قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل السادس } موتُ الذبيح

وصل الفتى إلى آمنة فقامت إليه طلْقة الوجه،مشرقة الجبين باسمة الثغرِ لاتشكُّ فى أن حرارة الشوق قد غلبته فعاد إليها. فلمّا داربينهما الحديث علمت بارتحاله مع القافلة. لكنها حافظت على ثباتها وصبرها وبادرته بالقول: وهل عزَّت قريش وأثْرَتْ إلاّ بارتحال الرجال!. إنما عِزُّ قريش وثراؤها ثمرةٌ لجهد الرجال وصبر النساء.. ثم قالت: أنتم تشقون بالرحلة المتَّصِلة ونحن نشقى بالصبر الطويل.

ومع آمنة نسِىَ عبد الله كلَّ شىء، ولم يذكرإلاَّ وجه آمنة الجميلَ، ونفْسَها السمْحةَ وخُلُقَها الرضِىّْ ، وحديثها العذبَ الذى يقع من قلبه موقع الماءِ من غُلَّةِ الصَّادى( العطشان) فنَعِمَ الزوجان بساعاتٍ هنيئة تشفى غليلهما . وتعينهما على تحمُّل فِراق الشُّهور القادمة.

خرج الفتى من عند آمنة ناعم البال. ثم تذكَّر عَرضَ فاطمة بنت مُرّ الخثعمية ّذات المالِ والجمالِ والنفوذ وتذكَّر وعده إياها فسعى إليها كالمسحور ـ فلمّأ أقبلت ونظرت إليه ـ تغيَّر وجهها وقالت ليتك لم تعُدْ وليتك أخلفت موعدك. وطفرت دموعها وهى تقول: إن النورَ والبهاءَ وكلَ ما أشرق فى وجهك وشدَّنى إليك قد اختفى منك وفازت به(بنت وهب) آمنة

بعد التجَهُّزِ للرحيل ودَّعته آمنةُ ثابتة جَلْدة ـ تَرُوضُ نفسها على صبر جميل وفِراقٍ طويل ـ أما( شيْبة الحمد ) عبد المطلب فقد كان كأنه شخصين{ شخصٌ بمكة وشخصٌ مع عبد الله فى القافلة} وأخذ يتذكّرُ الماضى ـ الهاتف.الحفر.الذهب.الماء.النذر.الفداء ـ ثم هذا الرحيل ( وهو الآن يُلِمُّ به خاطرٌ غامض حزين يقتِتُ كبده )

أما آمنة فقد أتاها هاتفٌ يقول: أتعلمين أنك ستصبحين أماً؟ أتعلمين أنك حامل؟ ثم همس كأنه يناجيها أو يُسِرّ إليها سِرّا !!! : اعلمى أنك ستكونين أما لخير من حملت الأرض وأظلّت السماء من الناس ....................

وتذكَرت أن هذا الهاتف كان يبشرها بذلك قبل زواجها . لكنها ما كانت تُقدّر أن الحمل يسيرٌ إلى هذا الحد ولا تكاد تشعربه ولا تجِدّ له عَرَضَا ولا ألما ولا ِضيقا ولا ِثقلا ... وكانت تحكى ذلك لفاطمة وسمراء وهالة ونتيلة وكانت تنام كأنها فى حُلْمٍ طويل جميل ـ هانئة مطمئنة....................

وأذّنَ مؤذن( أعلن) فى مكة بِقُرْبِ مقدم القافلة واستعدّت قريش لاستقبالها وتزينت النسوة لاستقبال الأزواج. وخرج إخوة عبد الله لاستقباله، وانتظر الشيخ . لكن إخوة عبد الله كانوا أسرع من عاد. فقد علموا أن أخاهم قد تخلّفَ مريضا عند أخواله من بنى النجار فى يثرب. قضى الشيخ ساعات فى حيرة سوداء مظلمة . وكان يخاف على آمنة وفاطمة .

عاد إلى الشيخ بصرُه بالأمور وحزمه فى تصريفها فأرسل أكبر أبنائه إلى يثرب ليشهدَ تمريضَ أخيه عن قرْب ( فقد تذكّر الماضى ) ـ أما آمنة فكانت تعانى اللوعة والجزع فى صبرٍ عجيب ثم تقول ياله من جنين ذلك الذى أحمله فى أحشائى إنه ليصرفنى عن الحزن. وإنه ليوقع فى قلبى عزاءً حُلْوا وإنه ليملأ نفسى صبرا جميلا. وأخيرا عاد رسول عبد المطلب من يثرب ليخبر أباه أنه لم يرَ أخاه وإنما رأى قبره فى ناحية من دور بنى النجار.

وعلمت فاطمة بنت مُر الخثعمية بموت عبد الله فقالت: نذرٌ وفداءٌ ورحلة ومرض وموتٌ فى يثرب..... إن للقدر فى هذا الفتى من قريش لسرَّا

أيا هازئا من صنوفِ القدَر ...............بنفِسَــــك تعْنُفُ لا بالقدر

ويا ضاربا صخرةً بالعصا ............... ضربت العصا أم ضربت الحجر؟

فماذا بعد ؟ .. نكمل إن شاء الله مع بن عبد الله ـ

عبد القدوس عبد السلام العبد ـ موبايل  01092255676

 

 

المصدر: كتاب على هامش السيرة ( د / طه حسين )
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2011 بواسطة abdo77499

ساحة النقاش

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,652