|
دور الأزهر فى أفريقيا وآسيا الإسلامية قائم وواقع، فهو الملاذ وهو الإسلامى الأول، والمرجع القائم بدور فى تكوين طلاب وعلماء وأئمة المستقبل، وأولئك يرونه كعبة العلوم الإسلامية. ولكن الإشكالية موضوع هذا الحديث هى دور الأزهر فى الغرب متوجهًا للمسلمين وغير المسلمين، أما توجهه للمسلمين فهو مرتبط بدرجة كبيرة بأطر وبشروط.. فالإسلام الغربى والأوروبى محكوم بسياق سياسى وثقافى عام، بل بأشكال الجاليات الإسلامية ومكوناتها وهيئاتها، ويتزاحم على أداء الدور كما رأينا تيارات وتوجهات إسلامية أخرى، من أهمها ارتباط هذه الجاليات وتلك المنظمات والهيئات بتوجهات وتيارات وسباقات آتية غالبًا من خارج الإسلام الفرنسى، تتبناها أكثر بلاد المسلمين فى غير أوروبا، وتهيمن عليه وتحاول توجيهه .
وتلك إحدى أهم معوقات تقدم مواطنى أوروبا المسلمين عمومًا والفرنسيين منهم على وجه الخصوص .
يبقى إذن دور الأزهر فى التواصل مع الغرب عمومًا ومع الفاتيكان، ثم مع الهيئات الدينية والعلمية، ودور البحث والجمعيات والهيئات الكثيرة الداعية للحوار فى أوروبا ومنها فرنسا .
كثيرة محاولات جامعة الأزهر خلال وفودها التى تساهم وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فى تشكيلها، وأسفارها المنظمة إلى عواصم أوروبا والغرب للقاءات علمية، ومؤتمر الحوار، ومحاولات تواصل حول مسائل أساسية توضح من خلالها موقف الأزهر، وصورة الإسلام الوسطى المعتدل، العلمى والموضوعى والعقلانى، والرافض للتطرف والعنف. ولكننا هنا ومن واقع تجربة فردية وجماعية ومعايشة عن قرب، وخلال حصيلة حياتنا للدراسة والتدريس، ومؤتمرات ولقاءات الحوار فى الفاتيكان وفى فرنسا وفى أوروبا، وبناء على تساؤلات وطلبات من كل هذه الهيئات، وبناء على سؤال محدد يواجهنا دائما: عندما تلتبس بعض الأمور، وتختلف التوجهات، ويتكاثف الضباب خلال كثير من الأحداث العالمية، وفوضى الخطاب الدينى وتناقضاته فى العالم الإسلامى وخارجه. نود دائمًا أن نسمع صوت الأزهر، متحدثًا باسم الإسلام والمسلمين، بوضعه المرجع التاريخى والعلمى المتفق عليه داخل العالم الإسلامى وخارجه، فأين هذا الصوت؟
ونحن نطرح فى الأزهر الجامعة، بما لها من ثقل كمى ونوعى، وبما لها من رصيد من الأطر العلمية التى تجمع بين الأصالة العميقة والحداثة المنضبطة، وبما فى هذه الأطر من أساتذة وعلماء درسوا فى أوروبا وخبروا ثقافتها وأديانها وحضاراتها، وبما خبروا وأتقنوا من لغاتها وفهم تراثها وفلسفاتها .
نطرح مشروع تكوين مركز بحث مخصص للحوار العلمى والفكرى مع الغرب وهيئاته.. مركز حوار واتصال، حوار وتواصل بالمعنى الأول والعميق للحوار، وأن ينتقل الأزهر وجامعته من مرحلة الاستجابة، إلى مرحلة المبادرة، ودعوة الغرب إلى لقاءات حوار بجامعة الأزهر ذاتها، بمركز الحوار، ويمكن تسميته «مركز بحوث ثقافة الحوار»، وأن يعلن الأزهر وجامعته بشكل عالمى رسمى عن وجود هذا المركز فى وسائل الإعلام، وأن يجتمع أعضاء هذا المركز من أهل الاختصاص اجتماعات دورية، وأن يشجع بحوث الحوار، وأن ينشر هذه البحوث العلمية فى صحف ودوريات ومجلدات تنشر بعدة لغات وتوزع فى العالم.. إن هذا المركز سيتمكن من اتخاذ مواقف، وإرسال ردود تجاه ما قد يجد من أحداث، ومن أسئلة وإشكاليات تخص الإسلام وفكره وعلومه .
إن هذا المشروع حتمى وضرورى، وهو أحد أهم وسائل مقاومة فوضى الخطاب الدينى، وتغلغل أطروحات الهواة من غير العلماء داخل العالم الإسلامى وخارجه، والتى تمول وتسلط فى محاولات يائسة لتهميش الدور الحقيقى والفعال والقادر للأزهر وجامعته ..
ونحن على يقين أن الغرب وأوروبا بمؤسساتها وجامعاتها ومراكز الحوار فيها التى يديرها مسلمون وغير مسلمين، ستجد فى ذلك فرصة رائعة للتواصل والحوار مع أكبر مصدر شرعى للإسلام وعلومه وبحوثه .
ومن الممكن أن يضم هذا المركز أعضاء وباحثين من المسلمين المتخصصين فى جامعات الغرب، ونراهم مستعدين للاستجابة .
وإنشاء هذا المركز لن يتعارض قط مع المحاولات الفردية والجماعية الأخرى القائمة والممكن قيامها، بل إن هذه ستفيد منه إن أرادت التزود بالمعرفة وبالشرعية والكفاءة .