مقدمة
تعد الأزمات المالية العالمية من العوامل الرئيسية المؤدية لقيام المؤسسات المالية بالعمل على البحث عن أليات لمواجهة المخاطر المؤثرة في أعمالها، وإيجاد فكر مشترك بين البنوك المركزية في دول العالم المختلفة يقوم على التنسيق بين تلك السلطات الرقابية للتقليل من المخاطر التي تتعرض لها البنوك، والذي نتج عن تشكيل لجنة بازل أو بال للرقابة المصرفية من مجموعة الدول الصناعية العشر في نهاية 1974 تحت إشراف بنك التسويات الدولية بمدينة بازل بسويسرا، واسفرت أعمال لجنة بازل I في 1988 إلى وضع إطار لقياس مخاطر الإئتمان وتحديد الحد الأدنى لمعيار كفاية رأس المال والذى يبلغ 8%، ومع تطور وتنوع المنتجات في السوق المصرفي والتطورات التكنولوجية المستمرة فقد قامت لجنة بازل بتحسين إطار رأس المال وصدور إتفاقية بازل II والتي ركزت على مخاطر الإئتمان ومخاطر التشغيل ومخاطر السوق. ونتيجة للأزمة المالية العالمية في 2008 والدروس المستفادة منها قامت لجنة بازل بإدخال عدة تعديلات وتحسينات على مقررات بازل II والتى أطلق عليها في مجموعها مقررات بازل III والتي أضافت تعريف جديد لرأس المال وتعريف معيار السيولة العالمي، وتحديد نسبة الرافعة المالية مع إدراج تعديلات على محاور بازل II.
وعلى الرغم من مساهمات لجنة بازل منذ عام 1988 للمساعدة في تقوية إستقرار النظام المصرفي العالمي وخاصة بعد تفاقم أزمة الديون الخارجية للدول النامية، ووضع أليات لمواجهة المخاطر من خلال إعتماد مجموعة من المعايير لقياس المخاطر، وتحسين الأساليب الفنية للرقابة على أعمال البنوك، إلا إنها لم تتطرق للمصارف الإسلامية والتي قد تأثرت أيضاً بالأزمات المالية العالمية، حيث ذكرت دراسة حديثة أصدرتها شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية في 2009 ونشرها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أنه بدراسة عينة لعشرة بنوك ممثلة للبنوك التجارية الخليجية التقليدية والإسلامية إتضح أن الآثار غير المباشرة للأزمة المالية العالمية أثرت على البنوك الإسلامية بشكل أكبر من تأثيرها على البنوك التقليدية .
وتنفرد المصارف الإسلامية عن غيرها من البنوك التقليدية بنوع أخر من المخاطر المتعلقة التزامها بالضوابط الشرعية في كافة معاملاتها المصرفية والاستثمارية والتمويلية المقدمة للعملاء (مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية) وأن عدم الإلتزام بها قد يؤدي إلى الإضرار بسمعة المصرف، وخسارة جزء من حصته السوقية، وتحقيق خسائر مالية ويرجع تحقيق الخسائر المالية لسببين اولهما هو تراجع المتعاملين مع المصارف المالية، وثانيهما تجنيب الأرباح المحققة الناتجة عن عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية. وهو ما جعل المصارف الإسلامية تنفرد بمفهوم جديد من المخاطر يسمى مخاطر عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية أو المخاطر الشرعية وسيتناول الباحث موضوع المخاطر الشرعية من خلال النقاط التالية :-
= مفهوم المخاطر الشرعية ( مخاطر عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية)
= أسباب التعرض للمخاطر الشرعية.
= مساهمات وتطورات أعمال الرقابة الشرعية.
= كيفية الحد من المخاطر الشرعية.
أولاً :- مفهوم المخاطر الشرعية ( مخاطر عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية)
يعتبر مفهوم "الخطر الشرعي" واحداً من المفاهيم المستحدثة والتي ظهرت بشكل جلي مؤخراً بعد التطور الذي تشهده المؤسسات المالية الإسلامية وتوسع رقعتها وأعمالها في الآونة الأخيرة، وبعد التركيز المتزايد من المؤسسات المالية (التقليدية والإسلامية) على "المخاطر" التي تواجه المؤسسات المالية بشكل عام؛ وخاصةً بعد الأزمات المالية العالمية التي كان لها الأثر الكبير على اقتصاد الدول، وإقامة المؤتمرات والبرامج والاتفاقيات الدولية لمحاولة التقليل من آثار هذه المخاطر أو حتى وقوعها أساساً.
ويشير مفهوم الخطر الشرعي إلى حالة قيام العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية بارتكاب مخالفات شرعية تجعل من المعاملات أو العقود مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية، وتؤدي لاحقاً إلى تجنب الأرباح الناتجة عن العمليات التي وقعت فيها هذه المخالفات، وذلك بعد مراجعتها من قسم التدقيق الشرعي أو من الهيئة الشرعية في هذه المؤسسات، مما يؤدي إلى تخفيض الأرباح التي تحققها هذه المؤسسات من جهة، وربما الإضرار بسمعة المؤسسة في حال ارتكاب أخطاء شرعية جلية للعملاء، تؤدي إلى فقدان الثقة بهذه المؤسسات وسمعتها في الالتزام بالمبادئ الشرعية الأساسية.
والمخاطر الشرعية هي إحتمالية وقوع ما قد يؤدى إلى ضرر يمس بالناحية الشرعية من جانب التصرفات التنفيذية أو المنتجات أو العقود المرتبطة بالمنتجات المالية مما يؤدى إلى الإضرار بسمعة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
ويرى الباحث أن المخاطر الشرعية هى تلك الأضرار التي تحدث نتيجة عدم إلتزام المؤسسة المالية الإسلامية بالضوابط والمعايير الشرعية، والتى قد تؤدى إلى التأثير السلبي على سمعة المؤسسة المالية الإسلامية، وفقدان ثقة المتعاملين معها، وإنخفاض حصتها السوقية، وتحقيق خسائر مالية.
ثانيــاً :- أسباب التعرض للمخاطر الشرعية
1- ضعف التأهيل العلمي والعملي للعاملين في المصارف والمؤسسات المالية والإسلامية وعدم إلمامهم وطبيعة أعمال المصارف الإسلامية وخصائص صيغ التمويل الإسلامي.
2- انخفاض فاعلية أداء دور الرقابة الشرعية المطبق بالمصارف الإسلامية بسبب تشتت وظيفة الرقابة الشرعية بين العديد من الجهات سواء داخل أو خارج المؤسسة المالية الإسلامية مثل الهيئة الشرعية، والمراقب الشرعي، وإدارة المراجعة الداخلية، والمراجع الخارجي، وهو ما ساهم في ضعف الرقابة الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
3- عدم إلتزام بعض المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بالمعايير والفتاوى الشرعية الصادرة عن مجامع وهيئات المعاملات المالية والإسلامية وعدم الالتزام بمعايير الإفصاح والشفافية.
4- عدم ملائمة العديد من عقود التمويل الإسلامي والاعتماد على مؤسسات قانونية خارجية لإعدادها ليست متخصصة فى المعاملات المالية والإسلامية وهو ما أدى إلى صورية بعض العقود.
5- عدم وجود مرجعية موحدة تنظم أعمال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وهو ما دعم من زيادة الإختلاف في الفتاوى المتعلقة بالمنتجات المالية الإسلامية وما يتعلق بها من عقود وإجراءات تنفيذية وهو ما قد يساعد في التحايل غير المحمود.
6- عدم وجود منهجية ترجيحية تساعد في الحد من مشكلة تعدد الآراء الشرعية حول نفس الحالة حيث لوحظ العديد من الفتاوى الشرعية المختلفة حول منتج واحد نظراً لإختلاف المذاهب وهو ما قد يساعد في الإضرار بالمنتجات المالية الإسلامية.
7- كثرة الإعتماد على الحلول الإستثنائية في العديد من المسائل الشرعية، حيث إعتمدت العديد المصارف والمؤسسات المالية في التخصص والتوسع في الأعمال إستناداً على الحلول الاستثنائية الشرعية في أعمال المصارف الإسلامية مثل التورق وهو ما قد يؤدى إلى تحولها إلى عموميات.
8- عدم ملائمة نظم التشغيل (الحاسب الألى ) لسمات وخصائص منتجات وصيغ التمويل الإسلامي.
9- غياب الأثر القانوني للأحكام الشرعية المنظمة لأعمال المصارف الإسلامية، وعدم أخذها في الاعتبار عند اتخاذ الأحكام القضائية وما به من تضارب بين القوانين وبين الآراء الشرعية في حالات الخلافات.
10- عدم وجود محاكم مختصة للبت في الخلافات الناتجة بعقود المعاملات المالية الإسلامية.
11- عدم إلزامية المعايير والقوانين الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الدولية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وكذا عدم مراعاتها لطبيعة أعمال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
12-
ثالثــاً :- مساهمات وتطورات أعمال الرقابة الشرعية
بدأت العديد من الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية في الاهتمام بمجال الرقابة الشرعية وذلك لما له عظيم الأثر في ضبط أعمال المصارف والمؤسسات الإسلامية والتأكد من التزامها من الضوابط الشرعية الإسلامية وذلك في ضوء تضاعف اعمال المصارف الإسلامية خلال السنوات الماضية حيث يقدر حجم الصناعة المصرفية الإسلامية عالميًا بـإثنين تريليون دولار في أكثر من 70 دولة على مستوى العالم، بمشاركة 850 بنكا، بمعدلات نمو من 15 إلى 20 % سنويًا، وسيتم عرض أهم التطورات والتوصيات الخاصة بالضوابط والرقابة الشرعية الصادرة عن الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية، للتوصل إلى الآليات التي ستساعد في الحد من التعرض بمخاطر عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية (المخاطر الشرعية).
اعتمدت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين ستة معايير للضوابط الشرعية وهى كالتالي:-
- معيار رقم (1) تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها في يونيو 1997. والذي تناول تعريف هيئة الرقابة الشرعية على إنها جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات ويجوز أن يكون احد الأعضاء من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية، وقراراتها وفتواها ملزمة للمؤسسة، ولهيئة الرقابة الشرعية توجيه ومراقبة والإشراف على أنشطة المؤسسة للتأكد من التزامها بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
- معيار رقم (2) الرقــابة الشرعية في يونيو 1998. والذى تناول إجراءات الرقابة الشرعية وتقريرها وتعريفها وهي عبارة عن فحص مدى إلتزام المؤسسة بالشريعة الإسلامية في جميع أنشطتها ويشمل فحص العقود، والإتفاقات، والسياسات، والمنتجات، والمعاملات، والنظم الأساسية ....
- معيار رقم (3) الرقابة الشرعية الداخلية في يونيو 1999. والذى تناول نطاق عمل الرقابه الشرعية الداخلية وإجراءاتها وضرورة استقلاليتها في الهيكل التنظيمي بالمؤسسة وتقريرها وعناصر النظام الفعال للرقابة .
- معيار رقم (4) لجنة المراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية في يناير 2001. والذي تناول وظائف ومسئوليات اللجنة وكيفية إنشائها وإعداد تقاريرها .
- معيار رقم (5) إستقلالية هيئة الرقابة الشرعية في يونيو 2005. والذي يهدف على وضع القواعد اللازمة لمساعدة هيئات الرقابة الشرعية في الجوانب المتعلقة باستقلاليتها، ومعالجة المسائل المتعلقة بها.
- معيار رقم (6) بيان مبادئ الضبط في المؤسسات المالية الإسلامية في نوفمبر 2005. والذي تناول وضع المبادئ والأسس والمفاهيم الرئيسية المتعلقة بالضبط في المؤسسات المالية الإسلامية.
وفي إبريل 2009 إعتمد مجمع الفقة الإسلامي الدولي القرار رقم 177 (3/ 19) بشأن دور الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك الإسلامية وأهميتهما وشروطها، وطريقة عملها، حيث ورد بالقرار أن المقصود بالرقابة الشرعية هو إصدار الفتاوى والأحكام الشرعية المتعلقة بنشاط المؤسسة المالية ومتابعة تنفيذها والتأكد من سلامة تطبيقها، وقد تناول القرار عرض لمكونات الرقابة الشرعية كالتالي:-
- هيئة الرقابة الشرعية (وهى مجموعة العلماء المتخصصين في فقه المعاملات ولا يقل عددهم عن ثلاثة)
- إدارة الرقابة الشرعية الداخلية (وهى الإدارة التي تطبق الإجراءات اللازمة لضمان سلامة تطبيق قرارات الهيئة الشرعية)
- الرقابة الشرعية المركزية (وهى هيئة للرقابة الشرعية على مستوى السلطات الإشرافية بالدولة)
وفي ديسمبر ٢٠٠٩ إعتمد مجلس الخدمات المالية الإسلامية المبادئ لنظم الضوابط الشرعية للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية والذي تناول تعريف نظام الضوابط الشرعية على أنه النظام الذى يشير الى مجموعة من الترتيبات المؤسساتية والتنظيمية التى تتأكد من خلالها مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية أن هنالك إشرافاً شرعيا فعالاً مستقلاً على كل وحدة من الهياكل والإجراءات المتعلقة بإصدار الفتاوى/القرارات الشرعية، ونشر المعلومات المتعلقة بالفتاوى/القرارات الشرعية بين الموظفين العاملين في مؤسسة الخدمات المالية الإسلامية الذين يراقبون الالتزام بالفتاوى/ القرارات الشرعية على كل مستوى من العمليات وفي كل المعاملات، ومراجعة / تدقيق الإلتزام الشرعى الداخلى للتثبت من تحقق ذلك الالتزام ومعالجه وتصحيح عدم الإلتزام قدر الإمكان، ومراجعة الالتزام / التدقيق الشرعى السنوي للتأكد من أن هذه المراجعة / التدقيق قد تمت بطريقة مناسبة وأن نتائجها تمت دون أية ملاحظة عليها من قبل الهيئة الشرعية، وقد عرض المجلس تسعة مبادئ إرشادية ومقسمة إلى خمسة أجزاء وهى كالتالى:-
الجزء الأول: الأسلوب العام لنظام الضوابط الشرعية
· يجب أن يكون هيكل الرقابة الشرعية المعتمد من قبل مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية متكافئاً مع حجم وتعقيد وطبيعة عملها، ومتناسبة معه.
· يجب أن تتأكد كل مؤسسة خدمات مالية إسلامية من أن الهيئة الشرعية لديها ما يلى :
= شروط توظيف واضحة تتعلق بتعيينها وبمسئوليتها.
= إجراءات تشغيلية واضحة وخطوط محددة جيدة للتقارير.
= الفهم الجيد والتعود على أخلاق وسلوكيات المهنة.
الجزء الثاني : الكفاءة
· يجب أن تضمن مؤسسة الخدمات المالية الإسلامية أن أي شخص منتدب للإشراف على نظام الضوابط الشرعية يستوفي قاعدة "المطابقة والملاءمة" بشكل كاف (الشخصية الجيدة - الكفاءة والقدرة).
· يجب على مؤسسات الخدمات المالية الإسلامي أن تسهل التطوير المهنى المستمر للأشخاص العاملين في الهيئة الشرعية، وفي وحدة الإلتزام الشرعي الداخلي ووحدة التدقيق الشرعي الداخلى.
· يجب أن يتم تقييم رسمي لفاعلية الهيئة الشرعية ككل، ومشاركة كل عضو من أعضائها في ذلك.
الجزء الثالث : الإستقلالية
· يجب أن تؤدي الهيئة الشرعية دوراً إشرافياً قوياً ومستقلاً، مع القدرة الكافية على إصدار الأحكام الموضوعية حول المسائل المتعلقة بأحكام الشريعة، ويجب أن لا يسمح لأي فرد أو أي مجموعة بالتحكم في إتخاذ القرار في الهيئة الشرعية.
· يجب توفير المعلومات الكاملة والكافية في الوقت المناسب للهيئة الشرعية لكي تؤدي واجباتها قبل كل إجتماع وبصفة مستمرة.
الجزء الرابع : الســرية
· يجب أن يتأكد أعضاء الهيئة الشرعية أن المعلومات الداخلية التي يحصلون عليها طوال أداء واجباتهم تظل سرية.
الجزء الخامس: التناسق
· يجب على مؤسسة الخدمات المالية الإسلامية أن تفهم تماماً الإطار القانوني والرقابي لإصدار الأحكام/ القرارات الشرعية في الدولة التى تعمل فيها ويجب أن تتأكد أن الهيئة الشرعية تلتزم بالإطار المذكور، ويجب عند الإمكان أن تعزز توحيد معايير الضوابط.
رابعاً :- كيفية الحد من المخاطر الشرعية.
يعد الإلتزام بضوابط الشرعية الإسلامية هو حجر الزاوية الذي يميز أعمال المؤسسات المالية الإسلامية عن غيرها من المؤسسات المالية التقليدية الأخرى، وهو الجانب الرئيسي الذي يسعى إليه العديد من المتعاملين مع المؤسسات المالية الإسلامية لذا ينبغى أن تكون للمؤسسات المالية الإسلامية الأليات التى تمكنها من إخضاع معاملاتها المالية وغير المالية للشريعة الإسلامية، كما إن عدم التزام المؤسسات المالية سيؤدى إلى العديد من النتائج السلبية ومنها التالي :-
- فقدان ثقة المتعاملين معها لأن الثقة هي الضابط الرئيسى لكافة المعاملات سواء المالية أو الخدمية.
- فقدان جزء كبير من الحصة السوقية والمتمثلة في المودعين وطالبى التمويل.
- وضع إدارة المؤسسات المالية الإسلامية في حرج المخالفات نتيجة عدم الإهتمام بتطبيق الضوابط الشرعية.
- الإضرار بمصلحة كافة الأطراف المرتبطة بالمؤسسات المالية الإسلامية وبالتالى التأثر في كافة طوائف المجتمع ككل.
- الإساءة لسمعة صناعة المصرفية الإسلامية وهدم ما وصلت إليه من نجاحات.
وتسعى المصارف الإسلامية إلى تحليل وتقييم كافة العوامل الداخلية، والعوامل الخارجية وذلك بغرض رئيسي يتمثل في بيان نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات المحيطة بها والعمل على الحد من المخاطر المحيطة بصناعة المصارف الإسلامية، ويمكن للباحث الحد من المخاطر الناتجة عن عدم الالتزام بضوابط الشريعة الإسلامية (المخاطر الشرعية) من خلال وضع إطار شامل يساهم في الحد من هذه المخاطر أخذا في الإعتبار عوامل البيئة الداخلية والخارجية وتتمثل أبعاد الإطار في كالتالي :-
نظم الرقابة الشرعية SYSTEM |
العنصر البشري HUMAN RESOUCES |
الاستقلالية INDEPENDANCE |
التطوير DEVELOPMENT |
أولاً :- نظم الرقابة الشرعية
ساهمات الهيئات والمؤسسات المهتمة بصناعة المصرفية الإسلامية في إدراج المعايير والإرشادات الخاصة بعملية الرقابة الشرعية كما تناولت العديد من الدراسات وضع منهج متكامل للرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية ويرى الباحث أنه لكى تتم عملية الرقابة الشرعية يجب أن تتم من خلال المراحل التالية :
الرقابة السابقة : وتتمثل فى دراسة وبحث المسائل التى تحال إلى هيئة الرقابة الشرعية قبل التنفيذ لإبداء الرأى الشرعى فيها وبيان مدى موافقتها لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وهذا تنفيذ حقيقى لمبدأ الشورى فى الإسلام الذى يحقق الرقابة المانعة.
الرقابة المتزامنة ( المرافقة ) : وتتمثل فى قيام إدارة الرقابة الشرعية الداخلية بالمصرف للتأكد من ان جميع العمليات بالمصرف تتم في ضوء الضوابط الشرعية والقرارات المعتمدة من هيئة الرقابة الشرعية، وحتى تتمكن من ملاحظة الانحرافات وقت حدوثها والعمل على الحد منها، ولذلك يطلق عليها اسم الرقابة المتزامنة أو المرافقة .
الرقابة اللاحقة : وتتمثل فى الأتى:-
الرقابة اللاحقة الداخلية :- قيام هيئة الرقابة الشرعية بالمراقبة على العمليات التى تم مراجعتها من قبل إدارة الرقابة الشرعية الداخلية بعد إتمامها واستكمالها للتأكد من أنها تقوم بأداء أعمالها في ضوء قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية الصادرة عنها وعن مجامع وهيئات المعاملات المالية الإسلامية والتوصيات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية.
الرقابة اللاحقة الخارجية:- وتتمثل في تفعيل البنوك المركزية لدور الرقابة الشرعية المركزية للقيام بأعمال الرقابة الشرعية على أعمال المؤسسات والمصارف الإسلامية التابعة لها وأن تكون قراراتها متامشية مع القوانين الصادرة بالدولة وأن يكون لها صفة الإلزام، وحتى تستطيع مراقبة أعمال هيئات الرقابة الشرعية بالمصارف الإسلامية.
ثانياً :- العنصر البشري
يعد إلتزام العاملين بالمصارف الإسلامية بضوابط وأحكام الشريعة الإسلامية وإلمامهم بطبيعة أعمال المصارف الإسلامية من أهم العوامل المسببة في حدوث المخاطر الشرعية وذلك لأنهم الذراع التنفيذى للأعمال ويرى الباحث أنه يمكن الحد من المخاطر الشرعية الناتجة عن العنصر البشرى من خلال الإهتمام بالتدريب العلمي والعملي للعاملين بالمصارف الإسلامية، وخاصة بمجال الرقابة الشرعية.
بالنسبة للتأهيل العلمي للعاملين بالمصارف الإسلامية والرقابة الشرعية
يجب ان يكون العاملين بالمصارف الإسلامية مؤهلين تأهيلاً علمياً يتناسب مع هذا النطاق على أن يتضمن هذا التأهيل بصفة أساسية ما يلي:-
1- التأهيل العلمي الأساسي: يجب أن يكون من خريجي كليات التجارة والإلمام بمواد المحاسبة، المراجعة، الرقابة، الإدارة، المصارف، المال، التجارة، الإحصاء، الأسواق، التحليل المالي، التكاليف، ونحوها من العلوم الفنية التي تعطيه أساسيات المعرفة المحاسبية والتجارية والمالية.
2- التأهيل العلمي التخصصى في المصرفية الإسلامية: يجب ألا يقتصر التأهيل العلمي على الإجازة الجامعية الأولى فقط، وإنما يتطلب الأمر الحصول على الدراسات التكميلية المتخصصة، وأن يكون لديه معرفة بالاقتصاد الإسلامي وفروعه المختلفة، ومعرفة متعمقة عن طبيعة أنشطة المصارف الإسلامية (صيغ التمويل، أساليب الاستثمار، ومصادر واستخدامات الأموال، الخدمات المصرفية، الجوانب الإدارية والتسويقية ....)، وأصول المحاسبة عن الزكاة ومن مصادر هذه المعرفة : الدراسات العليا في الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية، أو الاشتراك فى الدورات التدريبية التي تنظمها الجهات والمنظمات المهنية المسئولة عن كيفية أداء الأعمال المصرفية الإسلامية.
3- التأهيل العلمي الشرعي : أن يكون لديه معرفة بفقه المعاملات بصفة عامة والتكييف الشرعي للمعاملات المصرفية التي تقوم بها المصارف الإسلامية بصفة خاصة، ولا يكفى أن يكون قد درسها بالجامعة فقط، بل يجب عليه أن يدرس ويفهم ما صدر في هذا الشأن عن مجامع ومراكز الفقه وهيئات الفتوى بالمصارف الإسلامية من فتاوى وقرارات وتوصيات وخاصة ما ورد عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)، والمبادئ الإرشادية الصادرة عن مجلس الخدمات المالية الإسلامية ( IFSB ).
بالنسبة للتأهيل العملي للعاملين بالمصارف الإسلامية والرقابة الشرعية
يدرج الفكر الإسلامي مسألة التأهيل العملي ضمن فروض العين ( أو الواجبات العينية) التي يتحتم على كافة أفراد المهنة الالتزام بمتطلباتها بأعلى درجات الكفاءة والالتزام، بل واعتبر هذه المسالة من ضرورات حفظ مصالح الأمة وأموالها من الضياع والهلاك من ناحية، وعلى إنها أحد اختصاصات العرف (باعتباره أحد مصادر التشريع الإسلامي) الأمر الذي يوضح ضرورة الأخذ بما استقر عليه العرف المهني في مجال التأهيل العلمي ، واعتبار ذلك من الواجبات الشرعية على أعضاء المهنة من ناحية اخرى، كما أن هناك ضرورة لقيام الجهات المهنية المختصة بوضع الشروط والضوابط الكفيلة لضمان جدية وكفاية وفاعلية التدريب العملي، من حيث الشروط والمواصفات الواجب توافرها في التدريب وعملية اكتساب الخبرة العملية، والكفاءة العلمية والعملية للقائمين بعملية التدريب أيضاً.
وفي ضوء ما سبق يمكن للقائمين على صناعة المصارف الإسلامية إتخاذ التدابير اللازمة لدعم التأهيل العلمى والعملي للحد من المخاطر الشرعية من خلال التالي:-
- التعاون المستمر بين المصارف والهيئات والمؤسسات المهتمة بالمصارف الإسلامية لتنظيم المؤتمرات والندوات التعريفية والمتخصصة بالمعاملات المصرفية الإسلامية.
- وضع الضوابط والمعايير اللازمة لإختيار العاملين الجدد بالمصارف الإسلامية.
- وضع خطط للتدريب المستمر للعاملين في المصارف الإسلامية على كافة المستويات الإدارية.
- إختيار ذوى الخبرة العملية والعلمية في المناصب الإدارية العليا بالمصرف.
- وضع الضوابط الخاصة بنظم الترقية للعاملين بالمصارف الإسلامية على ان تكون في ضوء الخبرة العلمية والمهنية وبعد الخضوع للاختبارات اللازمة.
وبالنسبة للعاملين في الهيئة الشرعية والرقابة الشرعية الداخلية:-
- وضع معايير لتقييم أداء العاملين بالهيئة الشرعية والرقابة الشرعية الداخلية، على أن يتم التقييم بصفة سنوية على الأقل.
- خضوع العاملين بالرقابة الشرعية الداخلية بالمصرف لاختبارات متخصصة ودورية قبل وبعد التعيين مع حصولهم على الدورات التدريبية المتخصصة بصفة دائمة.
- يفضل أن تتضمن هيئة الرقابة الشرعية عضو على دراية بكافة الجوانب المصرفية الإسلامية.
ثالثاً :- الاستقلالية
تعد الاستقلالية هي حجر الأساس للقيام بأعمال الرقابة بشتى مجلاتها، ويجب أن يكون أعضاء هيئة الرقابة الشرعية والرقابة الشرعية الداخلية على قناعة ذهنية لا يقبل حاملها أن تكون أراؤه وقراراته خاضعة لتأثير المصالح المتعارضة وضغوطها، وعلى غرار القواعد الأخلاقية للمحاسبين والمراجعين للمؤسسات المالية الإسلامية والقواعد الأخلاقية للعاملين بها الصادرين عن هيئة المحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية فينبغي أن يكون المراقبين الشرعيين أن يتمتعوا بالاستقلالية التامة بشقيها الحقيقي والظاهر.
وتناولت العديد من الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية موضوع استقلالية هيئة الرقابة الشرعية والمراقب الشرعي الداخلي ووضع العديد من الضوابط للحفاظ عليها وذلك لتحقيق العديد من المقاصد ومنها :-
- تعزيز ثقة المتعاملين مع المؤسسات المالية الإسلامية في إلتزامها بتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
- تحقيق الأهداف الاساسية للمؤسسة المالية الإسلامية من خلال تعزيز استقلالية هيئة الرقابة الشرعية وموضوعيتها.
وفي ضوء ما سبق يجب على المؤسسات المالية الإسلامية مراعاة الضوابط والإرشادات الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية للحفاظ على إستقلالية هيئتها الشرعية، والرقابة الشرعية الداخلية ومنها التالي:-
- ضرورة قيام القائمين بأعمال الرقابة الشرعية بالتقييم الدورى السنوي لمدى إستقلاليتهم والتعرف على أية أوضاع قد تتعلق بإعاقة الإستقلالية وعرضها على الهيئة الشرعية.
- ينبغي ألا يكون أعضاء هيئة الرقابة الشرعية على علاقة أو ارتباط بأي صفة بالقرارات الإدارية مسئوليات التسيير بالمؤسسة المالية، أو أن يكون لأي من أعضائها صلة قرابة او علاقة مع المؤسسة المالية الإسلامية أو الشركات المتعلقة بها.
- يجب أن يكون لدى المؤسسة إجراءات وأليه مناسبة لحل الإختلاف في الرأي بين مجلس الإدارة والهيئة الشرعية الإسلامية.
رابعاً :- التطوير
يقصد بالتطوير هو التحسين وصولاً إلى تحقيق الأهداف المرجوة بصورة أكثر كفاءة، ويرى الباحث أنه يجب متابعة كافة التطورات المحيطة بصناعة المصارف الإسلامية وذلك للحد من المخاطر التي قد تحدث نتيجة عدم مواكبة تلك التطورات، كما يجب على القائمين على تطوير صناعة المصارف الإسلامية دراسة المتطلبات والإحتياجات والممارسات المؤثرة بها وتقديم الحلول المناسبة والموائمة لضوابط الشريعة الإسلامية في كافة الجوانب ذات العلاقة بالمصارف الإسلامية سواء كانت في صيغ التمويل والخدمات المصرفية بصفة مستمرة، ويمكن أن تساعد الهندسة المالية الإسلامية في هذا المجال وذلك لأنها عبارة عن مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف. وتتضمن العناصر التالية:
1. ابتكار أدوات مالية جديدة.
2. ابتكار آليات تمويلية جديدة.
3. ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو الديون أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع.
4. أن تكون الابتكارات المشار إليها سابقا سواء في الأدوات أو العميلات التمويلية موافقة للشرع مع الابتعاد بأكبر قدر ممكن عن الاختلافات الفقهية أي تتميز بالمصداقية الشرعية.
وسوف يتناول الباحث موضوع الهندسة المالية الإسلامية في بحث اخر مستقل.
وفي ضوء ما سبق يرى الباحث أنه يمكن الإستفادة من الإطار المقترح للحد من المخاطر الشرعية إلى أدنى حد ممكن، وذلك للحفاظ على صناعة المصارف الإسلامية وتعزيز ثقة المتعاملين معها من مدى مصداقيتها وخضوعها لاحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات، ، ، ،
ساحة النقاش