58
جمال سلطان
20
إبريل
2012
07:45 PM


هناك روح "صبيانية" تنتشر هذه الأيام في الفضائيات والصحف من خلال بعض النشطاء وممثلي القوى الوطنية اليسارية والليبرالية وهم يتجادلون حول المشكلات السياسية الراهنة ، وخاصة الجدل حول سلوك وأداء اللجنة العليا للانتخابات أو المجلس العسكري ، بعضهم يترك كل الحديث عن المستقبل والمسارات الأفضل لكي يجذبك إلى الجدل القديم حول الدستور أولا أم الانتخابات أولا ، ثم يوجه خطابه للتيار الإسلامي مباشرة : ألم نقل لكم من قبل الدستور أولا فكفرتمونا ، والأمر نفسه في الحديث عن المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن أعمال اللجنة العليا للانتخابات ، فتجد من يترك جوهر التحدي الحالي لكي يذكرك بأنه كان يرفض الإعلان الدستوري الذي يشتمل على تلك المادة بينما أنتم جعلتموها حراما وحلالا وحشدتم للتصويت الديني ، والحقيقة أن هذه "صبيانية" محض لا تليق بحوار سياسي جاد ، وإنما محاولة اصطياد سخيفة وتسجيل نقطة لا أكثر ، ولو تفرغنا للنقاش حولها لكشفنا عوار الأمر كله ، فلا الذين اعترضوا على الإعلان الدستوري كانوا يعترضون بسبب المادة 28 ، وأرشيف الصحف والفضائيات موجود ، ولا الذين اعترضوا على الإعلان الدستوري كانوا يذكرون المادة 60 التي تمنح المجلس العسكري حق الاعتراض على التشريعات وطلب مراجعتها ، فمسارات التوتر السياسي المفتعلة وقتها كانت بسبب هؤلاء الذين استفزوا غالبية الأمة بالتحقير من الشريعة والادعاء بأن النص على هوية الدولة هو مخالفة لمدنية الدولة ولمعايير الديمقراطية الحقيقية ، فوقع الاصطفاف بشكل أساس من أجل حماية هوية الأمة ، وكذلك كان الإعلان الدستوري مرتكزا على إصلاحات حقيقية من خلال عدة مواد وضعتها لجنة رفيعة برئاسة شخصية وافرة الوطنية والنبل وهي المستشار طارق البشري ، وكان الهدف منها بوضوح منح القضاء الإشراف الكامل على الانتخابات وتقصير مدة رئيس الجمهورية وحصر ولايته في فترتين بحد أقصى وملامح أخرى تعتبر حتى الآن مكسبا مهما للحياة السياسية ومعبرة عن روح الثورة ومطالبها ، وأي دستور جديد لن يخلو من تلك النصوص بكل تأكيد ، وأما المادة التي حصنت أعمال اللجنة الانتخابية فكانت تتأسس على أنها لجنة مشكلة من شيوخ القضاة من القضاء الدستوري ومحكمة النقض والإدارية العليا ، فعلى من تطعن وأمام من ، ثم راعت التشريعات الجديدة أن لا يكون منصب رئيس الجمهورية عرضة للاستباحة والاهتزاز المستمر حيث يملك أي مواطن حق اللجوء إلى المحكمة الإدارية في أي مدينة ويطلب وقف الانتخابات أو وقف إعلان رئيس الجمهورية وتدخل البلاد في حالة عدم وضوح ودوامة من الفوضى السياسية التي لا تحتملها ، وما زالت هذه الرؤية وافرة الاحترام ، وإن كان التطبيق قد أساء إليها ، وربما احتاجت إلى مزيد من الضمانات في الدستور الجديد لتقليل مساحات التعسف في استعمال السلطة ، ولكنها في جوهرها وجيهة.

وأنا أزعم أنه لو أعيد التصويت الشعبي اليوم على التعديلات الدستورية التي أخرجتها لجنة البشري فإنها ستحصل بالتأكيد على الغالبية الساحقة من أصوات المصريين مرة أخرى ، فعلى أصحاب النزعات "الصبيانية" في الحوار السياسي أن يوفروا جهدهم وأصواتهم ، فقد تسببوا في إرباك مسارات الإصلاح وتلغيم جهود التوافق الوطني بسبب تطرفهم وعجرفتهم السياسية وتعاليهم على جمهور المصريين حتى اتهموا الشعب صراحة بالسذاجة وقلة العقل ، وبعضهم ـ ممن يعطونا دروسا الآن عن التسرع في الموقف من العسكري ـ كانوا يطالبون صراحة بمد الفترة الانتقالية وبقاء العسكر عاما آخر أو ثلاثة حتى تتأهل أحزاب "الكي جي وان" سياسة لتخوض غمار الانتخابات ، على هؤلاء أن يمتنعوا عن إعطاء المواعظ فهم غير مؤهلين تاريخيا وسياسيا لذلك ، وعليهم بذل جهد أكبر في تصحيح علاقاتهم بالوطن والناس ، وأن لا يعيدوا إنتاج نفس العجرفة والكبر الذي أخرجهم من المعادلة السياسية بفضيحة انتخابية مرتين ، مرة في الاستفتاء ومرة في الانتخابات البرلمانية .

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 38 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,785