WA-WEEKLY

 

 

   في ظل متابعة الإعلام والناس لكل نأمة يأتي بها السيد الرئيس أو السيد الوزير الأول أو أحد وزرائه ، انسحب موضوع الدستور من دائرة الاهتمام ، بالرغم من كونه الأخطر على الإطلاق ، فعاجلا أو آجلا سيكون للناس في مصر دستور ، سواء وضعته تأسيسية الأغلبية أو وضعته تأسيسية المجلس العسكري ، وسيفتش الناس فيه عن شيء يشبه الدساتير في العالم ، أو حتى الدساتير المصرية وحدها ، دون جدوى . ذلك أنه لا يوجد بلد في العالم حدثت فيها ثورة نتج عنها مثل ما نتج عن الثورة المصرية  من صعود قوة غير ديمقراطية على الإطلاق وبالوسيلة العالمية للديمقراطية : “الانتخابات” ، في الوقت الذي ظلت القوة غير الديمقراطية بحكم طبيعتها : العسكر ، محتفظة لنفسها بالوضع الذي كان لها قبل هذه الانتخابات ، وبالتالي كان تنازع الصلاحيات هو سيد الموقف .

ووضع دستور في ظل هذا الوضع الأكثر غرابة في تاريخ الثورات في العالم ، لن ينشأ عنه أي دستور ، بل مجموعة من المواد المنظمة لعلاقات المؤسستين المتنازعتين حول الصلاحيات : مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الجيش . أما تحديد نظام الحكم ، ووضع السلطات الثلاثة فيه ، والحريات العامة وحدودها ، حتى لا نقول قيودها .. إلى آخره ، فكل هذا أمر ثانوي ، اللهم إلا ما يقع منه في منظور توزيع الصلاحيات بين هاتين القوتين .
إننا إزاء معركة صامتة يغيب فيها الشعب صاحب المصلحة ، فدوره محصور فقط في إبداء رأيه استفتاءً ، ولا تحضر إلا محاولة كل قوة من الاثنتين تحقيق أكبر قدر من المكاسب (الدستورية) ، وكل من الطرفين يحلم ، أثناء خوضه الشرس لتلك المعركة ، بنتيجة واحدة فقط يحكمها المنطق التصالحي أو التوافقي . كأننا أمام صراع مطلوب منه أن ينتج عنه معاهدة أو اتفاقية بين الإخوان والعسكر تحت عنوان الدستور لا أكثر ولا أقل .
الأكثر إحباطا هو طبيعة القوتين ، فهي طبيعة لا يُنتظر منها أية حرية سياسية سواء على مستوى القانون أو مستوى الدستور . فمؤسسة الرئاسة تتبع مؤسسة أكبر منها ، بحكم بيعة السيد الرئيس لمرشد جماعته ، بيعة بالسمع والطاعة (العمياء) في المنشط والمكره ، وبالثقة المطلقة (العمياء) في قياداته ، فأية ديمقراطية يمكن أن نحلم بها في ظلها . وهي – كذلك – جماعة لا تتبنى أي مفهوم للوطن أو المواطن ، فوطنها أيديولوجيتها ، ومواطنها المؤمن بهذه الأيديولوجيا ، من أية بلد كان في العالم ، ومن ثم فأي دستور لمصر يمكن أن ننتظره منها !!
هذا فضلا عن أن الرئيس وجماعته يشكلان غطاء (شرعيا) لحركة جماعات دينية منها الأكثر تطرفا حد الدموية ، ومنها الأشد جهالة حد القطيعة مع العصر فكرا وسلوكا ، فيما يمثل أشد جماعات ضغط سياسي غرابة في العالم . وللإخوان وجماعاتها من النوعين السابقين مطلوباتها من الدستور ، لعل أهمها – بالنسبة لهؤلاء جميعا – إطلاق حق تأسيس الأحزاب دون قيد أو شرط ، أي بغياب النص على عدم جواز تأسيس أحزاب على أساس ديني . فضلا عن النص على مداخلة الدين – بشكل صريح – على التشريع القانوني ، سواء بقوننة نصوصه ، أو برقابة هذه النصوص على أي تشريع .
وإذا كانت القوة السابقة تدّعي الممارسة السياسية ، فالقوة الأخرى – بحكم طبيعتها ودورها – لا يمكنها حتى هذا الادعاء . وبالتالي فإن العسكري الممثّل في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ، له مطلوبات أخرى تماما ، إنه لا يدافع عن مكتسبات ستين عاما من الوجود في مؤسسة الرئاسة فحسب ، بل إضافة إلى ذلك ، هو يدافع – وبداية – عن رأسه فيما تورط فيه خلال سنة ونصف من توليه صلاحيات الرئيس المخلوع مما يمكن أن يلاحق به قضائيا . وبناء على هذا وذاك ، فإن المؤسسة العسكرية تريد ما هو الأكثر غرابة في تاريخ أي جيش دولة على الإطلاق ، إنها تريد أن تفرض استقلالها عن الدولة ومن خلال الدستور نفسه .
الإشكال والخوف كل الخوف أنه لا وجود لأي تعارض بين مطلوبات الإخوان ومطلوبات العسكر ، التعارض موجود – فقط – بين القوى الأخرى غير ذات البأس إخوانيا أو عسكريا . منها ما هو ديني ممثلا في الأزهر والكنيسة . ومنها ما هو سياسي ممثلا في الأحزاب . ومنها ، وأهمها وأضعفها على الإطلاق ، القوى المدنية والحقوقية الأخرى . وهذه القوى جميعا مطروحة لتوظيفها لحساب أي من القوتين صاحبتي النفوذ ، بمعنى أن هويتها لا قيمة لها ، بل إن وجودها نفسه ، في اللجنة التأسيسية ، لا قيمة له أصلا إلا باعتبار القوة التي استُقْطِبَت لحساب أهدافها .
فهل نحلم بدستور أم باتفاقية بين الخصمين التاريخيين : جماعة “الإخوان” ممثلة بالرئيس وبين “الجيش” ممثلا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؟ .. وهل تفي بنود هذه الاتفاقية بما يوجبه بناء نظام سياسي جديد بعد ثورة تلخصت مطالبها في “الشعب يريد إسقاط النظام؟ ؟ .. أما السؤال الأول فإجابته – بلا أدنى شك – “نعم” ، لن يكون بين يد الشعب إلا اتفاقية لحل التنازع بين الصلاحيات بين هاتين القوتين . أما إجابة السؤال الآخر فمحبطة جدا جدا ، فليس من أهداف الاتفاقيات إقامة أنظمة ، وبالتالي فالنظام الذي قامت الثورة لإسقاطه سوف يستمر ، وبأسوأ مؤسساته الأمنية وأسوأ ممارساتها على الإطلاق ، وهو أمر يوافق هوى الحكام الجدد الذين يحتاجون الديكتاتورية لتأبيد حكمهم ، ويوافق هوى العسكري الذي لا يعرف معنى لكلمة “الحرية” فضلا عن قيمتها .

المصدر: دكتور : محمد فكري الجزار
WA-WEEKLY

صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة .. رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير : د. علاء الدين سعيد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 191 مشاهدة

رئـيـــــــس مـجــلـــــــس الإدارة و رئـيــــــس الـتـحـــــــــريــــــر د. عـــلاء الـديــــن ســــــعــيــد

WA-WEEKLY
* السـنة الرابعة * العدد رقم ( 208 ) - ************ الخميس الموافق 27 نوفمبر 2014 تصــدر مـن الـقـاهـرة - جمهـورية مصــر العربيـة ====================== ALWATANULARABY JOURNAL ********* Chairman and Editor in Chief : ALAUDDIN SAID ====================== No. 208 - 27 of Nov 2014 ====================== CAIRO - ARAB REPUBLIC OF EGYPT »

ابحث

إشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك كل جديدنا ضع ايميلك هنا ثم اضغط للإشتراك

Delivered by FeedBurner

لا تنسَ الرجوع إلى أيميلك لتفعيل الإشتراك

لمراسـلتنا بأعمالكم و أخبارِكم و آراءِكم .. إيميلات إدارة النشر بالصحيفة 

  [email protected]
أو إلى
[email protected]
أو إلى
[email protected]

 برسـالة متضمنة السيرة الذاتية الموجزة موضحة بها بياناتكم وعنوانكم وجنسيتكم وصورة شخصية مختارة للنشر مع موضوعاتكم ، مع خالص تحياتنا وتمنياتنا 

  

أهم و آخر الأخبار

================================

  •   مفتي تونس: 16 تونسية سافرن الى سوريا ل"جهاد النكاح" الذي اعتبره "بغاء"
  •  طلاب إماراتيون يصممون سيارة تقطع ألف كم بلتر واحد من الوقود
  •  طيران الامارات يرعى بطولة فرنسا المفتوحة للتنس خمسة أعوام ..
  •  الأمم المتحدة تطلق تقريرها السنوي للتنمية البشرية لعام 2013
  • عاطف عبدالعزيز وقراءة في" الحياة السرية للآباء " للشاعر صلاح فاروق
  • أقـلامٌ و آراءٌ حُـرّة

    =================================

  • الكاتب العراقى دكتور : عزيز العلي ، يكتب : ثورة ربيع العراق ، والمعركة الاستخبارية الدبلوماسية
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : لغتنا الجميلة في عيدها .. هل اقترب نعيها ؟!
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : في يوم "داون" العالمي ، دعوة إلى مواجهة التحديات
  • حينما توشك الدولة على الافلاس ، هل يمكن انقاذها - بقلم الكاتب المصرى دكتور : حسين الكاشف

  • كُتـَّاب ٌ و أعمـِدَةٌ و أقلام

    ============================
     

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

          

      شاركونـا صفحاتنـا 
    على المواقع الأخرى

    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  

    تقارير و دراسات

    =========================

  • مصر- نقيب عمال مصانع الطوب:اصحاب مصانع الطوب اعلنوا توقف المصانع نهائيا بعد ان فوجئوا بان التفاوض كان حبرا على ورق ...
  • خاص " الوطن العربى "- اليمن : قضية صعده من وجهة نظر(الحوثيين) في ورشة عمل بصنعاء  
  • ننشر القائمة الأُولى لأسماء افراد جماعة الاخوان الذين إحتلّوا مناصب الدولة خلال 7 أشهر فقط 
  •  تقرير لـ"سي آي إيه" يُلمح إلى استخدام إسرائيل السلاح النووي في حرب 1973 ضد مصر وسوريا
  •  إسرائيل خططت لقتل خال صدام لنصب فخ لاغتياله خلال جنازته