جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
فى مارس 2011 م الماضى كتبت مقالا بعنوان ( حرية اوباما فى ميدان التحرير ) وكان مضمون المقال يدور حول القيود الصهيونية التى فرضت على الإدارات الامريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا ، وخضوع كل رؤساء البيت الابيض من وجهة نظرى لأملاءات الصهاينة..الكل يستمد شرعيته من الكنيست الصهيونى ومنظمة الإيباك التى تشكل كل أوراق الضغط الصهيونى على أمريكا ( شعبا وحكومة وكونجرس ) ، ضغطا خنق كثير من الرؤساء الامريكيين ، وحولهم الى دمى يتلاعب بها الصهاينة ويفرضون ارادتهم عليهم ، ليس هذا وحسب بل ان صورة اى مرشح للرئاسة الامريكية لا تكتمل الا بزيارته للمعبد اليهودى وحائط المبكى ( البراق المحتل ) ولبس القلنسوة اليهودية لينال شرف دخول البيت الابيض .
تكرار هذه الصورة دفع كثير من الأمريكيين الى الانتباه الى خطورة هيمنة الصهاينة على مفاصل الدولة ، وما مظاهرات " وول ستريت " إلا تعبير صارخ عن تململ الامريكيين من تلك الهيمنة ورفع فيها ولأول مرة شعارات معادية لليهود فى امريكا متهمين اليهود بانهم سبب أزمة العالم ، وبأن رجال الاعمال اليهود هم الفئة الوحيدة المسيطرة على البنوك ، وبدأت حرب الكليبات لأول مرة تظهر اليهود بأنهم سبب شقاء البشرية ، وأرتفع صوت الشعب الأمريكى منددا بالصهيونية العالمية .
خطاب أوباما يوم نجاح الثوار المصريين بميدان التحرير فى إزاحة مبارك عن الحكم كان له دلالة عندما قال : ( ان الثورة المصرية ألهمتنا ) وربما الإلهام الذى يقصده اوباما هو : فى كيفية التخلص من الهيمنة الصهيونية بطريقة سلمية لا تؤثر على الأقتصاد الامريكى الذى تسيطر عليه البنوك والمؤسسات اليهودية ، بدأها فى بلاده فى وول ستريت ثم فى الشطر الجنوبى من البحر المتوسط ( دول الشمال الأفريقى ) وحتما سيمتد الى الجوار المحيط بالكيان الصهيونى ، وما أحداث سوريا ببعيدة عن هذا الهدف وربما تنتهى تلك الاحداث بوصول الاسلاميين الى السلطة .
فى المغرب فاز حزب العدالة والتنمية فى الانتخابات التشريعية الأخيرة ، واستقبل الملك محمد السادس زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.، وكان رد فعل المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر "يجب ان ننتظر ونرى كيف سيعمل هذا الحزب في الواقع وما الاشياء التي يقولها علنا وكذلك كيفية ممارسته الحكم" ، تصريح يعبر عن برجماتية امريكية همها الأول الحصول على المنفعة دون اى اهتمام او مراعاة لمواقف الأخرين .
فى تونس فاز حزب النهضة الاسلامى في انتخابات المجلس التأسيسي ، ولم تبد الادارة الامريكية أى تحفظا ولم تعترض بل تعاملت مع الامر وكأنه امر واقع لا شأن لها به .
فى مصر وصل الاخوان الى السلطة ، ولايقل لى احد ان الاخوان وصلوا اليها دون مباركة امريكية ، فمصر لا تملك حتى اليوم قرارها ، ولا شعبها يملك ارادة الاختيار الحر بعد ان حوصر بين خيارين : رمز من رموز الفلول ( احمد شفيق ) وبين احد قيادات الاخوان ( الدكتور مرسى ) .، كما ان مصر هى القلب ووجود الاخوان فى السلطة لابد ان يتبعه وجود تيارات مشابهة تشكل النسيج الاقليمى المحيط بها .
انسحاب امريكا من العراق بعد ان ضمنت نفوذ ايران فى الوسط والجنوب ونفوذ الكيان الصهيونى فى الشمال ، كما ضمنت لتركيا حرية التدخل فى الشمال لملاحقة المتمردين الأكراد من أعضاء حزب العمال الكردستاني ، وموقف امريكا لا يعدو كونه مجرد موقف تطمين للكيان الصهيونى على مكتسباته فى العراق ، رغم ان الانسحاب الامريكى من العراق سيترك الحليف الصهيونى بين فكى ايران وتركيا .
الخريطة السياسية فى عالمنا العربى تغيرت بفعل الثورات ومن حق الشعوب ان تعرف لمصلحة من هذا التغيير ؟ هل لمصلحة الشعوب التى أرهقت من قبل الانظمة الديكتاتورية واساليبها القمعية وسياستها الاستبدادية ، وقد حان الوقت لتلك الشعوب ان تتنفس الصعداء وتعيش فى بيئة طبيعية ومناخ ديمقراطى يعبر عن طموح وآمال الشعوب ؟ أم لصالح امريكا التى سئمت تسلط الكيان الصهيونى على البيت الأبيض وعلى المؤسسات الأقتصادية والعسكرية واحتكر لنفسه أمر توجيه البوصلة الأمريكية لعقود طويلة من الزمن بحجة ان هذا الكيان المسخ هو ذراع امريكا فى المنطقة وحارس أمنها وأمن مصالحها ؟ أم هو تغيير لمصلحة الطرفين معا لإحداث توازن يحد من رعونة هذا الكيان ويضبط إيقاعه ، ويكسر شوكة الإستعلاء والكبر والغرور والغطرسة الصهيونية التى وضعت الغرب فى مواقف حرجة ومصداقيته على المحك أمام شعوب العالم ؟
وصف عضو الكنيست الاسرائيلي بن يامين بن اليعيزر خلال جلسة عقدتها لجنة الخارجية و"الامن" التابعة للكنيست الاسرائيلي ، الوضع الامني الاسرائيلي بـ الاخطر على الاطلاق ، وقال اليعيزر: "في اي مرحلة مرت لم تكن اسرائيل في وضع امني خطير مماثل للوضع السائد هذه الايام دون أي بقعة ضوء"، وتطرق اليعيزر لسحب القوات الامريكية من العراق، داعيا على هذه الخلفية الى عدم تحمل او اخذ اية مخاطر او تقليص ميزانيات الجيش و"الامن"، ويجب الزام اليهود الاصوليين والعرب الاسرائيليين بالخدمة العسكرية او الخدمة الوطنية .
كلام بنيامين بن اليعيزر حقيقة : أن تجد ( اسرائيل ) تفسها محاطة بأقليم ثائر وشعوب تسعى للخلاص من انظمتها الحاكمة المستبدة الموالية لهذا الكيان ..فهذا أكبر تهديد للكيان الصهيونى الذى نما وترعرع فى مستنقع الفساد والديكتاتورية .
الصهاينة يشعرون اليوم بأن الربيع العربى أدى الى صعود متنامى للإسلاميين ووصل بهم الأمر الى اتهام أوباما بأنه وراء الإطاحة بالأنظمة الموالية للصهاينة وعلى رأسها نظام مبارك الذى يحن إليه النتن ياهو ، وأوباما يعلن :أنه قدم لأسرائيل ما لم يقدمه رئيس أمريكى سابق .
لم يتبق لنا إلا أن نعيد طرح مجموعة من الاسئلة.. لمصلحة من صعود الإسلاميين الى السلطة كبديل للأنظمة القمعية حليفة الكيان الصهيونى ؟ وهل بصعود الإسلاميين تكون امريكا قد تخلت نهائيا عن ذراعها الأيمن ( اسرائيل ) واستبداله بذراع آخر ( التيار الاسلامى ) ؟ أم ان الإسلاميين مجرد ورقة ضغط على الكيان الصهيونى لتأديبه وتهديده فقط واحداث توازن فى المنطقة بين العرب والكيان الصهيونى يعيد لامريكا هيمنتها على الطرفين ، وكوسيلة لمرورالانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة بما يضمن فوز اوباما لفترة رئاسية ثانية ؟ أم هى وسيلة لإعادة الثقة للشعوب العربية والاسلامية فى مصداقية امريكا ؟ أم أن الأمر أخطر من كل هذا ومخطط يدفع لمواجهة شاملة فى المنطقة بين التيار الاسلامى ككل وضد الغرب ككل ينتج عنه هيمنة الغرب على منطقة الشرق الاوسط بالكامل استعدادا لمواجهة اقتصادية مع الصين المارد القادم من الشرق ، ومحاولة من الغرب لإستعادة عافيته الاقتصادية بتنشيط تجارة السلاح فى حروب بعيدة عن الجغرافيا الاوربية الامريكية ( على أرض عربية ) ؟
على التيار الاسلامى المتصاعد فى المنطقة ان يتنبه لما يحاك له ، وان يرفض ان يكون أداة لتحقيق أهداف بعيدة كل البعد عن أهداف الثورات التى قامت فى تلك البلدان ، وأن يستفيدوا من تجربة افغانستان وهى ليست ببعيدة عندما أسُتخدموا كأداة لدحر السوفيت وتحرير افغانستان لتقع فى النهاية فريسة لقوات الناتو .
المصدر: الكاتبة المصرية وفاء اسماعيل
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد