جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
منذ عدة سنوات مضت كتبت مقال تحت عنوان "نطالب بيوم عالمي للفرح والسعادة".. وإذ بي اكتشف بأن الأمم المتحدة قد قررت بأن يكون يوم 20 مارس 2013 يوماً عالمياً للسعادة..
ويالا سعادتي.. فقد تحققت أمنيتي.. ولكن صدمت بحقيقة الواقع، بأن هذا اليوم العالمي للسعادة، لم يكن للتعاسة برافع، أو لمواجع الناس بدافع، ولا للأمراض الاجتماعية والإنسانية بكاشع..
ولعل المساعي التنموية للبرامج الموجهة عالمياً أو محلياً تكون بطيئة، فاعلياتها ونتائجها غير محسوسة أو ملموسة.. ولعلها لم تؤتي ثمارها بعد..
وبعيداً عن الحديث عن المساعي الفوقية أو المحلية.. فمازلت اشعر بحلول الغمة، وبلوغ السئم والملل إلى حد القمة.. مازلت أرى الوجوه تزداد عبساً والنفوس تمتلأ سقماً. أرى طبقات منعمة وتحظى بعيشة هنية مكرمة، وطبقات أخرى أكبر عدداً تقاسي وتعاني، تسأل وتطرق كثير من الأبواب، ثم أخيراً تدرك أنه جل جلاله هو الغاني.
والحقيقة أنه مهما اختلفت الطبقات وتباينت الشرائح والفئات، فجميعنا نطلب السعادة ونسعى لنيلها من خلال طرق مختلفة.. نظل نعتقد أن ما ينقصنا هو مصدر تعاستنا؛ سواء كان ذلك متمثلاً في المال والسعة في الرزق، أو في خلفة البنين والعيال، أو الزواج من أمراة ذات حظ من الأدب والمال والجمال، أو حلم الفتاة – وأهل الفتاة – بالزواج من فتى خارق الأوصاف ليسكنها في قصر عال ويمنحها سعادة لم تكن توصف في خيال، أو الوصول إلى مركز مرموق يهابه كل أنس يخطر بالبال، أو التمتع باشهى وألذ الأطعمة والمأكولات والتبضع من أكبر المحال.. أو تمنى صداقة صادقة، أمينة على حفظ الأسرار، لا تبخل بمنح أذن للاستماع والفضفضة ولحظات/ ساعات من المساندة بالطبطبة وبث الطمأنينة والدعم النفسي والشحنة الإيجابية المطلوبة لمواجهة مختلف صعاب الحياة والمواقف المريرة للأمراض العضال.. أو تمنى زوال المرض والشفاء من هذا العرض..
وهكذا.. نتمنى جميعنا، سواء غني أو فقير، زوال ما ينغص علينا حياتنا، أو ما نتصور أنه يعكر صفاء بالنا.. سواء تمثل ذلك في نقص في المال، اعتلال الصحة، الحرمان من البنين والبنات، تكدر من سوء معاشرة شريك الحياة، خيبة الأمل في حال بعض الأبناء، رد الفعل على تعاملتنا بعنف وجفاء غير متوقع، سقوط العشم في بعض الأشخاص من المعارف أو المقربين بسبب خطأ التوقعات التي نتصورها بشأنهم..
ويمكن أن يكون عدم صحة فهمنا وارتفاع درجات الآمال والطموح لدينا، وأيضاً التوقعات الكبيرة التي نأملها من الآخرين، من مسببات التعاسة لدينا.. كما أننا غالباً ما نركز فقط على الجوانب السلبية في حياتنا، ولا نشير إلى الإيجابيات التي يحتمل أن تكون موجودة بكثرة في حياتنا، صغرت أم كبرت في الحجم والأثر..
وقد نستسلم للحظات ضعفنا ونعيش في كنف الكآبة والملل والحزن، ونظل نلوم اقدارنا وحظنا العثر على ما نواجهه من مشاكل واقدار حياتية.. لماذا أنا؟.. لماذا كل هذا الهم والغم والتكدر، وغيري يعيش عيشة هنية سعيد ومرتاح البال؟.. لماذا أنا تعيس وحظي قليل في الحياة؟.. كل هذه الأسئلة والشكوى من مر المتاعب وقلة الحظ في أمور الحياة.. هي أسئلة تدور بخلد كل منا.. ولعلي أكون واحدة منهم.. لا أرى إلا الأشياء المزعجة التي تسبب التعاسة في حياتي، وقليلاً ما انتبه أو اتذكر الأشياء الجميلة التي أنعم الله علي بها..
فقد يكون من أسباب تعاستنا وبعدنا عن السعادة أننا لا نحاول إدراك أو فهم قيمة ما لدينا.. نرى الجمال والحسن فيما يملكه الآخرين، نظل نتمنى نيل ما يمتلكوه، سواء تمثل ذلك في أشياء مادية أو اجتماعية أو معنوية.. ونصاب بالغفلة أو سوء التقدير والفهم لما نحظى به من نعم وهبنا العزيز القدير إيانا.. حتى لا ننتبه إلى قيمة جوهرنا الشخصي ونعتز بكينونتنا التي تميزنا عن الآخرين.. ولا أشير هنا إلى الشعور بالتكبر أو الغرور، ولكن اقصد هنا الاعتزاز بقيمة النفس، عدم تزيفها وطمس سماتها أو أهانتها وتحميلها ما لا تطيق.. ويمكن أن يكون من الصعب علينا فهم طبيعة نفسنا الشرية، وكذلك فهم الطبائع النفسية للأخرين.. ولعل هذا يكون سبب آخر من مسببات التعاسة لدينا.. فالبعض منا يفقد لذة العيش بطبيعته الصافية الشفافة..
ونظراً لقصور علمنا بجميع المسببات والأمور، فأنة لا يمكننا تحقيق الإدراك الكامل والحكمة التامة للإجابة على التساؤل "هل أنا سعيد أم شقي؟".. فحكمة الله عز وجل في تيسير الأقدار وتقسيم الأرزاق والأحوال، حكمة لا يدركها إلا هو.. ونصيبي من الشقاء أو السعادة في الحياة قد قدر لي كما قدر لغيري.. ولعله يجب علي فقط أن أعيشه كما هو بنوع من التقبل وتحمل المسئولية بصبر واجتهاد والفوز بجنة مليئة بأشجار قطوفها دانية.. وصدق الله العظيم في قوله الكريم "المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا "
وبالتأكيد أن لكلً منا له تفسيره الخاص لمسببات الشقاء والسعادة.. وكل منا حتماً عاش أياماً غامرة بالسعادة والفرحة (قلت أو كثرت)، وأياماً أخرى اكتنفها كثير من الصعاب التي زادت عليه اثقالاً من العذاب والتعاسة، ولكن في كل مرة نخرج من مشكلة أو رحلة تعاسة نكتسب درس جديد ودرجة من الخبرة تمنحنا فهماً أعمق لكيفية التعامل مع الناس والحياة، وربما مزيد من المهارة لتجنب التعاسة واكتساب السعادة..
المصدر: د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد