قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل الخامس عشر } اليتيم
ويصْدُقُ فى أبرهة الأشرم بعد ألوف السنين ما نزل من قبله فى فرعون من قول الحق سبحانه:{ اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}ولكن بصورة مختلفة, فيراه أهل اليمن عُتلا ضخما مغروراً يضْعُفُ الحصان عن حمله حين خرج من اليمن فى جيشه الجرار المسلح بالأفيال, ثم يعود مريضا هزيلا يسيل منه القيح ويفوح منه ريحُ النتن, وقد مسه الضر, محمولا على مَحفة كفرخ هزيل من أفراخ الطير.فالذنب نفس الذنب والجُرْم نفس الجُرْم فكان النكالُ نفسَ النكال .ففرعون نازع اللــــــه الألوهية وأراد أن يقتل نبيا رسولا فى مهدة, وابرهة الأشرم أراد أن يهدم بيت اللــــــه وأن يقتل نبى آخر الزمان فى مهده.[ لقد كان فى قصصهم عِبرة .!!!]
تسامَعَتْ العربُ بهذه الآيةِ الكُبْرى التى أظهرَ اللهُ بها كرامَة هذا البيتِ.ورَفعَ بها مكانة الذين يقومون من حَوْلِه مِنْ قُريْش.ـ.لكن الشيخَ َظل على حُزْنه المُقيم،لأنه يعْلمُ أن انهزامَ الفيل وأصحابِه لم يكن إكْراما لقريش.ـ.وإنما هى آيةٌ أجْراها اللهُ لأمْر يعْلمُهُ!!! ولم يُنْقِذْ اللهُ عبدَ اللهِ من الموتِ ويُفادِهِ(يفتديهِ) بمائة من الإبلِ إكْراما له أو لأبيهِ وإنما أنقذه من الموت وفاداه بالإبل لأمر يُريدُهُ وحكْمةٍ يعْلَمُها!!! وإلا ففيمَ نجا هذا الفتى من الموتِ ليموتَ بعدَ ذلك بقليل؟!!! أليْسَ غريبا أن ينْجُوَ من الموتْ فيتَّخِذَ له زوجا لا يُقيمُ معها إلا وقْتا قصيرا.ثمَّ يُفارقُها مع رفاقِ الرحْلةِ فيعودُ الرفاقُ وهو لا يعودُ؟!!! .ـ.ثم تعْرفُ زوجُهُ بعْدَ أن ارْتحل عنها أنه قدْ حَمَّلَها أمانة مازالت تحْمِلُها بين جَوانِحِها!!! ولعلَّ عبدَ اللهِ لم يوجَدَْ إلا لِيودِعَ هذه الأمانةَ عندَ زوْجه!!! ومن يدْرى؟ لعلَّ آمنة لم توجَدْ إلا لتُؤدِىَ هذه الأمانة للناس؟.ـ.وكأنَّ الموتَ يثأرُ لنفْسِهِ من تِلْكَ الهزيمةِ التى أصابته يوْمَ الفداء!!.ـ.
أما آمنة فقد كانتْ تشْعُرُ بأنَّ الأيامَ قدْ وفَّتْها حَظَّها من السعادةِ والنعيم فى ذلكَ الوقْتِ القصير الذى قَضَتْهُ مع زوْجِها مُنْذُ الفداءِ إلى الرَّحيلِ!!فهِىَ تقْضِى نهارَها صامتة وتقضِى ليلها فى نوْم هادِئٍ حُلْوِ الأحْلام!! وفى ليلةٍ تحسُّ بما تحسُّ به النساءُ حين يدنو منهنَّ المخاضُ. فتأتى إليها نساءُ بنى هاشم. وقدْ رأتْ آمنةُ أنَّ نورا ينبَعِثُ منها فيمْلأ الأرْضَ من حَوْلِها ويُزيلُ الحُجُبَ عن عينيها فترى قُصورَ بٌصْرى من أطرافِ الشام وترى أعناقَ الإبلِ فى أقْصَى الصحراء .ـ. وترى النُّجومَ تَدْنو من الأرضِ وكذلكَ السماء !!! وكانتْ لا تجِدُ ألمَاً كما تَجِدُ النساءُ !!! ثم ترى ويرى النسوة كأنَّ شِهابا انبعث منها فَمَلأ الأرْضَ من حَوْلها نورا فإذا ابنُها قَدْ مسَّ الأرْضَ يتَّقِيها بيديْهِ.!!!. رافعا رأسَهُ إلى السَّماء مُحَدِّقا بِبَصَرِهِ إليْها كأنما يلْتَمِسُ عندها شيئا.!!!. وتُسْرعُ النسْوَة ليُقدَّمْنَ لها وللوليدِ ما يحتاجان إليه فى هذه الأحْوالِ .فإذا هى لا تحتاجُ إلى شىْءٍ وهو لا يحْتاجُ إلى شىْءٍ !!! وإذا هُنَّ يتناولنَ أجْمَلَ صَبِىٍ أشْرَقَ على الدنيا مع الفجْرِ.!!!.
كان شَيْبةُ الحَمْدِ(عبد المطلب) جالِسا فى حِجْرِ إسماعيلَ مع الضَّحى. فإذا البَشِيرُ يُقْبِلُ مُسْرِعا. فيقول:لقد وُلِدَ لك غُلامٌ.فأحسَّ الشيخُ بأنَّ اللهَ قدْ أخْلَفَهُ من فقيدِهِ ورفقَ به فى مُصابه. فيسْأل: أهوَ ابن عبد الله ؟ فيُجيبهُ البشيرُ: نعم . فيسْرِعُ الشيْخُ إلى بيتِ آمنة. فإذا رأى الغُلامَ أنزل اللهُ على قلبِهِ السَّكينةَ وجَلا عنْهُ الحُزْنَ فَيُقَبِلُ الصَّبِىَّ ويقولُ: لأُسَمِّيَنَّهُ مُحمدا. فتقولُ آمنة:: لقدُ أتانى فى النوْم فأمرَنى أن أُسَمِيَهُ أحمدَ . قال الشيخُ :: هو مُحمدٌ وهو أحمدُ !! وما أرى:إلا أنهما بعضُ أسمائهِ... ونحَرَََ الشيْخُ الإبلَ وأطعم الناسَ والوحشَ والطيْرَِ فقدْ كانَ عبدُ المطلب نِعْمَة للناس نِقْمَة على الإبل.!!.
فى هذه الليلةِ رأى وسمع مُسافِرٌ فى الصحراءِ عجبا:: تألقتْ النُجومُ كأنها مصابيحُ تتسابقُ فى السماءِ وحديثٌ بين جماعاتٍ لا أراها : اُنظروا إلى السماءِ إنَّ نُجومَها تدنو من الأرض تكادُ أنْ تحْرِقنا : إنَّ التَّصْعيدَ فى السماءِ لعَسيرٌ .!!. إن السماءَ تهبِطُ إلينا .!!. النَّجــاة النَّجـــاة .!!. إنَّ للغيبِ لعَجَبا...وإنَّ فى الأرضِ لحَدَثا... !! وإنَّ الزَّمان ليستديرُ!! وإنَّا لا ندْرى أشرٌ أُريدَ بمن فى الأرضِ أم أراد بهم ربُّهم رشَدا..!!..إنا نتسامعُ بأنَّ إيوانَ كِسْرَى قدْ اضطربَ ومادتْ بهِ الأرضُ . فسقطتْ شُرُفاتُهُ . وتهدَّمَ بُنْيانُهُ.!!. وإنَّ نار الفُرْسِ قدْ خَبَتْ فجْأة لأول مَرَّةٍ مُنْذُ ألفِ سنةٍ.!!. وبُحَيْرَة ساوَة قدْ جَفَّتْ وما عَهِدْناها إلاَّ غزيرة.!!. النجـــــاةَ النَجـــــاة إنَّ للسماءِ لَخَـــبَرا وإنَّ فى الأرْضِ لعَجَبــــــا.!!!.
كلُّ هذا وعبد المطلب مشغولٌ بحفيده اليتيم.... فماذا بعدُ..نكْمِلُ إن شاء الله
عبد القدوس عبد السلام العبد..... موبايل 01092255676 يتم تعديل الموبايل إلى 0109 فى جميع الفصول
ساحة النقاش