سُوقُ الغِيابِ...
بقلم : الشّاعر إحسان الخوري
يا ابنةَ هُروبِ العِشقِ ...
أنهكتِ الوقتَ عِندَ الغُروبِ ..
عاقرتِ أهواءَ مَواسمِ الفِراقِ ..
اشتريتِ مَزاجَكِ من سُوقِ الغيابِ
وبِعتِ احتِمالَ العِشقِ في أوَّلِ بُكاءِ ...
يا ابنةَ هُروبِ العِشقِ ...
جِئتِ تُنادينني في أحلاميَ السَّاخِنةِ
تغسلينَ حواسَّكِ بظلامِ الغَسَقِ ..
تَحملينَ تراتيلَ أسرارِك بِعينيكِ ..
تَحرِقينَ بِلَونِ شَفتيكِ أصابِعي ..
تَفتعِلينَ دوارَ الهَذيانِ ..
تَلفَحينَ بِرائِحَتكِ مَساءاتي..
وتُعَمِّدينها بِقَمرٍ وتِسعِ نَجماتِ ....
لا تَقولي أنَّكِ تَحكُمينَ جُزُرَ النِّساءِ
فَأنا أعرِفُ عِطرَكِ ..
أنتِ لَمْ تأتي بَعد ..
لَمْ تتأهَّبْ كلُّ حواسِّي ..
وأحلامي ساهِرةٌ وهيَ لا تُزعِجُني ...
يا ابنةَ هُروبِ العِشقِ ..
آهٍ لو لَمْ يَبتلِعني العُمْرُ ...
كنتُ بحثْتُ عنكِ قبلَ وِلادةِ العِشقِ
فأنا مُولَعٌ بِرَنينِ خَلخَالِكِ ..
بِعَينَيكِ ورُموشِها القاتِلةِ ..
بِاكتِنازِ شَفتَيكِ شِبْهَ قَدَح الجِنِّياتِ
ونهديكِ تلكَ المَذبَحةُ المُشتَهاةُ ...
يا ابنة هُروبِ العِشقِ ..؟
مَنْ يراكِ شَيئاً مَشاعاً ..؟
مَنْ يراكِ مَنبتَ النَّهدَينِ ..؟
والوَليمةَ الشَّهيَّةَ في السَّريرِ ...!!!
أنتِ المُتَّهَمةُ بسببِ جَسدكِ ..
وأمراضِ الذُّكورةِ المُتخَلِّفَةِ ..!!!
لِماذا الغُنْجُ يُقابَلُ بالوَجعِ ..
لِماذا أحلامُكِ هي المُذنِبةُ ..؟
وهاويَتُكِ المَفروشَةُ بالعُطورِ جهنَّمُ ...؟
لماذا قِصَصُكِ تُجْتَرُّ عندَ أنصافِ الرِّجالِ
أمْ لأنَّكِ مُفْعَمَةٌ بالرَّحيقِ ..
وأحمَرُ شَفتَيكِ كعبَةُ الطَّوافِ ...
تقولُ عَرَّافَتي أنتِ رَّدهَاتُ روحي
كيفَ أنحَتُ جَسَدكِ وهو مِن الرَّحيقِ
كيفَ لي أنْ أحظى بِغامِقِ الأحمَرِ ..
تِلك التَّفاصيلُ الصَّغيرةُ هيَ بوصِلَتي
وشَفَتاكِ أيقونَةُ النَّوافِذِ المُوصَدَةِ ...
سأترُكُ الطَّعمَ يَحكي ويُزيدُ ...
هلْ أبدأُ بِشفتيكِ مَجسَّ الحواسِّ ..
أمْ بِشامَتِكِ الوحيدَةِ وأسرارِها القَديمةَ
وأنا أسمَعُ وَشوَشاتِ ساقَيكِ المُغريتَينِ ...
رؤيةُ سَريركِ أوحَتْ أنَّ الجَسدَ سِراجٌ
ونَهدُكِ المُعتَّقُ بالدَّلالِ هو رائِحةُ النِّساءِ
هلِ القُبُلاتُ بِلا مَلمَسٍ ..!
هلِ الجَسدُ هوَ السُّكونُ المُدهِشُ ..!!!
تبدأُ أُنوثَتُكِ تَرِفُّ ..
تُطِلُّ ثَمِلةً عِندَ الحَدِّ الفاصِلِ ..
التُّوتُ مَوجوعٌ على الصَّدرِ ..
لا تُقلِقُني خِبرَةُ التُّوتِ ..
ولا جُنونُ أمواجِهِ الهائِجَةِ ..
فيَتَسمَّرُ الزَّمانُ عندَ نهدَيكِ ..
لغةُ عينَيكِ لن تَبقى مَخبوءةً ..
أنفاسي المُولَعةُ تُقاسِمُني التَشهِّي
تَنتابُني فِكرةُ السَرَّاقِ الأزليَّةِ ..
فأمُرُّ خَفيفاً خَفيفاً ..
لمُدَّةِ قُبلَتَينِ ..
يَطفُقُ الصِّراعُ بينَ النَّهدينِ والتُّوتِ ..
يَثورُ نَهدُكِ المُحاذي لنَهدِكِ الأوَّلِ ..
يَصمُدُ التُّوتُ ..
يَنتَصِرُ الصَّهيلُ ..
فيُصبِحُ التّّوتُ نَبيُّ النَّهدَينِ ...
تَزدَحِمُ مَشاويرُ اليَدينِ ..
يَنفِضُ النَّهدُ رأسَهُ ..
خِلتُهُ أسراباً منَ الحَمامِ ..
هوَ لا يعرفُ الانهزامَ ..
لا يُريدُ الارتِحالَ ..
يَتعالى الضَّجيجُ في الجَسدِ ..
فيَبدأ ضَياعي ...
تقولُ عرَّافَتي إنَّها تُهْمَتي ..!
فأُجيبُ ..
كيفَ لي أن أتحمَّلَ هذا الصَّخبَ ..!
أبدأُ قراءةَ التَّعاويذَ الخَمسَةَ ..
صَلواتَ العِشقِ الأربَعةُ ..
أَسُوقُ العَرباتِ في كُلِّ الاتجاهاتِ
هلِ الأرضُ ثابِتةٌ ..؟
هلْ هناكَ فاكِهَةٌ مُحرَّمةٌ ..؟
الجَسدُ هادِرٌ ..
هِضابٌ من المَرمرِ ...
أعودُ أتسلَّقُ نحوَ شَفَتيكِ ..
لَمْ أُنهِ رَسائِلَهُما الثَّملةَ ..
أتوهُ في نِداءاتِ جِيدِكِ ..
فتتفلَّتُ شَفتاي في المَكانِ ..
تَعلَمُ أنَّهُ قُنبُلةٌ مَوقوتَةٌ ..
تَنهَبُ مابَقيَ من الجَسَدِ ..
تَصِلُ إلى الزَّوايا ..
وتُعودُ إلى النِّصفِ المُستَحيلِ ...
أرُشُّ عَناويني في أنحاءِكِ ..
تَأتيني الحِيرَةُ ..
هي تَرغبُ أن تُعْلِمُني ..
مازالَ يَلزمُني بعضُ القُبُلاتِ ..
تبَّاً ..
أما زالَتْ هُناكَ أبوابٌ بِلا مفاتيحَ ..!!
هلْ هُناكَ قِلَّةٌ بالمُتاحِ ..؟
أمْ هوَ جَشَعُ القُبلاتِ ...
فتَغيبُ عنِ الوَعيِ أصابِعي ..
تَسقُطُ مُدُنٌ كَثيرةٌ ..
قَوافلٌ من الأشلاءِ ..
ثمَّ هُنَيهاتٍ من الصَّمتِ ..
تَنبَجِسُ بعدَها إشاراتُ النَّشوةِ ..
تَنتهِرُ نشوَةَ العِطرِ ..
هيَ تُريدُ إدمانَ النَْشوةِ ...
رَشفةً ..
رَشفةً ..
تتوقَّفُ ذاكِرَتي ..
وأعودُ مُثْقَلا ً باللهفةِ الى الأحمَرِ .....
من ديواني الرَّابعِ: **نِساءٌ من شَمع**