وا إسلاماه بين الصليب والتتار { الفصل الثالث } ــ هزيمة ونهرٌ يبتلعُ الأحِبَّة
كان التتار يتدفقون كالسيل وينتشرون كالجراد ـ وسيَّرَ جنكيزخان جيْشاً سمَّاه جيْش الانتقام. وجعل عليه أحدَ أبنائه،فاندفعوا كالسهام إلى أبْوابِ (كابُل) فلقيهم جلال الدين، واقتتل الجمعان ثلاثة أيام بلياليها، وانتهى القتال بانتصار المسلمين وهزيمة التتار. وظهر قائدٌ مُسْلِمٌ جديد فى جيش جلال الدين اسمه ـ سيْف الدين بغراق ـ انْفَرَدَ بِفِرْقتِهِ خلفَ التتار فحصدهم وأوقع بهم مقتلة عظيمة ، غيْرَ الغنائم العظيمة. ونزغ الشيطان بين قُوَّادِ جلال الدين، فاختلفوا على اقتسام الغنائم، فغضب الأميرُ سيفُ الدين بغراق وانفرد بثلاثين ألفاً من خِيْرَةِ الجُنْدِ.وتوسَّلَ إليْهِ جلال الدين أن يرجعَ إلى عسْكره فلم يقبل. مما أضعف المسلمين. وبلغ جنكيزخان هذا الانقسام فى جيْشِ جلال الدين، فجمع جيوشه وقادها بنفسه، فلم يثبُتْ جلال الدين، وفرَّ إلى( غِزْنة ) ثم رَحَلَ بأهله وحاشيته صَوْبَ الهند، عبر ممر خيبر فلحقته طلائع جنكيزخان فتقهقر جلال الدين إلى نهر السند. فعاجَله التتار قبل أن يجد السفُنَ. فأقبل على جلال الدين نساءُ آل بيته وحريمُه قائلات:ما ينبغى أنْ نقعَ فى أيدى التتار، بالله عليك اقتلنا بيدك وخلِصْنا من الأسْر والعار!! فأمر رجاله بإغراقهن فى نهر السند وفيهن أمُّهُ وأخته وزوجته فابْتلعَهُن اليَمُّ وهو على حافتِهِ ينظر إليهن بعينٍ دامعةٍ، ويُشَيِّعُهُن بقلبٍ مكلوم. ولم يَدَعْ له التتارُ فُرْصَةً للتحسُّر على أعز أحبابه. والتفكير فى هوْلِ ما صنع. فأمَرَ جلال الدين رجاله بِخوْض النهر وألقى بنفسه فى مُقَدِّمتهم فانْدفعوا يسبحون فى أثره والتتار(المغول) يُمْطِرونهم بوابل من السهام. لكن الليل رحِمَهُم وأرْخَى عليهم ستْره، ونجا كثيرٌ من جُنْدِ جلال الدين.يُغالِبون النهرَ. وأشرقت الشمسُ على أربعةِ آلافٍ من جيش جلال الدين وصلوا الشاطئ ليلاً...!! وبحثوا عن السلطان فوجدوه بعد ثلاثة أيام فقد جرفه موْجُ النهر بعيداً.. فأمَرَهُم أن يتخذوا أسلحةً من العِصِىِّ. ثم استلب(استوْلى) أسلحة من أهل البلاد وأطعمة وزعها على جنده، ثم توَجَهَ إلى( لاهور) فملكها واستقر بها وبَنَىَ القلاع والحُصونَ ـ
تذَكَّرَ جلال الدين والده الذى لجأ إلى جزيرة نائية فى بحر طبرستان، مات فيها وحيدا بعيداً عن أهله وأحبابه ـ ثم فكر فيما حدث له من الأحداث، وتذكر كيف اُخْتُطِفَ ابنه الوحيد بدر الدين فحُمِلَ إلى طاغية التتار ولم يبلُغ الثامنة وذُبِحَ بين يديْه ذبْحَ الشاة؟ ـ وتذكَّرَ أمَه وأخْته وزوْجته ونساءَ آل بيته وجميعَ أهله.. كيف أغرقهن جميعاً فى اليم على مشهدٍ منه.!؟ وكيف اخْتَفتْ ابنته جهـــاد وابن أخته محمــــود !؟ وكأنما بقى جلالُ الدين حيَّا ليتجرَّعَ غُصَصَ الألم والحسْرةِ ـ لكنه تذكَّرَ التتارَ سَبَبَ نكبة أسْرَتِهِ ـ فليعشْ لينتقمَ منهم ولتكن هذه أمنيته فيما بقِىَ لهُ من الحياة..
لم يكن جلالُ الدين يعلم وهو يبكى أهْله وذويه وينْفَطِرُ قلبُهُ حُزْناً عليهم، أن طِفْليْهِ الحبيبين محمـــود و جهـــاد حيَّان يُرْزقان وأنهما لا يبْعُدان عنه كثيراً !! إذ يعيشان فى إحْدى القُرى المجاورة للاهور، ولو علم ذلك لطار إليهما فرحا، ولتعَزَى بهما فى كل ما أصابه من مصائب الحياة..!! ذلك أنَّ عائشة خاتون وجهان خاتون لمَّا أيقنتا بالنكبة يومَ النهر ورأتا ألاَّ محيصَ من الموْتِ أو الأسْر ، عزَّ عليهما أنْ ترَيا الطفلين البريئين يذبحان بخناجر المغول(التتار) المتوحشين، أو يغرقان معهما فى أمواج النهر فسلمتاهما إلى خادم هندى أمين(اسمه سلامة) ليهربَ بهما من وجه المغول. ويحملهما إلى مسقط رأسه، حيثُ يعيشان عنده فى أمن وسلام!!
وأرادتا أنْ تُخْبِرا جلال الدين بما صنعتاه، لكن ضاق وقتهما، وشغلهما الهوْلُ عن ذلك!!!فمــــــاذا بعدُ.. نكمل إن شاء الله ..
عبد القدوس عبد السلام العبد . موبايل 01092255676
ساحة النقاش