جنازة الشهيد محمد البراهمى بتونس
تونس -
شيعت تونس جثمان الشهيد محمد البراهمي عضو المجلس التأسيسي (البرلمان) في جنازة وطنية مهيبة، إلى مقبرة الجلاز بالعاصمة التونسية، في ظل حضور أمني كثيف، وفي أجواء جمعت بين اللوعة والخشوع والتساؤل حول تداعيات عملية الاغتيال الثانية على المستقبل السياسي لتونس. وقدرت مصادر أمنية تونسية في موكب الجنازة بأكثر من 50 ألف تونسي، وانطلقت من منزله الكائن بحي الغزالة القريب من العاصمة في حدود الساعة التاسعة و18 دقيقة، وبثته القناة الوطنية الأولى (عمومية) وقناة «نسمة» الخاصة بصفة مباشرة. وتدفق أيضا آلاف التونسيين من عدة مدن تونسية، من بينها سيدي بوزيد مسقط رأس البراهمي وجندوبة وسيدي بوزيد مسقط رأس شكري بلعيد، للمشاركة في الجنازة.
ودعت عائلة الفقيد البراهمي أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم وأعضاء المجلس التأسيسي إلى جانب قيادات حركة نداء تونس إلى عدم حضور الجنازة، وحمّلت الحكومة المسؤولية عن عملية الاغتيال السياسي الثاني في ظرف ستة أشهر. وحضرت قيادات المنظمة العمالية (الاتحاد العام التونسي للشغل) عملية الدفن، من بينها حسين العباسي رئيس المنظمة.
وجابت طائرة مروحية منذ ساعات الصباح الأولى سماء منطقة الغزالة، وحُمل جثمان البراهمي فوق سيارة عسكرية تتبعها سيارة عسكرية ثانية. واعتلت ابنة الشهيد السيارة العسكرية إلى جانب مجموعة من العسكريين، وقد ارتدت ملابس سوداء وغطت رأسها بـ«الشال الفلسطيني»، ورفعت الأعلام التونسية أثناء مرافقة الجثمان من ساحة حقوق الإنسان بالعاصمة إلى مقبرة الجلاز على مسافة تقارب الثلاثة كيلومترات، كما حمل البعض الآخر صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتخفى المئات من مشيعي الجنازة بالمظلات التقليدية احتماء من حرارة الشمس الحارقة.
وبوصول الجثمان إلى مربع الشهداء بمقبرة الجلاز، رفعت شعارات مناوئة للحكومة التي تقودها حركة النهضة، من بينها «العصيان حتى يسقط الإخوان»، «اليوم... اليوم.. التأسيسي تحل (حل) اليوم»، و«الشعب يريد إسقاط النظام».
ودفن الفقيد محمد البراهمي الذي يمثل حزبه حركة الشعب أحد مكونات الجبهة الشعبية على بعد خطوات من ضريح الفقيد شكري بلعيد الذي اغتيل بدوره يوم 6 فبراير (شباط) الماضي بالطريقة نفسها. وأطلقت ابنة البراهمي زغاريد، بينما كان والدها يساق إلى مثواه الأخير.
وعزف النشيد الوطني التونسي أثناء عملية الدفن التي حضرها الجنرال محمد الصالح الحامدي رئيس أركان جيش البر، ممثلا لكل من رئيس الجمهورية ووزير الدفاع. وأمر المرزوقي «بتنظيم جنازة وطنية للشهيد محمد البراهمي والإشراف على الترتيبات المتعلقة بها وتمثيله في مراسم الدفن»، بحسب بيان أصدرته الرئاسة الجمعة.
وحثت «مباركة عواينية» أرملة الفقيد محمد البراهمي خلال كلمة تأبين إلى «احتلال الشوارع ومواصلة النضال على درب الشهيد البراهمي حتى حل الحكومة والمجلس التأسيسي»، وتفاعل البعض مع كلماتها بالتصفيق، إلا أنها احتجت بحدة قائلة: «كفانا تصفيقا، فإنكم صفقتم عند وفاة شكري بلعيد فماذا فعلتم؟ تبا لأيادٍ تصفق دون أن تفعل».
وحصلت اشتباكات محدودة في محيط مقبرة الجلاز بين مناصري الحكومة ومناصري الدعوة إلى العصيان المدني، سرعان ما تحولت بعد ساعات إلى محيط المجلس التأسيسي، حيث حصلت مواجهات بين محتجين وقوات الأمن التي استعملت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.
ودعا تنظيم أنصار الشريعة السلفي الجهادي من ناحيته في بيان نشره أمس، إلى النأي بالتنظيم عن الصراع بين حكومة النهضة والمعارضة وحركة تمرد تونس. وقال التنظيم في رسالة وجهها إلى حركة النهضة «لا وحدة إلا حول كلمة التوحيد وتطبيق شرع الله في تونس».
ونددت الجبهة الشعبية المعارضة التي يتزعمها حمة الهمامي بما سمته «القمع الوحشي» للمتظاهرين في مدن قفصة وصفاقس والكاف على خلفية المشاركة في الاحتجاجات المنددة بعملية اغتيال البراهمي. وقالت إن محمد بالمفتي عضو التنسيقية الجهوية للجبهة الشعبية بقفصة (جنوب غربي تونس) قد لقي حتفه نتيجة إصابته بقنبلة مسيلة للدموع على مستوى الرأس.
وخيم الصراع السياسي والتجاذب بين الحكومة والمعارضة على موكب الدفن، وذكرت عبارة العصيان المدني عبر مكبرات الصوت أثناء دفن البراهمي. في غضون ذلك، نفى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية قبول الحركة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني دون حل المجلس التأسيسي(البرلمان).
وترافقت عملية نقل جثمان الفقيد محمد البراهمي مع الإعلان عن انفجار سيارة ملغومة أمام مركز الأمن بحلق الوادي في الضاحية الشمالية للعاصمة في حدود الساعة السادسة صباحا. وقالت مصادر من وزارة الداخلية التونسية إن عبوة ناسفة تقليدية الصنع قد وضعت أسفل سيارة أمنية، وإن الحادث لم يخلّف أضرارا بشرية.
وسارع نور الدين البحيري المنسق العام للحكومة في تصريح لإذاعة «اكسبراس إف إم» إلى اتهام أطراف داخلية وخارجية بـ«السعي إلى بث الإرباك والفوضى ورفض المسار الديمقراطي في تونس»، وأضاف: «كلما تقدمنا في إنجاح مسار الثورة سرعت أطراف(لم يسمها) لإرباك الأوضاع». واتهمت قيادات من المعارضة رابطة حماية الثورة المعروفة بأنشطتها الكثيفة في منطقة حلق الوادي بالوقوف وراء عملية التفجير.