إشارة نبوية إلى تعاقب الخير والشر قال البخاري: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد، حدثنا ابن جابر، حدثني بئر بن عبد الرحمن الحضرمي، حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كنا الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله: "إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةِ وَشَر فَجاءَنا اللَّهُ بِهذا الخير ِفَهَلْ بَعْدَ هَذا الخَيْر َمِنْ شَرٍ? قَالَ: نَعَمْ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّر مِنْ خَيْر? قَالَ: نَعَمْ وفيهِ دَخَنٌ قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهً? فقَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدييِ يُعْرَف منهُمُ ويُنْكَرُ قُلت: فهل بعد ذلك الخيرِ من شَرّ? قَالَ: نَعَمْ دعاةٌ على أبواب جهنم مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيها. قلت يا رسول الله صِفْهُمْ لنا. قال هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ويَتَكَلَّمُونَ بِألْسِنَتِنَا. قلت: فَمَا تأ مُرْنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ? قَال: تَلْزَمْ جَمَاعَةَ المُسْلِمِين وإِمَامَهُم. قُلْتُ: فإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامُ وَلاَ جَمَاعَةٌ. قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أنْ تَعَضَّ بأصْل شَجَرَةٍ حَتَّى يدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلى ذَلِك". ثم رواه البخاري أيضاً ومسلم، عن محمد بن المثنى، عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به ونحوه. عودة الإِسلام غريباً كما بدأ وثبت في الصحيح من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدأ غَرِيباً وسَيَعُودُ غَريباً كما بَدَأ فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَن الغُرَبَاءُ? قالَ: النزائحُ مِنَ الْقَبَائِل". ورواه ابن ماجة عن أنس وأبي هريرة. باب افتراق الأمم وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وتَفَرَّقَتْ أمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً". ورواه أبو داود عن وهب بن تقية، عن خالد، عن محمد بن عمرو به. إشارة نبوية إلى أن الفتن ستفرق الأمة وأن النجاة ستكون في لزوم الجماعة وقال حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كريش بن دينار الحمصي، حدثنا عباد بن يوسف، حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِفْتَرَقَ اليَهُود عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ وسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وافْتَرَقَتِ النَّصارَى عَلَى اثْنَتَيْن وسبعينَ فرقةً فإِحْدى وسبعون في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الجنَّة، والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَتَفتَرِقَنَّ أمَّتِي على ثلاث وسَبعينَ فِرْقَة فواحدة في الجنَّةِ واثنتان وسبعون في النَّارِ" قيل يا رسول الله من تراهم? قال: "الجماعة". تفرّد به أيضاً وإسناده لا بأس به أيضاً، وقال ابن جماعة أيضاً حدثنا هشام هو ابن عامر، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو، وحدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بني إِسرائيلَ افترقتْ على إِحدى وسَبْعِينَ فرقةً وإِن أمّتي ستفترق على اثْنَتَيْن وسَبْعِينَ فرقةً كلُّها في النَّارِ إلا واحدةً وهي الجماعةُ". وهذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح تفرد به ابن ماجه أيضاً، وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد يحيى بن فارس قالا حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان هو ابن عمرو، حدثنا أزهر بن عبد الله الحراري قال أحمد عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا وقال: "ألا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أهل الكتاب افْتَرقُوا على اثْنَتَيْن وسبعين ملَّةً وأن هذه المِلَّةَ ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النَّارِ وواحدةٌ في الجنة وهي الجَماعة". تفرد به أبو داود وإسناده حسن، وفي مستدرك الحاكم أنهم لما سألوه عن الفرقة الناجية من هم قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي". وقد تقدم في حديث حذيفة أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الطاعة. لا تجتمع الأمة على ضلالة وقد قال: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا معاذ بن رفاعة السلامي، حدثنا أبو خلف الأعمى أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمّتِي لَنْ تَجْتمعَ على ضَلاَلةٍ فإذا رأيتم الاختلافَ فعليكم بالسَّوادِ الأعظَم" ولكن هذا حديث ضعيف لأن معاذ بن رفاعة السلامي ضعفه غير واحد من الأئمة، وفي بعض الروايات عليكم بالسواد الأعظم الحق وأهله فأهل الحق هم أكثر الأمة ولا سيما في زمان الصدر الأول لا يكاد يوجد فيهم من هو على بدعة، وأما في الأعصار المتأخرة فلا يعدم الحق عصابة يقومون به. الاذن باعتزال الناس عند اشتداد الفتن وتحكم الأهواء كما قال في حديث حذيفة فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: "فاعْتَزلْ تلكَ الفِرقَ كلَّها وَلَو أَنّ تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ عَلَى ذلِك". وتقدم الحديث الصحيح. بدأ الإِسلام غريباً وسيعود غريباً. وورد في الحديث: "لا تقوم الساعة على أحدٍ يقولُ اللَّهُ اللَّه". والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ كما ثبت في الحديث: "فإِذا رأَيت شُحّاً مُطَاعاً وَهَوَى مُتَّبَعاً وإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رأي برأيه فَعَلَيْكَ بخوَيصَةِ نفسِكَ وَدَعْ أَمْرَ العَوام". وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أن يَكُونَ خَيْر مال المسلم غنمٌ يُتَّبَعُ بِهَا شَعَف الجبالِ ومواضِعَ الْقطْر ناجياً بدينِه من الفِتَن". لم يخرجه مسلم، وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق ابن أبي صعصعة به، ويجوز حينئذ سؤال الوفاة عند حلول الفتن وإن كان قد نهى عنه لغير ذلك كما صحّ به الحديث. النهي عن تمني الموت وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا ابن يونس، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَتَمَنَّينَّ أحدُكُمُ الموتَ لاَ يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْل أنْ يَأتِيَهُ وإنَّه إذا مَات انقطع عملهُ وإنَّهُ لا يَزيدُ المؤمنَ عمرُهُ إلا خيراً". والدليل على جواز سؤال الموت عند الفتن الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل في حديث المنام الطويل وفيه: "اللَّهًمَّ اني اسألُك فعلَ الخَيْراتِ وأنْ تَغْفِرَ لي وتَرْحَمَنِي وإذا أرَدْتَ بقوم فِتنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَمَفْتُونٍ اللَّهُمَّ إِني أسْألُكَ حُبًكَ وحبَّ مَن يُحِبُّك وحُبَّ كُلِّ عَمَل يقربُني إلى حُبَّك". وهذه الأحاديث دالة على أنه يأتي على الناس زمان شديد لا يكون للمسلمين جماعة قائمة بالحق إما في جميع الأرض وإما في بعضها. رفع العلم بموت العلماء وقد ثبت في الصحيح، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قّال: "إنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العلمَ انتِزَاعاً يَنْتَزِعهُ مِنَ النَّاس ولكِنْ يَقبضُ العلمَ بِموت العلماء حتى إنّه إذا لم يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النّاسُ رؤَساءَ جهالاً فَسئِلُوا فَأفْتَوْا بغيْرِ علم فَضَلوا وأضلّوا". إشارة نبوية إلى بقاء طائفة من الأمة على الحق حتى تقوم الساعة وفي الحديث الآخر: "لا تَزَال طائفةٌ مِنْ أمَّتِي ظَاهِرين على الحَقِّ لا يَضُرهُمْ من خَذَلَهُمْ وَلا مَنْ خالفهُمْ حَتّى يأتِي أمرُ اللَّهِ وهُم كذلك". وفي صحيح البخاري وهم على ذلك. إشارة نبوية إلى أن اللّه سيبعث لهذه الأمة كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها قال عبد الله بن المبارك وغير واحد من الأئمة وهم أهل الحديث، وقال أبو داود: حدثنا سلمان بن داود النهري، حدثنا ابن وهب، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المغازي عن أبي علقمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّهَ يَبْعَثُ لهذه الأمةِ على رأس كُل مائَةِ سَنَةٍ من يُجدِّدَ لَهَا أمرَ دِينَها". تفرد به أبو داود، ثم قال عبد الرحمن بن شريح لم يتحر شراحيل يعني أنه موقوف عليه، وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر والله أعلم أنه يعم جملة أهل العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين إلى غير ذلك من الأصناف والله أعلم، وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء" ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور الرجال بعد أن وهبهم الله إياه. بعض أشراط الساعة التي أخبر بها الرسول عليه السلام وقد ورد في الحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه عن بندار ومحمد بن المثنى عن غندر عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد بعدي? سمعت منه: "أنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يُرفَعَ العلمُ ويَظْهَرَ الجهل وَيَفْشُو الزنا وتُشْرَبَ الخَمْر ويَذْهَبَ الرِّجالُ وتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يكونَ لخمسين امرأةً قَيِّمٌ واحِدٌ". وأخرجاه في الصحيحين من حديث غندر به. رفع العلم من الناس في آخر الزمان وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي وكيع، عن الأعمش عن شقيق، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون بين يدي الساعة أيام، يرفع فيها العلم وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج"، والهرج القتل، وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به. وقال ابن ماجة: حدثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن خراش، عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يدْرُس وشَي الثوبِ حَتَّى مَا يُدْرَى صِيَامٌ وَلاَ صَلاةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَيسْرِي النسيان على الكِتَابِ في لَيْلَةٍ فَلاَ يَبْقَى في الأَرْض مِنْهُ آيةٌ وتبقَى طَوائِفُ مِنَ النَّاس الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ يقولون أَدْرَكْنَا أبَانَا على هَذِهِ الكَلِمَةِ لا إِلهَ إلاَّ اللَّهُ وهم لا يَدْرُون مَا صَلاَةٌ وَلا صِيَام وَلا نُسُكٌ وَلا صَدَقَةٌ فَأَعرَضَ عنه حُذيفَة فَرَدَّدَها عليه ثلاثاً كلُّ ذلك يُعْرِض عنه حذيفةُ ثم أقْبَلَ علَيْه في الثالثة فقال فاصلةٌ تُنْجِيهم من النارِ". وهذا دال على أن العلم قد يرفع من الناس في آخر الزمان حتى إن القرآن يسري عليه النسيان في المصاحف والصدور ويبقى الناس بلا علم، وإنما الشيخ الكبير والعجوز المسنة يخبران بأنهم أدركوا الناس وهم يقولون لا إله إلا الله فهم يقولونها على وجه التقريب إلى الله عز وجل فهي نافعة لهم وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها، وقوله: تنجيهم من النار يحتمل أن يكون المراد أنها تدفع عنهم دخول النار بالكلية ويكون فرضهم القول المجرد لعدم تكليفهم بالأفعال التي لم يخاطبوا بها والله تعالى أعلم، ويحتمل أن يكون المعنى أنها تنجيهم من النار بعد دخولها، وعلى هذا فيحتمل أن يكونوا من المراد بقوله تعالى في الحديث القدسي. "وعزَّتي وجلالِي لأخْرِجَنَّ من النّارِ مَنْ قَال يَوماً مِنَ الدّهرِلاَ إِلهَ إلاَّ اللَّه". كما سيأتي بيانه في مقامات الشفاعة، ويحتمل أن يكون أولئك قوماً آخرين والله أعلم، والمقصود أن العلم يرفع في آخر الزمان ويكثر الجهل، وفي هذا الحديت إخبار بأنه ينزل الجهل أي يلهم أهل ذلك الزمان الجهل وذلك من الخذلان نعوذ بالله منه، ثم لا يزالون كذلك في تزايد من الجهالة والضلالة إلى أن تنتهي الحياة الدنيا كما جاء في الحديث ما أخبر به الصادق المصدوق في قوله: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أحَدٍ يقُولُ اللَّهُ اللَّهُ وَلاَ تقومُ إِلاَّ على شِرَارِ الناس". ذكر شرور تحدث في آخر الزمان وإن كان قد وجد بعضها في زماننا أيضاً إشارة نبوية إلى بعض شرور ستكون قال أبو عبد الله بن ماجة رحمه الله في كتاب الفتن من سننه، حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبي أيوب، عن ابن مالك، عن أبيه، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذكر شرور تحدث في آخر الزمان وإن كان قد وجد بعضها في زماننا أيضاً. "يَا مَعْشَرَ المُهاجرينَ خَمْسُ خِصَال إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأعُوذُ بِاللَّهِ أنْ تُدرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَر الفَاحشة في قوم قط حتَّى يُعْلِنُوا بِها إلا فَشَا فيهم الطاعونُ والأوجاعُ التي لمْ تكُن مَضَت في أسلافهم الذين مَضَوْا، ولم يُنْقِصُوا المكيالَ إِلاَّ أخِذُوا بالسنِينَ وشِدَّةِ المَؤُونَةِ وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالهم إِلاَّ مُنِعوا آلْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، ولَوْلا البَهَائِمُ لَم يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقَضُوا عهدَ اللَّهِ وعَهْدَ رَسُولهِ إِلاَّ سَلَّطَ عَليْهِم عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ فأخَذُوا بَعْضَ مَا في أيْدِيهِمْ وما لم تَحْكم أئمتُهم بكتابِ اللَّهِ وسَخِروا بما أنزلَ اللَّهُ إلا جَعَلَ الله بأسَهُم بَيْنَهُم". تفرّد به ابن ماجه وفيه غرابة، وقال الترمذي: حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا الفرج بن فضالة الشامي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا فعلتْ أمّتي خَمْس عَشْرَةَ خَصْلَةَ حَلَّ فِيها البلاء قِيلَ وما هِيَ يا رسول الله? قَالَ إِذا كان المَغْنَمُ دُوَلا والأمَانَةُ مُغْنَماً والزكاة مَغْرَماً وأطاع الرجل زوجته وعَقَّ أمَّهُ وبَرَّ صدِيقَه وجفا أبَاهُ، وارتفعت الأصوات في المساجِدِ وكان زعيم القوم أرْذَلَهُمْ وأكْرَمَ الرجلُ مَخافَةَ شَره وشُربتُ الخمر ولُبِسَ الحَرير واتخذَت القَيْناتُ والْمَعَازفُ ولَعَنَ آخرُ هذِهِ الأمّةِ أوّلهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذلِكَ رِيحاً حَمْراءَ أو خَسْفاً أَو مسْخاً". ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الفرج بن فضالة، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة، وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن الحسين القيسي، حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما صلى صلاته ناداه رجل متى الساعة فزبره رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره وقال اسكت حتى إذا أسفر رفع طرفه إلى السماء فقال: تبارك رافعها ومدبرها ثم رمى ببصره إلى الأرض فقال تبارك داحيها وخالقها، ثم قال أين السائل عن الساعة فجثا الرجل على ركبتيه فقال أنا بأبي أنت وأمي سألتك فقال: "ذلك عند حَيْفِ الأئمة وتصديق بالنجوم وتكذيبٍ بالْقدرِ، وحتى تتخذ الأمانة مَغْنماً والصَّدقَةُ مَغْرَماً والفاحِشةُ زيَادَة فَعِنْدَ ذلكَ هَلَك قَوْمُك". ثم قال البزار لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ويونس بن أرقم كان صادقاً وروى عنه الناس وفيه ثقة شديدة، ثم قال الترمذي: حدثنا علي بن محمد، أخبرنا محمد بن يزيد عن المسلم بن سعيد عن رميح الحذامي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اتُّخِذَ الغنِي والأمانةُ مغنماً والزكاة مغرماً وتُعاّلَمَ لغير الدين، وأطاع الرجلُ امرأتَه وعنَّ أمَّهُ وأدْنَى صديقهُ وأقصَى أبَاه، وظهَرتِ الأصواتُ في المساجِدِ وسادَ القبيلَةَ فاسقُهُمْ وكان زعيمُ القوم أرذلهمِ وأكرم الرجلُ مخافةَ شرهِ، وظهرت اْلقَيْنَاتُ والمَعازفُ، وشُرِبَتِ الخمورُ، ولَعَنَ آخِر هذه الأمّةِ أوَلَها فلْيَرْتَقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآياتٍ تَتَابَعُ كنِظام بال قُطِعَ سلكُهُ فَتَتَابَع". ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في هذه الأمةِ خَسْفٌ ومسخُ وقذفُ، فقال رجل من المسلمين ومتى ذلك يا سول الله? قال: إذا ظهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُرِبتِ الخمورُ". ثم قال هذا حديث غريب، وروي هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وقال الترمذي: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكندي، حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني موسى بن عبيدة، أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مَشَتْ أمَّتي الْمَطيْطَى وجَرَفَهَا ابناءُ الملوك فارسُ والرومُ سلط اللَّهُ شرارَها على خيارِها". حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر فذكره ولا نعرف له أصلاً. وثبت في الصحيحين، وسنن النسائي، واللفظ له من طريق عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً إلى الجنة"، وفي صحيح مسلم، من طريق جرير، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة? وأول من يدخل الجنة"، الحديث، روى الحافظ الضياء من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي"، وفي سنن أبي داود، من حديث أبي خالد الدالاني، مولى جعدة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أتاني جبريل، فأراني باب الجنة الذي يدخل منه أمتي"، فقال أبو بكر: يا رسول الله، وددت أني معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي". وثبت في الصحيح: فيقول الله: أدخل من لا حساب عليه، من أمتك من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس في بقية الأبواب، وفي الصحيحين من حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر: والله يا رسول الله، ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي، فهل يدعى منها كلها أحد، يا رسول الله? قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم"، وفي الصحيحين من حديث أبي حازم، عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الجنة ثمانية أبواب، باب منها يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا منه أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم". ذكر دخول الفقراء الجنة قبل الأَغنياء قال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام"، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، من حديث محمد بن عمرو، قال الترمذي: حسن صحيح، وله طرق عن أبي هريرة، فمن ذلك ما رواه الثوري، عن محمد بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، وذلك خمسمائة عام"، الحديث بطوله، وقال أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة هو ابن شريح، أخبرني أبو هانئ: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: سمعت عبد الله بن عمر، يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة، يعني إلى الجنة- بأربعين خريفاً"، وكذا رواه مسلم، من حديث أبي هانىء حميد بن هانىء، به، وقال أحمد: حدثنا حسين، هو ابن محمد، حدثنا داود، هو ابن نافع، عن مسلم بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التقى مؤمنان على باب الجنة، مؤمن غني، ومؤمن فقير، كانا في الدنيا، فأدخل الفقير الجنة، وحبس الغني، ما شاء الله أن يحبس، ثم أدخل الجنة، فلقيه الفقير، فقال: يا أخي، ماذا حبسك? والله لقد احتبست حتى خفت عليك، فيقول: أي أخي، إني حبست بعدك محبساً فظيعاً كريهاً، ما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها أكلت حمضاً لصدرت عنه راوية"، وثبت في الصحيحين من حديث أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وقمت على باب النار، فإذا عامة من يدخلها النساء"، وفي صحيح البخاري، من حديث مسلمة بن زرير، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين مثله، رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أبي رجاء، عمران بن ملحان، عن عمران بن حصين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نظرت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، ونظرت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"، وروى مسلم عن شيبان بن فروخ، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في النار، فرأى أكثر أهلها النساء، واطلع في الجنة، فرأى أكثر أهلها الفقراء. وقد رواه مالك عن يحيى بن سعيد مرسلاً، ثم روى من حديث صالح المزي عن سعيد الحريري عن أبي عثمان الهروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أمراؤكم خياركم ونقباؤكم سمحاءكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها". ثم قال غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المزي وله غرائب لا يتابع عليها وهو رجل صالح، وقال الإِمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد بن عباد، عن خالد بن سعيد، عن أبي الرداد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَتُضْرِبَنَّ مضرُ عبادَ الله حتى لا يعبدَ اللَّهُ ولَيضْرِبَنَّهم المؤمنون حتّى لا يُمْنَعُوا". تفرّد به أحمد من هذا الوجه. قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، زاد أبو داود عن قتادة كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي ذكر أشراط الساعة في حديث ابن مسعود وفيه: "وتزخرفت المحاريب ونخرت القلوب". وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد بن مروان، أخبرنا شريك بن عبد الله، عن عثمان بن عمر، عن زادان أبي عمر، عن عليم قال: كنا جلوساً على سطح معنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يزيد: لا أعلمه إلا عنس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون، فقال عنس يا طاعون خذني قالها ثلاثاً فقال له عليم لم تقول هذا? ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَتَمنَّى أحدُكم الموتَ فإنّ عنده انقطاعَ عمله ولا يُرَدُّ فَيُسْتعْتب" فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بادِروا بالموت إمْرَةَ السفهاء وكثرةَ الشُرَطِ وبَيْعَ الحكم واستخفافِ الذَم وقطيعةَ الرحم ووجود فئَةٍ يتخذون القرآنُ مزاميرَ يقدمونه للناس يلهونهم به وإن كانوا أقلَّ منهم فقهاً". تفرّد به أحمد. فصل ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامراء فإِن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر أما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث. بعض ما ورد في ظهور المهدي من الآثار قال الإِمام أحمد بن حنبل: حدثنا حجاج وأبو نعيم قالا: حدثنا قطر عن القاسم بن أبي برة عن أبي الطفيل قول حجاج سمعت علياً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً منا يملأها عدلاً كما ملئت جوراً. قال أبو نعيم رجلاً مني، وقال مرة يذكره عن حبيب عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو داود، عن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين. وقال الإِمام أحمد: حدثنا فضل بن دكين، حدثنا يس العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهديُّ مِنَّا أهْلَ البيتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ في ليلةٍ". رواه ابن ماجه عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي داود الجبري عن يسَ العجلي وليس يسَ بن معاذ الزيات فهو ضعيف ويسَ العجلي هذا أوثق منه وقال أبو داود حديث عن هارون بن المغيرة حدثنا عمر بن أبي قيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: قال علي ونظر إلى ابنه الحسن فقال إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم صلى الله عليه وسلم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً وقد عقد أبو داود السجستاني رحمه الله كتاب المهدي مفرداً في سننه فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا
ساحة النقاش