المنهج التكنولوجي
التربية عملية مخططة ومقصودة ، تهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية مرغوبة تربويا واجتماعيا في سلوك المتعلم وتفكيره ووجدانه (زيتون ، 1994) . وقد ثبت لدى رجال التربية والتعليم أنه كلما أمكن إشراك أكثر من حاسة في دراسة فكرة ما كلما سرع في تعلمها واكتساب خبرات أوسع عنها ( الطيطي ، 1992) ، وقد ساهمت التقنية الحديثة بتوفير وسائل وأدوات تهدف إلى تطوير أساليب التعليم والتعلم، كما شجعت على استخدام طرائق تربوية مبتكرة ومتجددة من شأنها أن توفر المناخ التربوي الفعال، الذي يمكن المدرس من تحسين التحكم بنواتج التعلم ( Alir, 1987) .
وحتى يتمكن التعليم من تلبية احتياجات التنمية الشاملة، فإنه يواجه الكثير من التحديات ، لتخريج نوعية جديدة من المتعلمين القادرين على معرفة أنفسهم ومنهم الآخرين، وعلى مواجهة متطلبات العصر والمستقبل، والعيش في القرية العالمية دون أن ينفصلوا عن جذورهم، ودون أن يتعروا بالتمزق بين العولمة والبحث عن الجذور والانتماءات ، وأن يتمكنوا من المساهمة في إقامة عالم يكون العيش فيه أيسر وأكثر عدالة، لهذا فإن الأنظمة التعليمية مدعوة لتنمية الشخصية المتكاملة لجميع الأفراد دون استثناء ، وإكسابهم المهارات التي تمكنهم من تحقيق تعلمهم الذاتي مدى الحياة، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال بناء مناهج حديثة تتماشى وعصر العولمة والانفجار التكنولوجي والمعرفي المتسارع ( مرعي ، توفيق ؛ الحيلة، محمد ، 2004) .
وقبل عصر تكنولوجيا المعلومات، وكانت أسس بناء المناهج التربوية مقصورة على الأسس الفلسفية، الاجتماعية، الثقافية، المعرفية، النفسية، ولكن التقدم التكنولوجي الهائل يفرض إضافة أسس جديدة من أجل تصميم المناهج التربوية مثل : الأساس التكنولوجي، ويقصد به مراعاة الأسس التكنولوجية من حيث تصميم العناصر المكونة للمنهاج في ضوء تكنولوجيا التعليم وتنظيمه بصورة منهجية، وإدخال الروح التكنولوجية واختيار أهداف المنهاج، واختيار مضامينه المعرفية، والخبرات التعليمية التي يحتاجها المنهاج، وإدخال التكنولوجيا في عمليات تدريس المادة التعليمية للمنهاج وأخيرا إدخال التكنولوجيا في عمليات تقويم المناهج التربوية بكل أبعادها المختلفة، وبمعنى أخر إدخال التكنولوجيا في منظومة المنهاج التربوي والتي تمثل الأهداف، والمحتوى، وطرائق التدريس والتقويم، بحيث تندمج هذه العناصر معا لتشكل من المنهاج التربوي كيانا تعليميا أفضل وأفعل في تحقيق الأهداف التعليمية من المنهاج التربوي بصورة خاصة والعملية التعليمية التعلمية بصورة عامة(خوالدة، 2004).
وكلمة تقنية Technology كلمة إغريقية قديمة مشتقة من كلمتين هما Techne بمعنى مهارة، وكلمة Logos ومعناها دراسة، فكلمة تقنية إذن تعني تنظيم المهارة الفنية بحيث تصبح وظيفتها أكثر وضوحا. وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغة الانجليزية في بداية القرن التاسع عشر (أحمد ، 1987).
أما الوسائل التعليمية فهي قديمة قدم التاريخ وحديثة حداثة الساعة، ولقد مرت بعدة تسميات كان آخرها تقنيات التعليم كمصطلح أعم وأشمل من الوسائل التعليمية على اعتبار أن الوسائل التعليمية جزء من تقنيات التعليم ( السيد ، 1983).
وقد طور مفهوم تقنيات التعليم في العلم العربي ليقابل مصطلح تكنولوجيا التعليم Instructional Technology الذي شاع في العالم العربي ( الطيطي ، 1992) حيث أن تقنيات التعليم- وهي جزء من تقنيات التربية – تعتمد أساسا على مفهوم أن التعليم مجموعة فرعية من التربية ( أبو جابر ، 1992) ودرج مصطلح تقنية التعليم في معظم دول العالم المتقدمة وأصبحت الحكومات تدعم المربين في بلادهم لاستخدام تقنيات التعليم والاستفادة منها من أجل دعم المعرفة العلمية وطرق البحث العلمي ( السيد ، 1983).
ويعرف الشيخ (1983) تقنيات التربية أنهاء علم صناعة الإنسان ، تعنى بتصميم البيئات أو الظروف وفق المعرفة العلمية عن السلوك الانساني بغية بناء شخصيته وتكوينها التكوين النفسي الاجتماعي المستحب " . ويعرف براون وزملاؤه (Brown et al, 1984) تقنيات التعليم أنها" عملية ذات نطاق وثيق بتصميم المواد التعلمية – التعلمية ، وتخطيطها وتنفيذها وتقويمها في ضوء أهداف سلوكية محددة للإفادة من نتائج البحوث في جوانب المعرفة المختلفة واضعة الإمكانات البشرية كافة وغير البشرية للوصول إلى تعلم ذي معنى " ( الفرا، 1987) .
أما العابد (1985) فيعرف تقنيات التعليم أنها" عملية منهجية منظمة في تصميم عملية التعليم والتعلم وتنفيذها وتقويمها في ضوء أهداف محددة ، وتقوم أساسا على نتائج البحوث في مجالات المعرفة المختلفة ".
أما شرف الدين (1992) فيعرف تقنيات التربية" هي عملية شاملة ومتكاملة تشمل الأفراد والإجراءات والنظريات والأجهزة والتنظيم لتحليل المشاكل وتخطيط وتنفيذ وتقويم وإدارة الحلول لهذه المشاكل وتشمل مجالات التعليم الإنساني كافة ".
ويعرف أبو جابر (1992) تقنيات التعليم " عملية متكاملة معقدة وتشمل الأفراد والأساليب والأفكار والأدوات والتنظيم لتحليل المشكلات واستنباط الحلول لها وتنفيذها وتقويمها وإدارتها في مواقف يكون التعلم فيها هادفا وموجها ويمكن التحكم فيه".
أما جابر فيعرف تقنيات التعليم" إعداد المواد التعليمية والبرامج وتطبيق مبادئ التعلم وفيه يتم تشكيل السلوك على نحو قصري ومباشرة" ( سمة ، 1992).
وينظر بعض التربوين إلى استخدام التكنولوجيا في مجال التربية على أنه مجرد الاستعانة ببعض أنواع التكنولوجيا في التدريس مثل التدريس القائم على استخدام الكمبيوتر أو الحاسوب، أو التعليم المدار بواسطة الكمبيوتر أو التعليم عن طريق الحاسوب ، وأنواع التعلم الذاتي ، وأنظمة التعلم أو التعليم الفردي وغيرها.
ومثل هؤلاء لا يدركون أن التكنولوجيا التربوية لها استخدام أبعد من ذلك، حيث ينظر إليها بعض المربين على أنها عملية يراد بها تحليل المشكلات التعليمية والتفكير في إيجاد حلول مبتكرة لها، وذلك بعد تجريب تلك الحلول وتقويم فعاليتها في ضوء تحقيق الأهداف المحددة مسبقا ( سعادة ، 2001).
هذا وقد ظهر الاتجاه التكنولوجي في مجال المناهج مع ظهور حركة الاختبارات القائمة على الكفايات ، بالإضافة إلى حركة المسؤولية التي ترجع فشل المتعلمين في إنجاز الأهداف المرسومة لهم إلى المدرسة، وليس للمتعلمين أنفسهم .
ويتم تطبيق التكنولوجيا في مجال المنهج في اتجاهين :
أولهما : أنها تستخدم كخطة للاستعمال المنظم بالنسبة للرسائل والأدوات والمواد التعليمية، وتحقيق تتابع مبتكر في مجال التعليم يراعى فيه شروط التعلم التي أوضحتها المدارس السلوكية في علم النفس. ويظهر ذلك في التعلم بمساعدة الحاسوب ، وفي مداخل النظم التي تستخدم الأهداف السلوكية والمواد التعليمية المبرمجة والاختبارات مرجعية المحك التي تطبق بطريقة منظمة ،وذلك من أجل الوقوف على مدى نجاح المتعلم في إنجاز الأهداف المحددة له.
ثانيهما : أن التكنولوجيا تظهر من خلال النماذج والإجراءات التي تستخدم في بناء المنهج وتقويمه وتطويره من جانب ، وفي بناء النظم التعليمية وتقييمها وتطويرها من جانب آخر . إذ يمكن الاستفادة من أنواع التكنولوجيا الملائمة في تحديد أهداف المنهج وترتيب المواقف التعليمية التعلمية التي يتم تقديمها للمتعلمين. والوقوف على مدى استفادتهم من البرامج التعليمية في ضوء الاختبارت التي يتم استخدامها وإدارتها من خلال التكنولوجيا في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بعناصر العملية التعليمية، وتبويب تلك البيانات وتحليلها إحصائيا ، وتقديم التوصيات التي تفيد في عملية التغذية الراجعة من أجل تحسين المنهج وتطويره.
هذا وقد انصب اهتمام المدخل التكنولوجي في مجال المنهج للوهلة الأولى على كيفية التدريس بدلا من الاهتمام بمحتوى التدريس ، ثم تطور الأمر بعد ذلك ، حيث نظر أصحاب هذا الاتجاه إلى التكنولوجيا التربية في مجال المناهج على أنها وسائل كافية وفعالة بالنسبة لتحقيق الأهداف المحددة من جانب مخططي المنهج، بالإضافة إلى أنه يمكن تقديم الكثير بالنسبة لعمليتي التعليم والتعلم ( سعادة ، 2001).
ويمكن تعريف المنهج التكنولوجي على أنه مجموعة المواقف التعليمية التعلمية التي يستعان في تصميمها وتنفيذها وتقويم أثرها، بتكنولوجيا التربية ممثلة في الحاسوب التعليمي والكتب المبرمجة والحقائب التعليمية وسائر أنواع التعلم الذاتي من أجل تحقيق أهداف محددة بوضوح يمكن الوصول إليها وقياسها، ويستعان في ذلك بنتائج الأبحاث المتخصصة في هذا المجال.
وفي ظل هذا التعريف لا يتم النظر إلى التكنولوجيا التربوية على أنها مجرد مجموعة من الأجهزة والمعدات ، بل يتم تناولها بشكل جميع عناصر العملية التعليمية التعلمية من معلم ومتعلم، و رسالة أو محتوى تعليمي، وطرق تفاعل وأدوات تقويم وتطوير . ويعكس هذا المدخل في تعريف المنهج، العلاقة التفاعلية بين كل من الجانب البشري والجانب النظري والأجهزة والمعدات ، والبرامج والمواد التعليمية التعلمية، وذلك من أجل تحقيق مزيد من فعالية العملية التعليمية التعلمية.
ومهما كان نوع التربية المنشودة فإنها لا يمكن أن تؤتى ثمارها دون معلم قادر على استنهاض قدرات المتعلمين، ويساعدهم على الانطلاق نحو السبق في العالم الجديد، وغرس كل متميز من معطيات العصر، ومن هنا كان لا بد من إعداد هذا المعلم الإعداد المناسب الذي يتيح له فهم المتغيرات الجديدة في التربية والتكيف مع الدور الجديد المناط به. ولذا فقد أولت الدول اهتماما كبيرا بمعلميها تدريبا وتثقيفا بغرض رفع كفاءتهم وقدرتهم التدريسية. فكانت المناهج التكنولوجية جزءا أساسيا من المقررات الدراسية لإعداد المعلمين (غنيمة، 1996).
كما ظهرت العديد من البحوث والدراسات التي اهتمت بالكفايات التعليمية وتكنولوجيا التعليم، ولكن بشكل منفصل، وكانت تهدف في غالبها إلى إبراز ما لهاتين الحركتين من دور فعال في عمليتي التعليم والتعلم. في حين نادت بعض الدراسات بضرورة الاهتمام بكلتا الحركتين كمفهوم واحد، وهذا ما دعا إليه (Hunt,1977) بقوله: أنه إذا أريد للتقنيات أن تكون جزءا مهما في تعلم الفرد فيجب إجراء اختبار دقيق ليس فقط على استخدام الأجهزة والمصادر التعليمية بل اختبار الدور الذي يؤديه المعلم في غرفة الصف. ومن هنا جاء اهتمام العديد من التربويين في مجال الكفايات التكنولوجية (Heinich, Molenda, and Russel,1982) . وازدادت الأصوات المنادية باستخدام تكنولوجيا التعليم في النظام التربوي الحديث(المـر،1980).
وتعد تكنولوجيا التربية أحدث حقل في مجال البحث والتطبيق، كما تعد توجها جديدا نحو التعليم والتعلم، ونظرة وممارسة جديدة في الأنظمة التعليمية، ومهما كانت تكنولوجيا التربية ذات جدوى من الناحية العملية وتجديدية من الناحية النظرية تبقى إمكاناتها عقيمة إن لم يقم المعلمون باستيعابها وتطويرها وتطبيقها( الجميلي،1993).
ساحة النقاش