القاهرة: محمد جمال عرفة

 كان مثول الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك» منذ يوم 3 أغسطس الماضي، وعلى مدار عشرة أشهر كاملة، أمام المحكمة على سرير طبي من خلف القضبان لمواجهة تهم بالقتل والفساد، ثم الحكم عليه بالمؤبد بعد خطبة عصماء للقاضي عن انتشار الفساد في عهده.. كان ذلك أحد أعظم إنجازات الثورة المصرية منذ 80 قرناً تقريباً، لأنه لم يحدث وعلى مدى ثمانية آلاف عام أن وقف حاكم أو فرعون خلف القضبان أمام محكمة عادلة، محاطاً بأبنائه وأعوانه وبطانة السوء الذين كان يستخدمهم كعصا غليظة لتأديب شعبه! وبعدما ظل هذا «الفرعون» الأخير يحكم أكثر من 30 عاماً دون أن يتصور لحظة في حياته أن ينتهي به المطاف داخل أسوار السجن، ظهر وهو يبكي على أبواب مستشفى سجن «طرة» الذي نقل إليه عقب المحاكمة مباشرة، ويرفض دخول السجن وهو يصرخ قائلاً: إنه «خدم هذا البلد»، حتى انهارت قواه، وأصبح مثله مثل أي سجين داخل السجن يرتدي «البدلة الزرقاء»، وتم تصويره وإعطاؤه رقماً طبقاً للوائح والقوانين المتبعة بقطاع مصلحة السجون، لينتهي عصر فرعون في الدولة المصرية، وتكون محاكمته عبرة وعظة لمن يتكالبون على الوصول إلى كرسي الرئاسة. دروس المحاكمة ولو أردنا أن نحصر أبرز دروس هذه المحاكمة، فسوف نرصد أربعة دروس رئيسة على النحو التالي: الدرس الأول: أن هذه الأحكام بحلوها (السجن المؤبد لـ«مبارك»، ووزير داخليته)، ومرها (تبرئة أبناء «مبارك» من الفساد المالي، وقيادات وزارة الداخلية من قتل المتظاهرين)، قد وحَّدت المصريين والقوى السياسية مرة أخرى، فرأينا كل القوى التي نزلت يوم 25 يناير 2011م تعود مرة أخرى للميدان، وتنسى خلافاتها؛ لأنها أدركت أن الخطر من استمرار تغلغل النظام السابق في أعصاب الدولة لا يزال نشطاً، حيث تسعى لتنصيب رأس جديد لها في صورة الفريق «أحمد شفيق» محل «مبارك». ولهذا نزل إلى الميدان كل مرشحي الرئاسة، وقيادات التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية مرة أخرى، وأبرزهم «د.محمد مرسي»، المرشح الرئاسي، و«حمدين صباحي»، و«د. عبدالمنعم أبو الفتوح»، وعاد قادة الثورة مثل د. محمد البلتاجي، عضو مجلس الشعب عن حزب «الحرية والعدالة»، وخالد علي، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، ود. صفوت حجازي، الداعية الإسلامي، وأسامة ياسين، وغيرهم متشابكي الأيدي مرددين هتافات: «ثوار أحرار.. هنكمل المشوار»، و«إيد واحدة»، و«بالطول بالعرض.. هنجيب شفيق الأرض». الدرس الثاني: لم ينتبه كثيرون لتلميح القاضي أحمد رفعت عدم توافر أدلة اتهام، وأنه ربما تم إتلاف الأدلة عمداً، فلم يعرف من أطلق الرصاص على المتظاهرين ومن أصدر الأوامر، وقال: إنه لا يوجد «دليل قطعي» على أن الشرطة أطلقت النار، ولهذا لجأ إلى شهادات المسؤولين الكبار - مثل المشير «طنطاوي»، و«عمر سليمان»، مدير المخابرات، ووزيري داخلية - التي يبدو أن أغلبها جاء لصالح «مبارك» وأعوانه، ونفى أنه أصدر أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، رغم أنه هو المسؤول الفعلي عن البلاد، ولكن القاضي انتقد الفساد خلال حكم «مبارك» طوال الثلاثة عقود الماضية، وفي نفس الوقت أشاد بثورة 25 يناير التي أسقطت هذا النظام الظالم، ولهذا قال قضاة ومحامون: إن الحكم على «مبارك» ووزير داخليته فقط جاء سياسياً بامتياز؛ للمقدمات الخاطئة التي بدأت بها القضية، وأن هذا الحكم جاء تتويجاً لمحاكمة لم تقدم لها الأدلة الكافية. ولهذا برأت المحكمة قيادات وزارة الداخلية الستة، مع أنهم المسؤولون عن مقتل أكثر من ألف شهيد خلال أيام الثورة الأولى، لعدم وجود أدلة، وحملت «مبارك» ووزير داخليته «حبيب العادلي» المسؤولية بحكم مناصبهم وامتلاكهم سلطة إصدار الأوامر، ناهيك عن تبرئة النظام جميعه من تهم الفساد المالي واستغلال النفوذ وتصدير الغاز لـ«إسرائيل» - بدعاوى انقضاء أجل الدعوى - وهي الجرائم الثابتة في حق هذا النظام الذي بدد ثروات الأمة، وأهان تاريخها، وقتل شعبها، كما جاء في العديد من بيانات القوى الثورية. الدرس الثالث: أن البعض من رافضي وصول مرشح الإخوان (الإسلامي)، أو مرشح النظام السابق لنهائي السباق الانتخابي، مثل المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة «خالد علي» الذي دعا إلى تشكيل «مجلس رئاسي مدني» لإنقاذ الثورة، حاولوا استغلال المحاكمات وما نتج عنها من غضب شعبي في إفساد العرس الانتخابي، ومنع وصول مرشح الإخوان لنهاية السباق بدعاوى تشكيل مجلس رئاسي، أو الدعوة للفوضى وإعادة إنتاج ثورة ثانية، وإلغاء الانتخابات الرئاسية التي خسرتها هذه التيارات، ولكن المجلس العسكري حذرهم في بيان شديد اللهجة قائلاً: «لن نسمح بإفساد العرس الديمقراطي»!! الدرس الرابع: هناك وعي كبير لدى الشعب باحتمالات وجود مؤامرة لإنجاح «شفيق» في انتخابات الرئاسة، وعفوه عن «مبارك» لاحقاً، ولهذا حدث تحول كبير في آراء كثيرين كانوا يؤيدون «أحمد شفيق» بعدما صور نفسه على أنه المخلص والمنقذ لمصر من الفوضى الأمنية والاقتصادية، وشهدت كافة الميادين حرق وتقطيع لصور مرشح النظام السابق، كما أظهرت تكاتف غالبية القوى السياسية مع مرشح الإخوان الفائز الوحيد الباقي من التيارات الثورية في جولة انتخابات الإعادة. وفي هذا الصدد، يقول د. عصام العريان لـ«المجتمع»: إن «الشعب المصري لن يسمح أبداً أن يركب لهذا النظام البائد رأس جديد ليعود مرة أخرى لسدة الحكم»! وأشار د. محمد البلتاجي، عضو الكتلة البرلمانية لحزب «الحرية والعدالة» عن «مدى قدرة النظام والأجهزة التي وراءه، على الخروج من الأزمات بأقل الخسائر»، مشيراً لأن ما يجري حالياً «أنه سيتم تصفير الخسائر ثم استعادة العافية وإعادة إنتاج النظام بسياساته وأشخاصه من جديد»! إعادة محاكمة «مبارك» وقد لفت «د. محمد مرسي»، مرشح حزب «الحرية والعدالة» الأنظار عندما استبق المحاكمات، بتأكيد أنه سوف يعيد محاكمة «مبارك» وأنصاره بأدلة جديدة؛ لأنه بات واضحاً للكافة أن الأدلة التي يحاكم «مبارك» بموجبها هي أدلة غير كافية، وتم إخفاء الأدلة الأصلية، كما أن هذه المحاكمة ليست سياسية عن جرائم نظامه، وإنما جنائية بأدلة لا تدينه. وقال بيان من «د. محمد مرسي» وصل «المجتمع»: إنه يؤكد «التزامه بالقصاص لأرواح شهدائنا الأبرار ومصابينا الأبطال، ويطالب الشعب المصري العظيم باستمرار ثورته حتى تحقيق كامل أهدافها». وشدد في بيانه على التعهد «فور تحملي المسؤولية حال تكليفي بها بالأمر بتشكيل أكفأ فريق عمل من رجال البحث الجنائي والأدلة الجنائية ورجال النيابة العامة والخبراء من كافة المجالات، للبدء من جديد باتخاذ إجراءات الاتهام ثم التحقيقات في كافة الجرائم التي ارتكبت ضد الثوار في كافة محافظات مصر، وكذلك الجرائم التي ارتكبها رموز النظام السابق ضد الشعب المصري على مدار عقود ولا تسقط بالتقادم»، وكذلك «تقديم كافة الوقائع الجديدة والأدلة الجديدة التي تسفر عنها عمليات البحث والتدقيق، والاتهام لسلطة التحقيق التي سيقوم بها أكفأ قضاة التحقيق في مصر؛ للفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق للوصول إلى القتلة الحقيقيين، وكل من شارك في ارتكاب هذه الجرائم بكافة صور المشاركة؛ سواء بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق، ومن أصدر الأوامر بقتل المتظاهرين أو استعمال العنف». كما أكد أنه سيسعى للتواصل مع كل القوى الوطنية والثورية من أجل الالتقاء على هدف محدد؛ وهو استكمال مسيرة الثورة، والقصاص للشهداء والمصابين، وهدم أركان النظام القديم الذي مازال قابعاً على صدور المصريين، بل ويريد أن يعود برأس جديد لينتقم من الثورة والثوار، وسوف يحرص الحزب على التواصل مع كل القوى السياسية والثورية من أجل الإبقاء على هذا الهدف حياً بكل الطرق والوسائل الشرعية والسلمية. أما جماعة الإخوان المسلمين، فتساءلت تعقيباً على براءة قيادات الشرطة من قتل المتظاهرين: «من قتل الشهداء ما دام قادة الشرطة أبرياء؟»، وقالت: «إذا كانت الأدلة أمام القضاء غير كافية، فلابد أن تتم محاكمة الأجهزة التي أخفت عنهم الأدلة وتخلصت منها، ورفضت أن تمد النيابة العامة بها رغم مطالبة النيابة بها، وهو ما ذكرته النيابة في مرافعتها».

المصدر: المجتمع
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

302,254