أمعـَاءٌ مُتمَرِّدة
قصة قصيرة بقلم الأديب المصرى
أحمد عفيفى
من المجموعة القصصية
" كان يشبهه تماما"
سلّط بؤبؤ عينيه على الثقب الصغير لباب غرفة العمليات, عبثاً حاولت قدماه الثبات على سطح الدهليز الرخامى البارد, أقسم بكل الأديان انه شاهدَ بأم عينيه الفئران
وهى تلتهم حبّات اللّب مثلما يفعل بنو آدم!
تباً لك من أمعاءٍ غبيةٍ قاسية, لماذا تتمردين ثانية وتُصرين على الخروج من مكمنك
هكذا ؟, ألم يكفى تمردك وخروجك وعبثك هكذا قبل سبعة اشهرٍ؟, ولماذا اخترت بطن صغيرى الوديع دون كل البطون؟
*مازالت الاصابع المغلفة بقفازٍ مطاطىٍّ تدعبس وتنقب وتبدل محاولةً فض الاشتباك
بين الامعاء اللعينة العاقة التى تمردت على مكمنها وصعدت فوق بطن الصغير تمارس مجونها وبذاءتها !
*
* لفيفٌ من المعاطف البيضاء والزرقاء, وثلاث ساعات غير أليفة مرّت.. خرج كبير الجراحين شاتماً وموبخاً باسطاً بين كفّيه بضع حبّات اللّب السليمة!.. ثم خرجت عربة حديدية صغيرة عجلاتها الاربع تعمل بربع طاقتها .. فوق سطحها بقعٌ كبيرةُ من الدماء وبعض خصلات من شعرٍ هشٍ , ونتفٍ من القطن والشاش, وشبه جسدٍ صغيرٍ لونه أزرق!
*
*
*تزيّلت الموكب متحاشيةً وجهه وهو ينظر اليها فى شذرٍ وحنقٍ وضيقٍ, آخذاً ركناً من
الشرفة ,وكان يدخن بشراهةٍ
*فشلت كل التوسلات والعمليات ان تقنع الأمعاء الشيطانية بالتخلى عن عبثها وتمردها, وان تفتح ثغورها وممراتها للملاحة انقاذاً للصغير, وكأنها تنتقم من هؤلاء الجراحين الجزارين الذين دفسوها عُنوةً فى بطن الصغير وأغلقوا عليها بالأسلاك والدهانات !
*
*تسحّبت الى أذنيه تمتمات شقيقة زوجته - القرشانة- {والنبى ياختى ما له لزوم
التعب والمصاريف والابر وخلافه, الواد شكله خلصان, وكفاية لحد كده محدش بيموت ناقص عُمر}
تأجج صهريج رأسه, فكّر يدفعها من الشرفة الكائنة بالطابق العاشر ويقدم لزوجها هدية العُمر, لكنه تراجع كى يتفرغ للتبتل والدعاء
* نزيفٌ آخر من مؤخرة الصغير, صرخ بهستيرية فى وجه الجراح, استوعب الأخير الموقف , عاد للشرفه يُدخن فى شرود , فيما الشمس تسحب خيوطها ببطءٍ مائلة لغروب ذلك النهار الطويل.. انتبه ليد الممرضة تهُزُّ كتفه برفقٍ مُشيرةً ان يذهب الى سرير الصغير
فعل, رأى زوجته تُشير لمؤخرة الصغير وتبتسم, بدا الصغير يتبرز دون نزيف, وسرعان ما بدأ يتململ, ثم ينتفض منتصباً على ذراع امه, فاتحاً عينيه التى التهمت اكثر من نصف وجهه , هاتفا بصوتٍ مخنوقٍ: بااااابا باااابا, شهقت الانفاس المحتشدة, أخيراً.. امتثلت الأمعاء!!