قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل الحادى والعشرون } مَوْتُ الشيْخ
ضاقت الدارُ باليتيم وحاضِنَتِهِ(بَرَكة) بعد أنْ أقفَرتْ مِنْ أُمِّهِ آمِنة، فَضَمَّه جَدُّهُ إليْه يُكْرمُهُ ويُؤْثِرُهُ بالخيْر، ويمْنحُهُ مِنَ الحنانِ والودِّ ما كان يفيْضُ بِهِ قلْبُه الكريْم. وكأنَّ عبدَ المطلب كانَ قدْ جَمَعَ فى قلْبِهِ نصيْبَ ابنه عبد الله من حُبِّهِ أكْثَرَ من ستِ سِنين يَزيْدُهُ ويُنَمِيْهِ، حتى إذا ضَمَ الصَّبِىَّ إليْه أخَذَ يمْنَحُهُ هذا الحُبَّ ويخْتَصُّهُ بهذا الحنان. وأخذ الطفلُ يألفُ جَدَّهُ ويطمئنُ إليه. يدْنو منه متى شاء وينْصرفُ عنه متى أحب...يسْبِقُهُ إلى مجْلِسِهِ فيجْلِسُ فيه ويسْتأثِرُ دُوْنهُ بالفِراش فيُحاولُ أعْمامُهُ وعماتُهُ ردَّهُ عنْهُ وتأدِيْبَهُ بآدابِ الأُسْرةِ لكنَّ الشيْخَ يمنعُهُم عنْهُ ويقولُ: دعُوا ابنى إنه لَيُؤنِسُ مُلْكا. ولم يكنْ الشيخُ يُسَمِيْه إلاَّ بهذا الاسم الحُلْو، كان إذا تحدث عنه قلَّما يذْكُرُ محمدا أو أحمدَ ، وإنما كان يقول: جاء ابنى وذهب ابنى، وكان يقولُ لبَرَكة: استوْصِى بابنى..وكان يقولُ لأبى طالب: احتفظ بابنى!!!
ليْسَ غريبا أن يُلِمَ المرضُ بالشيخ ويُثْقِلَ عليه(فقدْ جاوز المائة) فيكتَئِبَ اليتيمُ ويمتلئَ قلبُهُ حُزْنا وألما..ويُصْبِحُ الشيْخُ ذات يوْم مُثْقلا مكْدودا كأن الحياة تُفارقُهُ وكأنَّ الموت يسعى إليه..فلا يشُكُّ فى أنَّ هذا اليوْمَ آخِرُ عهدِهِ بالدنيا.ـ.ـ.ـ.فكَّرَ الشيْخُ فى حياته المديدة بحُلْوها ومُرِّها..وتذكرَ ابنه عبدَ الله الذى أحبَّّهُ أشدَّ الحُبِّ وكيْفَ لم يمنعْه هذا الحُبُّ من أنْ يُقَدِّمَهُ ليوفى به ما كان قدْ فرضَ على نفسِهِ من النذر..وكيفَ افتداه فَغالَى فى الفِداءِ.؟.وكيف أرسله إلى الشام وبلاد الروم؟ ـ ليموتَ فى يثرب بعْد أن أفاد ربْحا كثيرا ـ وفكَّرَ فى آمنة.كيف خُطِبتْ للفتى وكيف احتملت فقده أبيَّةً كريمة؟ .. ثم فكَّرَ فى اليتيم وفى غَرابة مَقْدِمِهِ إلى الدنيا..ثم فكر فى نفسه كيف كان نِعْمَة للناس ونِقْمَةً على الإبل؟. فرَضِىَ الشيْخُ عن نفسه....ـ...
هل مُدَّتْ أسبابُ الحياةِ لعبد الله حتى يرى ابنه وليدا ؟ لقد مات وهو لا يعلمُ بحمل آمنة.. وهل مُدَّتْ أسبابُ الحياة لآمنة حتى تسعد باليتيم؟ لقد ولدته فاختطفتهُ منها المُرضع واحتفظت به زمنا طويلا..ولم تكدْ الأم تنعمُ بابنها حتى أقْبَلَ الموْتُ فقطع ما بينهما من سبب فنقلها إلى جِوار زوْجها.ـ.
فَلِمَ تمْتدُّ أسبابُ الحياة للشيخ وقد أنْفَقَ فى الأرض أكْثَرَ من مائة سنة.ذاقَ فيها خيْرَ الحياة وشرِّها وحُلْوها ومُرِّها ـ أدْركَ الشيخُ أنَّ حياة اليتيم ستكونُ حياة امتحان وابتلاء . فيها تصفية وتطهير!!! لقد فقد أباه وفقد أمه وهو الآن سيفقد جده، وسيصبحُ بعد ساعاتٍ يتيما حقا وحيدا حقا. ليس له إلاَّ هذه الأمَة(بَرَكَة) التى تحْضِنُهُ وعمه الذى سيكْفُلُهُ كما يكفُلُ الأعْمامُ أبناءَ الإخوةِ .ـ. ويُسْرعُ الشيخُ إلى الموتِ أو يسْرعُ الموْتُ إليه حتى يلْتَقِيا...........لِيُغَيِبوهُ فى قبره ويفْرَغوا لِشُئونهم............
عَطفَ عليه عمُهُ وآثَرَهُ بالمَوَدَّةِ واخْتَصَّهُ بالبِرِّ رغْمَ فقْرهِ وكثرةِ عِيالِهِ، لكنه بعد أن ضمَّ إليه اليتيم صًلُحَ أمْرُهُ وحسُنتْ حالُهُ ووجد البَرَكة فى كُلِّ شىء . فأصبح يكفى عياله ويفيضُ الطعامُ رغْمَ قِلَّتِهِ.. وأنفق اليتيمُ ظفولته وصِباه بين هذين القلبين الرحيمين.. قلبَ عَمِهِ وقلبَ حاضنته بَرَكة
حبيبى يا رسول الله...نلتقى فى روْضَةٍ أخْرى..
لَوْلا عَجائبُ صُنْعِ اللهِ ما نَبَتتَْ .ـ.ـ. هَذِى الفضائلُ فى لَحْمٍ وفى عَصَبِ
مع عظيم الشكر..عبد القدوس عبد السلام العبد.موبايل 01092255676 ويتم التعديل إلى 0109 فى جميع الفصول
ساحة النقاش