جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
نكاد نذوب خجلا مما يحدث , خجلا من عروبتنا , خجلا من إسلامنا , خجلا من إنسانيتنا , خجلا مما تعلمنا في طفولتنا, نكره الظلم والظلمة.
مر اكثر من ثمانية عشر شهرا ودم أخواننا يسفك , وبيوتهم تهدم و أطفالهم تقتل ورجالهم ونسائهم تذبح بالسكاكين , ونحن نقف نتفرج,نكتفي بالحزن , ولا تشفي قلوبنا الدموع . لا نسمع من قادتنا إلا كلمات متخاذلة مترددة وتتكلم فقط عن البحث عن حلول سياسية , ولا أعلم ما هي السياسية إن لم يكن حفظ البشر من أولوياتها ؟
هل نتكلم عن سياسية عندما تحدث كارثة في أي بقعة من بقاع الأرض؟ هل السياسة هي في البحث عن أعذار وحجج واهية ونحن نرى ونسمع كل هذا القتل والتدمير , ونكتفي بإطلاق تصريحات سخيفة بين الفينة والأخرى ؟
هل فقدنا البوصلة كبشر ؟ أطفال تذبح وتقتل ونساء وشيوخ تدفن في منازلها , ونحن نرسل المندوب تلو المندوب للتباحث مع النظام السوري , أرسلنا المندوب الأول الفريق السوداني محمد أحمد مصطفى , والمطلوب من الجنائية الدولية لدوره في دارفور , ثم بعد حين أرسلنا كوفي عنان . وأخذ دوره كاملا في اللعب بأعصابنا ودماء أخواننا في سوريا وبعد احتراق أوراقه كاملة وإعلانه التخلي عن اللعبة لينقذ ما تبقى له من سمعة , أرسلنا الأخضر الإبراهيمي , ودور هذه البعثات يقتصر على إعطاء النظام القاتل السند السياسي والدولي , ومنع عمليات الانشقاق التي قد تحدث في قوات النظام لو كانت طريقة التعامل الدولية والعربية والإسلامية مختلفة .
فدور هؤلاء المندوبين من الداني إلى الإبراهيمي لا تزيد عن مد نظام بشار الأسد بشريان الحياة , وإعطاءه الفرصة تلو الفرصة للبقاء. وهذا يذكرني بما حدث في الثورة الليبية.
ففي النصف الأول من تاريخ الثورة الليبية , ترك للعقيد معمر القذافي الفرصة كاملة لتحقيق رغبته في تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب , وتكون أجدابيا منطقة منزوعة السلاح بين القسمين , وأعلن عن رغبته , بل وكان الغرب مؤيد لهذه الخطة , وأطلقت يده في مصراته ولم تتعرض لقواته في سرت أو ألبريقه ومصراته ,وأطلقت يد كتائبه في منطقة مصراته , كان قصف الناتو خلال تلك الفترة نوع من العرض العسكري , والكثير من الليبيين يذكر أن القصف في تلك الفترة كان على مستودعات فارغة بل وبعضها كان يقصف المرة بعد المرة , ولم تتعرض تلك الكتائب في منطقة مصراته لأي نوع من القصف المؤثر , ولكن بصمود الليبيون , وتماسك جبهة مصراته وجبهات الجبل الغربي أسقطت ذلك المخطط . وهذا كان بالرغم من أن التدخل ألأممي في ليبيا يحظى بالدعم السياسي والشرعية الدولية الذي لا يوجد في الحالة السورية .
نسمع كثيرا عن حلول سياسية مطلوبة في سوريا , وكأن العالم لم يمل من دماء السوريين , ولا أعلم ما هو نوع الحل السياسي ؟
هل من يستعمل الطيران العسكري في قصف عاصمة بلده دمشق وريفها , وأكبر مدنه , بل وكل مدنه سواء حلب واللاذقية وحماه ودوما و درعا وإدلب ودير الزور وحمص و والرقة يمكنه الانخراط بحل سياسي يحفظ الدم السوري ؟ هل العالم بهذه السذاجة ؟ ويغفل هذه النتيجة التي لا تخفى على ربات البيوت وعامة الناس.
- هل من لا يدخر نوع من الأسلحة بدأ من السلاح الأبيض انتهاء بالقنابل العنقودية أو تلك المسماة ب " براميل التي أن تي " يمكن أن يكون له مصداقية في البحث عن حل سياسي ؟
- هل من يقتل شعبه سواء الطفل والشيخ والمرأة والرجل دون تفريق يمكن أن يشارك في عملية سياسية لتخليص شعبه الذي يقتله ذبحا وتفجيرا .
عن أي حل سياسي يتحدث هؤلاء ؟ وليس في قاموس النظام ومسانديه ومؤيديه أي مفهوم للسياسة سوى سياسة القتل والتدمير , ولسان حاله يقول " أما إن أحكمك أو أقتلكم " .
قال رسولنا الكريم , لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين , ولكن قيادات العالم بما فيها قيادات أوطاننا سواء عربية أو إسلاميه لدغت من نفس جحر نظام الأسد المرة تلو المرة , كأنما هي ليست مؤمنة , أو هي تقف مع النظام السوري , أو لها مخططات أخرى في الحالة السورية ولا يهمهما كم شهيد سيسقط أو كم سيذبح من إخواننا هناك , وهذا يجعلني اكرر ما قلته أولا أني أذوب خجلا مما يحدث , خجلا من عروبتنا , خجلا من إسلامنا , خجلا من إنسانيتنا .
من يقف مع القاتل أعلن رسميا ودون مواربة انه يقف معه , وأنه يشارك عسكريا في حربه على شعبه , روسيا ترسل الأسلحة وتقول إنها عقود قديمه , وإيران تعترف على لسان قائد الحرس الثوري أن أفراده يساهمون مع النظام , وكذلك حزب الله .
ومن يدّعي الوقوف مع الشعب السوري يكتفي بإرسال بعض الطعام والقليل من الطعام للاجئين السوريين في دول اللجوء وبعض التصريحات البائسة بل والمتناقضة حول ما يحدث في الداخل السوري .
بينما يتعرض شعب سوريا لحصار , حصار سلاح وحصار دواء وحصار طعام وحصار ماء , تأتيهم القذائف الروسية والإيرانية من الأرض حولهم , وتصب الطائرات الروسية حمم الموت من فوقهم , و شبّيحة النظام يصولون ويجولون بسكاكينهم وسواطيرهم في المدن والقرى المحاصرة , ويسقط يوميا عشرات القتلى دون بواكي لهم في العالم . وما زال قادة العالم يبحثون عن حل سياسي .
بئست السياسية وبئس السياسيون , وسينصر الله أبطال سوريا , سواء رضيّ العالم أم أبْى , فلقد انتهت الحلول السياسية في سوريا في أول لحظة سقط فيها أول طفل شهيد وفي اللحظة التي أريق فيها أول قطرة دم سوري .
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد