في مدن الأقاليم الإسلامية، ولا يشعر بنفرة الانفراد.
المقاصد الأخروية 
===============
والحج أيها الأحباب: لها مقاصد علية وأهداف سمية تذكر الحاج بالدار الآخرة وأنه لابد أن يتجرد في يوم من الأيام من حطام الدنيا ليقف بين يدي الله – جل جلاله-ومن أهم تلك المقاصد 
أولاً: التذكير بأول منازل الآخرة
وهو أول المقاصد ويتضح جلياً من ارتداء ملابس الإحرام، حيث يتجرد الإنسان من كل متعلقاته ويتذكر أول منازل الآخرة، إنه القبر فمن نجا منه، فما بعده أيسر منه.
إن تذكر القبر وعذابه معناه: قصر الأمل، وبقاء حقيقة الموت ماثلة في ذهن المؤمن قبل مثول حقيقة الحياة؛ فيكون أشد حرصاً على الطاعة، وأكثر بعداً عن المعصية، ولهذا قدم الله تعالى ذكر الموت على الحياة في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) سورة تبارك آية2. 
قَالَ السُّدِّيُّ: أي أكثركم لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُ اسْتِعْدَادًا، وَمِنْهُ أَشَدُّ خَوْفًا وَحَذَرًا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ- حَتَّى بَلَغَ- أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَقَالَ: "أَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَأَسْرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّه" (تفسير القرطبي لسورة الملك 18/ 207)
ثانياً: التذكير بيوم الجمع
ففي الحج يجتمع الناس من كل حدب وصوب على اختلاف بيئاتهم ولغاتهم، وأجناسهم وأعراقهم، في صعيد واحد في يوم عرفة، لا يملكون شيئا من حطام الدنيا إلا ما يواري سوءاتهم، جاؤوا شعثاً غبراً، تخلوا طواعية عن أولادهم وأموالهم ومناصبهم وسلطانهم؛ ليقفوا في هذا الصعيد الطاهر أداءً للفريضة وطلباً للمغفرة، والفارق بين هذا الجمع وبين يوم الحشر أن الأخير يوم حساب وجزاء لا طلب ولا رجاء، كما أنه يعم الناس جميعا أولهم وآخرهم على سبيل الجبر والاضطرار لا على سبيل الرغبة والاختيار فضلاً عن كونهم حفاة عراة.
وفي هذا المعنى جاء من الأحاديث الصحاح كما رواه سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ" متفق عليه
وما روته عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ" (متفق عليه).
ضجت خدودي من لظى عبرات*** لمـا وقفت عـلى ثري عرفات
-وتيبست شـفتي وتاهــت *** أحرفي وجلاً وكادت تنطفي كلمات -
لما ذكرت الموت في أهـواله *** وذكرت هول النزع والسكرات
-وذكرت بالجمع الغفير مواقفا ***أخرى بيوم الحشر والحسراتي
-ورفعت كفي والدموع كأنها *** سيل تدفق من ذرى الثرواتي
-ومضي لهيب الخوف يحرق مهجتي ***والنفس تبكي سالف الغدرات
-يا رب تبت إليك فقبل توبتي *** وجعل مكان السيء الحسنات
فسمعت من عمق الضمير منادياً*** دع ما مضي وقضي وقم للآتي
-واعلم بأن الله أرحم راحم *** وسيدفع الأحادي بالعشراتي
* غفران الذنوب:
ومن المقاصد السنية أن يرجع الحاج من ذنوبه كيوم ولدته أمه 
قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203]
ذكر الطبري في تفسير الآية أقوالًا لأهل العلم ثم قال:وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: فمن تعجل من أيام مني الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه يحط الله عنه ذنوبه، إن كان قد اتقى في حجه، فاجتنب فيه ما أمر الله باجتنابه، وفعل فيه ما أمر الله بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده، ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن، فلا إثم عليه لتكفير الله ما سلف من آثامه وإجرامه إن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده، وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته، لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
أ -عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". (متفق عليه)
ب -عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةَ مَا بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ " " (صحيح رواه أحمد)
وقد نقل العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) قول الطبري ورجحه.
2 -فضل الصلوات في مكة بمائة ألف، وفي مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم -بألف صلاة:
عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام». أخرجه مسلم ". 
وصلي الله على سيدنا محمد واجعلنا من اتباعه يوم القيامة يوم لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن واجعلنا اللهم من اتباع سنته واجعلنا من رفاقه في. الجنة اللهم أمين
اللهم. إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ... ونسألك ربي العفو والعافية في الدنيا والاخرة .. 
اللهم. أحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة 
اللهم. أحينا على الشهادة وأمتنا عليها وابعثنا عليها 
الهنا قد علمنا أنا عن الدنيا راحلون، وللأهل وللأحباب مفارقون، ويوم القيامة مبعوثون، وبأعمالنا مجزيون، وعلى تفريطنا نادمون، اللهم فوفقنا للاستدراك قبل الفوات، وللتوبة قبل الممات، وارزقنا عيشة هنية، وميتة سوية، ومرداً غير مخز ولا فاضح، واجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! وصلِّ اللهم على محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلِّ اللهم على محمد ما تعاقب ليل ونهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، وسلِّم تسليماً كثيراً، برحمتك يا عزيز يا غفار!

ahmedeldfar

اخوكم/ أحمد الدفار احبكم في الله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 62 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2015 بواسطة ahmedeldfar

الشيخ احمد احمد سلطان

ahmedeldfar
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

6,494