وا إسلاماه بين الصليب والتتار ( المغول ){ الفصل الرابع } لقاءٌ صَنَعَهُ  القدَرُ

هرب الشيخ سلامة(الهندى) من المعسكر قبيل عصر ذلك اليوم المشئوم. وأركب الطفلين بغلة بعدما كساهما ملابس العامة من الهنود،واتجه شمالا على شاطئ نهر السند.وبعد جهدٍ جهيد عبر بالطفلين فى قارب صياد فقير إلى الضفة الشرقية من النهر. تاركاً البغلة لابن الصياد، وكان سلامة قد أوصى الصبيين بالصمت وألاَّ يذكرا شيئاً عن بيت السلطان جلال الدين،ففهم الطفلان السبب رغم صِغَر سِنهما. فقد تعلما الخوفَ والحذرَ. مما مرَّ بهما من الأهوال. وكان محمود يُطوِّقُ ظهْرَ جهاد بِذِراعيْه كأنه يقول لها: لا تخافى فأنا هنا لأحميكِ. وأثناء العبور اختلق سلامة قصة حكاها للصياد عن زوجته التى ماتت فى (كابل) وعوْدتِه بطفليه إلى مَسْقطِ رأسه بالهند. نزل سلامة بطفليه من قارب الصياد وسار فى طريقه يحمل جهادَ تارة ثم يحمل محمودَ تارة. حتى بلغ قريته بعد يومين مع الغُروبِ وهى قرية قُرْبَ ( لاهور ). وقام الشيخ سلامة برعاية الطفلين والعناية بهما قدْرَ طاقتِهِ ـ فإذا سأله أهلُ القريةِ عنهما ـ قال: إنهما يتيمان وجَدَهُما فى طريقه فتبناهما.ولم يقتنع أهل القرية بحكايته فاخترعوا حكاياتٍ عن أصل الطفلين زاعمين أنهما من أبناء المُلوكِ لِما يبْدو عليهما مِنْ نَضْرَةِ النَّعيم.!. فلم يجد سلامة بُداً مِنَ الافضاءِ بِحقيقةِ الطفلين لبعض أقاربه المُقَرَّبين.فقدْ كانوا يعلمون أنه قضى جُلَّ عُمْرهِ فى خِدْمَةِ السلطان خوارزم شاه وابنه السلطان جلال الدين لكنه استكتمهم الخَبَرَ(كِتمان الخبر) وقدعَلِمَ أهْلُ القُرى المُجاوِرَةِ أنباء فِرار السلطان جلال الدين من بلاده إلى الهند ومُطارَدَةِ جنكيزخان له حتى اضطرَّهُ إلى خوْضِ نهر السند بعد أن أغْرَقَ حَريمه. وعَلِموا كيف يُهاجِمُ جلال الدين القُرَى الهندية لِتوْطيد سُلْطانِه فمَلَكَ الخوْفُ قُلوبهم ـ 

وأخيراً هاجم جُنْدُ جلال الدين قرية سلامة، فأخبرهم بحقيقة جهاد ومحمود. وتوَسَّلَ إليهم ألا يُهاجِموا القرية ففعلوا وبعثوا رسولا إلى السلطان بالنبأ. فأقبلَ كأنه يطيرُ بِجَوَاده، فسَلَّمَ وسألَ عن الشيخ سلامة فتقدم إليه مُعَظِّماً وقال:عبْدُكَ وعبْدُ أبيك رهْنُ أمْرك يا موْلاى. فترجَّلَ السلطانُ وعانقه، وما أن رأى الطفلين حتى اندفع إليهما فارتميا عليه فضمهما فاختلط الدمع من حرارة التقبيل والعناق، وهو يقول: ابنتى جهاد ابنى محمود. الحمد لله لسْتُ وحيداً فى هذه الدنيا. ثم أمر جنده ألاَّ يهاجموا القرية والقرى التى تجاورُها إكْراما لسلامة وألاَّ يأخُذوا منها خَراجاً ( مالاً.أو ضريبة ) فخرج أهل القرى رجالا ونساءً تحيَّة للسلطان ثم حملوا سلامة على الأعناق فرحين. وعاد السلطان بطفليه ومعهما الشيخ سلامة..

شعر السلطان كأن أهله وذويه قد بُعِثوا جميعا فى محمود وجهاد.وقوىَ فى نفسه الأمل فى الانتقام،واستعادة مُلْكِهِ بعد أن قَدِمَ الهنود وُفودا داخلين فى طاعته مُعْلنين الولاء.وتذكَّرَ جلال الدين نبوءة المُنَجِّم حين كان محمود جنيناً.فتأكدَ أنَّ المنجم كان صادقا فقد ذبح التتارُ ابنه الوحيدَ الأمير بدرَ الدين، ولم يبقَ من أهل بيته من أحدٍ أجْدرَ بوراثة المُلْك عنه من محمـود ابن أخْته..فأصبح محمـــود أعزَّ عليه وأحب إليه من ابنه.وتعجَّب من نفسه، كيف خطر بباله يوْما أن يقتُله؟وهو فى مَهْدِه خِيْفة أن يرث المُلْك عنه.وما كان يعلم أنَّ هذا الغُلامَ سَيَكونُ يوْماً بقِيَّة أهل بيْته!!وعزاءه الوحيدَ فى هذه الحياةِ!!!وأفاقَ فجْأة من تأمُلاته على صُراخ ابنته جهــاد تخْبِرُهُ أنَّ الأميرَ محمــود قد خرج لقتال التتار وأنَّ جواده قدْ عاد وعليه آثار الدِّماء.!.وحَضَرَ سلامة والجُنْدُ فى ذُهولٍ . وأفاقَ الجميع على جوادٍ كبير يسيرُ سيْراً رفيقاً وعليه رجُلٌ وغلامٌ أمامه فلم يشُك جلال الدين فى أنَّ محمــود قدأصيب بسوءٍ وأنَّ( السائس)حَمَله معه على جَوادِه. فأمَرَ سلامة أنْ يحملَ جهــاد إلى داخل القصر مَخافة الصَّدْمة. وانطلق جلال الدين طائرَ اللُّبِ (العقل) فاحتمل الأمير الصغيرَ من يد(السائس) وألقى على السائس نظرة هائلة كاد يُصْعَقُ لها وقد أنساهُ الارتباك أنْ يترجَّل احْتراما لموْلاه!! وأمر جلال الدين بإحضار الطبيب. الذى حلَّ عن الفارس الصغير ملابسه العسكرية وجسَّ نبْضَهُ ثم قال للسلطان إنَّ الأمير بخير والحمدُ لله ولا خوْفَ على حياته..وقام بإسْعاف الأمير الصغير حتى أفاق وهو يقول:أين الأعداء لقد هربوا خوْفا مِنى.ففرح جلال الدين وحَمِدَ الله: أنت بخير يابُنَىَّ الحبيب فتعلَّق محمود بِعُنُقِ خاله يُقَبِلُهُ.فأعاده الطبيب إلى فِراشه فنام نوْما طويلا..وحين أفاقَ محمـــود وجد جهــــاد بِجِوار سريره تحمل باقة من الزهر وقد وقف خاله مبتسما وهو يقول: ليتنى كنت معك لأفوزَ بمثل هذه الهديَّةِ الجميلة.ثم جذب الصبيين فجمعهما فى حِجْرهِ وضمهما إلى صدره وهو يقول:: بارك الله فيكُما ياولدَىَّ وأسْعَدَ الله أيامكُما يا حبيبىَّ...... فماذا بعد...... نُكْمِلُ إن شاء الله

عبد القدوس عبد السلام العبد .. موبايل  0192255676

المصدر: كتاب وا إسلاماه للأستاذ ( على أحمد باكثير )
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 248 مشاهدة
نشرت فى 18 فبراير 2011 بواسطة abdo77499

ساحة النقاش

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

73,642