تواجه مختلف المجتمعات في أيامنا هذه أزمة حقيقية وخانقة تظهر معالمها في ازدياد حوادث السير التي تودي بحياة العديد من الأشخاص ، يعود سببها الى احتساء الكحول والقيادة دون التنبه الى الخطر الذي يواجه السائق وكل من يرافقه. وقد أدت هذه الأزمة الى فقدان عدد كبير من شرائح المجتمع ، خصوصا الفئات الشابة ، وارتفاع في عدد الجرحى والمعوقين. وتظهر هذه الأزمة في لبنان بشكل واضح وخطير ، إذ يتعرض مئات الشباب اللبنانيين لحوادث سير مميتة جراء شرب الكحول ، والافتقار للحلول في ضبط السائقين الذين هم تحت تأثير الكحول يزيد من هذه الأزمة.

تكمن الخطورة في قيام بعض السائقين المخمورين بقيادة مركباتهم معتقدين أنهم بكامل وعيهم وأهليّتهم للقيادة، في حين يكونون واقعين تحت تأثير الكحول ويعانون صعوبة في التركيز وعدم وضوح في الرؤية. 
تكون التأثيرات الأولية للكحول على القيادة تأثيرات نفسية حيث تزداد ثقة السائق بنفسه كشعوره المبالَغ بالشجاعة والإقدام ، وتزداد حالته سوءاً بازدياد نسبة الكحول في دمه، فيقوم بتصرفات خطيرة تودي به وبغيره إلى الهلاك.

بينت الدراسات العلمية أن السائقين الذين يتناولون الكحول يتعرضون بشدة لمخاطر حوادث التصادم بالمقارنة مع من لم يتناولوا أي قدر من الكحول، وبيّنت كذلك أن هذه المخاطر تزداد زيادة مطردة بازدياد تركيز الكحول في الدم. وكانت هذه الدراسة بمثابة الأساس الذي ارتُكز عليه في تحديد الحد القانوني المسموح به من الكحول في الدم وفي هواء الزفير في العديد من بلدان العالم،

تأثير الكحول على شدة التصادم

أظهرت الأبحاث العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة الأميركية على المخاطر النسبية المميتة عند مستويات مختلفة لتركيز الكحول في الدم، أن كل زيادة قدرها 0,02 % في مستوى تركيز الكحول في الدم تُضاعِف خطر التعرض لتصادم مميت مرتين.
وتتفاوت مخاطر حدوث تصادم بحسب عمر السائق وعاداته في شرب الكحول. إن معدلات التصادم للسائقين الذكور من عمر 16-20 عاماً تزيد ثلاث مرات على الأقل على معدل وقوع التصادم المقدر للسائقين الذكور في عمر 25 عاماً فأكثر. كما أن الخطر النسبي للتعرض لإصابة مميتة في حادث تصادم لمركبة واحدة ينخفض بزيادة عمر السائق سواء أكان ذكراً أم أنثى، باستثناء حالات قليلة.

كما أن خطر تعرض السائقين من المراهقين للتصادم يزيد أكثر من خمسة أضعاف على خطر تعرض السائقين من عمر 30 عاما فأكثر. وبينت الدراسات ان السائقين من عمر 20 -30 عاما معرضون لمخاطر تزيد ثلاثة أضعاف على المخاطر التي يتعرض لها السائقون من عمر 30 وأكثر. وثبت أن السائقين من المراهقين الذين يصل تركيز الكحول في دمائهم إلى 0,03 غ/دل ويصطحبون معهم اثنين أو أكثر من الركاب، يتعرضون لمخاطر التصادم بنسبة تزيد 34 ضعفاً على مثيلتها في حالة السائقين من 30 عاماً فأكثر الذين تخلو دمائهم تماماً من أي تركيز للكحول ويحملون معهم في المركبة راكباً واحداً فقط.

وقد بين استعراض للدراسات الخاصة بدَور الكحول في تعريض المشاة لحوادث التصادم، أن 20-30% من الضحايا من المشاة كان تركيز الكحول في دمائهم يزيد على 0,15 غ/دل، وأن دور الكحول يتزايد في حالة الحوادث المميتة. 
إن أكثر أعضاء الجسم تأثُّراً بالكحول هو الدماغ لاحتوائه على كميّة كبيرة من الدم الذي يغذّي المراكز العصبيّة ، لذلك يتأثر العقل سلباً وبسرعة كبيرة بكميّة قليلة من الكحول.

أثناء القيادة، يرى محتسي الكحول الأشياء مزدوجة بسبب تأثر بؤبؤ العين، كما يجد صعوبة في تركيز النظر. ففي الحالات الطبيعية يَلزم البؤبؤ ثانية واحدة لينغلق في الضوء، و7 ثوان لينفتح في الظلام. أما تحت تأثير الكحول، فيستغرق الأمر مدة أطول من ذلك بكثير يكون السائق خلالها عديم الرؤية. فإذا ما علمنا أن المركبة تقطع مسافة 200 متراً تقريباً في 7 ثوان على سرعة 100 كلم\س، لأمكاننا تصور مدى الخطر الماثل على السائق الذي يكون خلالها كالمُغْمَض العينين..

كما يعتمد تركيز الكحول على كمية الطعام المرافق له، فشرب الكحول من دون تناول الطعام، يعطي تركيزاً عالياً في الدم وتأثيراً أقوى على العقل مقارنةً مع الشرب المصاحِب لوجبة دسمة.
وتعتمد هذه النسبة أيضاً على المدة التي جرى فيها الشرب، فالشخص الذي يتناول حوالي 18 سنتيليتراً (أي ما يعادل كأساً) من الكحول القوي خلال ساعة من الزمن، تتركز في دمه مباشرة نسبة عالية من الكحول، بينما لو تناول هذا الشخص نفس الكمية خلال 4 ساعات لانخفضت هذه النسبة بشكل ملحوظ.

مع مرور الساعات، يطرح الجسم الكحول ويخفّ تركيزه في الدم. إن 2 سنتيلتراً تقريباً من الكحول بنسبة تركيز وفي معظم البلدان النامية يقل الإدراك والإحتمال الفعلي لاكتشاف السائقين المتناولن كمية زائدة من الكحول حيث يرى أكثر من 80% من السائقين الذين تم تقصيهم أن فرصة إيقافهم من قِبَل الشرطة لاختبار تركيز الكحول في الدم شديدة الإنخفاض، في حين يوافق أكثر من 90% منهم عن أن تنفيذ القانون يمثل رادعاً فعالاً.  
%40 تحترق خلال ساعة في جسم إنسان سليم بوزن 70 كيلوغراماً. أما إذا تناول هذا الشخص كمية كبيرة من الكحول، أي ما يعادل 6 زجاجات من البيرة القوية، عندها يحتاج جسمه إلى فترة تتراوح ما بين 12 إلى 15 ساعة ليصبح خالياً من الكحول.

دلت البحوث على أن الاستراتيجية الوحيدة الفعالة لقمع مخالفات الإفراط في تناول الكحول والقيادة تتمثل في زيادة إدراك السائقين لمخاطر الإمساك بهم. ويُعتبر مثل هذا الإدراك رادعاً أكثر فعالية من قسوة العقوبة أو توقيعها فوراً. كما أن خطر تعرض السائقين من المراهقين للتصادم يزيد أكثر من خمسة أضعاف على خطر تعرض السائقين من عمر 30 عاماً فأكثر. وبينت الدراسات أن السائقين من عمر20-30 عاماً معرضون لمخاطر تزيد ثلاثة أضعاف على المخاطر التي يتعرض لها السائقون من عمر 30 عاماً فأكثر. تقوم البلدان المرتفعة الدخل منذ عدة عقود بتوثيق المعطيات المتعلقة بمعاقرة الكحول بوصفه من العوامل التي تعرِّض المشاة لمخاطر التصادمات. أما المشاة المتأثرون بالكحول فيمثلون مستوى من المخاطر أقل من مستوى مخاطر السائقين المخمورين الذين يشكلون مخاطر أشد لأنفسهم ولغيرهم.

المصدر: موقع ياسا
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 2234 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

46,258