وا إسلاماه بين الصليب والتتار( المغول ){ الفصل العاشر } ــ سوق الرقيق

أحْسنَ تاجرُ الرقيق معاملة(قطز وجُلنار) حتى وصلوا إلى(حَلَب) فكساهما ملابس حَسَنة.وانضم إليهما مَمْلوك ثالث فى سِنِّهما يُدْعى(بيبرس).غير أن التاجر كان يقسو عليه فيضربه ويَحْبسُه فعجبا من ذلك! ولكن سرعان ما فهما السبب. فقد كان بيبرس مُتَمَردا سيئ الطبْع،لكن قطز رقَّ لهذا الغُلام (القبجاقى الأشقر ذى العيون الزُّرْق) التى تنمُّ(تخْبِرُ)عن الدَّهاء والمكر.وقد كان قطُز يحسن إلى بِيْبرس،فيقدم له شيئا من طعامه وحلْواه بغير عِلْم التاجر،فنشأت بينهما صداقة مَتِيْنة، أما جُلنار فقد كانت تنفرُ منه بِشِدَّة! حَلَّ موْعِدُ السوْق وكان يوْم الأربعاء. فأمر النخَّاسُ مَواِليه بالاغتسال وكَساهُم وأصْلح شعورهم وطيَّبَهم! ثم مَضَى بهم إلى سوق الرقيق وهو قسمٌ من سوق حلب الكبير.فسار قطز وجُلْنارُ هادئين طلِيقيْن أما بيبرس فقد أمسك التاجر بيده يجُرُّهُ جرًّا وهو يسبُّهُ ويلعَنُه.وسارقُطُز وجُلْنار فرحَيْن وما يظنان إلاَّ أنهما فى رحْلة إلى السوق للتفرُّج على ما فيه! وسلََّم النخَّاس مواليه الثلاثة إلى أحد الدَّلاَّلين، فأخذ يُقلبُهُم كأنه يفْحَصُهُم ليتأكَّدَ من سلامتهم! ثم كتب أسماءَهم فى دفتره بصفاتهم ونُعوتِهم وأعمارهم وأُصولِهم والثمن المطلوب.ـ.ثم دفعهم إلى حَصِير فجلسوا بين غيرهم من الرقيق.وهنا غلب الوُجوم(الذهول) قُطُز وجُلْنار كأنهما فى حُلْم.أما بيبرس فكان غير مُكْتَرس(مُهْتم) وعُرضَ الإماءُ والعبيدُ والغلْمانُ كأنهم السِّلعُ فيُباعُ مَنْ يُباع، ويبورُ من يبور، فيُعادُ إلى مكانه من الحصير!!! حتى جاء دوْرُهُما ودَوْرُ بيبرس! وعُرض بيبرسُ أولا فجُرِّدَ من ثيابه إلا ما يستُرُ وسَطَه.فنادى الدَّلاَّلُ(واسمه حافظ الواسِطِى) وهو يضرب صدْر بيبرس البارزَ القوى:[مَنْ للفتى القبَجاقِى(نسَبُه)؟ # ينْفعُ فى الحماقى(الشدائد)][يدْفعُ عن موْلاهُ # كيْدَ الذى عاداهُ][ستطلعُ الأيام # إن صَحَّ ظنى فيه][مُغامِرا مِقْداما # يَعُزُّ مَنْ يُؤويه][يهْزأ بالأهْوال # فى ساحة النِّزال]!! فاشتراه تاجرٌ مِصْرىٌّ بمائةِ دينار. ثم نظر المصرى إلى الصبيين الوَضِيئين كأنما يرْغبُ فى شرائهما!! واشتدَّ الزحام على حلقة الدَّلاَّل(حافظ الواسطى) حين تهيَّأ لِعرْضِهما.فحضر رجُلٌ دمشقى جميل الهيْئة، تبدو عليه النعمة واليسار والهيبة والوقار. وقد خفق قلبُه حين أبْصر قطزَ وجُلْنارَ. فقد وجد بُغْيَتَه(طلبه)!!!.لاحظ قطز وجلنار ذلك فأخذا يمسحان الدمعَ خِلْسة(خِفيَة) عن الأعْيُن إلا عن ذلك الشيخ الوقور. الذى اطمأنا إليْه!! وفرغ الدلال من أمر بيبرس، فوجد الناس يتطلعون إلى الصبيين وما يشُكُّون أنهما شقيقان لشدَّة تقارُبهما فى الملامح، وحار الدلال بأيهما يبدأ!!! لكن قطز تقدَّمَ يعْرض نفسه فى خجل، والدلال ينادى عليه:[ من لِلْغُلام الوسيمِ # من للنِجار(بكسر النون ـ الأصل والحسب) الكريم][ ذكاؤه فوْقَ سِنِّه # و حُسْنُه دون يُمْنه(الخيْر والحظ الطيِّب)][ سماحة وشجاعة # وعِزَّة ووداعة][ لولا صُروف الليالى # ما بِيْعَ هذا بمال]؟؟ فتسابق الراغبون فى شرائه. حتى بلغ مائتين وسبعين دينارا فاتمها الشيخ الدمشقى ثلاثمائة، فسلمه الدلال إليه وهنأه به، ومضى الغلام إلى موْلاه الجديد فرحا يحمد الله وهو يبتسم لسيده الجديد لعدم فهمه للغة العربية التى لا ينطقها .

ثم أخذ الدلال بيد جلنار، فتورَّد خداها خجلا، وهى ترنو إلى قطز وموْلاه الشيخ الدمشقى كأنها تستعطفه بدموعها أن يحوزها، ولا يدَعُ أحدا غيره يفوز بها دونه. ونادى الدلال مُشيْدا بمحاسن الصبية:[ يا قطرة من الندى # يا فلقة من القمر][ يا نسمة من الشذى # تنفست وقت السَّحَر][ حاملة فى ردْنها # أطيَبَ أنفاس الزَّهَر] ـ فتنافس الحاضرون فى شرائها فزايدهم الدمشقى حتى ثلاثمائة دينار. فزاد عليه مُشْتَر آخر. لكن الدمشقى نظر إلى قطز فوجده يستعطفه بدموعه حتى لا يفرِّق بينه وبين رفيقته ـ فغلبته الشفقة فزاد إلى ثلاثمائة وخمسين دينارا ليقطع على منافسه السبيل. وما كان أشد فرح قظز وجهاد إذ أعلن الدلال أنها للدمشقى. ومضى بهما الشيخ الوقور وهما لا يكادان يصدقان أنهما نَجَوَا من خطر الفراق!!!

واطمأنَّ بالصبيين المقام بدمشق عند سيدهما الجديد الشيخ(غانم المقدسى) حيْثُ نزلا فى قصره الكبير ( بدرب القصَّاعين ) تحيط به حديقة غنَّاء!! وكان الشيخ غانم المقدسى من أعيان دمشق وَوُجهائها المعدودين، واسع الثراء . طيِّب القلب . يحب الصدقة والإحسان ، ويحضر مجالس العلم. وقد كبر فى السن ولم يسلم له من الولد(يبقى حيَّا) إلا ابن واحد يُدْعى (موسـى ). غير أنه كان ولدا فاسد الخُلُق مُدَللا. ميَّالا إلى الخمر واللهو ومُخالطةِ رُفقاءِ السوءِ الخُلعاء(جمع خليع) ولم يفْلح الشيخ فى إصلاحه فترك له الحبْل على الغارب. واعتبره كأن لم يكن!!! ولولا شفاعة والدته لطرده من بيته وتخلَّص منه ومن مَعَرَّته!!!! فابتاع الشيخ هذا الغلام الوسيم(قطز) عسى أن يتَّخِذَه ولدا يأنس به ويطمئن إليه فيجد عنده من البِرَّ والاستقامة ما فقده فى ولده!!!.ـ. لِما توسَّم فيه من الخير والنُّبْل وعنَّ له( أحب واختار) لمَّا رأى جلنار أن يشتريها أيضا ليتخذها ابنة تؤنسه وتؤنس زوجته العجوز!! وشاء الله ألاَّ تُخْطِئ فِراسة الشيخ فى الصبييين فتبيَّنَ إخْلاصهما فى حُبِّه وتعلُّقهما الشديد به !! فأحبَّهُما وأنزلهما من نفسه منزلا كريما!! وعلَّمَهُما السان العربى فأتقناه سريعا لشدة ذكائهما.. فكيف يكون حالهما من موســــى ؟ نكمل إن شاء الله.   عبد القدوس عبد السلام العبد  موبايل  01092255676

المصدر: كتاب وا إسلاماه للأستاذ ( على أحمد باكثير )
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 1422 مشاهدة

ساحة النقاش

Ahaahm

أمتعنا ياحاج عبده
احمد

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,660