قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل الخامس } الإغراء
هيّأ أبناء عبد المطلب المجلس لأبيهم فى المسجد. غير بعيد من بئره التى كُشِفتْ له. ثم أخذوا يتحدثون عن التجارة والرحلة، وعند الضُّحى حضر عبد الله فقد كان حديث عهدٍ بالزواج. فأجلسه أبوه إلى جواره، فلمّا داعبه إخوته لتأخره قال أبوه: كُلُّنا لزم أهلَه( زوجته) حتى كاد ينسى كلّ شىء. لكن الأيام تنبه الغافل وتوقظ النائم وتذكّرُ الناسى. وإنى أحبُّ أن أُنبِّهَكَ قبل أن تنبهَكَ الأيامُ. وأوقِظُكَ قبل أن توقِظَكَ الأحداث. وخيْرٌ لك أن تترُكَ النعمة لتعودَ إليها بعد حين، من أن تظلَّ حريصا عليها مُغْرَقا فيها، حتى تضيقَ بك وتنفرَ منك وتنصرفَ عنك إلى غير رجعة. وفى الرحلة يا بُنَىّ رياضة على احتمال الصعاب واقتحام العقاب. وما أشكُّ أنك ستترُكُ أهلك(زوجتك) كارهاً. فهيِىء نفسك للرحيل مع العِير( القافلة) واحرص على أن تعود ثريّا. وقد أجمعتُ وإخوتُكَ على أن نَكِلَ إليك ما عندنا من عُروض التِّجارة لتحملها إلى بلاد الروم فتُتاجر لنا فيها وتُقاسمنا أرباحها. والرأىُ أن تحمل معك عُروض أصهارك من بنى زُهرة. حتى تتخذ لك بعد ذلك تجارة تقصرها على نفسك ـ قال ذلك فى لهجة مِلْؤها الحنان المُقْنع والجِدّ الذى لا يحتمل الجِدال. ثم قال: قم يا بنى فأصلح من شأنك وهيىء أهلك لهذا الفِراق. فما أظُنُّ أن آمنة سترضاه أو تستريح إليه.
نهض الفتى مُسْرِعا فى طريقه كأنه السهم. وإذا صوتٌ عذبٌ يأتيه بالغِناء:
يا مُسْــرِعا والناسُ من حَوْلِهِ ... يسْـعونَ لم يَأنِ لِغادٍ رواح
يا مُطْرِقاً والأرضُ من حَوْلـه ... يَزِيْنُهأ حُسْنُ الوُجوه الصِّباح
عَرِّجْ عَلَيْنا فأقِم ســــاعةً ... فعِنْدنا إن شِئتَ رَوْحٌ وراح
وإذا بثلاث من الحسان يعرضن عليه الدخول وبعد حوار بينهن وبينه دخل الدار وأغلق من دونه الباب.وأقبلت فاطمة بنت مُرّ الخثعمية وكانت أطولَهن قامة وأوسمَهن وجها وأعذبَهن صوْتا. وكانت على جمالها وحُسْنها ذكيةَ القلب نافذةَ البصيرة ضخمةَ الثروة مُتْرَفَةَ العيش. وكان عبد الله حديثَ مكة كلها منذ همّ أبوه أن يتقرب به إلى الآلهة وفاءً لنذرٍ قديم. ويذكرون هذه الفتاة السعيدةَ التى قُدِّرَ لها أن تكون له زوجا( زوجة). وكانت فاطمة الخثعمية أكثرَالنساء حديثا عن عبد الله وأعظمَهن إعجابا به وأشدَهن شوقا إلى لقائه . رأته يوم الفداء مبتسما للموت لا يبدو عليه الجزَعُ. ورأته بعد أن تم الفداء ورُفِعَ عنه نذيرُ الموت مبتسما للحياة كما كان مبتسما للموت. فوقع الفتى من نفس فاطمة موقع قطرة الندى من الزهرة الغضة عند إشراق الصبح . فأحبته وتمنته. وجزعت عندما علمت أن آمنة بنت وهب قد خُطِبتْ إليه. فقد كانت تشتاق إلى عبد الله كما تشتاق الزهرة إلى قطرة الندى حين يشتد عليها هجير الشمس ـ تحدّثت إليه وثحدّث إليها وأخيرا عرضت عليه الزواج. وقالت: إنى لأجد شيئا فى قلبى يدفعنى إليك وعرضت عليه ثروة أبيها لتُريحه من عناء السفر والترحال. إذا تزوجها ـ فطلب مهلةً من الوقت( ساعات) كى يخبر أباه الذى لايشك فى ترحيبه( لما كان لبنى خثعم من مكانة) ويخبر آمنة التى لا يحب أن يؤلمها. وهنا قالت له: لقد خلت لنا الدار. ونأى عنا الرقيب وقد وهبْتُ لك نفْسى. فهَبْ لى نفْسك ولنقضِهِ يوما سعيدا{ فقد كانت فاطمة بنت مر الخثعمية تعلم أن نوراً فى صلبه يتلألأ فى وجهه } ـ هنالك ارتدّ الفتى عنها وأخذه الخوف وهو يقول :
أما الحرامُ فالممـــاتُ دونَهْ ... والحِلُّ لا حَــلَّ فأسْـتَبينهْ
فكيف بالأمر الذى تنْويْنَهْ
فقالت: إنى لأعرفُ فيكَ نُسُكَ أبيك. فوعدها أن يعود فى المساء ليخطبها ـ فقالت: لقد صبرتُ أياما وأياما ـ فما يمنعُنى أن أصبرَ بعض يوم ........ فماذا بعد ... نكملُ إن شاء الله ـ عبد القدوس عبد السلام العبد ـ موبايل 01092255676 تم تعديل الموبايل إلى 0109
ساحة النقاش