جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كاد سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده إسماعيل.. وهو ابنه البكر العزيز على قلبه، الذي أنجبه وهو في سن الكبر.. كاد يذبح ولده بعد رؤيته لذلك في المنام.. ففداه العزيز الجليل بذبح عظيم.. تجسد هذه القصة نموذج رفيع المستوى من الطاعة والإمتثال والإيمان بالله تعالى.. نموذج رائع من علاقة ودودة حميمة بين الابن ووالده.. يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرن.. هكذا كان رد الابن على والده بعد أن اطلعه على الأمر.. رد يجسد كثير من الإيمان والثقة بالله تعالى.. ولعل هذا من خلق المرسلين..
فإذا ما تأملنا شكل العلاقة الحالي بين الابن والوالد لوجدنا اختلافاً كبيراً، ففي كثير من الأحيان يعتبر الابن/ الابنة توجيهات الوالد تدخل سافر وحجر على ممارسة الحرية.. العلاقة الحميمية القائمة على الثقة والحب والتضحية أصيبت بالخلل.. ولعل مسببات ذلك كثيرة مما أثر على تغيير دور كل من الأب والابن وتغير شكل العلاقة بينهما.
اختلف مفهوم التضحية والعطاء لإدخال الفرحة على قلوب الغير.. لا اقصد الأضحية وتوزيع اللحم على بعض البسطاء والفقراء.. فهو قد يتم بكثرة إلى حد ما.. ولكن اقصد التضحية ببذل بعض الجهد في: رسم البسمة على وجه تعيس، أو المساهمة في حل مشكلة مكروب، أو تقديم يد العون لشخص مسن، أو ضم طفل يتم والطبطبة على كتفه لتعويضة بعض الشيء عن الشعور بالحرمان.. وغيرها من المواقف التي قد تدخل السعادة على قلوب موجوعة متعبة..
قد نظل نبحث عن السعادة طوال حياتنا.. نظل نسعى وراء الرزق اعتقاداً منا أن المال سيمنحنا السعادة والفرحة.. ولكن بعد خوض التجربة نكتشف خطأ اعتقادنا وأن المال لا يمكن أن يجلب لنا السعادة في كل أمر، كالتمتع بالحرية والصحة وراحة البال والتوفيق واليسر في الأحول.. أسأل سجين عن نعمة الحرية، أسأل مريض عن نعمة الصحة، أسأل مبتلى عن قيمة راحة البال، أسأل شقي غير محظوظ يقابل كثير من العسرات في حياته عن نعمة التيسير والتوفيق في الأمور.. وكلها شئون حياتية كتبت علينا لخوض الاختبار في الحياة الدنيا لعلنا نكون من الناجين في الحياة الأخرة.
بل وعلى العكس، فقد يكون المال سبباً في شقاؤنا وتعاستنا.. فحب المال والانشغال بجمع الثروة قد يتحول إلى حب مرضي، ليصبح المال المسيطر على أفكارنا وتوجهاتنا، ومن ثم تتحكم النزعة المادية في سياسة كل أمر من أمور حياتنا.. ولا انكر هنا ضرورة المال في تلبية احتياجاتنا المعيشية المتعددة.. فنعمة الرزق وحب المال من النعم التي قد ذكرت في القرآن الكريم.. ولكني أشير هنا إلى سيطرة النزعة المادية على سلوك وتوجهات بعض الأشخاص مما يؤثر على نمط حياتهم وأيضاً نمط حياة الآخرين.. يؤثر على نمط حياتهم بالشكل الذي يجعلهم أكثر حرصاً على جمع المال وأكتنازه، أكثر بخلاً وشحاً في الإنفاق والعطاء، أقل أهتماماً بإدخال الفرحة على قلوب الآخرين.
بالتأكيد أن مفهوم الفرحة والسعادة يختلف من شخص لأخر.. كما اختلف أيضاً عبر المراحل التاريخية التي مرت بها المراسم الاحتفالية بالمناسبات المختلفة، حيث تختلف طبيعة هذه المراسم الاحتفالية وفقاً لطبيعة البلد أو المنطقة، أو حتى الأسرة التي تحتفل بمناسباتها المختلفة..
ولكن هل فرحة طلة العيد مازالت تشعرنا بالسعادة التي كنا نشعر بها في سنوات حياتنا السابقة، فرحة تسعد القلب وتشرحه، أم أن الأحداث الدرامية التي نعيشها – على مستوى الوطن المحلي والإقليمي والدولي – سرقت من وجدننا الشعور بالبهجة والفرحة.. جعلتنا أقل أكترثاً بإسعاد الآخرين وأكثر إنشغالاً بهمومنا ومشاغلنا؟..
يا ليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل فينا.. عندما نسمع أغنية السيدة أم كلثوم "ليلة العيد"، دائماً ما يتسلل بداخلنا شعور بالفرحة وبهجة العيد، تلك البهجة التي تمنحنا دفعة وإطلاقه جديدة لمواصلة الكفاح والعمل لإعمارالأرض، دفعة جديدة لبذل مزيد من العطاء لإدخال السعادة على قلوب البشر. العطاء الذي يمنحنا درجة عظيمة من درجات السعادة والسرور.. فسبحان ربي العظيم الذي وضعنا في اختبار طوال حياتنا.. فهل نبخل في العطاء أم نعطي بسخاء لإسعادالبشر رحمة بالعبيد وتجديد فرحة العيد!..
المصدر: د. نهلة أحمد درويش -
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد