5
جمال سلطان
09
يونيو
2012
07:54 PM


فى الخبرة السياسية التاريخية أن الطغاة والفاسدين من الحكام والقادة عندما يتورطون داخليًا أو تتزايد حملات الغضب الشعبى عليهم أو يشعرون باهتزاز الأرض تحت أقدامهم، فى الداخل، بانكشاف معلومات وأسرار تشينهم وتفضحهم يحاولون صرف الأنظار عن ذلك بافتعال حروب ومعارك خارجية، لصناعة التفاف مزيف حول الطاغية أو القيادة الفاسدة المنحرفة، بحيث تساهم تلك المعارك الخارجية المفتعلة فى صناعة ستائر تعتيم على المشكلات الداخلية وتتيح للطاغية أن يفلت من عقاب شعبه أو يضلل العالم عن حقيقة أزماته الداخلية، تذكرت تلك الخبرة عندما كنت أتابع مؤتمر أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، والتصريحات الأخرى التى تلت ذلك المؤتمر، كان يتحرش بالجميع ويهدد ويتوعد ويتكلم بأسلوب "جر الشكل"، ومحاولة استفزاز الآخرين، بأى سبيل من أجل سحبهم إلى معركة ساخنة، لا معنى لها ولا مبرر، ولكنها لمصلحته هو ومصلحة "الفلول"، الذين يدعمونه وكان جزءًا من نظامهم، فافتعال معركة متدنية الكلمات والتلميحات والمعانى مع السلطة التشريعية، ليس فقط موقفًا غير مسؤول وأحمق، وليس فقط مشاركة مقصودة ومرتبة فى الهجمة التى يقودها إعلام الفلول والإعلام الرسمى ضد مجلس الشعب طوال الأشهر الماضية، وليس أيضًا محاولة لدعم مرشح الفلول للرئاسة، وإنما هى أيضًا محاولة من الزند لصرف الانتباه عن المخاطر، التى يواجهها داخل الأسرة القضائية، والاتهامات الخطيرة التى أطلقها مئات القضاة ضده طوال الأشهر الماضية وسخريتهم المرة من مؤتمره الصحفى الأخير، واستهزائهم بما قال، والمعركة الكوميدية المسرحية التى حاول افتعالها مع البرلمان، مستعينًا بدعم المئات من ضباط الشرطة، الذين قام نظام مبارك بضمهم إلى النيابات والمحاكم بطريقة ممنهجة طوال السنوات العشر الأخيرة لإضعاف ثقل جبهة الاستقلال داخل نادى القضاة.

أحمد الزند يحاول أن يغازل داخل القضاة أحط ما فى النفس البشرية من معان ومشاعر ورغبات، وكل خطب الزند ومعاركه المفتعلة، التى يحاول جر القضاة إليها لا تتصل بقيم عليا ولا بمثل إنسانية رفيعة، وإنما باللعب على استخراج أكثر الرغبات تدنيا فى القاضى كإنسان، لم يضبط الزند يومًا ما يدعو القضاة للاشتباك مع قضية تمثل دفاعًا عن الحريات العامة أو حق الأمة فى الاختيار والعيش الكريم أو ضد الظلم والاستبداد والقمع، فقط هو يدعوهم لخوض الحرب من أجل مصالح شخصية بحتة، مثل تعيين أبنائهم بأولوية فى سلك القضاء، أو الحصول على مميزات إضافية فى المواصلات والبنوك ومحلات البقالة!!، والحقيقة أن القاضى إذا حرم من نعمة التجرد من المصالح الشخصية الضيقة فى رسالته المهنية، فسيكون عبئًا على العدالة وخطرًا عليها، ويسهل قياده من قبل أى قوة سلطوية تلوح له بالجزرة، والعدالة ليست رهينة بنصوص القانون فقط، وإنما بضمير القاضى الذى يملك مساحة اجتهادية ليست قليلة فى التعامل مع نصوص القانون، ولذلك قال الإنجليز: أعطنى قانونا عادلا وقاضيًا فاسدًا أعطك حكما ظالما وفاسدا، وأعطنى قانونا فاسدا وقاضيا صالحا وعادلا أعطك حكما عادلا، وهذا هو الفارق بين قاض طاهر ورائع وجسور مثل المستشار يحيى الرفاعى، رئيس نادى القضاة الأسبق، رحمه الله رحمة واسعة، وبين شخصية أحمد الزند، الرفاعى كان يعطى المثل والقدوة للقضاة فى التصدى لظلم الفرعون وحماية استقلالية العدالة ونزاهتها ويحارب عمليات الاختراق المتواصلة من قبل الفرعون ووزراء عدله ومؤسساته لضمائر القضاة، كان الرفاعى يخوض معركة الوطن كله ويعتبر نفسه وزملاءه القضاة جزءا من ضمير هذا الوطن، وكان يضحى بالكثير من مصالحه الشخصية من أجل إعلاء مصلحة الوطن، كان غصة فى حلق الطاغية حتى أنه لم يجد سوى أن يرسل من يتحرشون به فى بيته ومكان سكنه بهدم سور له أو استفزازه بأى سبيل لتدمير أعصابه وإصابته بالإحباط، كان الرفاعى يقول للقضاة: أنتم أمل الأمة فى التحرر، وأنتم طليعة هذا الشعب من أجل الكرامة فخرج أبناؤه القضاة بالآلاف ذات يوم فى مشهد تاريخى رأيته بعينى يرتدون أروابهم كأنهم فى محراب العدالة، ويتوجهون فى مسيرة صامته مهيبة إلى دار القضاء العالى، ليس من أجل تعيين أبنائهم فى النيابات يا زند، وإنما من أجل كرامة الوطن وحريته واستقلاله وسيادة القانون، هذا هو الفارق بين القاضى "الحق" والقاضى "الفالصو".

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 10 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,572