قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل الرابع } الفِداء
أخذ الشيخ بيد ابنه يقوده إلى المذبح ـ وفى يده المُدْيَة. ( السكين ) ولكن بناتِه جميعا وأُمُّهُنَ قُمْنَ دون الفتى صائحاتٍ يستصرخن بنى مخزوم. ويستصْرِخْنَ قُريْشا كُلَّها ويمنعن الفتى بحياتهن. وأقبلت إحداهُن ضارِعَةً ثائرةً معا فقالت : إذا كان قلبك قد استحال إلى صخرٍ فلا ترِقُّ لابنك الشاب ولا لأُمه العجوز، ولا لأخواته البائسات، وإذا كانت شريعة قريش قدْ قست وجَفَّتْ وغلظتْ ، حتى جعلت للآباء على أبنائهم حقّ الحياة والموْت كأنهم الحيوان ، فَدعْنا نحتكمُ فى هذا الفتى إلى ربِّ هذا البيت . فهو أوسع منك رحْمة وأجدر منك أن يضنّ بهذا الشاب على الضياع . وأن يرْبأ بهذا الدم الزكى أن يُراق . لنحتكم إلى ربّ هذا البيت فى أمر الفتى . لِنُقْرِع ( القداح ) بينه وبين هذه الإبل الكثيرة التى تُسيمُها ( تترُكها ترعى ) فى الحرم . ولنبلُغَنَّ من ذلك ما يرْضى ربَّ هذا البيت .
وكانت الفتاة قد التزمت أخاها تحتضنُه وتُقبِّلُهُ وتغسل وجههُ الناصع بدمعها الغزير وهى تصيح : لأموتنَّ قبل أن تموت !! فما زالت قريش بالشيخ وقد تكاثرت عليه ، تُلايِنُهُ حينا وتُخاشِنُهُ حينا . حتى اضطرّتْهُ أن يقبل تحكيم الآلهة .
قالت سمراء : يابؤسا لهذه الحياة !! لايسعد فيها الناس بخيرٍ مهما يكْثُر . كُلّ السعادة . ولا يشقى فيها الناسُ بشرٍّ مهما يعْظُم . كُلّ الشقاء . أسعيدة أنا بموتِ الحارث أم شقية؟ لو عاش لذُقْتُ الآن ما تذوقه فاطمة من هذا الحُزن اللاذِعِ والخوْفِ المُهْلِكِ ـ ولكنى كنت أُوثر مع ذلك أن يعيش . فقد تُخْطِئه القداح ـ
أسرعت سمراء وإماؤها ( جواريها ـ خَدَمُها ) إلى المسجد فسمعت أصواتا ثم تبينت فى الأصوات فرحا ورأت على الوجوه بشرا وعرفت أن القداح خرجت على مائة من الإبل وأنّ عبد المطلب يؤذن فى الناس أنه سينحرُ هذه الإبل بين الصفا والمروة ـ وأنها حرامٌ عليه وعلى بنى هاشم. مباحةٌ لغيرهم من الناس والحيوان والطير ـ
أسرعت سمراء حتى اختلطت بفاطمة ( أم الذبيح ـ عبد الله ) وبناتها وهنّ سائراتً يُحِطْن بالفتى حتى إذا بلغن البيت ـ ألْفَيْن ( وجدْن ) فيه امرأتين تبكيان ـ إحداهما ـ هالة بنت وهيب ( أم حمزة ) والأُخرى بنت عمّها اليتيمة ( آمنة بنت وهب ) .
هنالك أقبلت سمراء هادئةً باسمة إلى الفتاة ـ فكفكفت ـ من دُموعها وضمّتها إليها وقَبّلتْ جبينها ثم التفتت إلى عبد الله وهى تقول:( هلُمّ يا فتى فقبِّل أهْلك ، فمهما تُغْلِ ( تزيد ) لها فى المَهْرِ فلن تبلُغَ هذه الدموع التى ذَرَفَتْها حُزْنا عليك. ) ثم نظرت إلى فاطمة وهى تقول : ( ألا ترين أنها أحقُّ فتيات قُريْش أن تكون له زوجة { زوجا } !!! )
الخيرُ والشرُّ فى الدُّنيا أزواجُ لذا نتاجُ ولذا نتاجُ ـ فماذا بعد؟ نكمل إن شاء الله ـ عبد القدوس عبد السلام العبد
موبايل 01092255676
ساحة النقاش