طه خليفة | 15-02-2012 14:59

كنتُ قاطعاً فيما كتبته قبل موعد العصيان المدنى بيومين من أنه سيفشل فشلاً ذريعاً، حيث لم تتوفر مقومات، أو أسباب، أو مبررات مقنعة للاستجابة له، فلا نحن أمام محتل أجنبى نريد الضغط عليه للرحيل، ولا نحن أمام حاكم وطنى ديكتاتور نريد إسقاطه، بل نحن أسقطناه بالفعل، ونحن بصدد بناء دولة جديدة عنوانها الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والعسكر المستهدفون بالعصيان سلطة مؤقتة، وسيعودون بعد أسابيع إلى الثكنات.

قلت - قبل بدء العصيان - إنها دعوة يائسة، من يائسين، بلا جمهور يسندهم فى الشارع.. وهم أضروا أنفسهم ضرراً بليغاً، وزادوا فى تعرية أنفسهم بأنهم بلا غطاء شعبى يحميهم، أو يتجاوب معهم، وليتهم ما كانوا ورطوا أنفسهم فى دعوة محكوم عليها بالفشل مسبقاً، وهذا إخفاق آخر لهم.

المزاج الشعبى العام متململ من حالة الفوضى، ومن تردى الأمن، ومن سوء الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، وتزايد البطالة، وغلاء الأسعار، وتراجع مستوى الخدمات، وفى ظل وضع كهذا، هل هناك عاقل يمكن أن يتورط فى دعوة المصريين للعصيان عن العمل؟، أين هو العمل أصلاً حتى تتم دعوتهم لتركه؟، المصريون فى حالة عصيان قسرى عن أشياء ضرورية تخص حياتهم ومعيشتهم منذ ما قبل الثورة وبعدها، حيث لا يشعر المواطن بأن هناك تحسناً يطرأ على حياته.

لا يقل لى أحد إن هناك مكسباً اسمه الحرية الآن.. صحيح انتزعنا الحرية الكاملة، لكنها لمن ؟.هى لى، ولك، نحن الذين ندعى المعرفة، وفهم السياسة، واحتراف التنظير، أما الناس فى شوارع المحروسة فهم يريدون تأمين ثلاث وجبات عادية يومياً، ومصاريف الدروس الخصوصية، وأغطية وملابس تقى الأولاد برد الشتاء القارس، وثمن الكشف عند الطبيب فى عيادته الخاصة، وتكون أزمة لو تطلب الأمر دخول مستشفى خاص، فلا توجد مستشفيات عامة تصلح لعلاج الآدمين فى مصر، الصحة هى الملف الأخطر من التعليم، فهى فى الحضيض، والمواطن إذا لم يكن معه مال يعالج به نفسه، فالله أعلم بمصيره.

نعم الحرية ستؤسس لنظام سياسى شفاف، بلا فساد، أو فاسدين، يدير موارد البلاد بطريقة مثلى، ويوزع الناتج القومى بعدالة، ومن هنا ستتحسن الأوضاع، ويرتفع دخل الفرد، لكن يصعب إقناع الناس الذين يحتاجون الغوث بتلك الأفكار فى اللحظة الراهنة.

ما لا يدركه الداعون والمروجون للعصيان الفاشل، أنهم يمكن أن يقوموا بالتصعيد داخل التحرير، بإقامة مظاهرات، واعتصامات، ومسيرات تنطلق إلى هنا وهناك،ومنصات للكلام، والغناء، فهذا صار أمراً اعتيادياً مقصوراً عليهم وبنفس عددهم، ومنطق المصريين الآن يقول: اتركوهم فى الميدان يفعلوا ما يشاءون مع البلطجية، والباعة الجائلين، أما عندما يتطور التصعيد إلى دعوة الناس لمشاركتهم فى إضراب أو عصيان، فإن الرد لا يكون اتركوهم فقط، إنما سنقف ضدهم، لتكون دعوة كهذه مثل حفرة عميقة لهم يسقطون فيها، وهو ما حصل السبت الماضى.

هؤلاء لا يفهمون مزاج الشعب المصرى، رغم أنه مر عام كامل من النشاط الثورى، ويفترض أنهم وقفوا على اتجاهات هذا الشعب، وما يريده، وما لا يريده، وهم لن يحققوا أى نجاح بدون أن يجذبوا الشعب إليهم، ويضمنوا تفهمه لمطالبهم، وللعلم، فالمصريون العاديون تجاوبوا مع الثورة بعد أن وجدوا مبارك يقدم تنازلات لمن فى التحرير، فبدأوا يثقون فى صحة وعدالة قضية من هم بالميدان، ثم كان انجذابهم أكثر للتحرير لأن قضية العدالة الاجتماعية كانت من ضمن شعاراته، وهى القضية التى تعنيهم أكثر من قضية الحرية والديمقراطية، ولما لم يجدوا بعد عام من الثورة عدالة اجتماعية أو عيشاً كريماً، فإنه يكون صعبًا عليهم الانضمام إلى العصيان، أو الاستماع إلى المزيد ممن يرفعون هذا المطلب.

الشعب المصرى هو الشعب القائد، والمعلم، وهو يثبت كل يوم أنه قائد ومعلم فعلاً، ففى الثورة كان هو الحشد والزخم لها، وفى الأيام الأخيرة من حياة مبارك فى الحكم قامت فئات من هذا الشعب بما يشبه الإضراب العام فى أماكن عملهم لأن إسقاط مبارك كان ضرورة ثورية ووطنية، ثم نجد نفس الشعب يرفض العصيان فى الذكرى الأولى لسقوط مبارك لأنه ليس هناك حاكم ديكتاتور يجب أن يسقط، إنما السقوط هنا سيكون من نصيب كيان الدولة، والشعب المعلم ظهر فى انتخابات مجلس الشعب أول اختبار حقيقى للقوى السياسية، ولاختبار إرادة الشعب على الاختيار، والشعب مارس حقه على أكمل وجه، وبتحضر رائع، وانحاز إلى من يثق فيهم، وأشاح بوجهه عمن هو قلق منهم، أو غير واثق تماماً فى توجهاتهم ونواياهم.

فشل العصيان فى رأيى هو استفتاء مزدوج على المجلس العسكرى، والقوى التى رفضت العصيان من جهة، وعلى الداعين للعصيان من جهة أخرى، والنتيجة كانت تصويتاً شعبياً عاماً بالثقة فى "العسكرى"، ومن رفضوا العصيان، وبعدم الثقة فيمن دعوا للعصيان.. وهذه النتيجة إذا راقت للطرف الفاشل، فعليه أن يدرسها، ويستخلص النتائج منها، حتى لا يظل شارداً عن الصف الوطنى، وواضعاً نفسه فى مواجهة غالبية الشعب والقوى السياسية والوطنية، فهذا الطرف مشارك فى الثورة، ومن صناعها، لكن ليس وحده صانع الثورة كما يزعم، وليس قائدها، وليس مخولاً بالحديث المنفرد عنها، إنما يتحدث عن أفكاره وتوجهاته هو فقط.

الناس تريد أن تأكل، وتريد أن تأمن على أنفسها، وأولادها، ومصالحها، وتريد أن تتفاءل بأن الأيام القادمة أفضل.

 

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 21 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

306,198