5
جمال سلطان
03
يونيو
2012
07:52 PM


عندما هتف المحامون في أعقاب المحاكمة التاريخية "الشعب يريد تطهير القضاء" لم يكونوا يقصدون ـ بكل تأكيد ـ المستشار النبيل أحمد رفعت، وإنما كانوا يقصدون تطهير المنظومة القضائية بكاملها على مستوى أشخاص وعلى مستوى هياكل وإجراءات؛ لأن الخلل في منظومة العدالة في مصر كان سببًا رئيسيًّا لصدور أحكام بالبراءة على قيادات الداخلية المتورطين في جرائم قتل وسحل المتظاهرين، إضافة إلى جريمة طمس الأدلة التي قام بها مَن تبقَّى من نظام مبارك قبل أن يتم إقصاؤهم تحت ضغط "الميدان"، ولم تتم ملاحقتهم كما هو الواجب، غير أن هناك مفاتيح كثيرة وهياكل تأسست بشكل خاطئ، تفرِّغ العدالة من الكثير من مضمونها، ولعل أبرزها منصِب النائب العام، وهو مفتاح العدالة في مصر ومدخلها الرئيسي، ومنذ اليوم الأول للثورة بعد انتصارها، وهي تطالب بإقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود؛ لأنه ببساطة شديدة جزء من نظام مبارك، بل أحد أركان نظام مبارك، وإذا كنا نتحدث عن توظيف مؤسسة العدالة لتصفية الخصوم السياسيين والمعارضين في عصر مبارك فإن مكتب النائب العام هو شريك في كل ذلك بداهة، بل هو أداة التنفيذ، وكان الأكرم للمستشار عبد المجيد محمود أن يقدم استقالته من طوع نفسه، وهو يرى ملايين الأصوات تتهمه بكل هذه الاتهامات، وتطالب بإقالته وعزله، ولكن جاء تمسُّكه بالمنصب كل هذه المدة وبكل هذا البرود والتجاهل، وأيضًا الحماية المبسوطة عليه من المجلس العسكري؛ ليؤكد على أن هناك مَن يريد أن يبقى هذا الرجل تحديدًا لاستكمال مهمة، وتلك المهمة لا صلة لها بالثورة وأهدافها، وإنما هي أكثر التصاقًا بالنظام القديم ومصالحه ورجاله ومستقبله، منصب النائب العام بالغ الخطورة، ويمكن أن يرفع قضية ويخفض أخرى، ويحرك ملفًّا ويُميت آخر، ويدمر شخصًا ويحمي آخر، وحتى لو كانت هناك أحكام نهائية وباتّة ومن محكمة النقض ذاتها، يمكن أن يتم وقفها ـ عمليًّا ـ وجعْلها حبرًا على ورق، وكل ذلك حدث بالفعل مع سياسيين وصحفيين وغيرهم مما لا مجال لذِكره الآن من قصص العدالة الموجهة في عصر مبارك، ويمكن للنائب العام أن يوجه تيارات السياسة والحكم ذاتها ذات اليمين وذات الشمال؛ فلديه صلاحيات مذهلة، وعندما يكون مفتاح العدالة ـ منصب النائب العام ـ بيد رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحيات تعيينه، فإننا نكون أمام عدالة مهترئة وفاسدة من حيث المنبع، ولولا قضاة شرفاء مازالوا يحفظون وجه العدالة في مصر بإبائهم وجهادهم وشفافيتهم وإخلاصهم للحق والعدل والوطن ومراعاتهم وجه الله، لكان وجه العدالة في مصر أكثر وحشية وفجورًا، تخيلْ معي أن هناك حوالي ثلاثين مصيبة للمرشح الرئاسي أحمد شفيق في مكتب النائب العام حاليًّا، ويتم التسويف والمط والمماطلة في إجراءات التحقيق والتصرف، وتخيل معي لو أن هناك أحدًا غير المستشار عبد المجيد محمود في هذا المنصب الرفيع والخطير، تخيل معي لو أن هناك نائبًا عامًّا معبرًا عن الشعب وثورته، فمن السهولة بمكان أن تجد أحمد شفيق محبوسًا وممنوعًا من السفر على ذمة التحقيق في فضيحة بيع أراضي الدولة لنجلَي مبارك بفساد علني وصريح وواضح، ولو فعل النائب العام ذلك لانتهى شفيق سياسيًّا، ولذلك لن يفعل عبد المجيد محمود شيئًا، ولن يتم البت في أي قضية لشفيق إلا بعد انتهاء الانتخابات؛ بحيث لو جاء شفيق رئيسًا انتهى كل شيء ويتم دفن هذه القضايا إلى يوم الدين، النائب العام ليس منصبًا قضائيًّا فقط، ولكنه منصب سياسي بالمقام الثاني والأصيل، وربما بالمقام الأول، والكل يعرف ذلك، وعندما يعلو غضب الشارع يقوم النائب العام باتخاذ القرارات التي تفْرغ بعض الاحتقان، كقراره أمس بمنع سفر قيادات الداخلية الذين برَّأتهم المحكمة والتحفظ على أموالهم ، لغسل الفضيحة الأصلية بالتحقيق مع مَن تلاعبوا بأدلة الاتهام، وأتلفوا وثائق الداخلية وأحرقوا مركز اتصالاتها وأرشيفها؛ بما يغل يد العدالة عن الوصول إلى القتلة والمجرمين ويصبحون طلقاء، تمامًا كمَن يسرق "حِرز المخدرات"؛ لكي يتيح للمتهم الحصول على البراءة، فالذي قضى بالبراءة فعلاً هو مَن سرق الحرز أو غيره أو أتلفه، وليس القاضي الذي لم يجد أي دليل إدانة بين يديه.

مَن يعيد مفتاح العدالة إلى يد الشعب وإلى العدالة نفسها؟، مَن ينتزع منصب النائب العام من هيمنة الفلول وسيطرة الفلول وتوجيه الفلول؟!؛ ليكون مِلكًا للشعب فعلاً وليس هِرَّاوة في يد الفرعون، وليكون تحت وصاية مجلس القضاء الأعلى وحده.

أتصور أن هذا من أخطر تحديات وأولويات ثورة يناير الآن.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 4 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,583