(( خاطرة حروف يتيمة )) ج1 ـ بقلمى / يحيي رداء الحداد
........................
أيتها المسافرة لعالم المجهول ...
هنا... نعم : هنا حيث الأوراق التى كانت يوماً تجمعنا ...
إلى تلك الحجرة حيث اقتادتنى إليها همسات القدر وفقدانى الوعى ..
أيتها الغائبة ..
هنا .. أيتها الغائبة أقف أتجول بطرف عينى تلك الجدران الكئيبة وقد اعتراها كثيرا من ملامح الصمت .. وبعض من الأتربة وخيوط العناكب .. لم يتبق من ملامحها سوى صورتين شاخصتين .. تنظر كلاهما للأخرى .. تقرأها تارة ابتسامة .. وتارة علامات الاستفهام ..
ترجلت هويناً فى الحجرة وإذ ببعض من المقاعد الخشبية المتناثرة فى غير انتظام ب ..
كأنما تفصح عن آخر لقاء بينى وبينها ..
هنا حبيبتى وعلى الطاولة أتذكر مقهى الحياة ..
جلست متعباً على مقعدى وأمامى الطاولة أتأمل صفحتها الزجاجية ..كم علق بها ركام الماضى العنيد ..
تحسست المطفأة وما بها من بقايا دخان الحياة
..........
جالت عيناي بالطاولة فتوقف نظرى على بعض من أشرطة الكاسيت القديمة ..
أمسكت أحدها وإذ بأغنيتنا التى كنا نستمع إليها دوما " موكب حبك " لنجاة " أتتذكرينها !! .. فبدأت استعيد بعض من كلماتها وألحانها فى خاطرى .. تلك الكلمات التى يألفها الإنسان بمجرد مرورها على سمعه .. لكننى يا سيدتى وجدت لها مخالب تنهش فى جسدى بكل قسوة .. فانهزمت مشاعرى أمام هذا الواقع الذى لا يعترف بالحب ..
فأى موكب كنا فيه .. وأى مشاعر تحملها .. أكان للصداقة عنوان .. أكان للإخوة شعور .. أين كان الحب ..؟ حقاً كانت مجرد كلمات عبرت فى أغنية .. واختنقت المشاعر
..........
ثم عاودت النظر لبقية الأشرطة لألتقط آخر فإذ بكاسيت للراحل عنا منذ ساعات الرائع الخالى الأبنودى ..أتذكرى كم عاتبتك بها " إنها أغنية باب الأحباب " يال غربة نفسى فى حبك .. ويال قسوة عتابى عليك.. قد كان باب الأحبة موصداً .. فلا جدوى من العتاب .. ولا جدوى من البكاء ...
..........
أيتها الغائبة ...
بدأت اشعر بالإعياء من الذكراة وآلامها... فتركت ظهرى يسترخى برفق للخلف لاستعيد بعض من الوعى المفقود ..
سيدتى ..
لقد استحضرنى لحن جميل لطالما أنشدناه سويا " اكتر من الحب أديلك إيه ..!! "اغرورقت عيناى قسراً .. وفاض منهما الدمع .. لم يوقف السيل المنهمر سوى أصوات صرخات عميقة ..
فبدأت أنصت إلى مصدر تلك الاستغاثة .. وإذ بى أرى أنها قادمة من ملف الأوراق الصامت فوق الطاولة
وما إن مددت يدى إلى ذلك الملف حيث وجدث ثُقل حديدى فوقها ..
فهممت مسرعا لنزع هذا الثقل بشده من فوق أوراق .. وإذ بتلك الحروف اليتيمة تهرول إلى وتحتضني .. ياله من مشهد مؤلم .. كان بطله الحنين..
لقد أجبر القدر تلك الحروف أن تكون تحت رهن الإقامة الجبرية بحكم لم يعد منه استئناف أو نقض بسقوط الحق بالمدة الطويلة.
أيتها الساكنة فى زمن المستحيل ...
أتدرين اليوم كم أقاسى ... هل لامستى تلك الحروف ولوعتها ... أتُراها كانت تئن على ذكرى هربت من بين دفاتر الحنين .. أم أنها تحن لـ ليال كان تجمعنا ..
أتُراها تنادى تلك الرسالة التى لطالما أرسلتها بنبضات القلب .. أم لتلك الهمسات التى كانت تجوب مسامع الليل الحزين ..
أكانت أقدار امتثلنا لها .. أم فرار متعمد مخافة احتضار الحلم
سيدتى ..
نعـم ــ هى قسوة الحنين .. هى صخب الحياة .. لم يشأ الزمن إخفائها عن ناظرى
أيتها الغائبة ..
وأعود لأتحسس تلك الملامح التى كادت أن تختفى فى ليال الافتراق .. ببصيص من نافذة الحلم أقر}ها تارة همسات على أوراق الحنين .. وتارة حداد يغلفه صمت قاس يطفئ كل منابر النور ...
فإيلام تضجى يا حروفى .. لماذا هذا الأنين !! .. ألم تتذكرى حكاية الرحيل ..
ألم تتذكرى كيف أصبحت السنين جُلها حكاية ألم
وأعود لتلك الليلة القاسية .. إلى هذا الجانب الآخر من الحياة .. كم اعتدنا العناد
نعم اعتدناه حتى زيفنا فى طريق الحب مشاعرنا ..
يا لها من ليلة سخيفة جمعتنا .. كأنا لم نكن إيانا .. اتفقنا على أن تكون هكذا مشاعرنا ...... مزيفة !! ..
يال سخفنا فى مدائن العاشقين ..!!
أصبحنا غرباء على الطريق .. تجاورنا نعم .. تصافحنا نعم ... لكن نُزعت من قلوبنا مشاعر الحياة !!
أيتها الراحلة ...
لقد التقينا على أبواب المستحيل ... وأسهبنا فى الصمت . حتى ضج الصمت منا ...
جفت مآقينا .. وانطفأت ملامحنا
أيتها الحروف اليتيمة ...
نتعالى نتصفح جدران الذكريات ..
تعالى فى رحلة استثنائية أحملك على بساط الحنين لنتدبر حكمة أقدارنا .. وما آل إليه المصير ...
أيتها الحروف ...
حياة كاملة مضت وأنا وأنتِ أيتام ..
أتذكرى أيتها الحروف تلك السنين التى تسربت من بين مداد مآقينا ..
أتذكرى ذاك الاتهام .. كم كان قاسياً .. كم كان مجهداً لكلينا ..
أتتذكرى حقيقة الاتهام .. إنه الاتهام بالحب ..
وقفنا أنا وأنت فى قفص الاتهام .. أمام قاض لم يعرف مبادئ وماهية الحب ..
ولم تزل قضيتنا بين يديه .. وبقينا تحت الحبس الاحتياطى .. عاشق على ذمة التحقيق ..
كيف ..؟ ومتى .. وأين ..؟ .. أسئلة لم استطع الإجابة عليها ... لقد كان من أعاجيب الزمن أن الشهود هم الحاقدين والحاسدين والعازلين ...
فبأى منطق تم التحقيق معنا .. وأى قرينة غرامية انسحبت علينا كى نبقى فى قفص الاتهام ..
حقاً إنها حكمة اقتضتها أوراق القضية ..
وبقينا فى زنزانة فردية .. كئيبة هى جدرانها .. ونافذة ضيقة لا تعدو أنها ترسم لنا كيف بقى العالم من حولنا بهذه القسوة .. وهذا التعسف فى استخدام الطبيعة الإنسانية ..
أيتها الحروف اليتيمة ..
تعالى بين حنايا صدرى .. فكم أنا اشتاق لملامسة مدادك ..
لا تبكى يا بنت دهرى ... لا تتألمى يا روح الفؤاد ... فلن أخن أبداً أفكار عمرى
أيتها الحروف ...
اليوم أتيتك لأضع على عنقك إكليل من الهمسات الاستثنائية وتعويذتى إليكِ وبعض من الزهور البيضاء ..
كنت أعلم أنه اليوم سيكون تلاقينا .. فقد حدثنى فؤادى بصوت قادم من أعماق الحياة .. أتانى برسالة بريئة من قلب نسائم الزمن الراحل دون استئذان .. اليوم حيث استيقظت عيناى على صوت هامس يطمئننى ويطمئن ... صوت رقيق .. ذكرنى بك .. ولم أكن قد نسيتك
حروفى اليتيمة ..
الآن سأحتضنك كى أنام على راحتيك .. تصبحى بقلبى
حروفى اليتيمة ... وعاود اللقاء من جديد ... وعاد المساء كئيباً كما اعتدناه منذ زمنٍ بعيد ..
هنا أنا وأنتِ نحتسى مرارة الأبجدية الساكنة بين جدران الألم .. تعالى إلىَّ احتاجك بصدق ..
نعم احتاجك .. أحتاجك تُبكينى .. تُسلينى عن ضجيج الحياة ..
أيتها الراحلة ...
دعينى فى هذا المساء مع تلك الحروف أسامرك .. تعالى نستشرف ذلك الحلم الضائع بين أمواج العناد ..
ليلة صفاء تجمعنا بعد أن طال الغياب .. تُبْصُرنا طيور الهوى .. فتغرد بألحان اللقاء.. أميرة المساء أنتِ .. وتاج النساء .. دعينى اتحسس صوتك بأنات سنوات الحنين .. دعينى .. ودعينى .. ودعينى
دعينى أرقى بحلمى للوصول لعالمك .. سأُقبلً زخات المطر .. وأقبل حبات الرمال . فما أسعد أن ألتقى بك............ حتى ولو فى هاجس حلم على أعتاب العذاب
سيبقى الحب .. نعم سيبقى حتى بعد ان احتضرنا وتوارينا عن زوايا الحياة
......................
يحيي ( رداء الحداد )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 4 مايو 2015 بواسطة WWWkolElkhwater

مجلة كل الخواطر

WWWkolElkhwater
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

529,880